عرض مشاركة واحدة
قديم 03-29-2013, 07:53 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ziad sukkar
عضو مبتدئ
 
الصورة الرمزية ziad sukkar
إحصائية العضو






 

ziad sukkar غير متواجد حالياً

 


افتراضي شهود عيان على جرائم اليهود- الجزء الثالث


تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها
شبكة عجور الحاسوبية
http://***************/zikrayat.html

شهود عيان
على جرائم اليهود - الجزء الثالث

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

حمامة٣ *ذكرين*ملحمة دير ياسين *مجزرة الدوايمة*قبيبة ابن عواد

***************************
تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها


القرية

حمامة

1948 التاريخ

الاسم:عبد الحي عبد محمود عوض العمر:72عاما البلدة الأصلية:حمامة العنوان الحالي:خان يونس –حي الأمل

القصة

تحدث الحاج عبد الحي في البداية عن بلدته حمامة وقال: يحد حمامة في الجنوب المجدل(عسقلان) ومن الشمال اسدود ومن الشمال الشرقي بيت داراس ومن الشرق جولس ومن الجنوب الغربي الجورة ومن الغرب كروم العنب والبحر وبين اسدود وحمامة كروم العنب في منطقة اسمها"الحرية" ويصف الحاج عبد الحي البلد قائلا :" كان في حمامة مدرسة تقع والشمال الغربي فوق المقبرة وبعدين الحارة الغربية فيها بئر ادريس ابو عودة ووسط البلد كان بئر عرقوب وهو"ولي" وبنوا الجامع فوقه وصار اسمه جامع ابو عرقوب. و كان في الشمال بين اسدود وحمامة كوبانية يسميها اليهود"نتساريم" ، ويقال لها الكيبوتس وكان في الكيبوتس قصر وبيارة. ويشير الحاج عبد الحي الى أيام حرب 1948 ويقول"الهجوم الصهيوني على بلدنا كان في شهر 11 بعدما خرب العنب والتين في أول الشتاء وقبلها كانوا قد هاجموا من الشمال وحذفوا عليهم قنابل بحر وهذه كانوا يرموها في البحر تقتل السمك وكانت دائما بيننا وبينهم مناوشات تقع في منطقة كروم الحرية. وكانت قبل تلك الهجمات قافلة تمر بين المستعمرات فوضع المقاومين لغم ووقفوا على الطريق وصاروا يطخوا وفيه مسلح من اليهود نزل وصاروا بدوهم يقتلوه وقتل يومها من اهل البلد ثلاثة واحد اسمه (يحي عوض) في العشرينات واحد اسمه (احمد شحاده) وبيقولوا له " ابو فياش" واحد اسمه( احمد زهرة) واثنين قتلوا لم يعرفوا كيف قتلوا من اليهود أو من نار المسلحين وهم من دار (الخواجة) ودفناهم جميعا في حمامة. وبعدها سحبوا المصفحات واخذوا أهل بلدنا واحده من المجادلة وأخذوا واحده ثانية. ويتابع الحاج يحي عبد الحي "في الهجمة الأخيرة دخلوا من الشمال وطلع مختار البلد (العبد الهباش) يسلم حاله فطخوه وهو رافع الراية البيضاء. ويتذكر عبد الحي من الذين قتلوا واحد من البلد استشهد أثناء هجوم المقاومين والجيش المصري على نتساريم وتم دفنه في البلد وأصيب واحد اسمه (عبد الصمد عوض) وبقيت الرصاصة في رقبته حتى مات بعد الهجرة بكثير. ويقول: كان في البلد بعض الأسلحة اشتراها الناس من مصر وأسلحة سرقوها من الإنجليز وعندما انسحبت المصريين وجاءت الطيارات استمر القصف طول الليل ولمدة أسبوع وبعدها خرجنا من البلد. ويذكر الحاج عبد الحي أبرز المقاومين في البلد ومنهم (أبو عمر طبش) من دار شحاده و(عطا عبد الوهاب الفار) والشهداء الذين ذكرتهم سابقا. ويرجع الحاج الى ما فعله اليهود في البلد بعدما دخلوها فقد جمعوا الختيارية والأولاد والصغار وأخذوا نفرين إمرأه من دار (الدقشة) أصلها مصري ورجل من دار (الجالوس) وهؤلاء مصيرهم مجهول؟ ويضيف : في هجرتنا إلى غزة وخان يونس بعدها كانت أحوالنا يرثى لها فلم تكن معنا أشياء سوى نصف كيس شعير ونصف كيس ذرة. وبعدما هاجرنا رجعت أنا وأبوي لأخذ "المصاري" التي تركناها ورائنا ولم نجدها وقالوا الناس ان اليهود قتلوا واحد ورموه في بئر المجاري تبع البلد واسمه (محمود جعفر) شاب كان على البركة خفيف العقل. ومثلنا ناس تسللوا إلي البلد ورجعوا وأخرين راحوا ولم يعودوا منهم شابين من دار (الزهار) وحاصرهم اليهود وطخوهم في البيارة. وواحد مجدلاوي من دار (شرشر) حبسوه اليهود مده من الزمن وعاودوا رجعوه على غزة. وواحد من بلدنا لقبه"اكوانين" حبسوه مده وعندما أرادوا تركه والإفراج عنه أخذوه عند وادي هربيا وطخوه ومرته أخذته من منطقة الواوي ودفنته في غزة واثنين من المجدل اجوا لأهلهم على المجدل من دار"العنيني" مسكوهم في البلد بعدما هاجموهم في الجرن وكانوا يحملوا هويات لنا ومسكوهم واحد منهم من يبنا وأخذوهم وكسروا رؤسهم بالبلطات وراحوا لأهلهم وقالوا لهم أولادكم في المقبرة وروحوا خذوهم. القصة عبد الحي عبد محمود عوض الراوي

*******

القرية

ذكرين

1948 التاريخ

تجربة النكبة واللجوء

رشاد أبو شاور

[ألقيت في ورشة "الذاكرة الشفهية الفلسطينية والهوية الوطنية" التي عقدت يومي 16 و17 أيار عام 2003، في مبنى الخالصة بمخيم اليرموك، قاعة الشهيد سمير درويش].

منذ عقود وأنا أعد نفسي لكتابة رواية طويلة، في أجزاء، عن تجربة النكبة واللجوء، التي عشتها مع أسرتي، وأبناء وبنات جيلي، وشعبنا الفلسطيني بعّامة. وها هي السنوات تمر وأنا أدوّن الملاحظات، والانطباعات، والأفكار، وأرسم ملامح الشخصيات، وأدقق في الأحداث، وأتابع التفاصيل، بحيث تكدّست لدي أوراق كثيرة، واكتظت ذاكرتي بما يثقل عليها، ويضنيها، ويؤرق صاحبها...

ومنذ سنوات وأنا أكتب الروايات، والقصص القصيرة، والمقالات الأدبية في الصحف العربية، والمقالات السياسية، ناهيك عن نشاطات أدبية أخرى، ومع ذلك أقول لنفسي ما أحوجني للمزيد من الجهد، والعمر لأكتب عن تجربة النكبة واللجوء! لا بأس، فلأقل شيئاً متواضعاً ومختزلاً عن تجربة النكبة واللجوء، إن كان هذا يضيف شيئاً لكم...

ولدت في قرية ذكرين، وهذا اسمها كما نلفظه نحن أهل تلك القرية من قرى قضاء الخليل، ولكنها في الكتب، وبخاصة في موسوعة "بلادنا فلسطين" (للراحل الحي مصطفى مراد الدباغ)، كتبت زكرين، وأهالي القرى المحيطة بنا، صمّيل، رعنا ،كدنا، دير الدبّان، وحتى بركوسيا، وبيت جبرين، والدوايمة، وعجّور، وبعيداً حتى قرى قضاء الخليل الفوقانية، والتي لم تسقط تحت الاحتلال الصهيوني عام 48، مثل دورا، ويطّا، وخراس، والسموع.. فإن قريتنا تعرف بـ"ذكرين البردان" _ بفتح الراء والدال _ وهذا يعود إلى أن قريتنا تشتهر بماء آبارها البارد، وغزارة مائها الذي يتجمع في آبارها الأربعين، والتي تختزن الماء شتاءً وصيفاً...

في تسمية قريتنا بـ"ذكرين البردان" غمز من أهل قريتنا، فهم هادئون، ليست فيهم نوازع عدوانية، أو مرجلة زائدة عن الحد، وهم بطبيعتهم غير مزواجين، فالذكور يكتفون بزوجة واحدة، ولذا انتشرت حكمة تقول: إذا أردت لابنتك أن تعيش مبسوطة فزوّجها من ذكريني، لأنه لا يتزوج عليها، ولأنها غالباً تحكمه!

أهل قريتنا ديمقراطيون بالفطرة، بسبب الماء، ولأن اسم قريتهم يحمل معنى العيد _ اعتمد في المعلومات على ما كتبه الراحل الكبير مصطفى مراد الدباغ _ فقد عاشوا ودعاء، يزرعون الأرض بالقمح، والشعير، والذرة، ويسوّرون كرومهم بالصبّار، حيث تعيش الأرانب البريّة، وبنات آوى، وفي شعاب وديانهم يكثر الحجل، والحمام البرّي يهدل على أغصان زيتونهم العريق، الذي يعود إلى العصر الروماني...

يكتب المرحوم الدبّاغ: زكرين بكسر أوله وثالثه وسكون ثانيه وياء ونون. لعل (زكرين) من جذر ذكر ... (العربي القديم) المشترك بمعنى (العيد و الذكرى) أو تحريف لاسم زكري بمعنى (مذكور)...

في كتاب الدكتور وليد الخالدي "كي لا ننسى" ورد عن ذكرين ما يلي: احتل لواء غفعاتي التابع (للجيش الإسرائيلي) زكرين في 22- 23 تشرين الأول/ أكتوبر عام 48...

وبحسب الدكتور الخالدي، فقد أكد وسيط الأمم المتحدة رالف بانش أن القوّات (الإسرائيلية) قامت بتنفيذ عمليات مخطط لها على الجبهة الجنوبية.. والدكتور بانش يقصد أن تلك القوّات هدفت إلى طرد أهالي تلك القرى بالقوّة...

في قرية ذكرين المحاطة بالطرق الترابية التي تصلها مع القرى المجاورة انتشرت حواكير التين والعنب والزيتون، وحقول الحنطة، والمقاثي، ومدرسة واحدة فيها مدرّس واحد، وبحسب ما علمت من أبي فإن ذلك المدرّس هو الشاعر خليل زقطان، من قرية زكريا الجارة لقريتنا، والذي عرفته فيما بعد في "مخيم الدهيشة" قرب بيت لحم، ثمّ شاءت الأقدار أن أتعرف به عن قرب في عمّان بعد نكبة حزيران 67، وأن أحفظ الكثير من قصائد ديوانه "صوت الجياع"...

في قريتنا كانت سيّارة واحدة، صاحباها رجل أعمى يصّر على الجلوس بجوار السائق، وإعطائه الأوامر بسلوك الطرق، وحتى الانعطاف في أمكنة يظّن هو أنه يعرفها، حتى أنه كان يتدخّل حتى في دوس السائق على البنزين. ذلك الرجل هو أحمد ظاهر، وشريكه هو خالي غير الشقيق لأمي...

تلك السيّارة نقلت أمي زينب محمد صالح الصوص، بعد أن انكسر لوح خشبي تحت قدميها لتهوي على حزام بابور الطحين، وتتعرض لكسور في ساقها، وذراعها، وتمزيق أحد ثدييها، وتمزّق ثوبها، فيرتفع صوتها: أفا عليكم يا رجال، غطّوا لحمي. ويغطي أحد الرجال لحم زينب بعباءته، بينما هي توصي صاحباتها أن يعتنين بابنها رشاد، ثمّ لتموت في القدس بعد ثلاثة أيام، وتدفن في قبر يحتضن جسدها إلى جوار والدها وجدتها وعمتها، ولتلحق بها أختي معزوزة بعد شهرين تقريباً. (لقد نسيت أمي أن توصي صاحباتها بأختي معزوزة، ربما لأني ذكر، وهذا ما سيحفظ ذكرها)...

قريتنا الوادعة، قرية الذكر، والذكرى، والعيد تعرّضت لهجمات كثيرة من العصابات الصهيونية، التي فاجأت أهلها، وإليها وفدت وحدة عسكرية من الجيش المصري الذي كان يضم جنوداً مصريين وسودانيين، ففاروق هو ملك مصر والسودان، ولقد اتخذت تلك الوحدة من مدرسة قريتنا مقراً لها...

الطفولة الشقيّة تفتحت على دوي الرصاص، وهدير طائرة في فضاء قريتنا التي لم تعرف من قبل سوى رفوف الطيور الأليفة، أو المهاجرة موسمياً...

في ذكرين رأيت ابن الشيخ سالم تيلخ وهو يركض رافعاً بندقيته، لنجدة مدافعين عن قريتنا تعرّضوا للهجوم، ثمّ رأيته ممدداً في (الدسكرة)، وجهه إلى السماء، وهو بملابسه العسكرية، كأنه ينام...

كان ذلك أول شهيد من قريتنا، وللآن أخطئ في ذكر اسمه إن كان محمداً، أو محموداً، ومن الغريب أن اسمه لم يرد في قائمة الشهداء الذين ضمهم ملحق كتاب "كي لا ننسى"!

لقد رأيت جدّتي أم أبي وهي تفرد (غدفتها) لتصد بها الرصاص عن ابنة عمي التي كانت محمولة فوق أغراض على الحمار، أي أن جدتي لم تكن تعرف أن الرصاص يخترق القماش الأبيض الذي تغطي به رأسها!

أمّا امرأة عمّي فكانت تفرد جسدها فوقنا لتحمينا من قذائف الطائرات التي ألقيت على بلدة (بيت جبرين) حيث رحّلنا أهلنا لنكون في مأمن بينما يواصلون هم الدفاع عن قريتنا... عندما سقطت قرى الخليل تلك، ومنها زكرين، رحلنا إلى الخليل في سيارة شحن، عدّة عائلات، ولقد رأيت عمّي حسن وهو يتطلع بانكسار صوب قريتنا، وسمعته يردّد: مع السلامة يا دورنا، يا أرضنا، يا..

وسمعت تعبيرات لأول مرّة اسمعها: يا من درى بنعود يوم من الأيام؟ يا من يدري...

ولقد رحل كثير من الذين طرحوا سؤالهم الحارق الملتاع: يا من درى بنعود يوم من الأيام، ومن ردّدوا: اللقا ليوم اللقا.. أي اللقاء يوم اللقاء، وكأنما هم ينتظرون اللقاء بالعدل السماوي الإلهي...

زكرين صارت وراء الظهر، تلتوي الأعناق، وتتطلع العيون بحسرة، ولكن سيّارة الشحن تمضي بنا من بيت جبرين إلى الخليل، أي إلى اللجوء والغربة...

أيام الجوع، والتسلّل، والثلج، والتعلم تحت الخيام:

بدأت أيام الجوع. فالمقتلعون من قريتهم لم يحملوا معهم سوى القليل من القمح والشعير، وحتى الفراش...

أقمنا في غرفة فسيحة، ضاقت على من ازدحمت بهم من العائلات، في أحد كروم منطقة (جورة بحلص) التي يقيم فيها الخلايلة في موسم الصيف، موسم العنب والتين، وجورة بحلص شهدت معارك مع الإنكليز في ثورة 36- 39، والتي قادها في جبال الخليل البطل عبد الحليم الشلف (أبو زياد) والذي شارك أبي تحت إمرته في بعض تلك المعارك، وربطته به علاقة صداقة طالما اعتز بها...

الجوع، البرد، الحزن، حالة الانكسار هذه بعض عناوين تلك الأيام.

سمعنا بالصليب الأحمر، ولكن لم تطل إقامتنا، وانتقلنا إلى مخيم (الدهيشة) الواقع بين بيت لحم والخضر، غير بعيد عن الخليل.

آنذاك أخذ الكبار يتسللون إلى القرى ليجلبوا منها ما تركوه من مال، ولباس، وحنطة، ولقد اشتبكوا مع قوّات الاحتلال، وقتل منهم من قتل...

ما زلت أتذكر عمي (عثمان) الذي حضر إلينا من مكان ما، وبات عندنا عدّة ليال، ومن بعد توّجه مع عدد من (المتسللين) إلى زكرين، ولكنه.. لم يعد!

الحكايات كثيرة عن تلك الأيام، وبخاصة عن الذين تسللوا، أو غرّبوا _ اتجهوا غرباً _ حيث قرانا، ولم يعودوا، ومنهم من عاد بساق مبتورة، أو يد واحدة، أو بعد فقد عين، أو...

لقد ناح طائر (البوم) في فضاء مخيم الدهيشة، ذلك الطائر الذي يتطيّر منه الفلاّحون، ويرونه نذير شؤم، وكم صحوت في الليل على امرأة عمي وهي تسأل الله اللطف في حين يصيح طائر البوم، ولا يبتعد إلاّ عندما يهب بعض الأشخاص ويلاحقونه بالحجارة...

أربع سنوات أقمنا في مخيم الدهيشة، سقط علينا فيها الثلج، ذلك الذي لم أعرفه في البداية، وأذكر أنني عندما فتحت باب الخيمة ذهلت من حقول البياض التي غطّت الأرض، وامتدت لمسافات، ولقد ركضت دون حذر في ذلك البياض، ثمّ أخذت ارتجف، وعرفت أن هذا البياض ليس أليفاً، ولا حنوناً، وأنه شديد البرودة. ولأننا لم نحتمل الثلج تحت الخيام التي تمزّق بعضها، وتطاير بعضها، وغرق بعضها، وأوحلت أرضها جميعاً، فقد تم نقل عوائل كثيرة إلى بيت لحم، وفي مسجد عمر بن الخطّاب قبالة كنيسة المهد مكثنا لأيام، حتى خفّت موجة الثلج والبرد والرياح الهوج...

في الدهيشة شاهدت أول مظاهرة، ورجمت مع الراجمين الخيام، ولم أعرف لماذا يحدث ما يحدث، ولكنني صرخت مع الصارخين، ومن بعد بدأت رحلة الغضب على الخيام، واللجوء...

تلك السنوات بين بيت لحم والخضر، لم نوّفر فيها شيئاً، كنّا ننطلق كالجراد إلى الحقول، نأكل العنب وهو حصرم، التين وهو عجر، النباتات، أي شيء، وهذا ما جنّن أهالي الخضر بخّاصة، مع أنهم تحملونا كثيراً...

ومن بعد حملنا ذوونا إلى أريحا، حيث الدفء، فبرد بيت لحم لا يحتمل، خاصة ونحن أشباه عراة.

أقمنا في مخيم النويعمة، وهو أحد أربع مخيمات تتبع لأريحا، هي: عقبة جبر، عين السلطان، النويعمة، العوجا...

