عرض مشاركة واحدة
قديم 05-31-2012, 01:44 AM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
م .نبيل زبن
المؤسس
 
الصورة الرمزية م .نبيل زبن
إحصائية العضو







 

م .نبيل زبن غير متواجد حالياً

 


افتراضي


8- الشهيد فتحي الشقاقي



ولد الشهيد فتحي الشقاقي في مخيم رفح للاجئين عام 1951، وفقد أمه وهو في الخامسة عشرة من عمره، وكان أكبر اخوته، درس في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية وتخرج من دائرة الرياضيات وعمل لاحقاً في سلك التدريس بالقدس في المدرسة النظامية ثم جامعة الزقازيق، وعاد إلى الأراضي المحتلة ليعمل طبيباً في مشفى المطلع بالقدس وبعد ذلك عمل طبيباً في قطاع غزة. وفي مصر تأثر بفكر الإخوان المسلمين، ثم تأثر بالثورة الإيرانية منذ بدايتها، وكان أبرز الفلسطينيين الذين دعوا إلى تبنيها كنموذج، حيث ألف كتاباً أسماه " الخميني.. الحل الإسلامي والبديل ". اعتقل في عــام 1979 فـي مصر بسبب تأليفه لهذا الكتاب. اعتقل في فلسطين أكثر مـن مرة عام 1983 و1986 ثم أبعد في أغسطس 1988 إلى لبنان بعد اندلاع الانتفاضة في فلسطين واتهامه بدورٍ رئيس فيـهـا.. ومنذ ذاك الوقت كان يتنقل في بعـض عواصم البلدان العربية والإسلامية .



كان فتحي الشقاقي قبل العام 1967 ذا ميول ناصرية، ولكن هزيمة العام 1967، أثرت تأثيراً بارزاً على توجهات، حيث قام بالإنخراط في سنة 1968 بالحركة الإسلامية إلا أنه اختلف مع الاخوان المسلمين، وبرز هذا الخلاف بعد سفره لدراسة الطب في مصر عام 1974 م فأسس ومجموعة من أصدقائه حركة الجهاد الإسلامي أواخر السبعينيات. اعتقل الشهيد المعلم في مصر في 1979 بسبب تأليفه لكتابه «الخميني، الحل الاسلمي والبديل»، ثم أعيد اعتقاله في 20/7/1979 بسجن القلعة على خلفية نشاطه السياسي والإسلامي لمدة أربعة أشهر. غادر الشهيد المعلم مصر إلى فلسطين في 1/11/1981 سراً بعد أن كان مطلوباً لقوى الأمن المصرية.

قاد بعدها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وسجن في غزة عام 1983 لمدة 11 شهراً، ثم أعيد اعتقاله مرة أخرى عام 1986 وحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة 4 سنوات و5 سنوات مع وقف التنفيذ: له بأنشطة عسكرية والتحريض ضد الاحتلال الصهيوني ونقل أسلحة إلى القطاع" وقبل أنقضاء فترة سجنه قامت السلطات العسكرية الإسرائيلية بإبعاد من السجن مباشرة إلى خارج فلسطين بتاريخ 1 أغسطس (آب) 1988 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية. تنقل بعدها الشهيد المعلم فتحي الشقاقي بين العواصم العربية والإسلامية لمواصلة جهاده ضد الاحتلال الصهيوني إلى أن إغتالته أجهزة الموساد الصهيوني في مالطا يوم الخميس26/10/1995 وهو في طريق عودته من ليبيا إلى دمشق بعد جهود قام بها لدى العقيد القذافي بخصوص الأوضاع الفلسطينية على الحدود المصرية.

ويعد فتحي الشقاقي أحد أبرز رموز التيار المستنير داخل الحركة الإسلامية لما يتمتع به من ثقافة موسوعية، واستيعاب عقلاني لمشكلات الحركات الإسلامية وقضاياها في العالم العربي والإسلامي. كما يعتبر مجدد الحركة الإسلامية الفلسطينية وباعثها في اتجاه الاهتمام بالعمل الوطني الفلسطيني، وإعادة تواصلها مع القضية الفلسطينية عبر القتال المسلح، فدخلت بذلك طرفاً رئيسياً ضمن قوى الاجماع الوطني الفلسطيني بعد طول غياب.



كان الشهيد المناضل د. فتحي الشقاقي – بشهادة كل من عرفه مثالاً للمثقف الثوري العربي الإسلامي المستنير، فقد حرص منذ اللحظة التي أدرك فيها مسئوليته ودوره المتميز، على بناء رؤيته وأفكاره بصورة تدرجية نقلته من إيمانه العفوي بالناصرية إلى إيمانه الواعي بحركة ومبادئ الإخوان المسلمين، ثم إلى وعيه العميق في حركة الجهاد التي ساهم في تأسيسها وناضل من أجل أهدافها، وقدم لها عبر مسيرته كل جهد ممكن على صعيد الفكر والممارسة النضالية، وكان في كل مساره ومسيرته مستنداً على تلك الرؤى والأفكار التي كانت ولم تزل ملهمة لكل المناضلين في حركة الجهاد، عبر الكفاح المسلح أو غيره من أساليب النضال الثوري والسياسي والجماهيري في تحقيق الأهداف الوطنية والقومية التي توحدت وانصهرت عند القائد الشهيد برسالة الإسلام عموماً وبكل ما هو مشرق ومستنير في تاريخنا وتراثنا الحضاري العربي الإسلامي الذي لم يتوقف عنده الشهيد القائد المفكر د. فتحي، بل اجتهد وقدم باقة من الأفكار التي استهدف من وراءها ربط ذلك التراث بكل عناصره الايجابية مع منطلقات وضرورات النضال الوطني في الساحة الفلسطينية ومحيطها العربي والإسلامي ضد العدو الرئيسي، التحالف الامبريالي الصهيوني، فكانت حركة الجهاد تتويجاً خلاقاً لتلك الأفكار من جهة، ولسلوك وممارسات القائد الشهيد من جهة ثانية، وهي أفكار وممارسات انطلقت من قناعاته، بحتمية النضال ضد المشروع الصهيوني في فلسطين العربية، في إطاره القومي والإسلامي دون أي تزمت او تعصب منغلق، فقد أكد في مناظرة له مع المفكر د. طيب تيزيني في دمشق، قبل استشهاده ببضعة أشهر، ان "المشروع الصهيوني يمكن ان يهزم حين ينتصر المشروع العربي" لكنه – كما يقول د. تيزيني – كان يلح على ان انتصار هذا المشروع العربي، لا يمكن ان يتم بعيداً عن تلاحم القوى العربية الناهضة بكل تياراتها الوطنية والقومية والدينية المستنيرة، حيث أنه كان يرفض التعاطي مع مفهوم الأصولية لما تضمنته من التزام حرفي بالنصوص.

