العُقـاب .. الطائـر اللـذي لايعـرف المـوت
سيّد السماء أو ملك الطيور كما يقال ؛ و هما ضمن ألقاب عديدة لطائر كاسر من سباع الطير العتاق
يُعرف : ( بالعُقاب ) وهو من أشرفها . و عندما تقول العرب بالإطلاق ( سباع الطير) هكذا * إنما يعنون
به كل طير يأكل اللحم الخالص فيسمى حينئذ : ( سبع ) .
و السبع هو كل آكل هذه صفته - أي لا يأكلإلا اللحم فقط
وقد وضعوا هذه السباع الطائرة في نوعين هما :
الأول منها هي : العتاق الكريمة
و النوع الآخر هي : اللئام * لخسة طبعها .
أما العتاق الكريمة فهي : العُقاب* و الصقر* و الباز * والشاهين . وهي الأشهر .لأنها تأكل من كسب
مَنْسِرها ومخلبها * و تأنف أكل الجيف والميتة إلا إذا قُهرتْ عليها و شارفت على الهلاك .
و أما الخسيسة ، فأشهرها هي : النسور * و البوم * و الرخم * و الغربان .
والتي تعيش على الجيف و الميتة وتريكة غيرها من السباع .
و العقاب الذهبي على وجه الخصوص طائر باتع غشوم لا يهاب *
و متهور مندفع * إن بلغ به الجوع مبلغاً عظيماً لا يحتمله *
" وهو عندما يُحَلَّقُ في السماء ويُطرقها * لا يجرؤ طائر ذو جناح يرف على التحليق معه أو تحته "*
ولا يدبّ على الأرض دابٌ من صيد إلا هابه * و تفزع منه الوحوش جميعاً من ذئاب
وثعالب وضباع و أشباهها* فإن اصطادت لها شيئاً انتزعهُ منها وترك لها السلامة . و إن خلت في
فلاة دون صيد تقتاته لنفسها اصطادها هي .
وكان الملك امرؤ القيس شاهد على هذا * حينما رأى عقاب انكبت من سقف السماء على ذئب في فلاة
قاحلة – و الذئب الذئب ! - فأدركته بمخلبها فشقت جنبه وفجرت عروقه * فلجأ إلى جحر ليندس
فيه ويأمن به عنها ولكن :
ما أخطأته المنايا قيس أنملة .. ولا تَحرَّز إلا وهو مكروب ُ
وظل منجحراً منها يراقبها .. ويرقب العيش إن العيش محبوبُ
و يخطئ الكثيرون في عدم التفريق بينه وبين النسر * ذلك الطائر اللئيم ؛ حتى في التسمية .. لقلة المعرفة
و الخبرة وانقطاعهم إلى المدن و هجرهم للصحراء* وهو أمر متفشٍ جداً في غالب الأدبيات والمعارف
العربية الموجودة من حولنا اليوم .
و العُقاب لكبرياء في خلقته لا يرضى لأحد أن يشاركه فرائسه * و إن كان هذا الشريك عقاب مثله * نقيض
النسر .. الذي لا يصطاد لنفسه شيئاً أبداً * بل هو عالة على كل حر من سباع الطير و الحيوان * و رزقه
على ما يلفظونه له من فتات * وعلى كل مريضة يدركها الموت * أو يسقطها الجوع و الظمأ . رغم أنه
يفوق العُقاب بدرجات بيّنة * في قوة البدن * و عظم الحجم * وطول السنين . لكن الدناءة فيه قد
تغلغلت* ونخرت عصبه وقلبه وعظامه * للدرجة التي يعجز من الدنو إلى صيد كسير عاجز عن نفسه حتى
تزهق نفسه * ويسقط على الأرض جثة بلا حركة * وحينها .. يقترب على شك * وعلى ريبة * و على حذر !
ولهذا كان العُقاب أينما يممتَ ناظريك * أحد رموز البأس و الشجاعة عند الشعوب باختلاف ثقافاتهم*
و على مر العصور المتعاقبة في المعارف الإنسانية وآدابها . فتراه في أسماء الرجال و ألقابهم
و في شعارات الأحزاب والمنظمات * وأعلام الدول كالدول العربية * وعلى أسراب الطائرات و الكتائب
ورايات الجيوش وما إلى ذلك .