في المخيمات تساكن أهالي القرى بشكل متجاور، وكأنهم بهذا لا يعترفون بما يفعله اللجوء، فأهل كل قرية، أو بلدة نصبوا خيامهم متجاورين، ومن بعد بنوا بيوتهم الطينية، وصاروا ينتسبون لمخيم بعينه ولكنهم أورثونا الانتساب إلى قرى، وعوائل، وملأوا رؤوسنا ونفوسنا بالحكايات عن أصولنا، حتى أننا حفظنا ملامح قرانا، وما يميّزها...

في النويعمة عرفنا وكالة الغوث، وطابور الإعاشة، وكم رأيت رجالاً يوارون وجوههم خجلاً من ذلك المشهد، ونساء يسترن وجوههن بأغطية رؤوسهن حتى لا يراهن أحد...

في النويعمة سمعنا بأمراض الجدري، والسل، وأمراض أخرى، وبدأت إبر تغرس في أذرعنا النحيلة والتي هي جلد على عظم، وتشطّب جلودنا بما يشبه الشفرات، وانتشر العشاء الليلي، أو ما اصطلح عليه بـ (الهدباد)، ولذا جرّعنا زيت السمك اللزج السيئ الطعم، والذي تحمّلنا طعمه طمعاً في حبة التمر التي تمنح لنا لتحلية أفواهنا...

لشدّة الفقر لبسنا أي شيء، فأنا شخصياً لبست قطعة من بطّانية سوداء خشنة، فصّلت لي على شكل هندية (قمباز)، وهي خشنة لأنني كنت ألبسها على اللحم، أو ما يفترض أنه لحم!

ولأن أريحا غنيّة بالينابيع فقد شمّرت الأمهات عن زنودهن وبدأن في دعك أجسادنا، وحميننا من الأمراض، وهنا لابدّ أن أتذكّر الصابون النابلسي بكل تقدير لأنه جعل رؤوسنا تخلو من القمل، بعد أن انتشر القمل وتفشّت البراغيث...

في أريحا عشقت الحقول، والبراري، وصوت الأرغول...

كان لا بدّ أن يتزاوج الفلسطينيون، وأن يعيشوا الحياة على شظفها وفجائعيتها، ولذا أخرجوا النايات _ الشبّابات_ والمجوزات، والأراغيل، وعمّروا أعراساً في ليالي الصيف، مع (السامر والدحيّة، والدبكة، والزغاريد...).

وآنذاك بدأنا نعرف المذياع، وصوت العرب، والأحزاب، وصارت فلسطين حكايات، ودروساً في الجغرافيا، وبطولات تروى، وحلماً لا بدّ أن يتحقق بالعودة...

لقد ولد جيلي في فلسطين، لكنه عاش خارج فلسطينه (على أرض فلسطينية دون استقلالية)!

ومع نمو أجسادنا، وعقولنا، ومعرفتنا بدأت رحلة عذابنا ووعينا. لقد كتبت قبل سنين بعيدة: الناس في هذا العالم يكبرون في بلادهم، أمّا نحن فتكبر بلادنا فينا! ولقد كرّرت هذه المقولة، وأحسب أن آخرين ردّدوها.

لم تكن تلك مقولة رومانسية، فجيلي، داخل فلسطين تحت الاحتلال، أو في المنافي (اللجوء، والشتات) لم يكبر على أرضه، وفي أرضه بشكل طبيعي كباقي البشر، وكان عليه أن يتعرّف على وطنه، قريته، أو مدينته، جذوره، حقوله، بيته، من أفواه الأمهات، والجدّات، والآباء، ومن بقي من الأسلاف... شاءت أقداري أن أتنقل بين المخيمات، من مخيمي الدهيشة والنويعمة في فلسطين إلى مخيم اليرموك في سورية، ومن ثمّ أعود إلى مخيم النويعمة، ثمّ بعد نكبة حزيران أرحل إلى عمّّان وأقيم في مخيم النصر.. يا للمفارقة، بعد الهزيمة أسكن في مخيم (النصر)!!

ثمّ أنتقل من جديد إلى سورية، فأقيم في اليرموك.. ومعي زوجتي، وننجب في اليرموك جيلاً جديداً من اللاجئين.. و.. ومن بعد إلى لبنان، لأقيم في صبرا، أي في مدخل شاتيلا!

رحلة عجيبة! قد لا تقارن برحلات فلسطينيين آخرين!

لكنني منها تعلّمت، وهذا ما تجدونه في رواياتي، وقصصي، ومقالاتي، وكتاباتي للفتيان، وأسلوب حياتي...

الحفاظ على الذاكرة الفلسطينية* واجب وطني، وقومي، وإنساني:

يمكنني أن أتحدث لأيام متواصلة ودون توّقف عن تجربة النكبة واللجوء، وهذا ما بمقدور غيري أن يفعله، ولكن كل الكلام سيذهب مع الريح إن لم يدوّن، شعراً، ونثراً، وتاريخاً، وجغرافياً، وسرد معارك وبطولات، ودراسات، وسينما، ومسرحاً، وتطريزاً، وحفاظاً على آلاتنا الموسيقية، وغنائنا الشعبي...

المذابح التي اقترفها عدونا الصهيوني في قرانا، ومدننا، ومن بعد في مخيماتنا، كلّها كان الغرض منها دفعنا للهرب والنجاة بحياتنا الشخصية، وتحويلنا إلى كائنات بلا جذور. وبالترافق مع المذابح تمّت عمليات السطو على تراثنا، وفنوننا، وحتّى أكلاتنا الشعبية.

نحن مشرّدون في أقطار عربية تناصب الفلسطيني العداء، أو الشك، وتضيّق عليه، وتباعد بين الفلسطينيين فتحرمهم من التواصل غالباً...

تراثنا في المنافي يتعرض للذبول إن لم نصنه، وهذا واجب كل حريص، وصاحب فكر، وضمير، وكل قادر بالمعنى المادي، والفكري، والإبداعي...

لقد طرحت هذا السؤال مراراً في السنوات الأخيرة، خاصة وأنا أرى، وأعيش ما يتعرض له شعبنا الفلسطيني:

- ما الذي يوحّد الشعب الفلسطيني المشتت في الأقطار العربية، والمشرّد في بلاد العالم وقارّاته؟ أجيب:

_ الثقافة!.. ثقافته، وثقافته المكتوبة، تلك هي التي تصون وحدته، وتعمّقها، وتحرسها...

الأجيال الفلسطينية تختفي ويختطفها الموت الذي هو نهاية كل حي، وبخاصة من ولدوا وعاشوا في فلسطين، من عرفوها، وحفظوها في ذاكرتهم، والأجيال التي جاءت بعدهم، جيلي تحديداً، لم يعرف فلسطين حياةً مستقرة مديدة، ولكنه ولد على ثراها، وهو كان على مقربة من فلسطين، من أفواه الأهل، وحكاياتهم، وأغانيهم.. ولكنه الآن يتأهب للرحيل، فماذا نبقي للأجيال التي ولدت في الشتات واللجوء؟! لابدّ من الكتابة، فكل من عاش التجربة ليس من الضروري أن يكون كاتباً محترفاً ليدوّن تجربته، وذكرياته، وشهادته...

إن حفظ الذاكرة من التزوير ضروري، فثمّة من ينتحلون لأنفسهم أدواراً ليسوا جديرين بها، وفي غياب الشهود، والشهادة الصادقة ستسود الأكاذيب، وستزدهر البطولة المزوّرة.

الحنين إلى المخيم:

ليس المخيم شرّاً محضاً، فقراً، وجوعاً، وغربة...

المخيم صهر الفلسطينيين، فبقدر ما حفظ انتماءهم لقراهم ومدنهم، فإنه قد وحّد انتماءهم الوطني، والقومي. ولذا لا غرابة أن يتبلور الوعي في المخيم، وتزدهر أفكار المقاومة، وتنشر الحزبية...

في المخيم مدرسة، وشارعاً، تعلمنا، وأحببنا، وعشنا علاقات حميمة، وتشربت نفوسنا بالحكايات الشعبية، وأمثولات البطولة، والفداء...

ولذا لا تستغربوا أن أحن كثيراً لمخيم (النويعمة) قرب أريحا، أتذكر عازف الشبّابة، وعازف الأرغول، وعازف الربابة، وليالي الأعراس الفلسطينية النقيّة من كل شوائب، والتي ما زالت أغانيها، وسهراتها في البال...

لن أنسى اللويح الذي كان يأتي من مخيم (عين السلطان)، ولا ذلك الراقص الأعجوبة الحدّاء (أبو فرج)، ولا ذلك المطلع في (السامر): حس الزغاريت هبّني وانا نايم!

أي: صوت الزغاريد أيقظني من عميق النوم...

ولن أنسى نظرات بنات مخيمنا، وهن يحملن جرار الماء الراشح على مناديلهن، وعيونهن ترسل كلاماً من تحت لتحت.. يا لتلك العيون!...

ولن أنسى التظاهرات، والسجن المركزي في أريحا، و...

المخيم! .. إنني أفرح كلّما عدت إلى مخيم اليرموك، أفرح وأنا التقي بشباب وشّابات أتعرف على ملامحهم، وأحزن وأنا أرى صور بعضهم على الحيطان.. شهداء على أرض عربية افتداء للأمة، إن في لبنان، أو العراق، أو...

الذاكرة الحيّة:

الذاكرة الشفوية تضمحل وتندثر إذا لم تلقّم بالمعلومات التي تقوّيها، وتنعشها...

أتوقف هنا لأحيي ذكرى المعلّم مصطفى مراد الدبّاغ صاحب موسوعة "بلادنا فلسطين"، والدكتور وليد الخالدي صاحب "كي لا ننسى" و "قبل الشتات"، والدكتورة بيان نويهض الحوت صاحبة "القيادات والمؤسسات الفلسطينية"... وما تركه لنا عارف العارف صاحب كتب "النكبة"، والدكتور أنيس صايغ الذي لا تعد مآثره، والدكتورة خيرية قاسمية، ومن يكتبون مذكراتهم بنزاهة وتواضع وصدقيّة مشهود لها كالأستاذ بهجت أبو غربية، وحنّا أبو حنّا، ونجاتي صدقي، وكثيرين أيضاً يستحقون الثناء، وروّاد الفن الفلسطيني وفي مقدّمتهم إسماعيل شموط، والمعلّمة سميرة عزّام، وشعراء النكبة عبد الكريم الكرمي "أبو سلمى"* وهارون هاشم رشيد، ويوسف الخطيب، والفنان الشعبي نوح إبراهيم، والفنّان الشعبي (الحسون)، والشعراء الشعبيين، والزجّالين، وعازفي الأرغول...

هنا لا بدّ أن أتوقف قليلاً لأنبه إلى أن آلاتنا الموسيقية الشعبية في خطر من النسيان والاندثار. فالأرغول، والمجوز، والشبّابة هي جزء من روحنا، هي شخصيتنا، هي التي تشكّل مع الحكاية، والشعر الشعبي، والتطريز ملمحاً أصيلاً من شخصيتنا وهويتنا، والحفاظ عليها حفاظ على تواصل أجيالنا، وجدارتنا بالحياة...

أمّا أبناء وبنات جيلي المبدعين فأرى أنهم أعطوا الكثير، ورغم سقوط بعضهم في الطريق _لهم الرحمة_ فإنني أرى أن بمقدورهم العطاء، والمزيد من العطاء، فهم جميعاً اكتووا بنار التجربة، تجربة النكبة واللجوء، وزمن الفداء، والانتفاضة المفتوح على زمن فلسطين، زمن العدل، وانتصار الحق، وتحقيق التحرير والحرية...

ربّما لا نكون في تلك اللحظات المجيدة، لكن ما سنتركه سيكون هناك في العقول، والضمائر، والوجدان، والذاكرة الفلسطينية الحيّة التي لن تموت ما دامت الشمس تطلع والليل يبدده نورها الساطع...

الراوي رشاد أبو شاور

-----------------------------------------------------------------

ملحمة دير ياسين

: قرية امام منظمات صهيون

وليد الخالدي

أستاذ سابق في جامعات اكسفورد (بريطانيا) والأميركية (بيروت) وهارفرد (الولايات المتحدة). عضو أكاديمية العلوم والآداب الأميركية، وأمين سر مؤسسة الدراسات الفلسطينية

--------------------------------------------------------------------------------

- المنظمات الصهيونية تتنافس - المحادثات بين الهاغانا وبين "ايتسل" و"ليحي" عشية الهجوم على دير ياسين - الاستعداد للهجوم - خطة الهجوم وترتيباتها الأخيرة - ليل الجمعة 9 نيسان 1948 - تفاصيل المعركة - شجاعة العرب اوقعت المهاجمين الصهاينة في مأزق - فنون صهيونية في احترام الموت :"انهم يحرقون بشرا" - اخفاء ادلة الجريمة ونهب المنازل - بريطانيا: قعود عن فعل أي شيء - حرب البيانات بين المنظمات الصهيونية - عدد ضحايا دير ياسين - ادعاء الحرص على ارواح العزل من النساء والاطفال - دوافع الهجوم على دير ياسين - موقف القيادة العمالية السياسية والعسكرية في دير ياسين

--------------------------------------------------------------------------------

المنظمات الصهيونية تتنافس

وصل التنافس في الأشهر الأخيرة من الانتداب البريطاني في فلسطين عام 1948 بعد قرار التقسيم ذروته بين منظمة الهاغانا من جهة والمنظمتين الارهابيتين الارغون ("ايتسل") والشتيرن ("ليحي") من جهة اخرى ذلك ان الأولى كانت تمثل التيار "اليساري" العمالي الحاكم بقيادة بن غوريون في المجتمع اليهودي الفلسطيني والاخريين التيار اليميني المتشدد بتعاليم فلاديمير جابوتنسكي البولوني (1880-1940) الذي كان ابرز قادته مناحيم بيغن (البولوني ايضا) خليفة جابوتنسكي.

وكان اهم مجال لهذا التنافس المجال العسكري أي العمليات العسكرية والارهابية ضد الفلسطينيين التي حلت محل مثيلتها ضد البريطانيين في الفترة السابقة لقرار التقسيم، وكان اخطر مسرح لهذا التنافس مدينة القدس وريفها لما تمثله القدس من اهمية رمزية وتاريخية ودينية وسياسية واستراتيجية. وكان حصاد هذا التنافس المرتجى مكاسب سياسية لدى الرأي العام اليهودي في فلسطين تحدد موقع كل من التيارين على الخريطة السياسية للدولة العبرية المرتقبة الولادة فور انتهاء الانتداب في 15 ايار (مايو) 1948 بعد ان حصلت على الضوء الاخضر في قرار التقسيم.

وكان هامش المزايدة لمصلحة "ايتسل " و "ليحي" في القدس على الهاغانا واسعا رحبا ذلك ان موقفهما السياسي المعلن دونما لبس او حرج بالنسبة للتقسيم كان الرفض القاطع المطلق له من حيث المبدأ والدعوة الصريحة لمناهضته بقوة السلاح لاستثنائه مناطق من "اسرائيل" الكبرى في نظرهم "منحت" للدولة العربية بموجب قرار التقسيم وهو القرار الذي استثنى ايضا مدينة القدس وريفها من كل من الدولة العبرية والدولة العربية كما نص على انشاء وضع خاص منفصل

( Corpus Separatum )

لهما أي للقدس وريفها تحت الوصاية الدولية، وبالمقابل كان موقف القيادة الصهيونية المتمثلة بالوكالة اليهودية بقيادة بن غوريون الرسمي المعلن هو القبول بالتقسيم باستثنائاته جميعا بما في ذلك مدينة القدس وريفها وهو الموقف الذي جعل من الممكن اصلا استحصال هذه القيادة على قرار التقسيم، اذ ان الدول اللاتينية الكاثوليكية لما كانت صوتت في حينه في هيئة الامم تأييدا لمبدأ التقسيم لو كان تضمن ادخال مدينة القدس في الدولة العبرية.

بيد انه اذا كان موقف القيادة الصهيونية القبول اللفظي الظاهر باستثناء القدس من الدولة العبرية المرتقبة فان سياستها الفعلية الباطنة المجسدة في خطة الهاغانا الاستراتيجية الكبرى

(خطة دالتا Plan Delta)

السرية كانت ضم القدس وما امكن من غيرها من المناطق العربية (داخل الدولة العربية) الى الدولة العبرية بقوة السلاح، وبالفعل باشرت قيادة الهاغانا بتنفيذ الخطة دال في الاسبوع الاول من شهر نيسان (ابريل) عام 1948 عندما قدرت ارتخاء القبضة البريطانية على البلاد وصلت مرحلة تتيح لها الفرصة بالبدء بتنفيذ خطتها الكبرى وهكذا شرعت في افتتاح خطة دال بعملية "خشون" التي حشدت لها 1500 من مقاتليها وهو ما اشرنا اليه سالفا.


