شاع في أيامنا هذه مصطلح يطالعنا في كثيرٍ من وسائل الإعلام، ولا سيما الطبِّية منها،
هذا المصطلح هو (الماكروبايوتيك)، فما المقصود به؟ وما الغاية منه؟
الماكروبايوتيك:
هو علمٌ قائمٌ على الرجوعِ إلى الطبيعةِ التي خَلَقَها اللهُ، وسخَّرها لعباده، ليس فقط للشِّفاء من الأمراض؛ بل للحُصُول على المناعة والمقاومة اللازمة لبقاء جسم الإنسان في أفضل حالات التوازن والاستقرار.
وهو علمٌ قائمٌ على الابتعاد عن كلِّ ما هو صناعي؛ سواء كان من الأطعمة الخالية من الاستقرار والتوازن، أم من العقاقير الطبِّية التي تعمل عملَ المُسكِّن فقط، وتخفي الأعراضَ الظاهرية، ولا تستأصل المرضَ من جذورهِ، وتسبِّب أعراضًا جانبية ربما تكون خطيرة جدًّا.
يقول هنري بيلر: "غالبيةُ الأدوية يُرَوَّج لها في البداية إعلاميًّا على أنَّها أدويةٌ معجزة، وعندما تُكشَف حقيقة سُمِّيتها وأضرارها الجانبية، تُسحَب من الأسواق بصمت؛ لتُطرَح بعدها أدويةٌ جديدة أعلى سُمِّية".
عندما يُصابُ الجسم بالآلام والأورام؛ ابتداءً بالرشح، وانتهاءً بالأمراض التي لم يُعرَف لها علاجٌ حتى الآن، فإنما تكون هذه الآلامُ والأورام مجرَّد تحذيراتٍ، يُقَدِّمها الجسمُ من غذاءٍ فاسد، أو سلوك خاطئ؛ يقول - تعالى -: ﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الذاريات: 49]، وانطلاقًا من هذه الآيةِ الكريمة، سنفهمُ قوانين الحياة القائمة على تكامُلِ الأضداد، وهي: الذَّكر (يانغ) الذي يحمل القوَّة الجاذبة، والأُنثى (ين) التي تحملُ القوةَ النابذة.
فهل تعلمُ أن كلَّ ما في الوجود قائمٌ على تكامُل هذه الأضداد؟
حتَّى في الأمراض التي نُصاب بها، ولا نعرفُ أسبابَها، ولا طريقةَ معالجتها؛ أي: عندما يكون المرضُ من نوعٍ أنثى كالإسهال مثلاً، فإن الجسمَ يحتاجُ إلى معالجٍ من نوعٍ ذكر.
ومن أجل فَهْم هذه الأضداد، والتمييز بينها، أُقَدِّم لكم بعضَ الفروق بين الأُنثى (ين)، والذَّكر (يانغ):
الأنثى (ين): كلُّ شيءٍ يكونُ في شكله مُنبسطًا، وخفيفَ الوزنِ والكثافة، ويكون رَطبًا؛ لاحتوائه على مقدار كبير من الماء، ويتدرَّج بين الألوان التالية:
بنفسجي، كحلي، أزرق، أخضر، وهو طويلٌ في شَكله مقارنةً بالذكر، وينمو في المناطقِ الحارَّة.
الذكر (يانغ): هو كلُّ شيءٍ منقبض على نفسه، ذو كثافة عالية وجَفاف وثِقَل، ويكون متدرِّجًا بين الألوان التالية: أحمر، برتقالي، أصفر، وهو قصيرٌ موازنةً بالأنثى، وينمو في المناطق الباردة.
أمثلةٌ مفيدة لتعَرُّفِ الذَّكر والأُنثى من الخَضراوات:
الخضراوات الإناث: عروق، أوراق خُضر، مَقْدونِس، نعناع، كَرَفْس، خَس.
الخضراوات الذُّكران: جذور، يَقطين، لِفت، (شَوَنْدَر)، فُجْل (أوراق الفُجْل أُنثى).
ولا بدَّ أن نعرفَ أن هذا العلمَ - أي: الماكروبايوتيك - قائمٌ على العودة إلى الطبيعة بنباتاتها، وليس على ما تحويه من حَيَوانات، منطلقة من القاعدة القائلة: "إنَّ الأغذيةَ الحيوانيَّة هي من الكماليَّات، وليست من الأساسيَّات".
ولربما يسأل أحدُنا نفسَه: من أين لنا أن نحصلَ على الغذاء والكالسيوم، إذا اجتنبنا الحليبَ ومشتقَّاته؟
والجواب سهلٌ ويسير، ولكنه صعبُ التقبُّل على غير النباتيين، وهو: أن الأجبانَ والألبانَ التي نعتقد أنها تُعطينا الكالسيوم المفيد للجسم - هي على العكس تُعطينا الكالسيوم على هيئة بروتين، إضافةً إلى الشحوم والدُّهون.
