عرض مشاركة واحدة
قديم 04-10-2020, 07:48 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
أمان
عضو ملكي
 
الصورة الرمزية أمان
إحصائية العضو






 

أمان غير متواجد حالياً

 


افتراضي


سيكولوجية الوباء والتغييرات التاريخية

يقول الأنثروبولوجي فيليب سترونغ في ورقة بحثية تعود إلى عام 2008، بعنوان "سيكولوجية الوباء": "حين تتضافر الظروف، يمكن للأوبئة أن تخلق نسخة طبية لنظرية فخ هوبز، أي وقوع ضربات استباقية بين مجموعتين، خوفاً من هجوم وشيك. ما يؤدي إلى دوامة من الخوف يؤدي فيها الخوف إلى سباق تسلح سيؤدي بدوره إلى تزايد الخوف. لأن انتشار خبر عن تفشي وباء مميت جديد، يعقبه سريعاً الخوف والذعر والشك. وسرعان ما يتفشى الجدل الأخلاقي الجماعي حول أسبابه والمتسببين به والحلول المحتملة. ويتغذى هذا الجدل من مشكلات أخرى موازية للوباء، مرتبطة بالثقافة وبالأحكام المسبقة وباللغة، ويتفاعل بشكل مواز كذلك مع الأثر الذي تتركه الأوبئة الخطيرة في الاقتصاد والثروة. مع انتشار الوباء، لا يتم الطعن السريع بفعالية النظام العام فحسب، بل تدخل المجتمعات في دوامة عاطفية غير اعتيادية تبدو أصعب من قدرة أي جهة رسمية على تطويقها بشكل فوري".

وبرأي سترونغ أن السعي الحثيث الذي ينتهجه المنظّرون في سبيل الفصل بين الخوف والأخلاقيات وردود الفعل والاستراتيجيات غير دقيق، فهذه الأمور تصبح شديدة التداخل عند حضور الوباء.

في مؤلفه "الأوبئة والتاريخ... المرض والقوة والإمبريالية" يصف الكاتب شلدون كيف أعاقت أمراض مثل الجذام والملاريا تقدم حملة الإسكندر الكبير في الهند عام 327 قبل الميلاد، بعدما هاجمت جنود وقادة ذلك الجيش الأسطوري الذي غزا العالم القديم وأخضع أجزاء واسعة منه، فوقع الإسكندر نفسه طريح الفراش إلى أن مات في ريعان شبابه. وهكذا تكون الأوبئة والأمراض المعدية قد لعبت دوراً كبيراً في إحداث تغيير في مسار الأحداث في المجتمعات الشرقية والغربية القديمة

ولعلّ تاريخ الإمبراطورية الرومانية الذي يحفظ ما فعله انتشار وباء الطاعون بها عبر مراحل عديدة، أكثر دليل موثّق على ما يمكن أن تفعله الأوبئة الفتّاكة بالدول أو الإمبراطوريات القوية، فقد انتشر الطاعون الأنطوني (نسبة إلى الأباطرة الأنطونيين) في سنة 165، وأدّى إلى تدمير الجيش الروماني الذي عانى من مرض غريب ظهر في مجموعة من الرعاة الرحل، قبل أن ينتقل إلى أطراف الإمبراطورية، وقتل آنذاك نحو خمسة ملايين شخص. أما في عهد الإمبراطور جستنيان (541-570) فانتشر الوباء مرة أخرى ليساهم في تقويض أسس الإمبراطورية البيزنطيّة ويقلّص مساحة الأراضي التابعة لها. ولم تنته جائحة الطاعون تلك، حتى أخذت معها ما بين 40 و 50 مليوناً من البشر الذين يمثلون آنذاك نصف سكان العالم القديم المعروف.

هل سنصل إلى مرحلة الانقراض؟

الانقراض ليس ظاهرة جديدة على كوكبنا، فالحياة الفطرية منذ ظهورها على سطح الأرض قبل نحو 550 مليون سنة مرت بمراحل عديدة من الازدهار والانحدار. ازدهار لأنواع محددة من الكائنات، يتبعه عادة انحدار في حالتها وأعدادها حتى ينتهي بها الأمر إلى الانقراض، سواء كان ذلك بصورة فجائية أم تدريجية.

ثمة درجات للانقراض، والمصطلحات كثيرة في هذا الصدد، لكن يمكن القول إن "الانقراض الجماعي" (Mass Extinction) هو أبو تلك المصطلحات، وهو يعبر عن ظاهرة دورية تتكرر على الأرض من آن لآخر وينتج منه اختفاء جماعي لمعظم مخلوقات الأرض لتظهر بعد ذلك مجموعة أخرى ذات صفات جديدة ومتطورة في الغالب عن سابقتها. وقد تكررت هذه الظاهرة بصورة جماعية خمس مرات من قبل بسبب عوامل أو كوارث طبيعية وفي وقت لم يكن للإنسان وجود على الأرض.

غير أن هناك مؤشرات دامغة تقول إن العالم حالياً يسير بجسارة نحو انقراض جماعي سادس. غير أن من مفارقات القدر أن الانقراض المقبل - لو كانت هناك إمكانية لوقوعه - الذي ستشهده البشرية سيكون من صنع يديها. فخلال الـ 50 عاماً الماضية وهي الفترة التي شهدت تصاعد أنشطة الإنسان اختفى من على وجه الأرض مئات الآلاف من الكائنات الحية، كما زاد معدل تناقص الكائنات وانقراضها 40 مرة عما كان عليه الوضع قبل الثورة الصناعية، أما المثير في هذه الحقيقة فهو أن معدل وسرعة حدوث الانقراض الحالي تفوق سرعة أي انقراض طبيعي (كارثي) سابق بـ100 مرة على أقل تقدير.

هل سيخرج البشر بعد أفول كورونا بصدمة تساهم في إعادة ضبط علاقتهم بالطبيعة التي يكادون يستنزفون طاقتها؟ وهل سيكونون أكثر اتحاداً وتعاوناً وتوافقاً، أم أن الفيروس سيزيد الانقسامات في ما بينهم؟ هل سيعودون إلى تحقيق السلام كما حفزتهم الحرب العالمية الثانية، أم أن انهياراً اقتصادياً عالمياً سيؤدي إلى مزيد من الحروب والنزاع على مصادر الطاقة والغذاء والماء؟ هل سيساهم هذا الفيروس بتطوير المفاهيم الصحية والتقنيات الطبية لمواجهة الجوائح الفيروسية المقبلة، أم أنه سيعيد البشر سنوات بعيدة عن التطور الذي وصلوا إليه؟







رد مع اقتباس