عرض مشاركة واحدة
قديم 04-16-2011, 04:28 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
م .نبيل زبن
المؤسس
 
الصورة الرمزية م .نبيل زبن
إحصائية العضو







 

م .نبيل زبن غير متواجد حالياً

 


افتراضي


(( الحـرب النفسـية ))



1- كانت الحرب بمفهومها العسكري التقليدي إحدى أهم الوسائل المتاحة لفض الصراعات القائمة وفرض الإرادات، حتى وقت قريب تدخلت فيه بعض المتغيرات التي أثرت على اتجاهات السياسة في الاعتماد المطلق على الحرب المباشرة، أو الصدام المسلح كعامل فاعل لتأمين غاياتها، ومن بين تلك المتغيرات :

آ) ظهور الأسلحة المتطورة لدى العديد من الدول أدخل العالم حقبة الإستراتيجيات الشاملة بشكل أصبحت فيه احتمالات الحرب التقليدية كوسيلة من وسائل إدارة الصراع قليلة الاحتمال إلا في حدود ضيقة، لأن الاستخدام العام لتلك الأسلحة لا يسمح بخروج منتصرين في حرب سيحل الدمار بجميع أطرافها.

ب) على الرغم من مقدرة الجيوش الحديثة وضخامة الأسلحة التي بحوزتها وقدرتها على التحشد والإسناد الإداري فإنها أصبحت شبه عاجزة لوحدها عن تحقيق الحسم العسكري بشكله الاعتيادي رغـم تفوقها على خصم أصبح ونتيجة للتطور يتمتع بفرص جيدة للمناورة وإمكانات عالية في استجلاب الدعم والإسناد وحرية معقولة لتأمين الاتصال بمستويات زادت من فرص مقاومته.

ج) التطور الكبير الذي طرأ على وسائل الاتصال ونقل المعلومات جعل عالم اليوم صغيرا للحد الذي يستطيع فيه المرء أن يرى أحداثاً تقع في مختلف أنحائه لحظة وقوعها وهو جالس في بيته مما جعل هذه الوسائل ذات تأثير كبير على تشكيل الآراء والتوجهات والقناعات يمكن استثماره وبأقل ما يمكن من الخسائر.

2- إن المعطيات أعلاه أثرت على رؤية القوى المتنفذة في العالم (أمريكا والغرب) على وجه الخصوص، ودفعتهما إلى التفكير بوسائل جديدة قادرة على إحداث فعل التأثير على تشكيل الآراء والقناعات المناسبة، وتكوين الاستجابات المطلوبة، تتوافق في واقع الحال ومساعيهما الحثيثة لتسيير واستغلال الشعوب الأخرى بطرق مقبولة لا تثير احتمالات المقاومة كما يحدث عادة في التعامل مع الأساليب القديمة المتمثلة بالحرب التقليدية، وبكلفة أقل بالمقارنة مع الكلف الباهظة للحروب التقليدية، وسعة تدمير أقل بالمقارنة مع تلك الحروب.

ولذا فقد بات التعامل على المستوى النفسي يحتل الحيز الأكبر بين الأسلحة المستخدمة في النظام الدولي الجديد للتأثير على وعي المستهدفين، أخذت فيه الحرب النفسية إطارا أكثر شمولية وأصبح فيه الإعلام أحد أدواتها المعروفة، وبات مفهومها الدقيق : استخدام المعطيات النفسية السرية والعلنية لإيجاد القناعات والآراء والاتجاهات التي تسهل تأمين المصالح وتعين على إدارة وتحليل الصراع.

لكن الحرب النفسية مفهوم لم ترتبط نشأته بتطور تقنيات الإعلام ولا بشيوع تطبيقات النظام الدولي الجديد بل ويعود إلى الحروب، عندما أدرك بعض القادة العسكريين أن جنودهم يقاتلون قتالا شرسا تارة، ويتبلدون حد الجبن تارة أخرى، وكذلك جنود العدو الذين يستبسلون في الدفاع عن مواضعهم تارة، وينسحبون متقهقرين تارة أخرى حتى عزوا ذلك التناقض الانفعالي إلى العامل النفسي وتوجهوا إلى المختصين لدراسته وتطوير وسائل تقويته عندهم، وإضعافه عند خصومهم، فكانت إجراءاتهم العملية في هذا المجال شملت العديد من الوسائل والأدوات وضعت تحت عنوان الحرب النفسية التي عُرِفَت ما بعد الحرب العالمية الثانية بالاستخدام المخطط من جانب الدولة في وقت الحرب أو في وقت الطوارئ لإجراءات عاتية بقصد التأثير على أراء وعواطف وسلوك جماعات أجنبية عدائية أو محايدة أو صديقة بطريقة تعبر عن تحقيق سياسة الدولة وأهدافها.

وعرفت بعد ذلك بقليل بأنها حملة شاملة تستعمل كل الأدوات المتوفرة وكل الأجهزة للتأثير في عقول جماعة محددة بهدف تدمير مواقف معينة، وإحلال مواقف أخرى تؤدي إلى سلوكية تتفق مع مصالح الطرف الذي يشن هذه الحملة (6).