--------------------------------------------------------------------------------

المحادثات بين الهاغانا وبين "ايتسل" و" ليحي" عشية الهجوم على دير ياسين

كان الطرف الاقوى بين المنظمات الثلاث في القدس الهاغانا التابعة للقيادة العمالية بزعامة بن غوريون وكان عداد قواتها في المدنية 5335 جنديا وحارسا وذلك في اول تشرين الثاني (نوفمبر) 1957 قبيل صدور قرار التقسيم. وكان اهم هذه القوات التي نمت وتطورت بعد قرار التقسيم وحدات جيش الميدان ووحدات البالماخ الضاربة. وانقسمت وحدات جيش الميدان الى كتائب ثلاث: كتيبة "مخمش" وكتيبة "موريا"، وكتيبة "بيت حورون" وتمركزت سرايا البالماخ في المستعمرات القريبة من قرية القسطل على طريق تل ابيب - يافا - القدس الرئيسية كما تمركزت وحدة منها في معسكر شنلر في ضاحية غربية من القدس على بعد كيلومترين الى الشرق من دير ياسين. وفي 14 شباط (فبراير) 1948 عين بن غوريون قائد جديدا (للهاغانا في القدس أي للأحياء اليهودية منها) هو ديفيد شلتئيل وزوده بتعليمات فحواها ان عليه انتهاج خطة على مرحلتين في المدينة. المرحلة (1) الى حين خروج البريطانيين في 15 ايار 1948 والمرحلة (ب) مباشرة بعد الجلاء البريطاني، وفي المرحلة الاولى على الهاغانا التحصن واعداد المدينة ومداخلها للدفاع، منع هجر الاحياء اليهودية الحدودية، تأمين المواصلات بالمستعمرات المجاورة، منع اخلاء البلدة القديمة من اليهود، السيطرة على طريق القدس - باب الواد المؤدية الى الساحل والسيطرة في كل فرصة عسكرية وسياسية على أحياء العرب بهدف تأمين تواصل المناطق اليهودية في المدينة جغرافيا، وفي المرحلة (ب) بعد الجلاء البريطاني، تلخصت الاوامر بجملة مقتضبة:"تحرير البلدة القديمة والقدس بأكملها". كان شلتئيل الماني الاصل خدم في الفرقة الأجنبية الفرنسية وعمل رئيسا لاستخبارات الهاغانا قبل توليه منصبه بالقدس وكان رئيس "الايتسل" في القدس مردخاي رعنان بينما كان يهوشع زطلر رئيس "ليحي". وعندما بدأت الهاغانا بعملية "نحشون" في 4 نيسان لاحتلال القرى العربية الواقعة على جانبي طريق يافا - القدس في السهل الساحلي واحتدمت معركة القسطل في جبال القدس بعد احتلالها في اليوم نفسه من قبل قوات البالماخ ضمن اطار عميلة "نحشون" ذاتها شعر قائد "ايتسل" و"ليحي" بالقدس بالحرج تجاه هذا التحرك الواسع النطاق من قبل الهاغانا فقررا ان يقوما بعمل "يضاهي" ما تقوم به الهاغانا. ويقول اسحاق ليفي رئيس استخبارات الهاغانا في القدس في حينه في مذكراته انه نظرا لقلة مواردهما نسبيا ولعجزهما عن القيام بعملية واسعة النطاق على غرار الهاغانا وخشية ان يتم "عزلهما" لدى الرأي العام اليهودي المقدسي وقع اختيارهما على دير ياسين وكان ذلك في 6 نيسان. ويقول مئير بعيل الذي كان يعمل في استخبارات البالماخ "ان قادة "ايتسل" و "ليحي" جاؤوا الى شلتئيل طالبين منه الموافقة على الهجوم على دير ياسين فقال لهم: لماذا دير ياسين؟ هذه قرية هادئة ويوجد اتفاق عدم تعدي بين غيفعات شاؤول (المستعمرة الاقرب الى دير ياسين) وبين مختارها والقرية لا تشكل أي خطر امني علينا ومشكلتنا هي المعركة الدائرة في القسطل والذي اقترحه ان تندمجوا في معركة القسطل وساعطيكم مستعمرة بيت فيغان كقاعدة للهجوم على قرية عين كارم التي تتوجه عبرها النجدات العربية الى القسطل. فاجاب قائدا "ايتسل و ليحي" بان الهجوم على عين كارم عملية في غاية التعقيد فقال شلتئيل: اعطيكم عملية اهون منها، خذوا مستعمرة موتا قاعدة لكم للهجوم على قرية قالونيا "القرية الاقرب الى القسطل": حيث يمكنكم ان تفعلوا ما تشاؤون

( Control* Destroy* Demolish)

لان القوات العربية تتمركز فيها (أي في قالونيا)".

ويتابع ليفي انه عندما تبين لشلتئيل بان قادة "ايتسل" و "ليحي" مصممون على مهاجمة دير ياسين ارسل الى كل من المنظمتين في 7 نيسان الرسالة الاتية:

"اود ان الفت انتباهكم الى ان احتلال دير ياسين والاحتفاظ بها يمثلان مرحلة في خطتنا العامة، ولا مانع لدي من ان تنفذوا العملية شرط ان تكونا قادرين على الاحتفاظ بها واذا لم يكن في وسعكم ذلك فانني احذركم من نسف القرية التي سيجر في اعقابه ترك سكانها لها واحتلال الانقاض من قبل قوات غريبة وهذا الوضع سيثقل على المعركة العامة بدلا من ان يخفف وسيكلف احتلال المكان مرة اخرى ضحايا عديدة من رجالنا، وثمة سبب اخر اود ان أطرحه عليكم وهو انه اذا جاءت الى المكان قوات غريبة فسوف تتعرقل خطة انشاء مطار بالقرب من القرية". ويتابع ليفي قوله: "عندما علمت برسالة شلتئيل الى المنظمتين اسرعت اليه وشرحت له خطورة عمله حيث ان سكان دير ياسين امناء على العهد بيننا وبينهم وانه لا يجوز ان نؤذيهم بهذا الشكل البشع واستأذنته بان انصحهم باخلاء قريتهم دون ان اعلمهم بان الهجوم عليهم وشيك الحدوث، رفض شلتئيل رجائي قائلا بانه لا يستطيع ان يعرض ارواحا يهودية للخطر بمثل هذا التحذير حتى ولو كان هناك اتفاق بيننا وبين "دير ياسين" ويختتم ليفي كلامه قائلا : " لو ان شلتئيل منع المنظمتين من الهجوم على دير ياسين لامتنعا".

ويتضح بجلاء مما سبق وخصوصا من "تحفظات" شلتئيل على العملية ان قيادة الهاغانا اعطت "ايتسل " و " ليحي" ضوءا اخضر مشعا للهجوم على دير ياسين ان مصيرها كان مقررا ومحتوما ان عاجلا كان ام آجلا على رغم اتفاق عدم التعدي معها فان لم يكن على ايدي المنظمتين الارهابيتين فعلى ايدي الهاغانا.


--------------------------------------------------------------------------------

الاستعدادات للهجوم

يقول المؤلف "الاسرائيلي" برلمتر الذي كتاب سيرة مناحيم بيغن قائد الايتسل" الاعلى انه لكي نفهم ما حصل في دير ياسين يجب ان نفهم ذهنية بيغن ونظرته الى العرب في اطار الظروف السياسية والعسكرية القائمة وهي ذهنية ونظرة استلهمهما من مرشده جابوتنسكي مؤسسة الحركة التنقيحية والتنقيحية ترفض رفضا قاطعا أي ادعاء لعرب فلسطين بأية حقوق سياسة او اقليمية في ارض "اسرائيل" … وجابوتنسكي حرص على نزع الرومانسية عن الشرق وهو القائل "الشرق هو الغريب عني، ونحن معشر اليهود نحمد الله على انه ليست لنا اية علاقة بالشرق… ولا بد من كسح الروح الإسلامية من ارض "اسرائيل"". ويتابع برلمتر كلامه قائلا ان نظرة "ايتسل " و"ليحي" تتفرع عن الحركة التنقيحية لكنها اكثر "راديكالية" من نظرة جابوتنسكي ويمكن تلخيصها بان "العرب انما هم قتلة ووحوش الصحراء وليسوا شعبا يتمتع بشرعية الشعوب".

ويلقي الكاتب اليهودي الاميركي كورزمان ضوءا اضافيا على ذهنية "ليحي" عام 1948 عندما يخبرنا بان قادة المنظمة اسروا له بانهم خططوا في ايار من السنة ذاتها لنسف مسجد قبة الصخرة في الحرم الشريف وان "منطقهم" في ذلك كان ان "المعبد الثاني بني على انقاض المعبد الاول وانه لا بد من ان يقام المعبد الثالث على انقاض المسجد".

وبعد اتخاذ القرار للهجوم على دير ياسين اجتمع قادة الـ "ايتسل " و "ليحي" "العسكريون " لوضع خطة الهجوم وحضر الاجتماع عشرة منهم بما في ذلك بن زيون كوهين قائد الهجوم القادم ممثلا للـ "ايتسل" (الارغون) ومساعده يهودا لبيدوت ويهوشع غولدشميت ضابط عمليات "ايتسل" وحضر عن "ليحي" (الشتيرن) بتحيا زليفنسكي قائد وحدا "ليحي" ومردخاي بن غوزيهو ضابط عملياتها.

ودار النقاش في الاجتماع حول تفاصيل الهجوم وتتطرق الى كيفية معاملة الاسرى والشيوخ والنساء والاطفال. ويخبرنا بن زيون كوهين كما ورد في شهادة بخط يده اودعها في مؤسسة جابوتنسكي في تل ابيب انه "كان ثمة اختلاف في الآراء ولكن الاكثرية كانت تحبذ تصفية جميع الرجال وكل من يقف بجانبهم اكانوا شيوخا ام نساء ام اطفالا واتضح من ذلك انه كانت هناك رغبة عارمة للانتقام لما حدث في كفار اتسيون وعطاغروت".

والإشارة هنا الى معركتين بالقرب من مستعمرتين الأولى جنوب القدس على طريق الخليل والثانية شمالها على طريق رام الله انتصر فيها المجاهدون قبل ذلك بقليل على قافلتين للهاغانا. وثمة وثيقة ثانية لكوهين بخط اليد اضيفت الى الشهادة الاولى في مؤسسة جابوتنسكي تكرر حرفيا ما جاء في الشهادة الاولى. ويخبرنا يهودا لبيدوت مساعد كوهين في شهادة له عن الاجتماع :ان الاقتراح خلاله بتصفية سكان دير ياسين إنما جاء من "ليحي" وان الغرض من ذلك كان ان نثبت للعرب ماذا يحدث عندما تشترك "ايتسل" و"ليحي" في عملية واحدة وان نحدث عاصفة من الأصداء تجتاح البلد بأسره وتصبح نقطة تحول في القتال بيننا وبين العرب وبكلمة كان المقصد تحطيم معنويات العرب ورفع معنويات الجالية اليهودية بالقدس ولو قليلا وهي التي كانت في الحضيض نتيجة الضربات الموجعة التي كان قد تلقتها مؤخرا".

ويضيف لبيدوت ان فكرة الهجوم على دير ياسين كانت من وحي يهوشع غولدمشيت ضابط عمليات "ايتسل" وهو من ابناء مستعمرة غيفعات شاؤول جارة دير ياسين *"ان الدافع الاساسي كان اقتصاديا ذلك اننا كنا في امس الحاجة الى الغنائم لتموين قواعد المنظمتين التي كنا اسسناها حديثا مع بقاء الهدف الامني العسكري. ويدعي لبيدوت ان قادة "ايتسل": تحفظوا على اقتراح "ليحي" بتصفية سكان دير ياسين قائلين ان الموضوع سياسي وليس عسكريا وبالتالي يحتاج الى موافقة القيادة السياسية لـ "ايتسل" وان القيادة السياسية لم تقر اقتراح "ليحي" وطلبت منهم التركيز على الناحية العسكرية اثناء احتلال القرية "

( Focus on the Military Side)

ونستخلص مما سبق عن اسباب اختيار دير ياسين هدفا ولدوافعه الآتي، اولا : قرب دير ياسين من المستعمرات الست المقابلة لها والتي ذكرناه سالفا وخاصة مستعمرة غيفعات شاؤول التي كانت تبعد 1200 متر فقط من قلب القرية (الحارة). ثانيا : سهولة الوصول اليها على الطريق الرئيسية بينها وبين غيفعات شاؤول الصالحة لمرور المصفحات. ثالثا : كون دير ياسين عقدت اتفاق عدم تعدي مع غيفعات شاؤول مما يدل على خوفها وبالتالي ضعفها. رابعا : إمكان استغلال عنصر المفاجأة لاعتماد دير ياسين على اتفاق عدم التعدي. اما الدوافع فهي: التنافس مع الهاغانا والرغبة في تسجيل انتصارات عليها لدى الرأي العام اليهودي المقدسي، بالانتقام لمعركتي كفار اتسيون وعطاروت مع ان دير ياسين لم تشترك في أيهما، (ج) السلب والنهب لكون دير ياسين من القرى العربية الغنية، (د) التنفيس عما في الصدور من كراهية عنصرية دفينة.

ومن الواضح من كلام لبيدوت عن اجتماع القادة انه يحاول إلقاء اللوم رجعيا على "ليحي"، اما ادعاؤه بتحفظ" ايتسل" على المساس بالمدنيين فرياء وهراء، ذلك ان "ايتسل" هي التي ابتدعت فن زرع الألغام الموقوتة في الاسواق العربية المكتظة ابتداء من عام 1938، ويذكر ان يهوشع غولدشميت صاحب فكرة الهجوم على دير ياسين وضابط عمليات "ايتسل": الذي حضر اجتماع القادة هو ذاته الذي قاد الشاحنة المليئة بالمتفجرات التي نسفت فندق الملك داود بالقدس في 22 تموز (يوليو) 1946 مما اسفر عن مقتل 75 مدنيا من بريطانيين وعرب ويهود.

-- ------------------------------------------------------------------------------

خطة الهجوم وترتيباتها الاخيرة

حشدت "ايتسل" و"ليحي" قوة عدادها 200 من اشرس مقاتليهما للهجوم على دير ياسين ووضع حوالي 70 منهم في الاحتياط. ونظم الباقون كقوة هجومية قسمت الى اربع شراذم وعين كل من يهودا لبيدوت وهودا سيفل (كلاهما من "ايتسل" ) ومنشه ايخلر ومردخاي بن عوزيهو (كلاهما من "ليحي") قائد للهجوم ككل بينما تولى بتحيا زليفسكي قيادة رجال "ليحي".

ووزعت على المقاتلين البنادق والرشيشات الاتوماتيكية بالتساوي كما اعطي كل مقاتل قنبلتان يدويتان ومسدس وهراوة وكان لكل شرذمة مدفع رشاش

Bren

واغلب الظن ان الهراوات كانت للاجهاز على الجرحى العرب توفيرا للذخيرة. وحملت الشراذم كميات وافرة من المواد المتفجرة

( gelignite) .

وضمنت خطة الهجوم التحرك على اربعة محاور اولا: شرذمة "ليحي" بقيادة مردخاي بن غوزيهو تتقدم من غيفعات شاؤول وتهاجم دير ياسين من الشمال باتجاه الزاوية القائمة حيث تلتقي الطريق الرئيسية غرب - شرق الموصلة من غيفعات شاؤول الى دير ياسين بالطريق شمال - جنوب التي تمر امام وسط البلدة (الحارة). ثانيا : شرذمة مختلطة تتقدمها مصفحة عليها مكبر صوت بقيادة منشه ايخلر تندفع من الشرق الى وسط البلد على الطريق الرئيسية من غيفعات شاؤول. ثالثا: شرذمة بقيادة يهودا سيفل تنطلق من مستعمرة بيت هاكيريم وتهبط في الوادي الفاصل بين دير ياسين لتتسلق الطرف الآخر من الوادي وتقتحم القرية من الناحية الشرقية الجنوبية عند جامع الشيخ ياسين وشرذمة بقيادة يهودا لبيدوت تنطلق من بيت هاكيريم ايضا وتهاجم القرية بحركة التفافية من الجنوب الغربي حتى تسيطر على اعالي القرية الغربية من الخلف أي من الغرب. وفي شهادة لاحقة لمردخاي جيحون ضابط استخبارات الهاغانا في منطقة بيت هاكيريم ان قيادة الهاغانا أوكلت اليه مهمة احتلال تل الشرافة (جبل هرتسل الان) الواقع الى جنوب شرق دير ياسين (على ان يتزامن ذلك مع تحرك قوات المنظمتين الاخريين) لنصب مدفع رشاش ثقيل

( Spandau)

بهدف توفير سيطرة نارية على درب دير ياسين - عين كارم لمنع النجدات من الاخيرة ولضرب مواقع القرية العليا الغربية ولازعاج الفارين من دير ياسين.

وعينت ساعة الصفر في الخامسة والنصف مع الفجر على الا يبدأ باطلاق النار من قبل القوات المهاجمة حتى يصل كل منها الى هدفه في اطراف القرية البعيدة وفي وسطها وبعد ان تطلق رشقة ضوئية من مدفع رشاش ايذانا بالبدء بالهجوم العام.

ولا بد من كلمة هنا عن مكبر الصوت الذي كان منصوبا بجانب المدفع الرشاش Bren على المصفحة الاقتحامية ذلك ان دوره في المعركة غدا قطب الرحى في الروايات التبريرية اللاحقة للمنظمتين الارهابيتين لما اقترفت ايديهما في دير ياسين، ومعلوم لكل دارس للتكتيك الهجومي للقوات اليهودية في هذه المرحلة بما في ذلك قوات الهاغانا ان هذه القوات كانت دائمة الاعتماد في هجماتها على الاهداف المدنية العربية (اضافة الى القصف والتفجير والضرب بالنار) على عنصر الحرب النفسية عن طريق مكبرات صوت على ناقلات واذاعات في الراديو تدعو السكان المستهدفين الى الاستسلام والفرار امعانا في خلق الذعر والبلبلة في صفوفهم واضعافا للمقاومة وتيسيرا لمهمات الوحدات القتالية وهذا ما حدث بالفعل في هجمات الهاغانا على الاحياء العربية في كل من حيفا والقدس ويافا وغيرها. بيد ان الامر اصبح في الروايات التبريرية اللاحقة لما حدث في دير ياسين ان مكبر الصوت كان انما دليل على فروسية "ايتسل" وليحي" حيث ان النية على استعماله (وهو لم يستعمل كما سنبين لاحقا) عني التخلي عن عنصر المفاجأة وبالتالي تعريض المهاجمين انفسهم للهلاك حرصا على ارواح المهاجمين. وما ذلك طبعا الا هراء في هراء، يذكر ان "ايتسل" اعتمدت هذه الحجة بالذات في اثر مذبحة فندق الملك داود عام 1946 حين ادعت بانها انذرت الفندق بوجوب اخلائه قبل الانفجار بثلاثين دقيقة فجعلت بذلك اللوم لما حدث على ضحاياها. وهكذا انهمك رجال "اتسل" و"ليحي" في الاعداد للهجوم وتدربوا في منطقة مبنية قريبة في حي الشيخ بدر المهجور (وهو من الاحياء العربية في القدس الغربية الذي تم الاستيلاء عليه سابقا) على القاء القنابل اليدوية الى داخل كل منزل واطلاق رشقات رصاص على داخل كل غرفة قبل دخولها وسرقوا المصفحة التي كانت تخص الهاغانا كما سرقوا سارية من مبنى حكومي لرفع الراية الصهيونية على القرية وقاموا بجولات استطلاعية حوالي دير ياسين ووصلوا الى مشارفها ورافقهم في ذلك رجال من الهاغانا والتقوا باعضاء الهاغانا الذين كانوا يتمركزون في مواقع مقابل دير ياسين واتفقوا معهم على كلمة السر"سنضرب العدو".

