الموضوع: الكساير - حيفا
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-19-2013, 04:03 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
م .نبيل زبن
المؤسس
 
الصورة الرمزية م .نبيل زبن
إحصائية العضو







 

م .نبيل زبن غير متواجد حالياً

 


افتراضي


قرية الكساير هي واحدة من القرى العربية المهدَّمة التي هُجِّر أهلها عام 1948، وكان عدد سكانها آنئذ حوالي 2900 نفر.
بتاريخ 14-4-1948 هدمت القرية عن بكرة أبيها، وتشتت غالبية سكانها خارج الوطن في لبنان وسوريا، والقليل منهم يعيش اليوم في شفاعمرو.

الكَسايِر تقعْ على قِمِّة بِتْطُلّْ على البحر وعلى كل قرى الساحِلْ

في بيته في شفاعمرو التقيت بإبن الكساير الحاج حسين حسن خضر (أبو منذر) 86 عاماً وطلبت منه أن يحدّثني عن بلده الكساير فقال: مَوقِع الكسايِرْ أجمل بِكثير من موقِع قرية الهوشِة الجارَة، لأنّو الكَسايِر تقعْ على قِمِّة وبِتْطُلّْ على البحر وعلى كل قرى الساحِلْ، والهوشِة بْتيجي أوطى منها... الكساير تقع شمال شرق شفاعمِرو ومن الجنوب قرية إبطِنْ ومن الغرب اليوم كيبوتس رمات يوحنان ومن الشرق قرية الهوشِة اللي بفصِل بينّا وبينها بَسّْ الشارع.. كانت أربع عائلات في البلد: ناطور وحنفي وخضر وحمدان.
سُرسُق باع الأراضي كُلّها للوكالِة اليهودية

قلت: إنتي خْلِقتْ في الكسايِر؟.. أبو منذر: أنا خْلِقتْ في كُفْرِتّا (كفار آتا - اليوم) سنة 1921 والقرى اللي حَوالينا: جِدْرو (بْيالِيكْ – اليوم) والمجدَلْ (رمات يوحنان – اليوم) كانت للإقطاعي اللبناني سُرسُق.. التاريخ بِقول إنّو الحكومِة العُثمانيِّة التركيِّة باعت فلسطين لثلاث إقطاعيين من لبنان نقولا سرسق ومتّى فرح وحبيب بختري. سرسق باع الأراضي كُلّها للوكالِة اليهودية، وهناك إشي طَردوه وإشي اعطوه تعويضات، إحنا كنّا في كُفْرِتّا وتابعين لسرسق، طَردونا وإجينا سكنّا في الكَسايِرْ، وأهل جِدرو رَحلوا على الرويس وطمرَة.

من الفُقُرْ كان الواحَد يعمِّر بَسْ ثلاثْ حيطانْ والرابع يكون حيطْ الجيران

قلت: قبل النَكبِة كيف كانت حياتَكو؟... أبو منذر: أنا كنت على زمن الإنجليز أشتغِلْ (مانيجَرْ) يعني باشْ رَيِّسْ على آلاف العمال من العرب، من سوريا ولبنان والأردن، كل فصيل من العمال فيه 25 عامل وأنا كنت مسؤول عن رؤساء الفصائِلْ... كنت أسوقْ (مُتور سيكِلْ) وأدورْ أراقِبْ الشغُلْ وورشات العمل، وكان معاشي 30 ليرة في الشهر...كُنا عايْشين ومَبسوطين.. أبويْ كان مُختار الكسايِرْ، بَذكُر لَمّا كان يْدُقّْ على المِهباجْ تِعْرِفْ الناس إنّو المختار الحَجّْ حسن عازِم على قَهوِة.. تِتْجَمَّع الناسْ وتِتْسامَرْ.. إلناس كانت تْحِبّْ بعضها، عيلِتنا وعيلِة دار حَمدان كان البيت بْلِزقْ البيت، من الفُقُرْ كان الواحَد يعمِّر بَسْ ثلاثْ حيطانْ والرابع يكون حيطْ الجيران.. اليوم الأخو بِتْقاتَلْ مع أخوه على خمسِة سنتِمتر.. .

