عرض مشاركة واحدة
قديم 03-24-2016, 10:41 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أمان
عضو ملكي
 
الصورة الرمزية أمان
إحصائية العضو






 

أمان غير متواجد حالياً

 


Tamayo10 أين تميّز الشيخ أحمد ياسين؟


أين تميّز الشيخ أحمد ياسين؟

د. أسامة الأشقر

لم يكن هذا الجسد الضيّق المريض يُطيق كل هذه الأعباء الثقيلة عليه ، كان ينذر صاحبه أن ساعات حياته باتت محدودة، وكان يلحّ عليه أن يترك هذا الجسد ليرتاح قليلاً قبل أن تحين النهاية !

كان كثيرون ممن حوله يهمسون لبعضهم: الشيخ مريض جداً ! وهو راقد في فراش الموت الآن ، لا نظنه سينجو هذا المرة من فتك الأمراض التي تنهش جسده الطريّ الميت !

بعضهم كان يسأل: هل سيموت الشيخ هكذا كما يموت الناس على فراشهم ! نسأل الله أن يكرمه بما يحب لأوليائه الصالحين !

أصرّ الشيخ على الخروج لصلاة الفجر ، كان صدره يَنْهَج تعباً ، كان يودّ لو مات في صلاته وفي جماعةٍ مع الناس حيث كان دوماً ، مضت دقائق الصلاة بسرعة ، وسلّم الإمامُ !

لم ينَلْ الشيخ أمنيته ، ربما لو امتدّ به العمر إلى الظهر فسيكرمه الله بهذه الموتة ... خرج من مسجده عائداً إلى بيته على كرسيّه المدوّر الذي تهالكت عجلاته في تلك الطريق المتكسّرة التي تؤذي عظامه الهشّة مع كل هبوط حادّ في شق من شقوق الطريق .

كان الشيخ يدرِك أن أجله قريب، تكلّم مع هذا، وهمس لذاك، فلا وقت لأصبعيه البطيئين أن يكتبا كلمة أو كلمتين من الوصيّة ... .

كان النهار يشق أذيال ستار الليل الهارب ، فيختلط الضياء بالظلام ، فإذا بلمعةٍ في السماء لمعتْ لها عينُ الشيخ ، كانت اللمعةُ نارَ صاروخٍ تقذف به طائرة صامتة تستهدف الشيخ ودائرته الصغيرة التي تجرّ عربته !
هل نال الشيخ الشهادة التي تمنّاها؟ !

أما أنا فقد كان حزني سيلاً يقذف زبد الوجع ، وكان حزني المُمِضّ يضمّه فرحٌ غريب بهذه الخاتمة التي نالها الشيخ ، ما أكرم هذا الرجل عند الله ! وما أحمق أولئك الصهاينة ! لقد جعلوه رمزاً مطلقاً لا يُنسَى، إنه ألهم الثورة بحياته وشهادته !

لم يكن الشيخ عالماً محققاً له تلك الكتب الذائعة أو التحقيقات المحكمة ، ولم يكن فقيهاً مدققاً يدوّن المسائل ويفصّلها ويشرح خصوصياتها ويفتح مغاليقها، ولم يكن الشيخ خطيباً مِصْقَعاً إذْ كان ذا صوتٍ هامسٍ يحتاج منك إلى إنصاتٍ بالغٍ لتفهمَ عنه ! ولم يكن ولم يكن ولم يكن ... !

ما الذي تميّز في الشيخ حتى يكون له هذا الحضور !

يمكننا أن نقول الكثير ، لكن الأكثر حضوراً في تميّزه هو ذلك الحضور الساحر له وسط إخوانه، حتى استطاعوا معه أن يشكِّلوا فريقاً استثنائياً بل كانوا فريقاً تاريخياً !

لم يكن الشيخ ليكون شيئاً لولا هؤلاء من حوله يبرمجون ما يتفقون عليه، وينفّذونه ويتحرّكون به، وينتشرون ، ولم يكن لهم أن يكونوا شيئاً لولا هذا القعيد على كرسيّه المدوّر يقودهم !

كيف تجاوز الشيخُ شعورَه بالعجز ، وانعدام الفعل، وذاك الألم النفسيّ الذي يصيب أمثاله وهو يرى الناس يتقافزون بأقدامهم ويحلّقون بأجنحة أياديهم !

وكيف تجاوز إخوانُه ورفاقه عقدة الإشفاق والحزن على مُصاب هذا الرجل، وتعاملوا معه بثقةٍ ، بل رفعوه إلى منزلة عظيمة لم يكن يتوقّعها الشيخ نفسه ، فجعلوه قائدهم المسؤول عنهم جميعاً، بل يتحوّل إلى رمز معبِّر عنهم ! وعن قضيتهم : إذ هم الشعب الضعيف العاجز المخذول في مواجهة أكبر مجتمع متوحش يحظى بدعم عالمي !

لم يصل هذا الشيخ إلى هذه المكانة بدافع الشفقة من أحد ، فقد بنى نفسه وثقافته وتجربته بمباشرة التجارب بنفسه ، تقوده إرادة حديدية فاعلة ترفض الاعتراف بواقعها ، إذا لم تجِدْ مَن يحملها إلى الموضع الذي أرادتْه فإنها كانت تُنبِتُ من أحشائها عضلاتٍ زاحفةً تصرّ على بلوغ هدفها المنظور لها !

لم تكن هذه الإرادة هي وحدها من صنعت الفرقَ ! لقد اقترنت هذه الإرادة الشخصية بأمر آخر لا يقل أهمية عنها : إنه ثقة إخوانه بقدرته ، وجرأتهم على اختياره ليكون زعيمَهم القائدَ لهم ، لقد رأوْا في هذا الشيخ الذي كسر عجْزَه ، وهزَمه بضربة الإرادة القاضية ، أنه قادر على كسر حالة الجمود في واقع الإسلاميين الفلسطينيين ، وأنه قادرٌ على الانتقال بهم معاً إلى مربّع الفعل من جديد !

هنا تميز الشيخ ! تميّز بإخوانه حين تميّز إخوانُه به !







رد مع اقتباس