ولا بد هنا من العودة قليلا الى مئير بعيل الذي روينا عنه اعلاه ما جرى بين شلتئيل قائد الهاغانا في القدس وقادة "ايتسل" و"ليحي": في مقابلة حاول الاول فيها ان ينهيهم عن الهجوم على دير ياسين واختيار قرى سواها ذلك ان بعيل اصبح ابرز ناقد عمالي يساري لافعال "ايتسل" * " ليحي" في دير ياسين في المناظرة العنيفة التي ما زالت قائمة الى يومنا هذا حول ما حصل فعلا في 9 نيسان عام 1948 وحول دور الهاغانا في المعركة ويخبرنا بعيل التابع لمخابرات البالماخ في حينه انه كلف بمراقبة المعركة المقبلة حتى يرفع تقريرا إلى قادة الهاغانا يقيم فيه اداء المنظمتين الارهابيتين العسكري لكونهم كانوا ينظرون في صلاحيتهما للاندماج في قوات الهاغانا أي جيش الدولة العبرية المزمع اعلانها قريبا. ويقول بعيل انه اندس بين صفوف المهاجمين حين بدء تحركهم نحو دير ياسين حاملا رشيشا من نوع

( Tommy)

لم يطلق منه رصاصة واحدة وانه اصطحب معه مصورا يحمل الة تصوير من نوع "لايكا" وان المصور التقط 36 صورة عن مراحل المعركة كلها ارسلها بعيل مع تقرير الى قيادة الهاغانا فور انتهائها وسنتطرق الى بعيل وروايته ومشاهداته لاحقا. قبيل منتصف ليل 8/9 نيسان تحركت قوة "ليحي" بقيادة بتحيا زليفنسكي من حي الشيخ بدر (مسرح تدريبهم ) الى مستعمرة غيفعات شاؤول نقطة انطلاقها اذ تمركزوا في موقع للهاغانا ملاصق لمصنع البيرة. وفي الوقت نفسه وصلت قوة "ايتسل " بقيادة بن زيون كوهين الى مستعمرة بيت هاكيريم نقطة انطلاقها.


--------------------------------------------------------------------------------

ليل الجمعة 9 نيسان 1948

لم تكن ليلة الجمعة 9 نيسان (ابريل) عام 1948 ليلا ساكنا لاهالي دير ياسين البالغ عددهم 750 نفسا. بيد انه لم يخطر ببال احد منهم انها ستكون اخر ليلة سيأوون فيها الى فراشهم بين اهلهم ووسط كرومهم في قرية ابائهم واجدادهم او ان العديد من اقرب الاقربين اليهم لن يروا غروب الشمس التالي، ولف البلدة جو جمع بين دكنة الليل والحزن على عبد القادر، وشد القلوب شعور بالانقباض وهواجس مصدرها التحسب وضيق النفس. وطلب حسن رضوان من زوجته عثمانه الا تنام الليلة مع الاولاد في منزلهما الواقع في اطراف البلدة الغربية، وان تذهب للمبيت في منزل والدها صالح رضوان (90) وسط القرية، فتفعل، وتمضي هزيع الليلة في احاديث مع والدها الذي يسر اليها مخاوفه، خصوصا ان يهوديا من معارفه زاره ظهر اليوم (الخميس) في كسارة العائلة بالقرب من غيفعات شاؤول ليحذره بلغة عربية ركيكة "يا خاج روخ من هون بدهم يضربوا من شانك". وتشاهد عزيزة عطية زوجة محمود رضوان من منزلها ليلا تجمعا يهوديا مريبا في غيفعات شاؤول فتخبر احد جيرانها فينصحها بالسكوت حتى لا تخيف القرية، وتقرر ان تذهب الى فرن القرية في ساعة مبكرة (هي الثانية صباح الجمعة) على غير عادتها حاملة صينية العجين على رأسها وتترك اولادها نائمين : جمال (سنة ونصف)، ثريا (4 سنوات)، سكينة (9 سنوات)، احمد (11 سنة)، فاطمة (12 سنة) ورفقة (14 سنة) وتغلق عليهم الباب وتأخذ معها المفتاح وفي نيتها العودة قبل ان يستيقظوا، ويستمع زوج ام عيد الى نعي عبد القادر ـ عبد القادر، مجاهد فلسطيني كان من القادة المدافعين عن ارض فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني استشهد في نيسان 1948ـ من الة الراديو في منزله، وهي احدى ثلاث آلات راديو في القرية تعمل على بطاريات السيارات ويقوم ليستحم وينام فتتولى تنظيف البيت وتخرج الموقد خارجه وتشعر في الظلام ان شيئا ما لمسه فتهر ب الى داخل البيت مذعورة وتطرق الباب بشدة ايقظت زوجها وتروي له ما حدث فيهدأ من روعها ويطلب منها الخلود الى النوم فترضع ابنها وتنام. قرابة الواحدة صباحا من يوم الجمعة 9 نيسان (ابريل) تحركت شراذم مشاة المهاجمين الثلاث من قواعدها حتى تكون في مواقعها المحددة لكل منها في اطراف القرية وفق خطة الهجوم عند ساعة الصفر في الخامسة والنصف من الصباح. وللتذكير نعيد ما اسلفنا: اقتضت الخطة ان تنطلق شرذمة ليحي (شتيرن) من مستعمرة غيفعات شاؤول غربا لتقتحم القرية من الشمال الشرقي في منطقة بئر الجوزة. عند المنازل والمنازل قبلها على يمين الطريق وتنطلق شرذمتان للايتسل (ارغون) من مستعمرة بيت هاكيريم احداهما تقوم بحركة التفافية من الجنوب لتقتحم اعالي القرية الغربية عند المنازل والثانية تقطع الوادي الفاصل هبوطا وصعودا لتقتحم القرية عند منطقة جامع الشيخ ياسين ومدرسة البنات اما المصفحة فتنقل قسما من الشرذمة الرابعة المختلطة (10 مقاتلين) من ايتسل وليحي ويتبعها الباقون سيرا على الاقدام وتسرع على الطريق الرئيسية لتصل الى وسط القرية عند المنزل على ان يتزامن وقت انطلاقها مع انتهاء تمركز الشراذم الثلاث الاخرى المسبق في مواقع بدء هجومها عند ساعة الصفر لقصر المسافة التي على المصفحة قطعها، وهكذا كانت الخطة الا يباشر المهاجمون باطلاق النار قبل احكام الطوق على القرية من الشمال والشرق والجنوب والغرب على ان تكون اشارة البدء صلية ضوئية من مدفع رشاش تحمله شرذمة "يهودا سيغل " المكلفة بالاقتحام بالقرب من جامع الشيخ ياسين، ويروي يهودا لبيدوت قائد شرذمة ايتسل الثانية ان قوته صادفت على الطريق حراسا من الهاغانا :"فقلت لهم: اننا ذاهبون لمهاجمة دير ياسين، باركونا قائلين، نتمنى لكم النجاح، نتمنى لكم النجاح". في هذه الاثناء كان رجال دير ياسين وشبابها في حال تأهب شديد يتناوبون الحراسة ويساندون بعضهم بعضا فيها فاسماعيل محمد عطية (37 سنة) العائد لتوه من معركة استرداد القسطل يتوجه الى منزله ليتفقد اسرته ثم ينطلق الى احد مراكز المراقبة امام منازل العائلة. ليقف على مسافة من اخيه الاصغر وكلاهما يحمل بندقية، وينهي داود جابر دوره في الحراسة في الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل وبدل ان يعود الى منزله يتوجه مع آخرين لدعم المجموعة المرابطة عند كسارة سحور، وفي الساعة الثانية عشرة ايضا يستلم احمد رضوان البندقية من اخيه محمود الذي يكبره سنا ليقوم بدوره في الحراسة والمراقبة، ويأخذ في الوقت نفسه حسين زيدان البندقية من ابنه داود … وهكذا… ويروي اسماعيل محمد عطية انه شاهد في الثانية والنصف صباح الجمعة اضواء كاشفة لسيارات يهودية تخرج من المستعمرات تارة وتعود تارة فيذهب مع آخرين الى الطريق الرئيسية الموصلة الى المستعمرات ليستطلعوا جلية الامر فلا تلبث حركة السيارات ان تتوقف ويبدو كل شيء هادئا وتغط المستعمرات في ظلام دامس.


--------------------------------------------------------------------------------

تفاصيل المعركة

وتختلف الروايات عن بدء اطلاق النار فاسماعيل محمد عطية يروي انه فوجي في الساعة الثالثة والنصف تقريبا بسماع رصاص من بندقية اخيه محمود فيطلب منه تفسيرا عن "هذا التصرف الطائش" فيرد محمود انه اطلق على يهودي يحاول التسلل.

ويروي داود جابر انه سمع مع رفاقه من موقعهم عند كسارة سحور. في الساعة الرابعة عيارا ناريا فيطلب منه حسين زيدان الذي كان في الموقع نفسه ان يذهب ويخبر القرية بعدم اطلاق النار. ويروي بن زيون كوهين "ايتسل" قائد الهجوم ان رجاله كانوا رابضين عند اطراف وسط القرية، وكان الحراس العرب يتجولون بين المنازل ويتحدثون مع بعضهم البعض وفي الساعة 4.25 دحرج احدنا حجرا بطريق الخطأ فسمعنا ضجة خطوات مسرعة ويخاطب احد الحراس زميله مناديا:" يا محمد" !، فيظن قائد جماعتنا ان واحد من ليحي (شتيرن) يلفظ بداية كلمة السر

:"احدوت" (ومعناها وحدة) فيعطي الجواب المتفق عليه

:

"لو حيمت " (ومعناها قتالية) فيصرخ الحراس العرب "يهود يهود" ولم يعد امامنا خيار وفي الساعة 4.30 قبل ساعة الصفر بساعة اصدرت امرا الى جماعة يهودا سيغل الامامية باطلاق رشقة طلقات ضوئية من مدفعه الرشاش مؤذنا ببدء الهجوم".

ويروي حسين عطية (28 عاما)، وهو الذي كان من اعضاء وفد القرية الذي ذهب الى مصر لشراء السلاح كما اسلفنا، ان دوره كان في مركز امامي على تل يشرف على الطريق الرئيسية بالقرب من كسارة سحور، وانه في الساعة الرابعة من فجر يوم الجمعة سمع ورفاقه في الموقع بوقع اقدام من الجهة الشمالية الشرقية (شرذمة ليحي القادمة من غيفعات شاؤول)، ولكن الصوت كان بعيدا ولم يروا شيئا، وكانت مهمتهم حراسة الطريق الرئيسية، ولم يأت احد على هذه الطريق بعد، ثم سمعوا صوت المعركة قائمة خلفهم وسط البلد (شرذمة أيستل بقيادة بن زيون كوهين) " عند مركز ابن العم اسماعيل عطية وابنه محمود"، وما لبث ان شاهد مجموعة ثانية يهودية "طلعت علينا من الشمال عند المدرسة" (مدرسة الصبيان) خلفهم ايضا و "بدأت المعركة بيننا وبين اليهود (شرذمة ليحي) الذي احتلوا المدرسة كما استعرت في حارات وسط البلد".

وينتقل حسين ورفاقه الستة من التل الى سطح منزل الحاج احمد رضوان، المشرف على الخندق المموه وتأتي المصفحة تتقدم الشرذمة الرابعة وتتوقف عند الخندق ويحاول من فيها (عشرة مقاتلين) ومن خلفهم ( شرذمة ليحي وايتسل المختلطة) ردم الخندق وتجري معركة عنيفة لمنعهم من ذلك وتسقط المصفحة في الخندق ويستمر تبادل اطلاق النار الى ان تنفذ ذخيرة المدافعين ويضطرون الى الانسحاب من سطح المنزل عبر اشجار الزيتون الى اعالي القرية الغربية حيث ينضمون الى المقاتلين الذي تمركزوا هناك.

ويروي جمعة زهران الذي كان يقطن مع اقاربه من ال زهران في المنازل انه خرج من منزله لوضوء صلاة الفجر حوالي الأربعة وان حرس القرية اخذوا ينهرون باصوات عالية قائلين "سمعنا قرقعة تتقدم نحونا (شرذمة ليحي القادمة من الشمال من غيفعات شاؤول) ولكنهم لم يردوا علينا" ويتابع جمعة:" اننا لم نتحر مصدر القرقعة لاول وهلة بسبب الظلام اذ كان الجو غائما وبدأ رذاذ المطر" حتى انطلقت شارة "ملونة" حوالي الخامسة وبدأت المعركة.

كان جمعة عند باب بيته من دون سلاح اذ ان السلاح كان مع والده الحاج محمد ومع اخيه علي وابن اخيه محمد الذين كانوا يحرسون منازل العائلة ويصاب الوالد بعد الطلقات الاولى فيأخذ جمعة البندقية الايطالية منه واذ به يفاجأ باليهود (شرذمة ليحي) "تماما امام بيوتنا". وكان اخوه وابن اخيه يقاومان من ناحية الشمال ويجد جمعة نفسه وجها لوجه امام يهودي في ممر قريب من منزله فيستحكم كل منهما خلف جدار ويضربه اليهودي عبوة من رشيشه ويخطئه ويضربه هو طلقة ويخطئه ويتقدم اليهودي من خلف السور ويمسك ببندقيته يريد سحبها منه وبعد شد وجذب يتغلب على اليهودي الذي ينقلب على ظهره فيطلق عليه عيارا يصبيه به وتنصب على جمعة النار من جهات عدة فينسحب الى خلف منزل يوسف عليا ومنه الى اعالي القرية الغربية، حيث ينضم الى المقاتلين الذين تمركزوا هناك ويكون هذا اخر عهد له بمجموع افراد عائلته واقاربه كافة ناهيك عن منازلهم.

ويروي خليل سحور اخو المختار محمد سحور الذي كان يقاتل الى جانب الحاج محمد زهران (والد جمعة) انه نصح الحاج الجريح بالعودة الى منزله ثم يذهب الى منزل يوسف عليا لاخراج الذخيرة التي كانت هناك وينضم اليه ابناء يوسف عليا علي واحمد ومحمد ويستحكم الاربعة خلف الجدار عند قائمة الزاوية بين الطريقين عند بئر الجوزة بالقرب من منزل ال عليا وتكون شرذمة ليحي قد مرت وتقدمت الى وسط القرية باتجاه المنازل فيجري تبادل عنيف بالنار بين الفريقين ويبدأ مقاتلو دير ياسين في اعالي القرية باطلاق النار على منطقة بئر الجوزة ويتابع خليل " اصبحنا بين نيرانهم ونيران اليهود وحاولنا ان نلفت انظارهم ولكن عبثا". كانت الساعة حوالي الخامسة والنصف صباحا وبعدها بقليل يأتيه من يقول ان بعض نساء واطفال ال سحور ما زالوا في منزل عبد الحميد سحور فيذهب معه ويخرجهم من شباك خلفي ويصعد الى منزل عارف سحور حيث يستحكم على سطحه ويعيق مع رفاقه تقدم اليهود على الطريق الرئيسية التي يشرف عليها المنزل. وتروي الروايات السالفة للمدافعين سير القتال في الطرف الشرقي للقرية عند الكسارات والخندق (رواية حسين عطية) وعند زاوية الطريقين القائمة (روايتا جمعة زهران وخليل سحور).

وننتقل الان الى وسط البلدة قرب منازل ال عطية ثم الى اعاليه الغربية عند المنازل ثم نصعد الى اعلى منازل القرية ويلاحظ ان شرذمة ليحي القادمة من الشمال من غيفعات شاؤول نجحت في اقتحام منطقة المنازل وتقدمت نحو وسط البلد من بئر الجوزة، باتجاه المنازل اما الشرذمة الثانية المختلطة القادمة من الشرق على الطريق الرئيسية والتي تقدمتها مصفحة فقد تعثر مسيرها بسبب الخندق والمقاومة من سطح المنزل ولاحقا من خليل سمور ورفاقه ومن المقاتلين في اعالي القرية.

واصطدمت الشرذمة الثالثة المهاجمة من بيت هاكيريم عبر الوادي بمقاومة شديدة من وسط القرية وكان احد المواقع المقاومة منزل الحاج اسماعيل عطية وهو يطل على الوادي بأسره وعلى ساحة في الطرف الاخر من الشارع في حائطها بوابة كبيرة للعبور الى الوادي ومنه. وكان المنزل يتألف من ثلاثة طوابق ولسطحه حائط سميك وكان يصعد الى المنزل على سلم في 26 درجة كما يذكر عزمي ابن الحاج اسماعيل الصبي حينذاك (10 سنوات) "اذ كنت اعدها طالعا نازلا". وكان في المنزل من الرجال الحاج اسماعيل (90 عاما) وابنه ربحي (22 عاما) وحفيده محمود (20 عاما) وكان الابن الاكبر محمد (45 عاما) خارج المنزل وما ان هم محمد بدخوله حسب رواية عزمي حتى صرخت اخته سعاد

:

" محمد محمد اليهود اليهود"

: اذ رأت عددا منهم يحاولون عبور بوابة الساحة المقابلة من الوادي فاطلق محمد عليهم النار من رشيشه

( Sten)

وتراجعوا وصعد السلم بسرعة بينما كان ربحي ومحمود يغطيانه واتخذ محمد زاوية من السطح وابنه محمود زاوية اخرى بينما كان موقع ربحي عند احدى النوافذ المطلة على الوادي والسلم وطلب محمد من عزمي وسائر العائلة تعبئة امشاط الستن والبنادق له وللاخرين واستمر اطلاق النار بشدة من المنزل ومن منازل قريبة دون ان يتمكن المهاجمون من اقتحام البوابة، واذا تعثر هجوم شرذمة لايتسل في هذه الناحية فان هجوم الشرذمة الرابعة الالتفافية الذي كان القصد منه الوصول الى اعالي القرية الغربية عند المنازل يصد، ويعزو تقرير قدمه في 10 نيسان غداة المعركة مردخاي جيحون الذي كان ضابط مخابرات الهاغانا في المنطقة والمكلف كما اسلفنا بمساندة الهجوم باحتلال تل الشارفة (جبل هرتسل الان) فشل المهاجمون في احتلال دير ياسين في الساعات الأولى من الصباح الى صد تقدم هذه الشرذمة بالذات ذلك انه لو استطاعت في وقت مبكر من الصعود الى اعالي القرية الغربية لكانت تمكنت من حسم المعركة في فترة وجيزة (انتهى كلام جيحون). ويعود صد تقدم هذه الشرذمة وارغامها على الهبوط ثانية الى الوادي الى حفنة من مقاتلي القرية وعلى رأسهم علي قاسم الذي كان منزله في اعاليها وقد اصيب علي خلال دحره المهاجمين اصابة خطرة نقل في اثرها الى عين كارم وهو من المحاربين القدماء من ثورة 1936 وهو الذي درب اهالي دير ياسين على السلاح كما أسلفنا. وورد في الروايات السالفة انسحاب بعض المقاتلين الى منطقة المنازل والواقع ان المرابطين في هذه المنطقة لعبوا دورا اساسيا في القتال لا يقل عن دور علي قاسم بل قد يفوقه. ويروي حسن رضوان انه أستيقظ على اصوات اطلاق الرصاص وصراخ عال من انحاء القرية. فيقف عند باب داره استطلاعا للأمر فيشاهد جيرانه عند ابواب بيوتهم كذلك. يأخذ بندقية من ابن جاره محمود لصغر سنه ويستحكم خلف جدار امام الدار يشرف على القرية بأسرها وعلى الطريق الرئيسية من غيفعات شاؤول وكانت بندقيته انكليزية من مصر يحتوي مخزنها على خمس طلقات وكان في منزله حوالي ثلاثين مخزنا اشترى ذخيرتها من هنا وهناك ومن بعض افراد القرية. وعند بزوغ الشمس يرى اليهود يأتون من الشرق "عند بيوت زهران" وكانت الساعة حوالي الخامسة فأخذ يطلق عليهم النار وهم يردون عليه وكانت اقرب طلقة منهم بعيدة عنه حوالي ثلاثة امتار وبقي ثابتا في موقعه "لا طالع ولا نازل" حتى الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر يطلق النار باقتصاد لقلة ذخيرته حوالي 20 طلقة في الساعة على اهداف مختارة ويحضر الى جواره حوالي السابعة جمعة زهران يتبعه خليل سحور، ثم عبد المجيد سحور واخوه عبد الحميد، فيشاركون في القتال وكان عبد المجيد قناصا ماهرا، وفي هذا الاثناء كان ابو علي صلاح يطلق النار باستمرار من مدفع رشاش يرن من منزله، ويشتد ازيز الرصاص وتدوي الانفجارات في عدد من احياء القرية ويحاول اليهود عبثا الصعود الى اعالي القرية بسبب شدة النيران من هؤلاء المقاتلين، وتشهد جميع الروايات اليهودية اللاحقة بقوة مقاومة هذه المنطقة العليا وتصف خطأ منزل ابو علي صلاح بـ"منزل مختار دير ياسين"، لعلوه وشدة مقاومته بينما منزل المختار هو مقابل فرن البلدة، الذي كان المختار يملكه، وتتمكن هذه المجموعة المقاومة مع سائر المقاتلين من تثبيت المهاجمين عند اطراف القرية الشرقية لساعات عدة مما ادخل اليأس الى قلوبهم.