اللي يِمرضوا بالكوليرا والطاعون كانوا يِفوتوا بِغَيْبوبِة ويْفكروهِن ماتوا ويِدِفنوهِن أحياءْ

وتابع أبو منذر: أبويْ قبل ما يتجوَّز إمّي، عَزمن الدولِة العُثمانيِّة، كان ساكِن بِكُفرِتّا، وكان أيّامها مرض الكوليرا والطاعون منتشر في لِبلاد، والناسْ كانت تموت لأنّو ما كان في طِبْ ولا دَوا.. نِسبِة كبيرِة من الناس كانوا يِفوتوا بِغَيْبوبِة ويْفكروهِن ماتوا ويِدِفنوهِن أحياءْ.
أبويْ كان من اللي هَيَّئولوا الكَفَنْ وبَحَشولوا القبر، وقبل الجنازِة أجو بَدّْهِنْ يِحَمِّموه.. وفي هايْ اللحظة وِصِل عَالبلد دُكتور من الصِحِيِّة كان يِدور عَالفَرس من بلد لبلد يسجِّل أسماء اللي بِموتوا من المرض وِيْبَلِّغْ السلطات عَنهِنْ.. أجا الدكتور فحص نبض أبويْ لاقاه بَعدو عايِشْ، أعطاه الدوا، وشِفي من المرض وِتْجَوَّز إمي، وتجوَّز مَرَّة ثانيِة.

قَلّعوا كَرمْ المِشْمِشْ الحموي الشامي وزَرَعوا الأبو جادو مَحَلّو

قلت: يعني كُنتو مَلاّكين؟... أبو منذر: إحنا كُنّا مَلاّكينْ كْبارْ عِنّا أرض واسْعَة، كان عِنّا كَرم مِشْمِشْ كبير من المِشْمِشْ الحموي الشامي اللي مِشْ موجود مِنّو اليوم... أجو اليهود بَعدين قَلّعوه وزَرَعوا الأبو جادو مَحَلّو.
واللهِ قَبِلْ فترة قصيرِة في واحد يهودي بِشتري من عِنّا بْذورات وقهوِة للكيبوتس، صارْ لَمّا ييجي لَعِنّا يِجِبلْنا معاه أبو جادو من أرضنا اللي صارت للكيبوتس. يعني إشي بِقهَرْ، قال جايِبْلي أبو جادو هَديِّة من أرضي.
الأمير المُغربي محمد الباقِرْ من الشام اشترى أرضنا وعِمِلْ صَفْقَة مع اليهود وباعها

وتابع أبو منذر: كان عِنّا مواشي وأشجار من جميع اللي ألله خَلَقو، إللوز والعنب والزتون والمشمش، كان عِنّا أراضي بتِصَلْ حْدودها لَبيالِكْ.
سنة 1925 أبويْ أخذ تعويضات من شُغْلو.. وراحْ اشترى هو وواحَد من دار ناطور من الأمير المُغْرَبي محمد سعيد الباقِر 250 دونم، هذا الأمير أصلو من الجزائر أخذ ثمن الأرض وراح على الشام ووعَد أبويْ وِشريكو يعمل وَكالِة دورية ويِطَوِّبلهِنْ الأرض.. بِهايْ الفترة أجا يهودي إسمو (خانْكِنْ)، بَذكْرو كإنّي شايْفو اليوم.. كان مسؤول من طَرفْ الوكالِة اليهوديِّة ويِشْتري أراضي من العرب. رِجِع الأمير محمد الباقِرْ من الشام وعِمِلْ صَفْقَة مع اليهود وباع كل الأراضي، بما فيها الأرض اللي باعْنا ايّاها، وأخذ حقّْها ورِجع عالشام. في الـ36 أجوا يهود اتْمَلَّكو الأرض، ورُحنا ضِدّْهُم على المحاكِمْ وخْسِرنا المحاكم والمصاريف، رغم إنّو كُنّا نِفلَحها طول السنينْ اللي فاتتْ.

الرَجْعِيِّة العربيِّة والأفنديِّة تْعاوَنوا مع الإنجليزْ وكانوا سبب بيعْ فلسطين وتهجير أهلها

قلت: يعني التآمر على الأرض كان قبل النكبِة بِكثير؟.. أبو منذر: يا عَمّي إحنا قِصِّتنا قِصّة.. بَدّيشْ أرجَع للتاريخ، لأنّو تاريخْنا مُشييييينْ ومُعيبْ.. الرَجْعِيِّة العربيِة والأفنديِّة تْعاوَنوا مع الإنجليزْ وكانوا سبب بيعْ فلسطين وتهجير أهلها.
كانت مؤامرة من الإنجليز واليهود وتواطؤ الزعامِة العربية لإجبارْ العرب يبيعوا أراضيهِن لليهود بكل الطُرُقْ. كانت الناس مثلاً تِزرع قمح وسِمسِمْ.. ييجوا الإنجليز يِجيبوا القمح والسمسم من تركيا ويضُربوا السوق، ويصير الفلاح يكاد تْكَفّيه المَعيشِة من أرضو. كان كل هَدفهِن إنّو الفلاح يِزهق ويبيع أرضه.
هايْ كانت سياسة الانتداب البريطاني تجريد العرب من أرضهِن وترحيلهِن وبناء وطن قومي لليهود.