لكن تلك التعريفات قد تغيرت مع تطورات الأحداث والتقنية والنضج الفكري في مجالها لتكون الاستخدام المنظم لمعطيات علم النفس التطبيقية في تحليل وإدارة الصراع كما ورد في الفقرة (2) أعلاه.

3- إن التصور المذكور للحرب النفسية واعتمادها في تحليل وإدارة الصراع أعطاها أهمية بالغة ودفع العالم الغربي وأمريكا (القطب الواحد) في النظام الدولي الجديد على وجه الخصوص، إلى استخدامها سلاح كأحد أفضل الأسلحة المؤثرة لاعتبارات أهمها :

آ) إنه سلاح غير مباشر يعتمد على المعرفة النفسية وتطبيقاتها في التعامل مع الوعي الإنساني تلك المعرفة التي قطعت فيها تلك الدول أشواطاً بعيدة المدى وتمرست في استخداماتها بمستوى يحقق لها التفوق المطلوب في العديد من بقاع العالم.

ب) إن أمريكا في النظام العالمي الجديد امتلكت السلطات التشريعية والتنفيذية العالمية معاً وبموجبها حرمت على سبيل المثال التشويش على الإذاعات المرئية والمسموعة ومنعت الرقابة على المطبوعات والرقائق السينمائية وبقية وسائل الاتصال، وغيرها من ضوابط وقوانين مهدت لفتح الأبواب على مصاريعها أمام أسلحتهم النفسية دون أية مقاومة أو بقليل منها في أحسن الأحوال.

ج) إن الابتعاد جهد الإمكان عن التدخل المباشر باستخدام الجيوش التي ارتبطت حركتها بالاستعمار التقليدي المقيت أمر يحتاجه أولئك المعنيون في الوقت الحاضر لتجميل صورتهم التي تشوهت في اكثر من مكان على الكرة الأرضية، إلا أن هذا الاتجاه يعني تقييد لحركتهم وخسارة لمصالحهم الآنية والمستقبليـة لا يمكن قبوله تماماً، وكتعويض لذلك فسح المجال واسعاً لاستخدام السلاح النفسي الذي يلبي الطموحات دون أية مشاكل جانبية.

د) أمريكا والدول المتنفذة الأخرى هي دول رأسمالية يدير معظم مفاصل القرار فيها أصحاب رؤوس الأموال وفق نظام يضع في الحسبان الكلف المادية ومؤشرات الربح والخسارة لكل الفعاليات وبينها العسكرية، وبمقارنة بسيطة بين ما تتطلبه الحرب التقليدية أو النووية من مصاريف ضخمة، وما تحتاجه الحرب النفسية من أموال وجهود معقولة نجد أن ميزان المفاضلة تميل كفته لصالح الأخيرة وبفارق كبير جداً.

هـ) يمتاز السلاح النفسي عن غيره من الأسلحة التقليدية كون إجراءاته متعددة ومتغيرة تتلون باستمرار تبعا للظروف، والمواقف، كذلك يتوجه إلى أهداف ليست معلنة واتجاهاته على وجه العموم غير مباشرة. وسلاح بهذه الخصائص يكتسب قوة التأثير غير المباشرة دون مقاومة المستهدفين أو ممانعة من قبل المجاورين في المنطقة.

و) إن اللجوء إلى استخدام الجيوش في الحروب عبر كل الأزمنة يتمحور حول فرض إرادة أحد أطراف الصراع بالقوة عندما تعجز الوسائل الأخرى عن فرضها. وهذه نتائج لا يدوم أمدها طويلا لأنها وبقدر قوة الصدمة وقسوة الشروط التي يفرضها المنتصر ستخلق مشاعر للعدوان ويتشكل سلوك للمقاومة عند مواطني الطرف المقابل يدفعهم إلى تكثيف جهودهم لإزالة تلك النتائج بأسرع ما يمكن. أما السلاح النفسي الذي لا يتوقف تأثيره عند حالة معينة يمتاز بالاستمرارية وبسهولة التكرار والمرونة فـي اختيار الوقت والوسيلة، والمناورة بالجهد المتيسر، وهي مبادئ توفر له فرصاً جيدة لإدامة زخم التأثير بدرجات أشد وفترات زمنية أطول.

ز) تمثل الحرب الاعتيادية مواجهة ساخنة بين أطراف الصراع يتلقى العسكريون فيها قوة الصدمة التي قد تمتد آثارها إلى المدنيين في العمق الاستراتيجي تبعا لشدتها واتساع رقعتها ( شموليتها ) وخلالها يحتفظ القادة المعنيون أحياناً بجهود تحمي المدنيين أو تقلل من تأثيراتها عليهم جهد الإمكان. بينما تختفي الحدود والفواصل في استخدامات السلاح النفسي ( إلا إذا أريد له ذلك ) وساحته على وجه العموم شاملة لكل المجتمع المستهدف. وبمعنى آخر إن تأثيراته السلبية لا تقتصر على جبهة القتال، والعبء الأكبر فيها لا يقع على العسكريين بمفردهم، وهو ما تسعى أطراف الصراع إلى تحقيقه في الوقت الحاضر.