--------------------------------------------------------------------------------

شجاعة العرب اوقعت المهاجمين الصهاينة في مأزق

وفي الساعة الخامسة تبدأ طلائع الجرحى من المهاجمين في الوصول الى غيفعات شاؤول ويكتب الضابط المناوب للهاغانا في قيادة ديفيد شلتئيل قائد الهاغانا بالقدس في دفتر العمليات اليومية "هوجمت دير ياسين في عملية مشتركة للايتسل وليحي، ليحي نجحت في عمليتها من جهة غيفعات شاؤول والايتسل اصطدمت بصعوبات، هناك أخبار عن مقاومة لا بأس بها وهناك قتلى وجرحى بين المهاجمين". وفي السادسة يصاب بن زيون كوهين (ايتسل) قائد الهجوم بجراح خطيرة ولا يستطيعوا اخلائه، ويروي يونا بيتلسون "كنت مناوبا في هيئة الاركان للهاغانا في تلك الليلة ويسأل حراس الهاغانا في غيفعات شاؤول" ما العمل؟ المهاجمون عالقون ونصدر لهم الامر بمساعدتهم". ويقول المؤرخ اليميني ملشتاين:" اشتركت رشاشات الهاغانا في الاحياء المقابلة لدير ياسين في العملية واصيب الكثيرون من اهالي دير ياسين من قبل جراء هذه النيران". ويضيف :"تقدم عدد قليل فقط من ايتسل تحت وابل النيران لملاقاة رجال ليحي وسط القرية" ويتابع ملشتاين "عندما نفذت الذخيرة من ايتسل وليحي اعطاهم قائد غيفعات شاؤول في الهاغانا ذخيرة قليلة واخذوا من دون موافقته مدفعا من طراز لويس

( LEWIS).

ويقول تعميم وزعه جهاز استخبارات الهاغانا على كبار القادة في 18 نيسان "مع سقوط الجرحى والقتلى الاوائل في اوساط المنشقين (أي ايتسل وليحي) دبت الفوضى في صفوفهم، كأن وحدة صغيرة خاضت المعركة بمفردها ونفذ الاحتلال بوحشية، عائلات بأكملها قتلت، وتكدست الجثث فوق بعضها البعض". وفي الساعة السابعة صباحا يروي عزرا يخين (ليحي) :" جاء موفد من ايتسل الى القطاع الذي كانت فيه ليحي وقال ان رجال منظمته يبحثون في الانسحاب بسبب النقص في الذخيرة، وقال مردخاي بن عوزيهو قائد ليحي الذي لم يكن قد جرح بعد للموفد اذهب واقنعهم بعدم لانسحاب فنحن في داخل القرية. وفي الوقت نفسه يصل جريح الى غيفعات شاؤول حسب رواية ملشتاين ويصرخ "لماذا لا تخلون الجرحى؟". فتصدر الهاغانا الاوامر لسيارة اسعاف نجمة داوود الحمراء الى الذهاب الى دير ياسين لاخلائهم وتكرر زياراتها ذهابا وايابا ولم يتمكنوا من اخلاء بن زيون كوهين الا في الساعة 11.30.

وفي "وقت مبكر" يحضر ضابط الاتصال بليحي الى معسكر البالماخ في مدرسة شنلر حسب رواية ملشتاين ويقول ان رجال ايتسل منهكون ويطلبون المساعدة فتسرع مجموعة من البالماخ في تاكسي مع مدفع هاون بوستين ودليل الى دير ياسين.

وفي الساعة التاسعة يصل عداء من القرية الى قيادة مردخاي رعنان قائد الايتسل في القدس حسب روايته هو ويبلغه ان عدد المصابين عشرون وان القوة عاجزة عن التقدم وبن زيون وكوهين الجريح يطلب التعليمات فيذهب رعنان وبصحبته ويهوشع غولدسميث الى القرية" تحت نيران القناصة" ويجتمعا بكوهين الذي يقول لههما " القرار لكما ولكن حسب رأيي لا توجد فرصة لاحتلال القرية وينبغي علينا ان ننسحب وكان يسود المكان جو من الكابة".

وفي هذه الاثناء حسب رواية المؤرخ ملشتاين اليميني يصل موفد من ايتسل الى قيادة اللواء عتسيوني للهاغانا في القدس قائلا :" اذا لم تساعدونا فنحن هالكون". ويصدر شلتئيل امره الى قوات البالماخ المرابطة في مستعمرة كريات عنافيم بالقرب من القسطل بارسال ثلاث مصفحات الى دير ياسين ويقول في شهادة لاحقة:" اضطررت الى اصدار الامر الى البالماخ لمساعدتهم لانقاذهم". ويشهد زيون الداد ضابط عمليات اللواء عتسيوني في وقت لاحق:" لولا المساعدة التي قدمها البالماخ لما كانت ايتسل انقذت جرحاها ولما كانت استطاعت الاستمرار في العملية". لكن تدخل البالماخ لم يكن فقط لاخلاء الجرحى كما تشهد بذلك روايتا قائد القوة - النجدة يعقوب فوغ (ونائبه ذاتهما) اذ يقول فوغ :"اخبروني عن دير ياسين وعن وضعهم الباعث على اليأس وانه ليس في مقدورهم اخلاء جرحاهم وطلبوا سلاحا وتغطية واشخاصا" ويتابع فوغ انه اعطى موفدي زطلر (قائد ليحي في القدس ) 3000 طلقة وتوجه عند الظهر بعد الحصول على الامر من شلتئيل الى دير ياسين مع مصفحتين وتندر ومدفعي 52 ملم وثلاثة مدافع رشاشة وكان عدد الاصابات بين المهاجمين قد وصل الاربعين ويصاب قائد ليحي مردخاي بن عوزيهو كما يصاب يهودا سيغل قائد القوة الامامية في ايتسل ويطلب سيغل من مساعد قائد ايتسل يهودا لبيدوت ان يجهز عليه ويروي لبيدوت "مددته على باب وحمله اثنان من زملائه ولكنهما اصيبا فارسلت آخرين ليعيدوا الثلاثة". وتصل قوات البالماخ الى القرية ويجتمع فوغ بقادة ايتسل وليحي ويطلب منهم شرحا تفصيليا على الخارطة ويتبين له انه اضافة الى الجرحى هناك في القرية 25 مقاتلا يهوديا عاجزين عن الحركة بسبب القناصين وخصوا بالذكر منزلا معينا في غربي القرية يطلق القناصون النيران منه "فاطلقت ثلاث قذائف على الجناح الشمالي للمنزل وتوقفت الطلقات منه". ويخبرنا مساعد فوغ، موشيه عيران ان المهاجمين والعرب في القرية كانوا متداخلين مع بعضهم بعضا وكان يتعذر استخدام مدافع الهاون من دون تعريض رجال ايتسل وليحي للخطر (انتهى كلام عيران ). وهكذا دخلت جماعتان من البالماخ بقيادة فوغ وعيران لتصفية مصادر النيران"، ويروي كلمان روزنبلات احد افراد قوة البالماخ" انتقلت مع ستة اشخاص من منزل الى اخر، القينا قنابل يدوية الى داخل المنازل قبل ان ندخلها وقابلنا رجال ايتسل وليحي في وسط القرية. وانضم بعضهم الينا وقال الآخرون " حتى الآن قاتلنا نحن و الآن قاتلوا انتم". ويضيف عيران ":كانت النيران داخل القرية حامية وكان الجرحى من ايتسل وليحي قريبين من النيران وحاولنا الاقتراب منهم، وعندئذ جاء نداء من طرف القائد شلتئيل وامرنا بمغادرة القرية فورا، اخذنا معنا عددا من الجرحى وعدنا الى غيفعات شاؤول ولم نصل الى منزل المختار ! ! ".

ويروي ملشتاين ان جمهورا يهوديا في حال انفعال تجمع في مستعمرة غيفعات شاؤول وكان هناك مصور من

( up)

واخذت النساء تملئ مخازن البنادق والمدافع الرشاشة لإرسالها الى المهاجمين اليهود في دير ياسين ويروي شمعون مونيتا ان مهاجمي ليحي "ازعجنا قناص كان يسيطر على المنطقة كلها من منزل المختار وكانت كل طلقة منه من مسافة 500 متر صائبة ودخلنا الى المنازل للاحتماء من القناصين". ويروي رؤوفين غرينبرغ من مهاجمي ليحي ايضا "قاتل العرب كالأسود وتميزوا بقنص محكم وخرجت النساء من بيوتهن تحت النيران وجمعن الاسلحة التي سقطت من ايدي المقاتلين العرب الجرحى ونقلنها الى المواقع الداخلية.

--------------------------------------------------------------------------------

فنون صهيونية في احترام الموت : انهم يحرقون بشرا

اقلقت زيارة جاك دو رينييه ممثل الصليب الاحمر الدولي لدير ياسين صباح الاحد 11 نيسان (ابريل) كلا من الوكالة اليهودية (أي القيادة السياسية الصهيونية المركزية) وقيادة الهاغانا في القدس كما اقلقت قادة المنظمتين الارهابيتين ايتشل (الارغون) وليحي (شتيرن) ، وكان رجال المنظمتين الاخيرتين منهمكين في نهب موجودات القرية منذ انتهاء القتال بعد ظهر يوم الجمعة 9 نيسان ولم يجرؤا على التقدم نحو اعالي القرية ورفع العلم الصهيوني على اعلى منزل فيها، إلا يوم السبت في 10 نيسان رغما عن خلو البلدة من المدافعين وانسحابهم منها بسبب نفاد الذخيرة وعدم وصول نجدات.

و أصر قادة المنظمتين الإرهابيتين على الخروج من دير ياسين بمنهوباتهما وغنائمهما في اسرع وقت ممكن وتسليم القرية الى رجال الهاغانا وفق الاتفاق مع هذه الاخيرة كما ذكرنا. بيد ان ديفيد شلتيئيل قائد الهاغانا في القدس كان حريصا على ان تقوم المنظمتان الارهابيتان بدفن جثث ضحاياهما قبل استلام القرية منهما اخفاء لمعالم جريمتهما وشواهدها. وكان شلتيئيل قد اصدر أوامره لوحدات من لواء الشبيبة (الجادناع) في القدس للاستعداد للحلول محل رجال ايتسل وليحي ولكنه في الوقت نفسه كان يخشى على معنويات الجادناع من رؤية ما اقترفته ايدي المنظمتين الارهابيتين. في هذه الاثناء وبعد مغادرة دو رينييه لدير ياسين عصر الاحد 11 نيسان قرر قادة المنظمتين أن لا سبيل "للتخلص" من جثث ضحاياهما لا بحرقها. ويروي موشيه برزلاي (ضابط استخبارات ليحي): "صببنا ثلاثة اوعية نفط على ثلاثين جثة في الشارع الرئيسي في القرية وبعد نصف ساعة ادركنا ان هذا مستحيل، فيصدر يهوشع زطلر (قائد ليحي في القدس) امرا بنقل الجثث المحترقة قليلا من الشارع الرئيسي الى ما وراء جدار ويرفض رجاله فعل ذلك فيسحب زطلر مسدسه عليهم ولكني قلت له كن قدوة. وجررنا سوية احدى الجثث وانفصلت يد عن الجسم وبقيت معي وتقيأت".

ويروي شاهد عيان من ليحي اسمه شمعون مونيتا:" اعتقدنا ان الجثث ستشتعل ولكن لا يمكن احراق جثث في الهواء الطلق ولقد بنى النازيون من اجل ذلك موقدا خاصا يشتعل بدرجة حرارة عالية جدا". وفي هذه الاثناء يصل دورون حسدأي احد قادة الجادناع الى القرية للاستطلاع بصحبة يشورون شيف مرافق شلتئيل ويصف ما شاهده كالأتي:" على امتداد عشرات الامتار كانت تتوقد شعل من النيران وفيها جثث، لا تزال رائحة اللحم المشعوط تطاردني الى الآن ويتصل شيف بشلتئيل ويقول له "محرقة انهم يحرقون بشرا".

--------------------------------------------------------------------------------

اخفاء ادلة الجريمة ونهب المنازل

ويقرر شلتئيل منع خروج رجال المنظمتين الارهابيتين من دير ياسين وارغامهم على دفن الجثث ويوكل المهمة الى وحدة من الشرطة العسكرية التابعة للواء عتسيوني (الهاغانا) بقيادة ديفيد دريفوس، تعزيزا لوحدات الجادناع وتسير وحدة الشرطة العسكرية ووحدة الجادناع نحو القرية ومعهم يشورون شيف ليجدوا حاجزا من الحجارة يقف خلفه مردخاي رعنان (قائد الايتسل في القدس) ويهودا لبيوت (قائد ليحي في دير ياسين) مع عدد من مرؤسيهم ويجري تلاسن بين الطرفين يعقبه اشتباك بالأيدي يهدد بالتطور الى اشتباك بالسلاح ويتصل شيف بواسطة جهاز لاسلكي بشلتئيل ويقول شلتئيل: "جردهم من سلاحهم واذا لم يسلموا سلاحهم اطلق عليهم النار". ويجيب شيف حسب روايته:" لا استطيع ان افعل ذلك بيهود". وفي هذا الاثناء تصل تعزيزات الى الايتسل في شاحنتين ويصر قادة المنظمتين الارهابيتين على الخروج بشاحنات محملة بغنائمهما . ويخبر شيف شلتئيل بان ما لديه من قوة لا تكفي للسيطرة على الوضع ويقال لرجال الايتسل وليحي: "خذوا ما تريدون وانصرفوا". وهكذا اخيرا تدخل وحدات الجدناع القرية بقيادة قائد لواء الجادناع يهوشع ارئيلي الذي يروي ان شلتئيل امره "بازالة الجثث ودفنها قبل عودة بعثة الصليب الاحمر الدولي".

ويتابع ارئيلي القول بان معظم القتلى كانوا من الشيوخ والنساء والاطفال وانه كلف بالدفن فقط قادة متقدمين في السن نسبيا: "عملنا طوال ليلة 12/13 نيسان وكان من الصعب اخراج الجثث من منزلين فحصلنا على موافقة على نسف المنزلين مع الجثث وأنفذنا ذلك صباح الثلاثاء 13 نيسان ودفنا في قبر جماعي حوالي 70 جثة ونسفنا مجموعتين للجثث في كل واحد منهما حوالي 20 جثة وبهذا يكون المجموع حوالي 110 قتلى".

ومكث أثناء الدفن عدة أشخاص من قادة اللواء عتسيوني التابع للهاغانا وكان واحدا منهم يشورون شيف.

ويروي هيلل بوليتي احد قادة الجادناع "احضروا لنا من المدينة قفازات ومعاطف واقية وكمامات لتغطية الوجه ونقلنا الجثث اثنتين اثنتين بايدينا الى مقلع للاحجار واحضرت من المدينة جرافة غطت الجثث بالتراب".


--------------------------------------------------------------------------------

بريطانيا : قعود عن فعل شيء.

