يعيش الشركس في فلسطين في ثلاث قرى هي كفركنا (وهي قانا الجليل التي أجرى فيها المسيح إحدى معجزاته بحسب الرواية الإنجيلية) وكفركما وقيسارية. ويبلغ عددهم اليوم زهاء 30 ألف شركسي. وهؤلاء جزء من شعب طرده الروس من دياره في منتصف القرن التاسع عشر، فجاءت مجموعات كبيرة منه إلى بلاد الشام، وتوزعوا في أنحاء سوريا وفلسطين والأردن. وقد دأبت السلطات الإسرائيلية منذ سنة 1948 على محاولة فصل الشركس عن بقية الشعب الفلسطيني.
لكن الشركس فلسطينيون في أي حال، وإن كانوا غير عرب في أصولهم، غير أنهم تعرّبوا، ولو جزئياً، وخضعوا لمصير واحد مثل بقية الفلسطينيين، فهجّرت أعداد منهم من فلسطين إلى القنيطرة في سنة 1948، ومن بقي في أرضه أرغم على العيش في ظل الحكم العسكري وقوانين الطوارئ، الأمر الذي أدى إلى فرض الخدمة العسكرية على أبنائهم، شأنهم في هذا شأن الدروز.
كان للشركس شأن خطير في مصائر البلاد العربية؛ فقد تمكنوا من السيطرة على مقدرات الحكم في مصر، وأنشأوا دولة عرفت بـ«دولة المماليك الشراكسة».
ولكن الدولة العثمانية الناشئة قضت عليها سنة 1517 في معركة مرج دابق. أما في البلاد الأصلية للشركس فقد أنجز الروس احتلالهم القفقاس سنة 1864، وأجبروا سكانه على الهجرة. وقد ساعد العثمانيون الشركس على الاستيطان في بلاد الأناضول سنة 1878 وفي بلدان المشرق العربي، فوصل الشركس إلى سوريا وفلسطين ثم تركزوا في الأردن.
ومنحتهم الدولة العثمانية أراضي حول بيسان في فلسطين، ومنها انتقلوا إلى خربة كفركما التي صارت، في ما بعد، قرية. وإلى قرية علما قرب الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية. ثم أنشأوا قرية الريحانية. واستوطنت جماعات أخرى منهم خربة شركس وخربة سطاس قرب مدينة الخليل منذ سنة 1878. أما أكبر تجمع للشركس فهو في الأردن.
ومعظم هؤلاء وفدوا إلى الأردن من فلسطين التي كانوا قد وصلوا إليها بالبواخر العثمانية التي أنزلتهم في ميناء حيفا، ثم جرى إسكانهم في أراضي المستنقعات المحيطة بمدينة بيسان.
عانى الشركس ما عاناه الفلسطينيون جراء قيام إسرائيل سنة 1948. وغادر فلسطين آنذاك نحو 20 عائلة شركسية استقرت في قرية مرد السلطان شرق مدينة دمشق كلاجئين فلسطينيين. أما القسم الأكبر من الشركس فقد بقي في فلسطين المحتلة، وخضع مثل بقية العرب لظروف الاحتلال، وقاسوا عمليات الطرد ومصادرة الأراضي.
ففي تشرين الأول 1953 طردت السلطات الإسرائيلية سبع عائلات شركسية من قرية الريحانية. وفي سنة 1957 غادر عدد من الأسر إلى تركيا هرباً من عسف الاحتلال. وتقلصت مساحة قرية كفركما الشركسية من نحو 8500 دونم إلى نحو 6500 دونم، وأراضي قرية الريحانية من 6000 دونم إلى 1600 دونم بالمصادرة.
في سنة 1959 ظهرت محاولة قام بها بعض مثقفي الشركس في فلسطين لنشر القراءة والكتابة باللغة الشركسية الأم. وهذه المحاولة جاءت بتأثير من الثقافة الشركسية في ما كان يعرف بـ«الاتحاد السوفياتي». فبعد سقوط ستالين جرى إعادة الاعتبار للشركس في الاتحاد السوفياتي وسمح بهم بإحياء لغتهم القومية التي صارت تكتب بالأبجدية الروسية. وقد تأثر عدد من المتعلمين في الأوساط الشركسية فأرادوا تطبيق هذا الأمر في فلسطين. واتخذت إسرائيل من ذلك ذريعة، فبادرت إلى استقدام أستاذ أميركي متخصص باللغويات والقفقاسيات من جامعة «ميتشيغن» لتعليم الشركس الكتابة والقراءة بلغتهم، ثم أدخلت إلى نظام التعليم تدريس الشركسية بدلاً من العربية، فصار الشركس يتلقون تعليمهم بالعبرية والشركسية. وشجعت إسرائيل بعض المثقفين على كتابة أدبهم وقصصهم الشعبي باللغة الشركسية الجديدة. وقد قاوم معظم الشركس إلغاء اللغة العربية من المناهج التعليمية لأن في ذلك إساءة لجميع الشركس في البلاد العربية، ولأن إسرائيل ترغب في إيهام أبناء البلاد العربية أن الشركس متعاونون مع الاحتلال، وهم يخدمون في الجيش الإسرائيلي ويتولون بعض المناصب العسكرية الحساسة.
ولا بد من الإشارة إلى يهود القفقاس أو اليهود الجبليين الذين يطلق عليهم اسم «التات». ويعيش معظم هؤلاء اليهود في داغستان وجورجيا وأذربيجان، ويقوم أكبر تجمع لهم في مدينة «دربند» أي «باب الواد» على بحر الخزر.
وقد هاجرت أفواج منهم إلى فلسطين في مطلع القرن العشرين واستوطن أفرادها مستعمرة بير يعقوب، وأقام بعضهم في القدس. ويعيش القسم الأكبر منهم في الحي القفقاسي في تل أبيب. وهؤلاء اليهود الذين عاشوا في القفقاس اقتبسوا من الشركس زيهم القومي ورقصهم وموسيقاهم والكثير من عاداتهم وتقاليدهم، وتكلموا اللغة الشركسية إلى جانب الروسية. واستغلت إسرائيل مهاجري «التات» هؤلاء فراحت توجههم إلى تمتين علاقاتهم مع شراكسة كفركما والريحانية باعتبارهم ينتمون إلى قومية واحدة. وراح أفراد من «التات» يترددون على قرى الشركس وهم يرتدون الزي الشركسي، ويتكلمون اللغة الشركسية، ويشاركون في العروض العسكرية الإسرائيلية بالزي التقليدي، ما أوهم الكثيرين أن الشركس هم الذين يشتركون في المناسبات الإسرائيلية المختلفة، وفي ذلك محاولة للإساءة إلى الشركس في الدول العربية الأخرى.