عرض مشاركة واحدة
قديم 10-25-2010, 12:47 AM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
اسماعيل السلاق
عضو ماسي
إحصائية العضو






 

اسماعيل السلاق غير متواجد حالياً

 


افتراضي


(5) حكاية مقتل اللبوة







كان يا مكان.. في قديم الزّمان.. وسالف العصر والأوان.

كان هناك مملكتان، مملكة الغابة.. يتزعّمها الأسد، ومملكة البحيرة.. يتزعّمها الجاموس.

وكانت المملكتان الجارتان تعيشان بوفاق وسلام.

وذات ليلة.. خطر لملك الغابة أن يسهر وحده على ضوء القمر، فخرج من مملكته قاصداً البحيرة.

عندما وصل الأسد إلى البحيرة، سحره جمالها، فقال لنفسه:

-أقسم بأن أضمّها إلى مملكتي قبل أن يصبح الصّباح.

تسلّل الأسد إلى الرّابية المطلّة على البحيرة، حيث يجلس الجاموس كعادته هانئاً آمناً، يريد افتراسه، لكنّه.. وفور اقترابه منه، عاجله الجاموس بنطحة قوية، فَزَأرَ متدحرجاً من فوق الرّابية، وسقط في الماء، فغرق.. ومات.

وصل خبر موت الأسد إلى زوجته اللبوة، فهاجت وماجت، وأقسمت أن تنتقم لزوجها، وراحت تفكّر بخطّة تستطيع بها غزو مملكة البحيرة، فقد علمت أنّ الجاموس فتّح عيون جنده، واستعدّ لأيّة غارة محتملة.

ومضى الزّمن.. وبعثت اللبوة إلى الجاموس رسولاً يخبره أنّها لم تستطع تحمل مشاق الحكم، وأنّها ترغب في أن يزورها الجاموس ليوحّد المملكتين، ويصير ملكاً عليهما.

سُرّ الجاموس بهذا العرض، وجمع مستشاريه ممن يعترف لهم بحسن المشورة ويأخذ آراءهم في حل المشكلات وأطلعهم على رغبة الملكة، وسألهم الرأي في هذا الأمر، فأشاروا عليه بالاستجابة لطلبها والإسراع في تحقيقه.

وكان النسناس من بين المستشارين –وكان ذكيَّاً حاذقاً يحبه الملك- فخالفهم فيما أشاروا به، وقال: يا ملك الزّمان.. إني أشم رائحة الغدر تفوح من الغابة، وأنا أرى أن تخبرها بموافقتك، شريطة أن تأتي هي إليك، لا أن تذهب إليها فهي تعدّك قاتل زوجها، ولا تعدّك مدافعاً عن أرضك ونفسك.

لم يوافق الجاموس على ما أشار به النسناس، واستدعى التمساح، وكان من أعزّ أصحابه، ثمّ قال: أعطني رأيك.. فأنا أحبّ المشورة.

حرك التمساح ذيله.. قال:

-تصوّر.. أيّها الملك المبجّل.. أنك زعيم البحيرة والغابة معاً، إن هذا الأمر يفرح النّفس، توكّل على الله.. اذهب إليها، وثق بأن لي أصحاباً كثيرين في الغابة، ولو رَأوْكَ صاروا معك.

أحب الجاموس ما قاله التمساح، وعصى النسناس، فقال النسناس:

-لا يطاع لنسناس أمر.

استخلف الجاموس التمساح على ملكه وسلطانه، وسار مع أصحابه نحو الغابة، فلما جلس للاستراحة دعا النسناسَ، وقال لـه: ما الرأي يا نسناس؟ قال: لقد قلت رأيي عند البحيرة وكفى. قال: ما ظنّك باللبوة؟ قال: سترى غدرها بعينيك.

فلمّا دنا من الغابة، استقبلته اللبوة ومعها سباع كثيرة وذئاب وبنات آوى وثعالب وفهود ونمور. فقال الجاموس للنسناس: كيف ترى؟ قال: أرى أنّهم سيحيطون بك ولا ينجيك إلا أن تحتال لنفسك، فتهرب.. قبل أن يتمكّنوا منك.

أصمّ الجاموس أذنيه، فوقع في الفخ، وتمكّن النسناس من الهرب.

وأمرت اللبوة سباعها أن تفترس الجاموس أمام عينيها، فيأكلوا اللحم ويفصّصوا العظم.. ففعلوا.

وقَدِمَ النسناس على التمساح، فقال لـه: خبّرني ماذا ستفعل؟ قال التمساح: أريد الانتقام لملكنا لكن.. ما الطريقة والغابة منيعة، ولا علم لنا باقتحام العُرُن والكهوف؟



قال: إذاً.. دعني أفعل ما أراه، قال: افعل ما تريد.

