عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2010, 12:22 AM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ابن البلد
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ابن البلد
إحصائية العضو






 

ابن البلد غير متواجد حالياً

 


افتراضي


مصعب بن عمير ( أول سفراء الإسلام )






الجزء الثالث


ولسوف يمكث بالحبشة مع إخوانه المهاجرين* ثم يعود معهم إلى مكة* ثم يهاجر إلى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون.
ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة* فان تجربة إيمانه تمارس تفوّقها في كل مكان وزمان* ولقد فرغ من إعادة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاهم محمد نموذجه المختار* واطمأن مصعب إلى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها الأعلى* وخالقها العظيم..
خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله* فما إن بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيّا..
ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا باليا* وعاودتهم صورته الأولى قبل إسلامه* حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة* وألقا وعطرا..
وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة* شاكرة محبة* وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة* وقال:
" لقد رأيت مصعبا هذا* وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه* ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!!
لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة.. وأبت أن يأكل طعامها إنسان هجر الآلهة وحاقت به لعنتها* حتى ولو يكون هذا الإنسان ابنها..!!
ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة. فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه..
وإنها لتعلم صدق عزمه إذا همّ وعزم* فودعته باكية* وودعها باكيا..
وكشفت لحظة الوداع عن إصرار عجيب على الكفر من جانب الأم وإصرار أكبر على الإيمان من جانب الابن.. فحين قالت له وهي تخرجه من بيتها: اذهب لشأنك* لم أعد لك أمّا. اقترب منها وقال:"يا أمّه إني لك ناصح* وعليك شفوق* فاشهدي بأنه لا اله إلا الله* وأن محمدا عبده ورسوله"...
أجابته غاضبة مهتاجة:" قسما بالثواقب* لا أدخل في دينك* فيزرى برأيي* ويضعف عقلي"..!!
وخرج مصعب من العتمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة.. وأصبح الفتى المتأنق المعطّر* لا يرى إلا مرتديا أخشن الثياب* يأكل يوما* ويجوع أياما و ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة* والمتألقة بنور الله* كانت قد جعلت منه إنسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة...
--
وآنئذ* اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها: أن يكون سفيره إلى المدينة* يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة* ويدخل غيرهم في دين الله* ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم..
كان في أصحاب رسول الله يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها* وأقرب من الرسول قرابة.. ولكن الرسول اختار مصعب الخير* وهو يعلم أنه يكل إليه بأخطر قضايا الساعة* ويلقي بين يديه مصير الإسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة* ومنطلق الدعوة والدعاة* والمبشرين والغزاة* بعد حين من الزمان قريب..
وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق* ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه وإخلاصه* فدخلوا في دين الله أفواجا..
لقد جاءها يوم بعثه الرسول إليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة* ولكنه لم يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول..!!







رد مع اقتباس