عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2012, 12:29 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ابن البلد
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ابن البلد
إحصائية العضو






 

ابن البلد غير متواجد حالياً

 


افتراضي ابراهيم الطيب-قصة من الواقع
















نمضي سائرين في هذه الحياة بلا توقف ... لا نتوقف عند نقطة خلف ظهورنا ... لا نتوقف عن التعلم مهما بلغنا ... نقابل من يشكو الدنيا و من تشكوه ... ومن يشكرها و من تشكره ... نودع و نلاقي ... نحب و لا نكره ... نقرأ و نعمل و نمضي ... علنا ندرك ان الدنيا ليست نهر ماء سلسبيل محاط بجنان ورد ... علنا نفهم ان الطيبة اصبحت كالنجوم التي اخفتها الغيوم ... عالم يمضي بسرعة نعجز عن تخيلها ... و كأن عمرنا الماضي والحاضر و الات اضحى ضرب من الذكريات ... نسير على حدود العواطف مبتعدين نحو لا شيء ... دنيا غريبة مختله الموازين تدعي العدل و الانصاف ... ولكن هناك دائما امل يلوح بالافق ... يسند من يبحث عن الحياة بمعناها الرقيق العذب ... يجعلنا نشعر بوجود الاله ... نشعر بان الكون فسيح بلا نهاية ... و ابراهيم الطيب كان يدا من هذه الايد التي تلوح من بعيد

فقد كنت ذات يوم اهم لان اوصل عزيز الى المطار ... فقد كان قد جمع متعلقاته المهمة و اهمل الباقي ليعطيني اياه كوني باق بلا موعد لعودة او ليتركه ... قبيل ذلك كان قد اوصى ابراهيم - عامل المتجر القريب من بيته او بالاصح هو تحت ذلك البيت - بان يوفر له بعض التبغ فهو مفرط بالتدخين و يخشى ان لا يجد ضالته في وجهته الجديدة ... او انه يريد ان يخلق فارقا بالتعود حتى يتاقلم مع وضعه الجديد! لا اعلم؟

اعد نفسه ... و كأنه ذاهب للقاء حبيبة ... فقد ازدان باروع حلله كطبعه ... و كان يخفي خلف ملامح وجهه حزن وداع اعانه عليه امل لقاء في الجانب الاخر ... و كاني رايت ورودا من مشاعر تزهر لامعة في ليل الواقع ... اما انا فلم استطع ان افرح كعادتي عندما اقوم بايصال احدهم الى طريق عودة ... و بعد جولات من التفقد الحذر ... تاكدنا من انه لم ينسى شيئا مرارا و تكرارا ...و كما هي عادة الفراق ننسى!!!

اغلق بابه للمرة الاخيرة و كانه يودعه ... فاستبقته الى الاسفل ... لعله فعلا اراد توديع ابوابه ... فنحن دائما نغلق ابوابنا تاركين خلفها ذكريات وذكريات ... فخلف هذا الباب مرت ليال وحدة و لقاء و ترقب وامل و فرح و حزن و اشتياق وعشق و تعب ... و مرت ليال عادية لكنها تذكر ايضا فليس بالضرورة ان يكون ما نذكره مهما بقدر ما يحمل بين طياته من اجزاء ذاتنا التي تسير بخطاها على اطراف المشاعر

بعد لحظات ... و جدته قد نزل الى الاسفل و مر على ابراهيم و ساله عن التبغ ... و لكن ابراهيم كان في اوج ساعات عمله و لم يتمكن من احضار التبغ حتى تلك اللحظة ... فطلب منا الانتظار حتى يذهب ليحضره من المخزن ... و فعلا كان ما طلب ... الا انه تاخر لثلاث دقائق ... ثلاث دقائق فقط ... و كان المسافر في وله للرحيل ... فقرر ان يذهب تاركا التبغ وهنا ادركت ان التبغ ليس امرا مهما ... الا انه و مع تحرك السيارة الى الخلف سنتيمترات قليلة كان ابراهيم قد خرج من المخزن و لاحظ ذلك التحرك ... فبدأ بالنداء و الصراخ و الركض فاعتقدنا انه يريد ان يبيعنا ذلك التبغ اللعين الذي سيؤخرنا ... فتوقفنا قليلا فلا ضير من دقيقة اخرى

و عندما وصل ابراهيم ... كانت عيناه قد اغرورقت بالدمع
قائلا: هل تريد الرحيل دون ان تودعني و اودعك

يا الهي لقد توقف قلبي عن الخفقان حينها ... اخذت اتأمل بتقاسيم وجه ابراهيم الطيب بتمعن ... و كاني اريد ان احفظ هذه التقاسيم ... سكنت الدنيا و لم اعد اشعر بما يدور حولي ... فلم استطع الا ان اقبل ابراهيم الطيب رغم اني لا اودعه ... تاملت برحلة حياتي فلم يصادفني اشخاص كثر كابراهيم الطيب ... تمنيت لو ان كل البشر ابراهيم الطيب ... تمنيت لو انني استطيع ان اخبره بانه من انقى من قابلت بحياتي ... حبست دموعي في محاجر عيني و بحثت عن نفسي فوجدتها قد تركتني و سارت بفاصل من الوقت ... و لم اعد اشعر بمن حولي و كنا ثلاثة ... ركبنا سيارتنا متوجهين للمطار انا و معي اثنين ... بدأوا بالحديث و انا لا اسمعهم فكلما تم توجيه الحديث الي ... ارد: بان ابراهيم طيب ... فيعود الحديث بالتوجه الي ... فاقول: ان هذا الشخص يجب ان يحترم مدى الحياة ... و هكذا و انا ارد بان ابراهيم نادر الوجود في هذه الدنيا ... كدت ان اعود مرات عديدة الا انني لم ارد لاحد ان يشهد عودتي ... و كلما تغير الموضوع رددت بان ابراهيم طيب

ماذا جرى ... هل ان الطيبة اصبحت نادرة في هذا الزمن الى حد البكاء عند و جودها ... و هل اننا لا نقدر الشخص الطيب لانه شخص بسيط ... لم اكن انظر لابراهيم الطيب بهذه النظرة من قبل ... مع انني كنت احبه و لا اعلم لماذا؟ لماذا ظننا ان ابراهيم ذهب الى المخزن راكضا ... لانه يريد ان يكسب شيئا من بيع التبغ مع اننا نعلم تمام العلم بانه موظف لا حسب ... لماذا لم نفكر ان ابراهيم كان يركض ليقدم اخر خدمة يستطيع ان يقدمها لشخص يحبه ... لماذا نظلم الطيبين؟

قطعت على نفسي عهدا باني لم افرط بابراهيم الطيب ...سابقى على اتصال بهذه العملة النادرة ... سيكون ملاذي كلما شعرت بان قسوة الدنيا تسيطر علي ... لم افعل شيئا سوى الذهاب الى متجر ابراهيم الطيب لاشتري منه شيئا لا اريده ... فقط لاراه و اشعر ان الدنيا ما زالت بخير ... لن اشكو له فمن هم بطيبته يجب ان لا ننغص عليهم حياتهم ... يكفي ان نشعر بوجودهم ليمدونا بالقوة على مواجهة دنيا الكذب و النفاق ... و يا حبذا لو بحثنا داخل دواخلنا عن ابراهيم الطيب لعل الدنيا تستقيم



الدمام - 25-8-2010







رد مع اقتباس