ولمّا فرغت اللبوة من الجاموس، سألت بومة الغابة الحكيمة عن هلاكها، فقالت: أرى هلاكك يا سيدتي بسبب تمساح، سيجبرك على الموت.

حذرت اللبوة من التمساح، وأمرت بحفر نَفَق يوصل بين الرّابية التي تجلس فوقها وبين عرينها المحصّن كي لا يتمكّن أحد منها، ودعت الهدهد.. وكان رسّاماً ماهراً، وقالت: طِرْ.. حتى تصل إلى التمساح وارسمه زاحفاً ونائماً وسابحاً، فإذا انتهيت.. ارجع إليّ.

انطلق الهدهد ونفّذ ما أوصته به الملكة، فتعرّفت على التمساح بوساطة الرسم وحذرته.

أمّا النسناس.. فقد جدع أنفه، ونتف شعره، فقال سكان البحيرة: لأمر ما جدع نسناس أنفه.

ثمّ خرج النسناس من البحيرة كأنّه هارب، فلمّا وصل أطراف الغابة، جعل يئن ويهمس حتّى رأته السّباع وسمعته يئن، فأخبرت ملكتها بذلك فقصدته سائلة: بماذا أذنبت حتّى فعلوا بك هكذا؟ قال: عندما استشارني الجاموس بموضوع توحيد المملكتين، قلت له: أسرع بالتّوحيد، واقبل عَرْضَ الملكة، لهذا عدّني التمساح سبب هلاك الجاموس، فأمر بجدع أنفي ونتف شعري.

أعجبت الملكة بالنسناس، وأمرت أن يؤخذ إلى منازل السباع فيكرم ويستوصى به خيراً.

ثمّ إنّ النسناس قال للملكة يوماً، وقد مكر الحيلة: أيتها الملكة.. قد علمتِ ما جرى عليّ من التمساح وجنده، وأنّه لا يستريح قلبي إلاَّ إذا جلبت أموالي المخبّأة عند البحيرة وأهديتها لكِ.

ارتاحت الملكة إلى صدق النسناس، وسألته: أهي كثيرة؟ قال: أوّاه.. إنّها أصداف عظيمة الحجم، ملأى بالياقوت والفيروز والزبرجد والعقيق، فأذني لي بجلبها، كي تتباهي بها أمام الملوك، ليطقّ التمساح ويموت غيظاً.

قالت: ألا تخاف منه؟ قال: الجبان وحده من يخاف، قالت: كيف تستطيع جلبها وأنت ضعيف الجسد؟ قال: لا تنظري إلى صغري وضعفي، وإنّما إلى عقلي وحيلتي. قالت: وبماذا يشير عليك عقلك؟ قال النسناس: سأطلب من أصدقائي الفيلة أن تجرّها ليلاً، فننعم جميعاً.

بعثت اللبوة النسناس بعد أن صلحت حاله، وكان قد عرف كل شيء عن عدد السباع وقوّتها، واطلع على أمر النّفق، فلما وصل إلى البحيرة، دخل على ملكها التمساح، وأطلعه على كلّ صغيرة وكبيرة، ووصف لـه مكان النّفق، وقال: قد خبرت الغابة وكشفت أسرارها، فتبيّن لي أن نباغت السّباع في عقر دارها وستقف –أيّها الملك- عند باب النّفق، ليذوق فكّك المفترس طراوة لحم الملكة.

ثمّ طلب من الفيلة سحب الأصداف العظيمة وكانت التماسيح قد اختبأت داخلها، ثم قصدت الغابة.

فلما دنت من أطراف الغابة، سبقها النسناس إلى اللبوة فبشّرها، وأعلمها بما جاء به من اللؤلؤ والياقوت وطلب إليها أن تخرج وتنظر بنفسها.

دهشت اللبوة لمنظر الغنائم، وأشارت إلى السباع أن تفسح للفيلة الطريق لتدخل الغابة.

ودخلت الفيلة الغابة، فلّما جاورت التّلة خرجت التماسيح من الأصداف، وأعملت فكوكها نهشاً في السّباع، فأهلكتها جميعاً. ودلّ النسناس الملك على باب النفق الذي كانت اللبوة تدخله، فوقف على بابه فاتحاً فكّيه، وأقبلت اللبوة تريد الدخول، فأبصرت ملك التماسيح وعرفته، فأكلت ورقة سامة كانت معها، وقالت: سأميت نفسي ولن أسمح لأحد أن يميتني، فقال ملك البحيرة: بل أنا من سيميتك أيتها الغادرة، فهجم عليها، وأعمل فكّه المفترس فيها، فسقطت اللبوة جثّة هامدة.
((وتوتة توتة.. خلصت الحدوتة))







رد مع اقتباس