كان المندوب السامي البريطاني السير الان كنينغهام يرأس اجتماع لجنته الأمنية اليومية في القدس يوم الاثنين في 12 نيسان لبحث قضية دير ياسين ويلتفت الى الجنرال السير غوردون ماميلان قائد قوات الجيش البريطاني الجالس الى جانبه (حسب رواية الكاتبين لاري كولينز ودومنيك لابيير) ويقول هذه فرصتك لتتمكن من اولاد الزنا

Bastards

( يعني الايتسل وليحي) فبحق الله اذهب لتوك واضربهم في دير ياسين". غير ان ماكميلان يمانع بحجة ان قواته البرية في القدس غير كافية لهذا الغرض بينما الحقيقة ان الجيش البريطاني في فلسطين كان قد قرر ألا يستعمل افراده في الأشهر الاخيرة من الانتداب على البلاد الا في خدمة مصالحه ضمن مفهوم ضيق جدا لها وعندها يلتفت كنينغهام حانقا الى قائد القوة الجوية الذي كان حاضرا ايضا فيوافق هذا فورا على اقتراح المندوب السامي لكنه يلفت النظر الى ان سلاح الطيران

( Raf

كان قد ارسل قاذفاته الخفيفة في اليوم الاسبق الاحد 11 نيسان )

الى القاعدة البريطانية في مصر وصواريخها الى القاعدة البريطانية في العراق وانه بحاجة الى 24 ساعة حتى يقوم بالمهمة المطلوبة وما ان تنتهي اللجنة الامنية من مداولاتها ذلك اليوم حتى تصل الانباء عن حلول قوات الهاغانا محل الايتسل وليحي في دير ياسين. ويقول المندوب السامي في رسالة الى وزير المستعمرات في لندن بتاريخ الاثنين 12 نيسان "لا زالت القرية في ايدي اليهود وانا اكتب هذه السطور، وكنت اردت ان يضرب جنودنا اليهود في دير ياسين بكل ما لديهم من قوة ويطردونهم منها ولكن الجيش يقول لي انه ليس في وضع يمكنه من القيام بمثل هذا العمل او باي عمل قد يؤدي الى صدام عام مع أي من الطرفين (العرب واليهود) وهذا مجرد مثال واحد من عدة أمثلة حيث تضطر الحكومة المدنية في هذا البلد وقوف موقف المتفرج بينما يضرب بسلطتها عرض الحائط في كل اتجاه". ويدون السير هنري غورني السكرتير العام لحكومة فلسطين وهو نائب المندوب السامي في يومياته يوم الاحد 11 نيسان :" وصلنا بعد ظهر اليوم الخبر اليقين عن دير ياسين، ان ذبح مائتين من الابرياء معظمهم من النساء والاطفال هو اسوأ ما اقترفته ايدي الارغون والشيترن ولقد جاء الدكتور جاك دو رينييه ممثل الصليب الاحمر الدولي بانباء مريعة عن اكداس من الجثث اطلق عليها الرصاص بالدم البارد، واخبرني مراسل التايمز (اللندنية) انه حاول العبور الى دير ياسين ولكن الهاغانا منعته من ذلك والبوليس البريطاني لا يستطيع الاقتراب من المكان والبوليس اليهودي (التابع للسلطة البريطانية) يحاول التقليل من الامر وكان شيئا لم يحدث". يذكر القارئ ان الدكتور جاك دو رينييه ممثل الصليب الاحمر الدولي زار كلا من مكتب الهيئة العربية العليا والوكالة اليهودية في القدس فور عودته من زيارته الاولى لدير ياسين يوم الاحد في 11 نيسان وكان الدكتور حسين فخري الخالدي (امين سر الهيئة العربية) هو الذي قابل دو رينييه. ويتداول الخالدي مع مستشاريه حول كيفية الاعلان عما حدث في دير ياسين في ضوء تقرير دو رينييه وما نقله الى مكتب الهيئة الناجون من اهالي القرية. ويقول الدكتور حازم نسيبة احد مستشاري الخالدي (حسب رواية كولينز ولابيير): كنا نخشى الا تأتي الجيوش العربية لنجدتنا رغم كل الحديث عن نيتها على ذلك و أردنا ان نصدم الشعوب العربية حتى تضغط بدورها على حكوماتها". وفي يوم الاحد 11 ابريل يعقد الخالدي مؤتمرا صحافيا يصف ما حدث بأنه "مجزرة للأبرياء " ذهب ضحيتها 254 شخصا معظمهم من النساء والاطفال بناء على تقرير قدمه له الدكتور جاك دو رينييه ممثل الصليب الاحمر الدولي عن مشاهداته في القرية . ويقول الخالدي انه كان قد اتصل فور وصول الأنباء عن دير ياسين بقيادة كل من البوليس والجيش كما اتصل بالحكومة المدنية البريطانية طالبا ايفاد من يتحرى الأمر ولكنهم جميعا رفضوا تلبية طلبه مما اضطره الى مناشدة الدكتور دو رينييه وان هذا الاخير لا يزال يفاوض الارغون والشتيرن حول اجراءات الدفن لشهداء القرية. ويضيف الخالدي ان "مجزرة الابرياء" حصلت في القرية الوحيدة من قرى قضاء القدس التي لم تستنجد باي هيئة عربية على انها في خطر من اليهود وانها كانت تعيش محاطة بالمستعمرات اليهودية التي عقدت معها اتفاقا حافظت عليه طوال الاشهر الاربعة السالفة . ويتابع الخالدي انه ارسل رسائل الى الملك عبد الله والى سائر رؤساء الدول العربية يشرح لهم ما جرى في دير ياسين . وفي اعقاب مؤتمر الخالدي الصحافي وزيارة دو رينييه لها تصدر اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية بيانا مساء 11 نيسان الاحد تعبر فيه عن "مشاعر الهلع والتقزز

( Horror and disgust)

من الطريقة البربرية" التي نقذت فيها الايتسل وليحي عمليتهما في دير ياسين.(…) وفي يوم الاثنين 12 نيسان ترسل الوكالة اليهودية الى الملك عبد الله برقية تقول فيها انها تداولت في النداء الذي وجهه الدكتور الخالدي الى جلالته وقررت ان ترسل اليه خلاصة البيان الذي اذاعته في اليوم السابق في هذا الصدد وتنهي البرقية بقولها انها "تستنكر هذه الجريمة البشعة

( atrocity)

التي هالت الشعب اليهودي وكل انسان حيث وجد ".

ويجيب رئيس الديوان الملكي في عمان على البرقية في اليوم نفسه بقوله:" على الوكالة ان تتحمل وزر ما جرى بوصفها الممثلة للشعب اليهودي وهي التي تتكلم باسمه". ويخبرنا المؤرخ "الاسرائيلي" افي شلايم الاستاذ في جامعة اكسفورد في كتابه التواطؤ"

collusiom

، انه كان لأنباء دير ياسين بالغ التأثير على الملك عبد الله وانه استدعى فور استلامه نداء الخالدي وبرقية الوكالة اليهودية السفير البريطاني في عمان السير اليك كيركبرايد وطلب منه ان يسعى مع الحكومة البريطانية حتى تسمح لوحدات الجيش العربي

Arab Legion

( أي جيش حكومة شرق الاردن) التي كانت حينذاك مرابطة في فلسطين تحت قيادة الجيش البريطاني فيها بتولي حماية القرية الفلسطينية ضد هجمات اليهود فيجيبه كيركيرايد باستحالة قبول الحكومة البريطانية لذلك ويعده بان يبحث معها إمكان استعمال هذه الوحدات "لتحسين الوضع الامني في المناطق العربية".

--------------------------------------------------------------------------------

حرب البيانات بين المنظمات الصهيونية

ويذكر القارئ ان مردخاي رعنان قائد الايتسل (الارغون في القدس) كان اعلم الصحافيين اثناء المؤتمر الصحافي الذي عقده مساء يوم الجمعة في 19 نيسان ان وحدات من البالماخ (قوات الهاغانا الضاربة) اشتركت في الهجوم على دير ياسين الامر الذي اربك قيادة الهاغانا وجعلها تكذب هذا الخبر فورا للصحافيين الاجانب. وفي يوم السبت 10 نيسان توزع الايتسل وليحي على الصحف العبرية بيانا يتضمن نص بيانين ادعتا انهما اذيعا من محطة اذاعة الايتسل بالعبرية في تل ابيب يوم المعركة نفسه (أي الجمعة في 9 نيسان) أولهما عند الساعة 11.50 صباحا والثاني عند الساعة 7 مساء ويصبح هذان البيانان (الصباحي والمسائي) الاساس للرواية "الرسمية" لسير المعركة ولجميع ما تلاهما من روايات من قبل اوساط الايتسل وليحي مع بعض الاضافات و"التجميلات". ويقول البيان الاول ان وحدات الايتسل وليحي هاجمت قرية دير ياسين ذلك الصباح واحتلتها وان تجمعات كثيفة من المسلحين العرب، كانت قد تمركزت في القرية وباشرت بازعاج المناطق الغربية العبرية من مدينة القدس وانه وردت معلومات عن وصول امدادات من الجنود العراقيين والسوريين الى دير ياسين بهدف الهجوم على هذه المناطق العبرية وان الجنود اليهود زحفوا في الثانية بعد منتصف الليل في اربع شراذم الى مواقع حددت لهم، وان الهجوم على دير ياسين بدء في الساعة الرابعة والنصف من فجر ذلك اليوم الجمعة لدى صدور اشارة متفق عليها وانه على رغم من النيران الكثيفة من معاقل العدو تمكن الجنود من التقدم بانتظام عسكري واقتحموا مواقع العدو واستولوا على معظمها.

ويستمر البيان فيقول انه بعد اخلاء النساء والاطفال من القرية باشر الجنود بنسف المعاقل على العشرات من رجال العدو الذي قضوا نحبهم تحت انقاضها وان مكبرا للصوت

( At the time of the attack)

عند الهجوم ناشد النساء والاطفال مغادرة القرية فورا واللجوء الى التلال المجاورة وان العديد من الاطفال والنساء انقذوا نتيجة ذلك وان المعركة ما زالت مستعرة. ويضيف البيان ان مصفحتين تعثرتا عند خندق عمقه متر ونصف وان وحدة من المهندسين استطاعت ردم الخندق على رغم شدة نيران العدو وان معركة وجها لوجه دارت داخل القرية وان الجنود تمكنوا من احتلال المنازل الواحد تلو الاخر وان فلول العدو انسحبت بسرعة واستحكمت في منزل يبعد بعض الشيء عن قرية القسطل. ويضيف البيان انه وصلت في هذه الاثناء نجدة قوية للعدو واخذت تمطر مستعمرة يافه نوف بالمدافع الرشاشة الثقيلة من تل مجاور وانه عند اشتداد القتال دخلت وحدتان من قوات البالماخ بكامل اسلحتهما وانضمت الى المهاجمين وان الاتصال بين القوات المقتحمة والقيادة تأمن طيلة المعركة بشكل منتظم وان الامدادات من رجال واعتدة وطعام تصل الى ارض المعركة من دون انقطاع. وينهي البيان وصفه بقوله ان اصابات اليهود بلغت اثنين من القتلى وثلاثة اصيبوا بجروح خطرة اضافة الى اصابات عدة خفيفة بينما اصابات العدو بلغت العشرات وان سيارة اسعاف مصفحة اخترقت خط النار واجلت الجرحى اليهود وان الجنود اسروا العديد من رجال العصابات العرب وساقوهم الى القاعدة. اما البيان المسائي فيعلن الاحتلال الكامل للقرية وان اصابات اليهود بلغت اربعة قتلى واربعة اصابات خطرة و 28 اصابة خفيفة بينما احصي للعدو 240 من القتلى الى ذلك الحين وان المهاجمين تعهدوا بالبقاء في القرية 48 ساعة على ان يسلموها بعد ذلك الى قوات الهاغانا وهو ما ينوون فعله. ولن يصعب على القارئ الذي تابع في الحلقات السابقة وصفنا لوقائع يوم المعركة ساعة تلو الساعة ملاحظة مدى الكذب والتلفيق في هذين البيانين اللذين اقتبسناهما عن جريدة "هارتس" الصادرة في 11 نيسان فالكلام عن ازعاج دير ياسين للمستعمرات المجاورة وتمركز قوات عسكرية سورية وعراقية فيها بهدف الهجوم على الاحياء اليهودية ووصول نجدات قوية من قرية عين كارم هراء في هراء ويبلغ التشويه للحقائق في البيانين الذروة في الوقاحة والصفاقة عند اعطاء مكبر الصوت دور "المنقذ" للنساء والاطفال الذي شكلوا معظم ضحايا المهاجمين. والملفت في نص البيان الصباحي بنوع خاص محاولة ابراز اداء الايتسل وليحي اثناء القتال وكأنه اداء جيش نظامي منضبط وذلك لاسباب سنبينها لاحقا كما ان ما يلفت النظر هو تأكيد البيان الصباحي على اشتراك قوات البالماخ في الهجوم وفضحه له رسميا وبجدر بالقارئ المقارنة بين هذا البيان الصادر في تل ابيب وبين البيان الذي القاه مردخاي رعنان قائد الايتسل في القدس في المؤتمر الصحافي الذي عقده مساء يوم الجمعة ليتبين حجم اضافات تل ابيب في الرواية الرسمية وهي اضافات لا نشك ان المسؤول عنها هو مناحيم بيغن قائد الايتسل الاعلى المقيم في تل ابيب واحد كبار اساتذة الارهاب والحرب النفسية في القرن العشرين كما اننا لا نشك في ان نشر هذين البيانين كان من الدوافع الرئيسية لاصدار الوكالة اليهودية لبيانها في 11 نيسان واكدت على حرص الهاغانا على التقيد باتفاقات جنيف. وبصدور بياني الايتسل وليحي والبيان "المضاد" ، من قبل الوكالة اليهودية تبدأ حرب البيانات بين اوساط اليمين وبين اوساط اليسار اليهودي حول ما جرى في دير ياسين وهي حرب ما زالت دائرة الى يومنا هذا وذلك بسبب الرمزية التي اكتسبتها وقائع دير ياسين ومغازيها ضمن اطار مأساة فلسطين ككل كما اشرنا الى ذلك في مطلع هذه الدراسة، ونحن انما نتابع حرب البيانات هذا ليس من اجل التاريخ لها فحسب بل بهدفين اساسيين آخرين: اولا تتبع رواية اليمين الصهيوني لوقائع دير ياسين اذ غدت تنفي نفيا قاطعا ان حدثت أي مذابح للشيوخ والنساء والاطفال يوم الجمعة في 19 نيسان عام 1948وثانيا : رصد نفاق القيادة العمالية السياسية والعسكرية وريائها عند شجبها لما حدث ذلك ان موقف كل من اليسار واليمين الصهيونيين من دير ياسين انما يؤكد صدق ما ذهب اليه المفكر اليهودي ايلي فيزيل في قوله خلال محاكمة احد المتعاونين مع النازيين الالمان: القاتل يقتل مرتين الاولى عندما يجهز على ضحيته والثانية عندما يخفي انه قتل". وفي 12 نسيان تنشر صحيفة "هارتس" رد الهاغانا على ما ورد في بيان المنظمتين الذي كانت قد نشرته في عدد اليوم السابق . وتقول قيادة الهاغانا في ردها ان قرية دير ياسين لم تشترك في التعدي على القدس العبرية وكانت من القرى القلائل التي رفضت استقبال رجال العصابات العرب الغزاة (تعني جنود جيش الانقاذ السوريين والعراقيين) وانه بما ان دير ياسين لم تقم باي اعتداء فان الهاغانا احجمت عن ادخالها ضمن دائرة القتال وان منظمتي "المنشقين" كانتا تعلمان علم اليقين ان ليس لهجومهما أي هدف عسكري على الاطلاق وانه لم يكن في الظروف القائمة جزءا من مخطط الدفاع عن القدس وان لا قيمة عسكرية له وان ما قاما به كان لمجرد التباهي لاغراض الدعاية لانفسهما. ويضيف البيان انه لم تشترك في الهجوم اية وحدة من الهاغانا وكل ما في الامر ان موفدي المنظمتين المنشقتين استغاثوا بالهاغانا راجين العون لانقاذ جرحاهم الذي ظلوا داخل القرية وان هذا كل ما فعلته الهاغانا. وينهي البيان كلامه بقوله ان عرض الاسرى من نساء واطفال امام الجماهير في شوارع المدينة يدنس طهارة السلاح العبري.

وفي اليوم نفسه توزع الهاغانا منشورا في شوارع القدس يعلن "فرار رجال ليحي وايتسل من دير ياسين واضطرار الهاغانا دخول القرية" بعد ان خلقت المنظمتان بعمليتهما المخجلة جبهة معادية جديدة في القدس". ويضيف ان قوات الهاغانا شعرت عند دخولها دير ياسين "بالخزي" لان ذلك هو المكان "الذي انتهك فيه المنشقون صورة الانسان في المقاتل العبري وشرف العلم العبري". وينتهي المنشور بالقول ان الهاغانا ستسعى الى دفن جثث القتلى التي تركت في المكان وستحمي القبور والممتلكات القليلة التي تبقت في القرية بعد ان نهبها المنشقون وستعيدها الى اصحابها في الوقت المناسب. وترد المنظمتان الارهابيتان على بيان الهاغانا ومنشورها ببيانين يصدر الاول في 12 نيسان والثاني في 14 نيسان. ويؤكد البيان الاول ان دير ياسين كانت "وكرا للاشرار الفعليين والمحتملين وانه شنت منها هجمات على الاحياء اليهودية الغربية من القدس و"لولا احتلالنا للقرية لكان ثمة خطر دائم سيتربص بالاحياء الغربية من قبل العصابات التي تحصنت وتمركزت فيها" وانه كانت هناك "ضرورة عسكرية ملحة من اجل ابعاد هذا الخطر وتحرير القدس من الحصار". ويضيف ان دير ياسين احتلت في معارك ضارية والدليل على ذلك عدد القتلى العراقيين والسوريين الذي هم جزء من الجيش النظامي الذي كان يتمركز فيها (كذا)". وتحتل قصة مكبر الصوت مكانا بارزا في هذا البيان يغدو دليلا على سلوك الايتسل وليحي في دير ياسين "مسلكا لم يسلكه جيش مقاتل ذلك انهما تخليا عن عنصر المفاجأة فقبل بدء المعركة الفعلية حذر جنودنا بواسطة مكبر للصوت سكان القرية ودعوا النساء والاطفال الى مغادرة المكان فورا وقد نجا بفضل هذا التحذير معظم النساء والاطفال اما جزء من الذي لم يستمعوا للتحذير فقد اصيب خلال المعركة". ويضيف البيان :" واننا نعرب عن اسفنا الشديد لانه كان هناك نساء واطفال بين المصابين ولكن ليس الذنب ذنبنا فمقاتلينا قاموا بواجبهم الانساني (كذا) واكثر من ذلك (كذا)". ويعيد البيان التأكيد على قيمة دير ياسين الإستراتيجية اما بالنسبة لشرف السلاح العبري فيشير البيان الى هجمات الهاغانا على العديد من القرى والاحياء العربية حيث قتل فيها النساء والاطفال من دون سابق تحذير وهو الكلام الصحيح الوحيد الوارد في هذا البيان. اما بيان 14 نيسان فيتصدى ثانية الى قول الهاغانا بعدم وجود أي قيمة عسكرية لاحتلال دير ياسين ويؤكد انه كان "احدى اصعب العمليات واخطرها واهمها في كل الحرب من اجل تحرير القدس". ويورد النص الكامل للرسالة التي كان قد ارسلها قائد الهاغانا في القدس ديفيد شلتيئيل الى المنظمتين في 7 نيسان قبيل الهجوم على دير ياسين التي كما يذكر القارئ يشير شلتئيل فيها الى ان احتلال دير ياسين كان من ضمن خطة الهاغانا نفسها لاحتلال القدس. ويضيف البيان ان احتلال دير ياسين اوقع الرعب في القرى المجاورة وانها تساقطت امام هجمات الهاغانا بسبب احتلال دير ياسين وبالتالي يكون احتلال دير ياسين "بضربة واحدة قد غير الوضع الاستراتيجي لعاصمتنا". وتدور الايام وتمر السنون ويصبح قائد الايتسل الاعلى مناحيم بيغن مؤلف هذه البيانات الصادرة عن ايتسل وليحي عام 1977 رئيس وزارة "اسرائيل" وتنشر حكومة "اسرائيل" سلسلة رسمية لوثائق سياسية وديبلوماسية توثقا لحرب 1948 وينشر في عداد هذه الوثائق نص رسالة العزاء الموجهة من الوكالة اليهودية الى الملك عبد الله في 12 نيسان وتتصدر نص رسالة العزاء مقدمة من محرر سلسلة الوثائق تتضمن رواية بيغن عن يوم دير ياسين وهكذا يصبح الابيض اسود وتشرق الشمس من الغرب، ورحم الله شهداء دير ياسين وسائر شهداء العرب من اجل فلسطين .

