التوجيه السليم لصفات الأمة
وحيث أن بعض الصفات يمكن استخدامها في الصحيح، أو في الباطل فالمصلح القدير هو الذي يتمكن من توجيه الصفة التي تستخدم في الباطل في الأمر الصحيح، مثلاً: إذا كانت الأمة مسرفة في الصرف على الولادة، والزواج والأموات، أمكن صرف صفتها الإنفاقية ـ والتي تصرف بإسراف في الأمور المذكورة ـ في المشاريع الخيرية، كالمدارس، والمساجد والمستوصفات وما أشبه.
والنبي صلى الله عليه وآله استفاد من هذه القاعدة الإلهية، فقد كانت القبائل العربية تصرف طاقة شجاعية هائلة في محاربة بعضها لبعض، فصرفها الرسول صلى الله عليه وآله في محاربة الخارج، لأجل إعلاء كلمة الله وإنقاذ المستضعفين، كما صرف صلى الله عليه وآله إسرافهم في إنفاقات كانوا يسمونها كرماً في إعطاء الحقوق الشرعية، والصرف في سبيل الجهاد، وصرف قريحتهم البليغة وفصاحتهم الشعرية والنثرية في الإرشاد والبلاغة.
فبينما كانت تصرف القريحة الشعرية في:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ............... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
صرفها الرسول صلى الله عليه وآله في:
يناديهم يوم الغدير نبيهم............. بخم وأسمع بالرسول منادياً
إلى غير ذلك، وبينما كان العربي يقتل العربي في سبيل ناقة، في حرب البسوس، أخذ المسلم يجالد الفرس والروم في سبيل [الحقيقة] عوض الخرافة، وفي سبيل نشر العلم بعد أن كان محتكراً عند الأشراف، وهكذا.
وإذا كانت بعض الأمم تفقد الصفة الخيرة، فاللازم على المصلح، إرشادهم إلى فطرتهم المطوية على تلك الصفة… كما أن اللازم على المصلح صرف الصفة المنحرفة، من أوليات رغبات الإنسان في الجهة المستقيمة، مثل أمة تصرف شهواتها في الشذوذ والانحراف الجنسي، حيث أن اللازم توجيههم نحو صرفها (في ما خلق لكم ربكم)(12) ـ كما قاله لوط عليه السلام لقومه.
فإن الفرد كالمجتمع أرض قابلة لمختلف الزرع، فاللازم زرع الطيب فيها إن كانت قفراء، وإن كانت مزروعة بالزرع السيء، لزم اقتلاع ذاك الزرع وزرع الطيب مكانه، ولذا قدم القرآن الحكيم التزكية.
قال سبحانه: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)(13).
فالإنسان هو الإنسان، وإنما الاختلاف بظهور الصفات والكوامن، مثلاً المرأة في كل عصر ومصر هي المرأة، وإن كانت عاراً في أمة، وسيدة في أمة، ومربية في أمة، وأداة شهوة في أمة، وهكذا