بيتنا كان موديرْنْ عَ الطِراز الحديث فيه الميّْ والدُشْ وغيره

قلت: بتُذكر عَشيِّة النكبِة؟.. أبو منذر: أهالي هوشِة والكسايِر كانوا ناسْ فلاّحين وعمال، عُزَّلْ وبِدون سلاحْ، وبْليلِة الاحتلال.. أجا شكيب وَهّاب مع جيشو من سوريا على أساس يِحَرِّروا لِبلاد، بيتنا كان موديرنْ عالطراز الحديث فيه الميّْ والدُشْ وغيرو.. أجا شكيب وهّاب وجيشو طَردونا من البلد وعملو البيت غُرفِة عمَلِيّات.. وعِلقت مَعرَكة حاميِة مع الهجاناة والكيبوتْساتْ...أنا بهذاكْ الوقت بْقيتْ بكامبْ الجيش في شُغْلي... وإخِوتي طِلعوا من الكسايِر على شْفاعمِرو

حَطّوا أبويْ ومُختار هوشِة الحَجّْ أحمد برغيث وطَخّوهِنْ ونَسَفوا الدارْ عَليهِنْ

وتابع أبو منذر: أبويْ كان مُختار البلد وخِتْيارْ كبير بِالسِنّْ، ما رِضِي يِطلَعْ من البلد، فَكَّرْ إنّو العلاقَة الطَيْبِة بينّا وبين اليهود اللي بِالكيبوتسات وكَونه زَلَمِة كبيرْ ما رايْحينْ يِسْألوه أو يِأذوه..استَمرَّت المعركِة ثلاث تِيّام وانسَحب شكيب وهاب من هوشِة والكسايِر، فاتوا اليهود ونسفوا البلد وما ظلّْ منها إشي..وحياة ابويْ مُختار البلد أخذوه معهن على هوشِة، وهناك حَطّوه مع مختار هوشِة الحَجّْ أحمد برغيث في محَلّْ وطَخّوهِنْ ونَسَفوا الدارْ عَليهِنْ.. أجا باب الدار عليهِنْ والباب مِنهِنْ وفوق.. وما حَدا عِرِفْ عَنّْهِن خَبَرْ.. إشي يْقول وِقْعوا في الأسرْ، وإشي يقول طِلعوا على لبنان..بعِد سنِة ونُصّْ بِالصُدفِة راحوا ناس يفَتْشوا على حديد بين الخَرايِبْ، لاقوهِنْ مْمَدَّدين تحت الردم.. رُحنا أخذنا لِعْظاماتْ ودَفَنّاهِنْ بِمقبرة هوشِة والكسايِر (مقبرة النبي هوشان).
قلت: وبعد الاحتلال وين رُحتوا؟.. ابو منذر: لما سَقطَت البلد، بعِد ما كنت ملاّك بِليلِة ما فيها ضَيّْ قمر صفّيتْ عَالحَديدِة، ما بَمْلُكْ لا طَرشْ ولا قَرايِبْ ولا أهل.. أجيت سكنت في شفاعمِرو بالأجار.. إخِوتي محمد وعبد الحميد وخضر وتوفيق رحلوا على لبنان وماتوا هناك، وخَواتي فاطمِة وآمنِة وجميلِة كمان تْوَفّو بِلِبنانْ، وبِقي اليوم على قيد الحياة من العشر إخوِة بَسْ أنا الوحيد وخَواتي جميلِة وشيخة في لبنان.
بعد الـ48 بقيت في لِبلاد بسّْ أنا وأُختي زينب اللي تْوَفَّت قبل سِنتين والباقيين طِلعوا على لبنان

ما أعتقِدْ أن في الحياة سعادة تفوق سعادة الإنسان في بيته

قلت: ألله يكون في عونك.. قال أبو منذر مبتسِماً: أحد الفلاسفِة اليونانيين قال (لكي نُحطِّمْ القلق قبل أن يحطِّمنا يجب أن نرضى مما ليس منه بُد).. أنا راضي بالوضع مؤقَّتاً لأني أُجبِرتْ على الرضى.
قلت: لو خُيِّرت اليوم أن تبقى في لِبلاد أو تلحق بإخوتك على لبنان شو بْتِختار؟... أبو منذر: كنت بَختار أبقى هون، لأنّو بِعِزْ علَيّْ بيتي ووطني وحياتي في مسقط راسي، أعيش حياة الذُلّْ في وطني أسهل من حياة اللجوء الصِعبِة.. الدكتور مصطفى السباعي قال: (ما أعتقِدْ أن في الحياة سعادة تفوق سعادة الإنسان في بيته).