و العُقاب من الطيور التي يشق ترويضها * مالم يتداركُ هيثماً أي صغيراً غض الأطراف * و إلا فلا سبيل
إليه بعد أن يشب ويكبر * إلا في حالات لا يعول عليها . لغلبة طبع الجسارة و الاستيحاش عنده .
ويستلزم أمر ترويضه وتدريبه لأربع سنين متتالية في معظم الأحيان * لا يفتأ صاحبه ولا يكل عن العناية
به وتطويعه خلالها * حتى يملك أمره و يستحكم منه كل الاستحكام * وهو بعد ذلك لا يأتمر إلا لآمر
واحد فقط * هو صاحبه الذي رافقه خلال هذا العملية الصعبة .
وهذا ما حدا بالكثير إن لم يكن الجميع من قنّاصة شبه الجزيرة العربية * إلى عدم اقتنائه وتفضيل الصقر
عليه * لسهولة ترويضه و استجابته لأدنى مدرب وصائد كان ( قرناساً = وهو فرخ الصقر ) أو صقراً
تاماً كل التمام * وزيادة على هذا قبول هيئته المستحسنة عندهم * بخلاف العقاب ذو الهيئة
المستبشعة عند من لم يألفه و يتعوده .
برع المنغوليون و القرغيزيون كل البراعة في تطويع هذا الكاسر العنيد لحوائجهم * وهم قبائل جوالة
تقطع البقاع و المسافات الطويلة بحثاً عن العيش في أراضِ لا تحدها الحدود * وتقع مواطنهم في
الوسط و الوسط الشرقي من قارة آسيا أحد معاقل الزعيم التتري جنيكز خان .
يذكر أحدهم أنه يتكسب من عقابه قوت بيته * من صيد يأكله و آخر يبيعه ويستنفع منه
( ويقصد صيد الذئاب و الثعالب حيث ينتفعون من جلودها وعظامها )
وتعدى الأمر أن قرية بكاملها يسد حاجتها عقاب واحد يعيش أهلها كلهم من صيده! * وهذا إن تحقق
برهان ساطع على بتاعة هذا الطائر العظيم .
مما يذكر في العُقاب :
- يحرص على الابتعاد كثيراً عن أماكن تواجد البشر * وقد يضطر إلى مهاجمة الإنسان عندما
يتعرض للتهديد منه * وهذا نادر ما يحدث .
- وفاءه الكبير والعجيب لزوجه من حين وضع البيض إلى حين الوفاة .
- حدة بصره الشديدة التي تمكنه من رؤية طرائده من مسافات بعيدة جداً وقد ضرب له
العرب في ذلك الأمثال .
- قد يعمر العقاب لفترة طويلة تصل إلى الثلاثين سنة ! و أكثر .
* معلومة غريبه عن برقع الطيور !
ضمن أحد تقارير برنامج محطات الذي تبثه قناة العربية * ذكرت الفرنسية آن فريديجر
وهي معلمة موسيقى ومربية صقور أن الأوربيون قبل أن يتعلموا طريقة إلباس الطير البرقع
من العرب * كانت لديهم طريقة أخرى همجية لإغلاق عيني الصقر* وهي أنهم يقومون بخياطة
أجفان الطائر ! ثم نزعها مرة أخرى عندما يريدون أن يصطادوا طريدة ما * وهكذا في كل مرة .
ومن الطبيعي أن هذه الطيور لا تعيش طويلاً لأنها تقتل بذلك ! .
أما عن سبب برقعة الطير إجمالاً :
فمن أجل أن لا يؤذي نفسه حينما يربط * فغالباً هذا الوضعية تزعجه كثيراً فينتابه هيجان شديد
فيبدأ بتحريك جناحيه بعنف وربما يقتل بذلك نفسه ! * فإلباسه البرقع يمنح له شعوراً بأنه قد حل
الظلام فيسكن * لأن الطيور لا تطير ولا تصيد في الليل .
مـــع التحيــه والتقديـــر
////
///
//