--------------------------------------------------------------------------------

عدد ضحايا دير ياسين

الراسخ في الذاكرة الفلسطينية والعربية والمتواتر الى الأمس القريب في العالم بأسره بما في ذلك "اسرائيل" والجاليات اليهودية خارجها ان عدد شهداء دير ياسين في حدود 245 - 250 شهيدا ، هذا هو الرقم الذي اعلنته الاطراف المعنية العدة في حينه (اليهودية والبريطانية الرسمية والدولية والفلسطينية والعربية) وهو الرقم الذي اجمع عليه الصحافيون والمؤرخون والمراقبون من مختلف الجنسيات منذ 1948 بيد ان المفارقة (واي مفارقة) ان هذا الرقم ليس هو الرقم الذي قدمه في حينه الطرف الاكثر دراية ومعرفة بالامر أي الناجون من وجهاء القرية وكبارها.

ويذكر القارئ ان عدد سكان دير ياسين عام 1948 كان كما اسلفنا حوالي 750 نسمة انقسموا الى ثلاث حمائل وانهم اتسموا بقدر غير مألوف في ريف فلسطين من التماسك في ما بينهم كما كان الزواج بين الحمائل دارجا شائعا على نطاق واسع حتى غدا أي فرد في البلدة على علاقة قربة او نسب بمعظم سائر اهاليها. وهكذا لم يكن خارج قدرة كبار الناجين من الواقعة القيام باحصاء دقيق لمن فقد او استشهد منهم غير ان تشتت سكان القرية يوم المعركة في اكثر من اتجاه وهول صدمة ما حصل اقتضيا مرور بضعة ايام قبل انجاز الاحصاء الذي تم قبل نهاية شهر نيسان 1948 وهي الأيام التي ترسخ فيها الرقم 240-250 شهيدا المبالغ فيه وتوالت خلالها الأحداث الجسام من سقوط طبريا (18/ نيسان) الى سقوط حيفا (22-23 نيسان) الى سقوط يافا (25-30 نيسان) التي حلت محل دير ياسين في اهتمامات الرأي العام العربي والدولي المباشرة. اما نتيجة احصاء وجهاء دير ياسين لشهدائها في نيسان 1948 فكان في حدود مئة شهيد معظمهم من الشيوخ والنساء والاطفال يضاف اليهم حوالي 15 جريحا جروحهم بليغة. ذكرت "البالستين بوست" اليهودية في عددها الصادر في 11 نيسان 1948 ان عشرة منهم ادخلوا المستشفى الحكومي في القدس وان سبعة من هؤلاء دون الرابعة عشرة من عمرهم يضاف اليهم العشرات المصابون بجروح اقل خطورة. ظلت معرفة عدد شهداء دير ياسين الحقيقي مقتصرة على الناجين من سكان دير ياسين وذريتهم ومعارفهم وعلى عدد قليل من الباحثين ولم يشق العدد الحقيقي طريقه الى ادبيات 1948 الفلسطينية الا في نهاية السبعينات عندما اصدرت جامعة بيرزيت في الضفة الغربية كراسا عن دير ياسين من ضمن سلسلة من القرى الفلسطينية التي دمرتها "اسرائيل" ذكرت فيه هذا الرقم استنادا الى مقابلات اجراها مؤلفو الكراس مع بعض كبار الناجين من اهالي دير ياسين. وفي هذه الاثناء تكرر ذكر رقم 240-250 شهيدا في ادبيات 1948 كافة في مختلف اللغات بما في ذلك الرواية الرسمية "الاسرائيلية" لحرب 1948 التي صدرت عن وزارة الدفاع "الاسرائيلية" عام 1972 باسم "سيفر تولدوت هاغانا" عندما كانت الحكومة "الاسرائيلية" ما زالت تحت السيطرة العمالية.

ويتلقف الكاتب اليميني "الاسرائيلي" ملشتاين ما ذكرته جامعة بيرزيت في كراسها عن عدد ضحايا دير ياسين ويدمجه في محاولته اعادة كتابة تاريخ 1948 من منظور يميني ناقد للرواية "الاسرائيلية" العمالية وبهدف القاء الشك على الرواية العربية بأسرها لدير ياسين مع انه يقر بان الرقم المبالغ فيه لم يأت اصلا من الطرف العربي لكن الطرف اليهودي اليميني ذاته. وتسهيلا على القارئ نعيد باقتضاب ما ذكرناه سالفا من ان اول من ذكر ان رقم الشهداء هو 240 شهيدا هو مردخاي رعنان قائد الايتسل (الارغون) في القدس وكان ذلك في مؤتمر صحافي عقده مساء يوم الجمعة 9 نيسان بعد توقف القتال واحتلال القرية حضره مراسلو الوكالات الأميركيون. واذاعت الـ "بي. بي. سي" اللندنية الرقم في نشرتها الإخبارية لتلك الليلة وكررت ذكره في الوقت نفسه محطة الاذاعة البريطانية الانتدابية في الدس. ويذكر القارئ ان ممثل الصليب الأحمر الدولي زار دير ياسين يوم الاحد في 11 نيسان ونقل الى السلطات البريطانية والى الهيئة العربية العليا في القدس ان عدد الضحايا انما هو في حدود 350 شهيدا وان الدكتور حسين فخري الخالدي امين سر الهيئة العربية العليا عقد مؤتمرا صحافيا في اثر لقائه مع ممثل الصليب الاحمر يوم الاحد في 11 نيسان واعتمد الرقم الادنى الذي ذكره قائد الارغون يوم الجمعة وتناقلته عن قائد الارغون الوكالات العالمية يوم الجمعة والسبت السابقين. ويروي ملشتاين عن رعنان في مقابلة اجراها معه بعد الواقعة بسنين عدة ان رعنان تقصد يوم الجمعة تضخيم عدد ضحاياه لالقاء الرعب في العرب وانه حسب قول رعنان "نجح" في ذلك واغلب الظن بالنسبة لنا ان هذا تبرير او تفسير لاحق رجعي لتضخيم اثر دير ياسين الفعلي على سير القتال في فلسطين عموما وهو تفسير يتضامن ملشتاين فيه طبعا مع رعنان بغية تضخيم دور المنظمتين الارهابيتين (الارغون والشتيرن) اليمينيتين في قتال عام 1948 مقارنة بدور الهاغانا اليسارية ويقيننا ان الدوافع الحقيقية لتضخيم الرقم كانت اكثر ا بالمحادثات السياسية المتزامنة التي كانت تجري في حينه تحت رعاية اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية لدمج المنظمتين الارهابيتين في قوات الهاغانا كما سنبين بعد قليل.

وبعد فالعبرة ليست في الكم وثمة احداث في الحروب النظامية الاهلية تتخذ كما اسلفنا صفة رمزية بصرف النظر عن الكم كما حصل في جنوب افريقيا (شارب فيل 1960

Sharb ville)

وايرلندا الشمالية (الأحد الدموي 1972

Bloody Sunday)

حيث كان عدد الضحايا الابرياء لا يتعدى بضعة عشرات.

--------------------------------------------------------------------------------

ادعاء الحرص على ارواح العزل من النساء والاطفال

شر البلية ما يضحك ذلك ان رواية اليمين الصهيوني التبريرية اللاحقة لواقعة دير ياسين وصلت ذروة الكذب والتدليس بهذا الادعاء بينما تراث منظمة الارغون الارهابية الدموي ضد العزل تراث عريق يعود الى عشر سنوات قبل دير ياسين وهو امر مشهود به ومعروف لكل قاص ودان. فالارغون هي التي ابتكرت وادخلت الى المشرق العربي استعمال الألغام الموقوتة والسيارات المفخخة ضد الاهداف المدنية وهي التي دشنت استعمال الالغام هذه في اسواق الخضار ومحطات الباصات الفلسطينية المزدحمة في عامي 1938 و 1939 في كل من حيفا ويافا والقدس وهاكم حصاد بعض هذه الاحداث من ارواح العزل خلال فترات قصيرة من هاتين السنتين: 16 تموز (يوليو) 1938 ، سوق البطيخ : حيفا، 18 قتيلا و30 جريحا، 26 شباط (فبراير) 1939 سوق الخضار في حيفا: 25 جريحا، 3 حزيران سوق الخضار القدس 9 قتلى و 40 جريحا ، 19 حزيران سوق الخضار حيفا 9 قتلى و 24 جريحا وهكذا. ثم ان الارغون هي التي فجرت في يوليو 1946 فندق الملك داود في القدس وكان مقر الحكومة البريطانية ما ادى الى سقوط 75 قتيلا من المدنيين العزل من الموظفين والزائرين البريطانيين والعرب في ذلك حوالي 20 يهوديا وكان ضابط عمليات الارغون خلال الهجوم على دير ياسين يهوشع غولد شميت هو نفسه الذي قاد الشاحنة الملأى بالمتفجرات التي نسفت الفندق. وتمحور ادعاء الحرص على ارواح العزل خلال القتال في دير ياسين حول وجود مكبر للصوت على احدى المصفحات التي كان عليها اقتحام القرية وتطورت الرواية الصهيونية حتى اصبح دور مكبر الصوت هو دور "المنقذ" (الحلقة الثانية والسادسة) للنساء والاطفال حيث حثهم حسب هذه الرواية على اجلاء القرية"فانقذ" بهذه الوسيلة معظم هؤلاء وكان ذلك على حساب التخلي عن عنصر المفاجأة في الهجوم وبالتالي دليلا على "فروسية" المنظمتين الارهابيتين.

الواقع هو ان دور مكبر الصوت (لو استعمل) كان دور تحطيم الاعصاب والمعنويات المساند للقصف والضرب الناري وهو تكتيك حربي صهيوني دارج ولكنه لم يستعمل في هذه الحالة لسقوط المصفحة في الخندق الذي حفره اهالي دير ياسين وتعطيله ولا علاقة بالتالي لنجاة من نجي من نساء القرية واطفالها باستعمال مكبر الصوت او عدم استعماله. والواقع ايضا من شهادات الناجين والمراقبين الدوليين بل ومن افواه قادة المنظمتين الارهابيتين وكذلك من شهادات قادة الهاغانا وضباطها التي اوردناها جميعا سابقا ان المنظمتين لم ترعيا حرمة لشيخ او مسنة او رضيع او جريح وان اتباعهما لم يتركوا عرفا واحدا في التعامل مع المدنيين في الحروب الا وخرقوه فاتخذوا من الاسرى من الشيوخ والنساء والاطفال دروعا لحماية انفسهم من نيران المقاومين ورهائن لحمل الجرحى والقتلى من اليهود تحت الرصاص واغطية لاقتحام منازل البلدة ولم يكتفوا بإعدام أسراهم من الرجال وبضرب وشتم وتهديد أسراهم من النسوة وسلبهن من كل ما عليهن من الحلي والاساور والخواتم والنقود ولا بتمزيق آذانهن انتزاعا للاقراط ولا باستعراضهن في شاحنات في موكب نصر ذهابا وايابا في احياء القدس اليهودية بل انحدروا الى ما هو اسفل حتى من هذا وذاك بتركهم جثث ضحاياهم من دون دفن ومحترقة جزئيا في الشارع العام في دير ياسين بعد ان اشعلوا النار فيها وفروا من البلدة بما نهبوه منها من غنائم ومؤن ، وأثاث ومواش. طبعا الكلام عن "فروسية" مكبر الصوت كان لاستهلاك الجمهور اليهودي في فلسطين والولايات المتحدة وهو ان دل على شيء فانما يدل على صفاقة الاعلام والحرب النفسية الصهيونيين ومدى احتقارهم للحقيقة والواقع كما يتجليان في قائمة الشهداء.

--------------------------------------------------------------------------------


دوافع الهجوم على دير ياسين

حرصت ادبيات المنظمتين الارهابيتين التبريرية اللاحقة على التوكيد على اهمية دير ياسين الاستراتيجية تفسيرا لاختيارها هدفا للهجوم والاحتلال وتثبيتا لصواب لتخطيط العسكري اليميني ودحضا لتشديد الهاغانا على عدم جدوى احتلالها والعسكرية وتحويلا للانظار عما اقترف فيها من جرائم وآثام. وهكذا غدت دير ياسين حسب الرواية اليمينية مسيطرة على احياء القدس اليهودية الغربية وقاعدة أمامية لاقتحامها ومصدر تهديد مباشر للطريق الوحيدة التي تربط القدس بتل ابيب ومحطة حيوية على طري فالمواصلات الى القسطل ومركز تجمع للجنود العراقيين والسوريين وراعية لاعمال استفزازية وازعاج مستمر للمستعمرات المجاورة مما جعل احتلالها اولوية عسكرية محلة فرضت نفسها فرضا على قادة المنظمتين الإرهابيتين. والواقع ان دير ياسين كانت تقع على تل على بعد ميل واحد من ست مستعمرات تشكل سدا متراصا يعزلها عن العالم الخارجي حيث ان الطريق الوحيدة اليه السالكة للسيارات كانت تمر وسط إحدى المستعمرات (غيفعات شاؤول) والمسافة بينها وبين طريق القدس - تل ابيب (كيلومتران) ووجود مستعمرة سابعة (موتسا) بالمقابل على الطريق الى الساحل سيجعلان من المستحيل على دير ياسين السيطرة على هذه الطريق ولم تكن دير ياسين على الطريق الى القسطل بل كان واد سحيق يفصل بينهما والطريق الى القسطل يمر عبر عين كارم وليس عبر دير ياسين وتواجد جنود عراقيين وسوريين في دير ياسين او جوارها كذب صاف محض، كذلك القول بانها كانت مصدر ازعاج واستفزاز للمستعمرات القريبة منها ذلك انها بسبب ضعف مركزها الإستراتيجي اختارت الوصول الى تفاهم على عدم التعدي بينها وبين المستعمرات المجاورة وهو تفاهم رعته الهاغانا واطلعت عليه قادة المنظمتين الارهابيتين. لذلك لم يكن للاعتبارات العسكرية او الاستراتيجية أي دور في قرار المنظمتين الهجوم على دير ياسين بل كان اهم هذه الاعتبارات كما اسلفنا سهولة الوصول الى دير ياسين لقربها وعزلتها والرغبة في المزايدة على الهاغانا نظرا لان الاخيرة كانت قد بدأت هجومها العام (عملية تحشون ضمن الخطة دال) والطمع بالغنيمة وهو دافع يقر به يهودا لبيدوت احد كبار قادة الارغون حيث يقول:"ان الواقع الاساسي كان اقتصاديا ذلك اننا كنا في امس الحاجة الى الغنائم لتموين قواعد منظمتينا".

--------------------------------------------------------------------------------

موقف القيادة العمالية السياسية والعسكرية من دير ياسين

في الظاهر كان موقف هذه القيادة موقف تنديد واستنكار كما يبدو من برقية العزاء والاعتذار من الوكالة اليهودية الى الملك عبد الله ومن حرب البيانات بين الهاغانا والمنظمتين الارهابيتين ومن ادبيات الطرفين حول واقعة دير ياسين منذئذ بيد انه ثمة ثلاث زوايا يجدر بالقارئ العربي ان ينظر منها الى هذا الموقف. اولا : اطلع قادة المنظمتين الارهابيتين ديفيد شلتئيل قائد الهاغانا في القدس على نيتهم الهجوم على دير ياسين ووافق شلتئيل على ذلك خطيا في رسالة بتاريخ 7 نيسان تضمنت تحفظات (الاحجام عن نسف منازل القرية والبقاء فيها حتى لا يدخلها الاغراب ) لا تمس جوهر الموافقة، وكان قادة الهاغانا على اتصال مستمر بالمهاجمين طوال المعركة وساهمت قوات الهاغانا المرابطة في المستعمرات المقابلة لدير ياسين في اطلاق النار على المدافعين خلالها وقدمت الهاغانا العون لاجلاء الجرحى والقتلى اليهود ومدت المهاجمين بالذخيرة واشتركت وحدات من البالماخ مدعومة بمصفحات ومدافع هاون ليس فقط في قصف القرية عن بعد بل وفي القتال داخل القرية كما اشتركت هذه الوحدات في نهبها. ورفض شلتئيل إعلام اهالي دير ياسين عن الهجوم على رغم الاتفاق وبين في رسالته الى المنظمتين ان احتلال دير ياسين كان من ضمن مخططات الهاغانا ذاتها على رغم هذا الاتفاق ايضا. ومع انه شجب تصرف المنظمتين تجاه جثث ضحاياهما الا انه اصدر امرا بنسف العديد من هذه الجثث بعد حلول قوات الهاغانا محل قوات المنظمتين في دير ياسين كما انه سمح للمنظمتين بنهب موجودات القرية من مؤن وطعام واثاث ومواش. ثانيا : يحتوي استنكار القيادة العمالية لافعال المنظمتين في دير ياسين على قدر وافر موفور من الرياء والمداهنة نظرا لان الهاغانا والبالماخ نفسيهما كانا مسؤولين في الخفاء عن اعمال مشابهة او قريبة الشبه في مئات القرى الفلسطينية التي احتلاها حيث لم تصل اضواء الاعلام والرقابة الدولية كما لم تتوان الوكالة اليهودية عن الحيلولة دون وصول ممثلي الصليبي الاحمر والسلطات البريطانية والصحافة العالمية الى دير ياسين طوال الايام التالي المباشرة للمعركة اخفاء لجريمة المنظمتين. يذكر الكاتب "الاسرائيلي" توم سيقيف ان قسم الاستيطان التابع للوكالة اليهودية اعد في النصف الثاني من سنة 1948 قائمة بعشرات القرى العربية تمهيدا لاستيطانها ويزور رجال مكتب الصحة بعد بضعة ايام من ذلك قرية مهجورة للوكالة اليهودية ويعلنا فانه قبل ان يصبح اسكان القرية ممكنا يجب رش المنازل بمادة د.د.ت. ويكتب ممثلو الوكالة اليهودية تقريرا يذكرون فيه ان "ابنية القرية بصورة عامة مبنية بشكل اصيل جميل. والاراضي الزراعية تبلغ مئات الدونمات. و"حرث رجال القرية السابقون هذه الاراضي سنين كثيرة وزرعوا حول البيوت حدائق واشجار مثمرة. ويؤخذ القرار بعيد ذلك باستيطان القرية بموافقة رئيس الوزراء العمالي (بن غوريون) ويسكن القرية مستوطنون من بولندا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وحتى صيف 1949 يتمكن هؤلاء من حراثة 20 دونما من كروم الزيتون وتسويق 300 صندوق خوخ ويبدأون بقطف العنب. ويقرر ان يقام في خريف 1949 احتفال رسمي لتدشين المستعمرة الجديدة في دير ياسين وان يكون اسم المستعمرة غيفعات شاؤول "ب" . ويكتب الفيلسوف اليهودي مارتين بوبر الى رئيس الوزراء عند سماعه بالامر يطلب "على الاقل تأجيل اسكان القرية حتى تلتئم الجروح… وينبه الى انه من الافضل ان تبقى حاليا ارض دير ياسين غير مزروعة وان تترك منازلها شاغرة من اغن ان تدنس بعمل تفوق اهميته الرمزية السلبية جدواه العملية بما لا يقاس". ولا يرد بن غوريون على رسالة بوبر فيثابر بوبر في مكاتبة بن غوريون وتتكدس رسائله في مكتب بن غوريون من دون اجابة . ويحتشد بضع مئات من المدعوين الى احتفال تدشين المستعمرة ويحضر بينهم وزيران من الوزارة العمالية الى رئيس البلدية والحاخامين الرئيسيين (اللذين كانا كما يذكر القارئ قد استنكرا ما حصل في دير ياسين في بيان علني عبرا فيه عن "خجلهما" وشجبهما "لوحشيته") . ويبث رئيس الدولة حاييم وايزمان برسالة تهنئة وتعزف الفرقة الموسيقية لمعهد الضرير المجاور وتقدم التحية. وهكذا تختزل دير ياسين مأساة فلسطين بأسرها. وبعد فان عدد سكان دير ياسين اليوم يزيد عن اربعة الاف نسمة موزعين في الضفة الغربية من فلسطين والأردن والمملكة العربية السعودية والكويت وقطر والولايات المتحدة وفي البرازيل ولسان حالهم يقول ونحن نردد معهم:


سأذكر بلدتي ما دمت حيا

واذكر مرجها ثم الشعابا

واقرىء دير ياسين سلاما

متى شع الضحى نورا وغابا

وقارعت الطغاة بيوم نحس

وقد صمدت صمودا لن يعابا


************************************************** ************************************************** ****************

مجزرة الدوايمة

29/10/1948

(بقلم / جمال إسماعيل أبو ريان)

تفاصيل المجزرة *أفظع من النازية *مراقبوا الأمم المتحدة*الضمير الصهيوني*عدد شهداء مذبحة الدوايمة*معلومات عن قرية الدوايمة*هوامش

يقول الله تعالى : (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً و لقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون) (1) .