ح) إن سياقات تطبيق الحرب النفسية في كثير من الأحيان تعتمد على التعامل مع ميول الإنسان وحاجاته ورغباته ومن ثم غرائزه بأساليب إشباع مرغوب، أو تجنب منفر، وهي معطيات تستهوي في معظمها المتلقين وتمهد الطريق أمام السلاح النفسي للوصول إلى الهدف المطلوب في الزمان والمكان المحددين.

4- والحرب النفسية على وفق ما ورد أعلاه : عمل لا يتعلق إنجازه بالمؤسسة العسكرية فقط، لأن استخدام الجيش أو القوة العسكرية كان وما زال بيد الساسة بقصد فرض الإرادات وخلق القناعات " لصالح المنتصر " أو تحوير أخرى بالاتجاه الذي يريده المنتصر، وبالتالي أصبح الجيش وفعله أثناء الحرب وقبلها أو بعدها إحدى أدوات الحرب النفسية. وهو كذلك لا يقتصر فعله على الدبلوماسية فقط، في ممارسة الضغط والعزل وقطع العلاقات، ولا على الاقتصاد والتجارة وعمليات التجسس والاستخبارات فحسب، بل على كل جهد مدني أو عسكري الطابع، أو اقتصادي أو اجتماعي أو معلوماتي يمكن استثماره في تحليل وإدارة الصراع :

آ) فإن كان أحد الأطراف في أحد كفتي الصراع على سبيل المثال يمتلك القدرة العسكرية الجيدة فقد يستخدمها أو يلوح باستخدامها ضد خصمه لخلق قناعات أو قبول واقع جديد، والقناعة والقبول مسألة نفسية.

ب) وإن كان الاقتصاد هو الأقوى في جعبته فإنه سيلجأ إلى استخدامه على شكل عقود خاصة، ومنع تصدير وحصار وغيرها لتكوين تصورات وأفكار، والأفكار والتصورات مسألة نفسية.

ج) وإن امتلك وسائل الاتصال وتقنية المعلومات، فسيبادر إلى استخدامها للتأثير في تكوين الاتجاهات والميول والرغبات، وهذه هي الأخرى معالم نفسية.

5- عليه أصبحت معظم الإجراءات التي يقوم بها الطرف المعني لإدارة صراعه مع الطرف المقابل ذات أبعاد نفسية ، ومن خلالها يمكننا القول : إن الحرب النفسية على وفق مفهومها الحالي في تحليل وإدارة الصراع، يحاول القائمون عليها استثمار معطياتها في أكثر من اتجاه، بينها :

آ) يلجأ من خلالها كل طرف من أطراف الصراع لأن يُثبت في عقل الطرف الآخر نقاط قوامها الأفكار، والمفاهيم، والتصورات التي تدفعه للقيام بفعل معين، أو تجنب القيام بآخر.

ب) وفيها يسعى كل طرف أن يهزم عدوه عمليا أو عقليا، وإن وجد نفسه غير قادر على ذلك يتحول بجهوده صوب التقليل من عدوانيته، أو تحييده.

ج) وفيها أيضا يسعى كل طرف إلى جعل المحايدين في دائرة صراعه أصدقاء له لتفادي نتائج تحولهم إلى الكفة الأخرى مستقبلا، وكذلك يسعى لزيادة أواصر العلاقة مع أصدقائه، لجلبهم إلى صفه دعما لكفته في الصراع مع الآخرين.

وهكذا تبقى الحرب النفسية عملية مستمرة دائمة، لا تقتصر على الحروب والأزمات، ولا على الأزمنة والأوقات، وبات هذا التصور الأكثر ملائمة لفهمها في وقتنا الراهن(7).

6- وعموما فإن الحرب النفسية عمل شامل يتم تحقيقه بأساليب متعددة متنوعة من بينها :

آ - المباشرة:

أولا: النشاط الدبلوماسي: اتفاقيات، أحلاف، تدخل في شؤون الآخرين، تكتلات،عزل.. الخ

ثانيا: العمل العسكري: الهجمات الشاملة، الضربات الإجهاضية، مناوشات حدودية، استعراضات عسكرية، قصف أهداف استراتيجية، احتلال مناطق حيوية، أو التهديد به ـ أي العمل العسكري.

ثالثا: الجهود الاقتصادية: حصار، مقاطعة، تضخم، إلغاء اتفاقيات، تزوير عملة، قروض، مساعدات، خطابات ضمان … الخ.

ب- غير المباشرة ( النفسية ): السرية منها والعلنية، التي تشمل:

أولا: الأنشطة الإعلامية لأغراض التحوير الفكري والخرق القيمي وتغيير الميول والاتجاهات.

ثانيا: العمليات الاستخبارية للتسميم السياسي والتعزيز المعلوماتي، وإثارة المخاوف والفتن والاضطرابات.

ثالثا: استعراض القوة وشراء الذمم والتآمر والتجهيل والتخريب النفسي والقيمي، والتلاعب بالآمال والطموحات واستغلال المشاعر الإنسانية وغيرها.

...يتبع







رد مع اقتباس