مع الريح الشمالي الغربي أطيِّرْ لكم أذكى تحيّاتي وأشواقي

قلت: صَعبِة مفارقة الأهل؟... أبو منذر: حسرة وألم على الإنسان، يموتوا إخِوتو في الغُربِة في لبنان لا يْشوفْهِنْ ولا يحضر جنازِتهِن.. ماتوا وهنّيِ متأمْلين يرجَعوا على لِبلاد... الإنسان لازم يُصبُر.. وهذا قدرْنا.. شعِبنا اللي صار فيه كثير.. قلائِل من الشعوب صار معها مِثلْنا، ولِسّا بَعِدنا بْنَفسْ الفِلِمْ وما انتهيناشْ، هذا ليبرمان اللي أجا امبارِح من القفقاز بِطالب بِطردنا.
صَفَنْ أبو منذر وقال بِحسْرَة: سعادِة الإنسان أنْ يعيشْ في وطنه، وحُلمْ الغايبين يعودوا عالوطن ويْموتوا في وطنهِنْ... إسمع هالقصّة: لمّا أجو إخوتي الثلاثِة وخَواتي سنة 1990 الزيارَة الأولى على لِبلاد، ورُحنا نزور الكَسايِرْ.. وَقَّفت على رُكامْ بيتنا وبكيتْ وقُلت أكمّْ كِلمِة تْسَجَّلوا بالفيديو ولَمّا رَوَّحوا أخذوا الشريط معاهِنْ.. يومها قلت: مع الريح الشمالي الغربي أطيِّرْ لكم أذكى تحيّاتي وأشواقي، راجياً منه تعالى أن يمرّْ ذلك النسيم على تلك الديار التي شاءت الظروف وحتَّمتْ التقادير أن تكون لكم سكناً، وذلك بعد هجركم وطنكم ودياركم... رَبّيَ لا أُخالفُك في قدرِك وقضائِك إنما أرجوك اللطف بنا.

أصبَحنا كالعيس في البيداء تقتُلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمولُ
قلت: طيِّب وبعدين شو اللي ممكن يصير؟.. أبو منذر: إحنا مْعَوَّدين على الظُلم، ولكن المؤسف إننا لم نستخلص العِبَر من التاريخْ، كُنّا وسنبقى في ضياع، بنفس الخيانِة وبيعْ الضمير...يعني إشي بِبَكّي، أُمِّة ذليلِة.. أصبَحنا كالعيس في البيداء تقتُلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمولُ. أنا حزين مِشْ على نفسي..حزين على أُمِّتنا اللي عِندها الخيرات وبِقيَتْ أُمِّة مستَهلِكِة غير مُنتجِة.
مع هذا سرّْ التاريخ أنه يأخذ شكل الدوران كما يتداول الليل والنهار تَتداول الأمم والشعوب، من الصعود إلى الهبوط ومن العدل إلى الجور ومن التقدُّم إلى التخلُّف ومن النهوض إلى الانحطاط...وأمَّتنا اليوم في عصر الانحطاط.
إذا السمك إلو أوطان وبِلحق أهلو فكم بِالحري الإنسان

قلت: وشو مع حق العودِة؟.. أبو منذر: الصحيح إنّو جيلي لا أمل إنّو يْعود على الكساير... بَسْ إسمع هالقصّة: في من الأسماك اللي بموسم البيض بتهاجِر مئات الأميال من جنوب أميركا بسبب الطقس البارد عَشان تْبيضْ في شواطئ فرنسا وإسبانيا، وِبترجع على وطنها. وبعد ما يْفَقِّسْ البيض الأسماك الصغيرِة المولودِة بْتِلحق عائلاتها.
أن بآمن إنّو إذا السمك إلو أوطان وبِلحق أهلو فكم بِالحري الإنسان.. عشان هيك أنا مطمئن بأنّو حق العودِة لا بُدّْ مِنّو مهما طال الزمن.
07/08/2008







رد مع اقتباس