إن المجازر البشعة التي حصلت في فلسطين قبيل إقامة الدولة العبرية ، على أيدي أقطاب الإرهاب الصهيوني تلاميذ الهاجانا (2) أمثال ( بن غوريون ، و موشيه ديان ، و مناحيم بيغن ، و إسحاق شامير) ذات جذور عميقة ، مستمدة من أسفار مزورة ، تحث على قتل أهل المدن ، رجالا و نساء و أطفالا ، و حتى الحيوانات ، حيث يتوجب عليهم قتل كل نفسٍ بحد السيف لاحتلال مدنهم . و بعد استيلائهم على المدن يضرمون النار فيها ، كي لا يبقى فيها أي كائن حي ، إلا من هرب و لجأ إلى المدن الحصينة (3) .

عندما نتصفح تفاصيل المجازر التي مورست على الشعب الفلسطيني الأعزل ، نجد أنهم يطبقون تعاليم هذه الأسفار المزورة بحذافيرها ... نعم ، لقد تم التخطيط لجرائم منظمة عام 1948م استهدفت أكثر من (418) قرية ، دمرت بالكامل و تم تشريد أهلها ، و ارتكبوا أبشع المجازر في نحو (35) قرية .

و من هذه القرى التي ارتكبت فيها المجازر (قرية الدوايمة) قضاء الخليل ، التي هاجمتها (كتيبة الكوماندوس 89) التابعة للواء الثامن الصهيوني ، بقيادة موشيه ديان (4) و التي تألفت من جنود خدموا في عصابتي (شتيرن ، و الآرغون) (5) التي حاولت دولة العصابات جاهدة طمس معالمها و تفاصيلها حيث صدرت الأوامر بدفن القتلى في قبور جماعية (6) و التعتيم الإعلامي على تفاصيل المجزرة و منع التحقيق فيها .

تفاصيل المجزرة :

في يوم (29/10/1948م) و الناس غافلون بعد أداء صلاة الجمعة منهمكون في أسواقهم (7) و أشغالهم و حقولهم ، و إذ بالجنود الصهاينة يقتحمون القرية و يحاصرونها و يقتلوا المئات من الشيوخ و الشباب ، و يحطموا رؤوس الأطفال بالهراوات أمام أمهاتهم ثم يقتلوا الأمهات . و اعتدوا على النساء أمام ذويهن دون أن يعبئوا بصياحهم و استنجادهم .

و تبجح أحد الجنود أمام زملائه قائلاً : (لقد اغتصبت امرأة عربية قبل أن أطلق عليها النار) (8) ... و آخر أجبر إحدى النساء على نقل الجثث ثم قتلها هي و طفلها ، و آخرون أخذوا ثلاث فتيات في سيارتهم العسكرية و وجدن مقتولات في أحد أطراف القرية .

كما أطلقوا النار على طفل يرضع من صدر أمه فاخترقت الرصاصة رأسه و صدر أمه فقتلتهما و الطفل يلثم الثدي ، و بقايا الحليب تسيل على جانبي فمه !‍‍‍! (9) .

يقول أحد قادة حزب المابام الصهيوني (إسرائيل جاليلي) (10) إنه شاهد : (مناظر مروعة من قتل الأسرى ، و اغتصاب النساء ، و غير ذلك من أفعال مشينة) .

أفظع من النازية :

لقد فزع أهل القرية العزل و لجئوا إلى الكهوف و المغارات خوفاً من بطش اليهود ، و لكنهم لاحقوهم و قتلوهم داخل أحد الكهوف (11) ، و لم ينج منهم إلا امرأة واحدة بين القتلى ….

و بعد ذلك قيدوا الرجال الذين تم الإمساك بهم بالحبال و السلاسل ، و قادوهم كما تقاد الأغنام و وضعوهم في أحد المنازل و منعوا عنهم الماء ، و فجروا المنزل بالديناميت على رؤوسهم .

و كان الملاذ الأخير لأهل القرية (الجامع) (12) اعتقاداً منهم أن الجنود سيحترمون المسجد ، فدخلوا المسجد و هم يكبرون ، و يقرؤون القرآن الكريم ، يجهلون مصيرهم ، لا يعلمون أن يد الغدر سوف لن تمهلهم إلا لحظات قليلة ، و بالفعل تم قتلهم جميعاً و كان عددهم (75) شخصاً معظمهم من كبار السن و العجزة ، و أُحرق المسجد بمن فيه بعد إغلاقه بإحكام خوفاً من خروج الجرحى ، إذا كان هناك جرحى !! .

مراقبوا الأمم المتحدة :

بعد عدة أيام من وقوع المجزرة ، وصل فريق من مراقبي الأمم المتحدة إلى القرية برئاسة ضابط الصف البلجيكي "فان فاسن هوفي" بصحبة عسكريين صهاينة ، و عندما طلب أحد المراقبين الدخول إلى المسجد المغلق تم منعه بحجة أن للمسجد قدسية عند المسلمين و لا يجوز دخوله لغير المسلم !! ، و لكن المراقب شاهد دخانا يتصاعد من المسجد فاقترب من النافذة و شم رائحة جثث بشرية تحترق ، و عندما سئل الضابط اليهودي المرافق عن الدخان و الرائحة الكريهة ، تم منعه من إكمال التحقيق ، و عندما سأله عن منزل كان يعدّ للنسف عن سبب ذلك .. قال له : المنزل يضمّ حشرات طفيلية سامة ، و لذا سنقوم بنسفه" !! .

و قد بعث المراقبون الدوليون تقريراً سرياً إلى رؤسائهم ذكروا فيه : (ليس لدينا شك بأن هناك مجزرة ، و أن الرائحة المنبثقة من المسجد كانت رائحة جثث بشرية) (13) .

الضمير الصهيوني !! :

يقول المؤرخ الصهيوني "بني موريس" (14) : "لقد تمت المجزرة بأوامر من الحكومة (الإسرائيلية) ، و أن فقرات كاملة حذفت من محضر اجتماع لجنة (حزب المابام) (15) عن فظائع ارتكبت في قرية الدوايمة ، و أن الجنود قاموا بذبح المئات من سكان القرية لإجبار البقية على المغادرة" .

و يقول "أهارون كوهين" : (تم ذبح سكان قرى بأكملها ، و قطعت أصابع و آذان النساء لانتزاع القطع الذهبية منها) !! .

و يقول الحاخام الصهيوني "يوئيل بن نون" : (إن الظلم التاريخي الذي ألحقناه بالفلسطينيين أكثر مما ألحقه العالم بنا) .

إن صحوة ضمير (موريس) و أمثاله من المؤرخين و القادة الصهاينة ، لم تكشف إلا عن جزء لا يذكر من تفاصيل هذه المجازر التي ارتكبتها عصابات الدولة العبرية ، على أيدي قوادها الذين كوفئوا فيما بعد بمناصب و جوائز بعد ارتكابهم المجازر !! .

عدد شهداء مذبحة الدوايمة :

إن عدد شهداء مذبحة الدوايمة كما أجمع العرب و الأمم المتحدة و جيش الاحتلال الصهيوني بين 700 إلى 1000 مواطن عربي ، عدا الذين كانوا يحاولون التسلل للقرية لأخذ أمتعتهم و طعامهم بعد أيام من حصول المجزرة ، و على أي حال فإن الحصيلة النهائية كالتالي :

580 شهيداً

أول يومين من المجزرة ، (منهم 75 شخصاً معظمهم من كبار السن في المسجد)

110 شهداء

كانوا يحاولون التسلل للقرية لأخذ متاعهم و طعامهم

8جرحى

كان عدد الجرحى قليل لأن الصهاينة حاولوا جاهدين أن لا يتركوا أحياء

9 أسرى

قتل (3) منهم في السجون الصهيونية

معلومات عن قرية الدوايمة :

"الدوايمة" قرية كنعانية عربية تبعد عن الخليل نحو 24 كم ، تبلغ مساحة أراضيها (60585) دونما (16) . أسماها الكنعانيون (بُصقة) أي المرتفع ، و ذكرت بهذا الاسم في العهد القديم (17) .

و نزل بها الفرنجة في العصور الوسطى ، و أسموها (بيتا واحيم) .

و في القرن الرابع عشر سكنها رجل صالح اسمه "علي بن عبد الدايم بن أحمد الغماري بن عبد السلام بن مشيش" الذي يرجع نسبه بإجماع العلماء إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (18)، فسميت الدوايمة باسمه تخليداً لذكراه .

أقيم على أنقاضها عام 1955 مستعمرة (أماتزياه) و دعيت باسمها هذا نسبة إلى (أمصيا) أحد ملوك المملكة اليهودية الذي امتد حكمه من ( 800 - 783 ق . م .) ، و من جرائمه قتله عشرة آلاف (آدومي) و سبي عشرة آلاف آخرين جنوب البحر الميت ، و أتى بالأسرى إلى البتراء و أمر بطرحهم من فوقها فماتوا جميعاً (19) .

فيها قبر الصحابي الجليل "بشر بن عقربة" (20) . و فيها أيضاً قبور طوت رجالاً و نساء و أطفالا روت دماؤهم الزكية أرض خليل الرحمن الطاهرة تناشد أصحاب الضمائر الحية بتخليصها من هذا المغتصب و استعادة أبنائها .

هوامش :

1. المائدة : آية 32 .

2. الهاجانا : منظمة عسكرية إرهابية صهيونية في فلسطين . نشأت في عهد الإمبراطورية العثمانية قبل الحرب العالمية الأولى لحماية اليهود المهاجرين الجدد . العديد من أعضاء الجماعة خدموا في القوات البريطانية في الحرب العالمية الأولى و الثانية . شكّلت العصابة قاعدة جيش الكيان الصهيوني بعد تأسيس الدولة العبرية في 1948 .

3. العهد القديم : سفر يشوع ، 8 و 10 .

4. موشيه دايان : (1915-1981) . عسكري صهيوني و قائد سياسي ، قائد القوات الصهيونية التي فازت بالحرب العربية الصهيونية في 1956 . و قاد النصر الصهيوني في حرب الأيام الستّة ضدّ مصر و الأردن و سوريا في يونيو/حزيران 1967 . كان من أشد المتعصبين الداعين لطرد السكان العرب ، أصبح وزير خارجية الكيان في 1977 . جرح خلال الحرب في معركة في لبنان و فقد عينه اليسرى .

5. عصابة شتيرن : منظمة عسكرية صهيونية أنشأها في فلسطين (عام 1940) الإرهابي أبراهام شتيرن ، و قد ارتكبت عصابة شتيرن هذه جرائم كثيرة في فلسطين و خارجها فتعقبتها الشرطة البريطانية و قتلت مؤسسها عام 1942 . و من الجرائم التي ارتكبتها اغتيالها في القاهرة اللورد موين وزير الدولة البريطاني في الشرق الأوسط (عام 1944) .

الإرجون : عصابة إرهابية يهودية تدعى (إيرغون زفاي ليومي) ، سرية قاتلت البريطانيين و العرب الفلسطينيين . كان قائدها (مناحيم بيغن) من 1944 إلى تأسيس دولة الكيان الصهيوني عام 1948 .

6. تم دفن جزء من الشهداء في حفرة قرب الجامع حيث كانوا الأهالي يحفرون لتوسعة المسجد ، و الجزء الباقي منهم دفن في قبر جماعي .

7. سوق الجمعة : من أكبر أسواق جبل الخليل ، و سمي (سوق البرين) لأنه كان يحتوي على منتوجات الساحل و الجبل .

8. أحمد العداربة : "قرية الدوايمة" ، منشورات جامعة بير زيت 1997 .

9. حسب شهود العيان .

10. إسرائيل جاليلي : رئيس فرع العمليات في جيش الاحتلال الصهيوني عام 1948 ، من قادة حزب المابام .

11.كهف مشهور في القرية اسمه (طور الزاغ) و قدر عدد الذين استشهدوا فيه أكثر من ثلاثين عائلة .

12. جامع الزاوية : المكان الرئيسي لتجمع أهل القرية كما قال "إسماعيل أبو ريان" أحد رجالات الدوايمة في كتاب (قرية الدوايمة) ، كان يستخدم كمركز تجمع لأفراد الحمولة ، و استقبال الضيوف و أبناء السبيل ، و للمناسبات مثل العزاء و الزواج ، و مركز استعلامات ، و كان يرتاده الشعراء و الرواة .

13. أحمد العداربة : "قرية الدوايمة" ، منشورات جامعة بير زيت 1997 .

14. بني موريس : "تصحيح غلطة" ، نشر على حلقات في جريدة "الدستور" بتاريخ 15 تموز 2001 .

15. ثاني أكبر حزب مشترك في الحكومة الصهيونية المؤقتة بعد حزب المباي .

16. مصطفى مراد الدباغ : "بلادنا فلسطين" ، الجزء الخامس - القسم الثاني .

17. (سفر يشوع 15 ) مدن يهوذا .

18. عبد الصمد العشاب : "مولاي عبد السلام بن مشيش" ، مطبوعات الجمعية المغربية للتضامن الإسلامي .

19.مصطفى مراد الدباغ : "بلادنا فلسطين" ، الجزء الخامس - القسم الثاني .

20. المصدر السابق .

************************************************** ************************************************** ************

قبيبة ابن عواد

مذبحة في طريق السبع

12- 8 - 2003م

"يوم صارت النكبة واطلعنا من قبيبة ابن عواد بقا عمري عشرين سنة ومجوزة وعندي ولد على ديّ عمرو سنتين ونص ، بقينا مرعوبين وخايفين؛ ابن عمي وهو شارد ثاني يوم ومطلع بقراتو ما شاف اللا الطخ عليه؛ شرد؛ واليهود طخوا كل بقراتو. بلدنا قضا بيت جبرين ومنها وغربة بقا الفالوجة واعراق المنشيّة ؛ قالوا اليهود أجوا وفزعوا في دير ياسين وفي اللد وفي الرملة وفي يافا وفي حيفا وهالشلة؛ دشرنا حالنا ومالنا وما حملتش معي إلا شوية غيارات؛ شردنا من قبيبة ابن عواد واتخبينا في حبس "المقحز" بقا ع زمان لنجليز؛ احنا بقينا انقولوا حبس "بيت أمير" هاظ تلى السبع في طريق السبع بين قبيبة ابن عواد والدوايمة، كل الدوايمة ولقبيبة اتخبينا في الحبس هاظ ، هاظا مثل هان وهناك غرف غرف؛ إخشش إخشش ، أنا بقيت أخاف مستجريش أخش؛ معاي ولد صغير ؛ نمنا برا، مهي الدنيا بقت صيف ، المهم : صارت الناس تيجي وتندب في، أنا بدكي الصحيح نمنا برا بابو، وثاني انهار من كثر العالم إذايقت أنا والولد معاي بيعيط ع ديّ وفش أكل، قلت والله لأوخذو وأطفش؛ أنا بديش أظل هان ، حملت الولد وسندت في بلد اسمها "إذنا"، جوزي لحقني ، أنا طفشت الصبح ؛ العصر حوالي الساعة ثنتين ؛ اللا بيدبوا في الصوت، أنا اسعة ما أبعدتش، اللا بيقولوا أجا الجيش الهاغانا من تلا السبع واتوالوا في الناس اللي في حبس بيت أمير ، وأطلعوا الزلام واطلعوا النسوان وصاروا يطخوا، يصفوا الزلام والشباب والنسوان زي السامر ويطخوا - مذبحة- وصاروا النسوان الحلوات يوخذوهن، أخذوا من بنات عمي ومن البلد من قرايبي أخذوا أربعة ، إمبري من الدوايمة وامبري من غير بلاد، إلي بنت عم خافت لمن شافتهم بيطلعوا في ابديلتها في الدورية بدهم يوخذوها قامت راحت شحبرت وجها من الطنجرة؛ بقوا طابخين عليها برة باب الحبس ، شحبرت وجها ، اطلعوا فيها اليهود، صفوها مع اللي بيطخوهم ، صاروا اليهود يطلعوا النسوان والزلام اللي في حبس بيت أمير، أجت المرة قريبتي وبنتها ع كتفها؛ بقا عمر بنتها أقل من سنة؛ أجا الطلق وين؟ في بنتها وصار الدم ينعر على إمها، مالت المرة مع اللي وقعوا، صاروا اليهود إبصاطيرهم ايخبطوا في ابطونهم ايشوفوهم طيبين واللا ميتين واللا الشو همة ، ظلوا يدعسوا عليهم والمرة مهدل الدم ع وجها ، راحوا اليهود، وشردت المرة ع الخليل دبت الصوت ؛ هاظوا الناس أخذوا هالتركات وطاحولهم اللي لحقوا لحقوا واللي امصاوب طيبوا ؛ وفي ناس خبرت؛ بقت شاردة لمن شافوا اليهود جاي ع الحبس؛ وهاذا اللي صار؛ ولمني رحت على عمان عند قريبتي هذيك السنة قلتلها خرفيني شو سويتي وشو اللي صار معك .."

جزء من رواية الحجة (أ.ف.) من قرية "قبيبة ابن عواد" المهجرّ أهلها عام 48

تاريخ إجراء اللقاء مع الراوية : الخميس 22-5-2003م

النص بلهجة القيسية


************************************************** ************************************************** **********







رد مع اقتباس