إن تناولَ مقدار كبير من البروتين الحيواني، إضافةً إلى تناول مقدار كبير من السكَّر البسيط المكرَّر - يسبِّب الامتصاصَ العكسيَّ للكالسيوم، وغيره من المعادن من العظام إلى الدم، إضافةً إلى أنَّ الأجبان والألبان تسبِّب الحساسية أحيانًا، وتشكِّل أورامًا في المبايض والثَّدي، وقد تسبِّب سرطان الثَّدي.
وما يجب تأكيدُه: أنَّ الجسم لا يستطيعُ استخدامَ الكالسيوم إلا بعد تحويله إلى شواردَ، بمساعدة الفيتامين (ك)، المتوفر بكثرة في الأوراق الخضر عمومًا، والأوراق الخارجية للملفوف خصوصًا.
إذاً من أين نحصل على الكالسيوم؟
الجواب: إنَّ الكالسيوم يتوفَّر بمقدار يفوق ما في الحليب بكثير في الأصناف التالية: المقدونس (وهو أكبرُ مدرٍّ لحليب المرأة)، والفُجْل وورقه، واللفت، واللوز، والقمح الكامل، والرُّز الكامل، وبعض الأعشاب البحرية.
الحبوب الكاملة:
إن ما يجب التنويه به أنَّ الماكروبايوتيك يعتمد اعتمادًا كبيرًا على الحبوب الكاملة، التي تُقوِّم اتِّزانَ الجسم؛ لأن الرُّزَّ الكامل على سبيل المثال يتكوَّن من القشرة (يانغ)، واللبِّ (ين)، فإذا اقتصرنا على تناول الرُّزِّ المقشور فقط، فإننا نتناول بذلك القوةَ النابذةَ فحسب، التي تسبِّب الارتخاء والتمدُّد، وهذا يسبِّب أمراض الدَّوالي، والقولون مع مرور الوقت.
ملاحظات مهمَّة من علم الماكروبايوتيك:
♦ يجب تناولُ الطعام باعتدال، ومضغُ اللقم 30 مرَّة على الأقل؛ لأن تناولَ الطعام الفائض يقلب النوعية، وإن المضغَ الجيد للطعام يُظهر الطَّعمَ
الحقيقيَّ للطعام، وَفق قاعدة: "امضَغ شرابَك، واشرَب طَعامَك".
♦ النَّشَويات لا تسبِّب السمن؛ برهان ذلك: لا نجد شخصًا نباتيًّا يُعاني السمن.
♦ استعمل الملحَ البحريَّ بقلَّة عوضًا عن الملح الأبيض المكرَّر؛ لأنه ضارٌّ.
♦ تجنَّب القَلي بدرجات حرارة عالية، ولمدَّة طويلة، "إن الشيبس والبطاطا المقلية تحتوي على مادَّة الأكريلاميد المسرطنة".
♦ أفضل غذاء للدِّماغ هو الذي يحتوي على المعادن من نوع أنثى: البوتاسيوم، والفوسفور، وهي متوافرة في الأوراق الخُضْر، واليقطين، والسِّمسِم.
♦ لا تتناول الطعام قبل النوم مباشرةً، ولكن قدِّمه ساعتين إلى ثلاث ساعات على الأقل.
♦ اشرب السوائلَ فقط عند الشعور بالعطش؛ لأن الماء يحتوي على قوَّة أنثى؛ فكثرتُه تسبِّب نقصَ الحيوية؛ لأن الماء يمدِّد الدم، ويَخفض الحرارة، ويَحد من قدرة الخلايا على الحياة، ويسبِّب الماءُ أيضًا تعبَ القلب والكُليتين؛ لأنه يُجبرهم على العمل المجهد من غير فائدة.
♦ تجنَّب شربَ الماء أو تناول الفاكهة في أثناء الأكل، أو بعد تناول الطعام مباشرةً، "إن تناولَ مقدار كبير من السُّكَّر البسيط يؤدي إلى تحوُّله إلى أحماضٍ بعد التخمُّر، وهذه الأحماضُ تسبِّب انخفاضًا في مقدار شوارد الكالسيوم في الدم".
♦ للتحقُّق منَ الحصول على جميع أنواع المعادن والفيتامينات، يجب تناول 4 إلى 5 أنواع من الخضراوات الموسميَّة، والبلدية المختلِفة.
وبعدُ فهذه نُبذة موجزة عن الماكروبايوتيك، يمكننا أن نتعرَّف من خلالها على أهمية العودة إلى الطبيعة والحياة السهلة اليسيرة، فما من نباتيٍّ يعاني تدهورًا في صحَّته، وأغلبُهم من المعمَّرين.
مع تمنياتي أن يحصلَ كلُّ شخصٍ على الفائدة من هذه المقالة، ليُحافظ الجميعُ على أجسامهم في صحَّة وعافية تامَّة كاملة.