هذه الرؤية الموضوعية عند الشهيد فتحي الشقاقي لا تجسد موقفاً معرفياً تنويرياً فحسب، بل تجسد أيضاً موقفاً سياسياً يرى في الحوار الفكري والسياسي بين كافة القوى أساساً وحيداً لحسم الخلاف بعيداً عن كل أشكال العنف والصراع عبر طموحه في بلورة إطار شديد الاتساع ينضوي فيه كل المناضلين ضد المشروع الصهيوني بوصفه مشروعاً امبريالياً بالدرجة الأولى، كهدف مركزي من أجل تحرير الأرض والإنسان بغض النظر عن تعددية الأيدلوجيات أو المذاهب التي يتوجب أن تُسخَّر جميعها في خدمة ذلك الهدف. ومن هذا المنطلق لم يكن لديه ما يمنع حركة الجهاد من التعاون والتنسيق مع كافة القوى المعادية للامبريالية والصهيونية سواء كانت قومية او ماركسية (م2 ص – 729)، فما أحوجنا اليوم لمثل تلك الرؤية والممارسة الديمقراطية العقلانية النافية للهيمنة والتفرد التي جسدها وضحى من أجلها فتحي الشقاقي الذي كان واضحاً في تحليله لنظام التجزئة العربي بمثل وضوح موقفه من الليبراليين والبرجوازيين الطفيليين والنظام الرأسمالي، (ص 1055)، إن هذه الأفكار التي شكلت وعي وممارسة القائد الشقاقي، التي استطاع بهديها أن يتقاطع ويتحاور مع الجميع، بحيث لا يمكن حصره في إطار أيدلوجي أحادي المنطلق، لأنه استطاع أن يجمع ويراكم عبر كل مسيرته النضالية مواقف ومنطلقات توحيدية عبر الأهداف الوطنية المشتركة بين كافة القوى الوطنية والإسلامية بكل تنويعاتها وتعدديتها بأسلوب حضاري ديمقراطي جسد الثقة المعرفية والذاتية العالية بالنفس التي ميزته في حياته، بمثل ما ميزت ممارسات أبنائه وإخوانه في قيادة وكادر وكل مناضلي حركة الجهاد التي نحتفل معها اليوم بالذكرى الثانية عشرة لاستشهاده.

ففي سنوات عمره الأخيرة كان انفتاح الشهيد د. فتحي على الأفكار والتيارات العربية القومية واليسارية أكبر من ذي قبل، وكانت نظرته تتطور باتجاه العمل الجبهوي، يؤكد على ذلك مساهماته الفكرية والسياسية في العديد من المحافل الفكرية والثقافية، فقد كان عضواً مؤسساً في ملتقى الحوار العربي الثوري الديمقراطي – طرابلس، والمؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي العربي الإسلامي – بيروت، والمؤتمر الشعبي العربي – الإسلامي بالخرطوم، ولم يكن مستغرباً في ضوء وعيه المستنير وموضوعيته وانفتاحه أن يكون صديقاً لعدد من الكتاب والمفكرين اليساريين، أذكر منهم: د. الطيب تيزيني، ود. يوسف سلامة، ود. أحمد برقاوي، وأ. عبد القادر ياسين، باختصار كان عروبياً مسلماً وديمقراطياً ومن أقواله "أن الالتزام بالديمقراطية يعني مزيداً من الالتزام بفلسطين"، وعلى هذا الأساس طالب كافة التيارات العربية والديمقراطية والإسلامية ان تؤكد التزامها بان الصراع مع العدو الخارجي له الأولوية المطلقة، وان الاختلافات الداخلية السياسية والأيدلوجية تحل بالحوار بعيداً عن أي شكل من أشكال العنف... هذا هو الدرس، وتلك هي العبرة التي نستخلصها من تراث القائد الشهيد، خاصة في ظروف التخلف والتبعية السائدة اليوم في كل بلداننا العربية، والتي قد توفر او تتيح فرصة للإسلام السياسي لكي يصبح عنواناً أولياً في هذا البلد أو ذاك، فإن الاسترشاد بعقلانية واعتدال واستنارة الشهيد القائد فتحي الشقاقي الذي كان مثالاً للمثقف المنفتح على الأفكار والأحزاب والفصائل المخالفة له في الايدولوجيا طالما أنها لا تفرط في ثوابت القضية، علاوة على سيرته ومسيرته التي تشهد على حرصه – وبوعي عميق- على احترام التعددية وحرية الاختلاف واحترام الآخر، لكي تكون كل هذه القيم ضرورة واجبة على كافة الأطر والتيارات الإسلامية سواء كانت في الحكم او خارجه.

اقفه.







رد مع اقتباس