هذي هي قُدسنا!
هنادي الحلواني| مقدسية مبعدة
القدس عروس الدنيا سيّدة الوجود، لا تبرح عينك أن ترى في كل تفصيلة منها قصة مؤرَّخة بتاريخ عبق طويل الآماد يمتدّ ليصرّح بحقيقة انتساب هذه الأرض لرجال لم و لا و لن يتخلوا عنها أبدا.
في كل زقاق من شوارعها و حجر من أرضها و نسمة من عليل هوائها ضغط محبّب على وتر الصفاء و انطلاقة خاطر و تجرّد قلب ذو حدّين من الأثر، حدّ دوام العهد على حفظها و أولويتها و حدّ على دحر كل من يريد تشويها لجمال صورتها و عبق أثرها.
تعال أيها الصديق لتقرأ القصص و البطولات على أعمدة مساجدها و مآذن زواياها و نواقيس كنائسها،
و تدرسَ مبادئ الحياة الراقية على صفحات جدرانها المتلاصقة المتلائمة مهما اختلفت طبيعة ساكنيها الدينية
و العرقية و الحياتية، و تتعلمَ الأصالة و الرجولة و الشهامة من تجاعيد الوجوه و براءة الابتسامة
و رضى الأيادي المقبَّلة المتجهة إلى خالقها بكل آيات الشكر و تراتيل الامتنان.
تعال أيها العدوّ لتأخذ دروس العزة من كل أنف شامخ رفض أن تضع يدك القصيرة الملوثة
على ما يملك و لو أغريته بملايينك، لأن شرف الأرض أغلى من ملء الأرض من أمثالك و دراهمك، و هذا مهما حاولت و رغّبت و فرّقت و هدّدت و ضايقت.
تعال أيّها المتخاذل منحنيا خاشعا على ركبك أمام شيخ طاعن جالس تحت شجرة زيتون عريقة النسب و الانتماء، يتخذ من السكوت أجمل تعبير على عمق تجربة فهمها من مختلف تطورات دهره و أيامه ، غرست في نفسه الأبيّة أن الميدان على أرضنا لرجال الأقوال و الفعال لا لثرثاريّ الكلام، أو اجلس على مقربة من عجوز أرملة تطهي لأولادها ما تيسر مما يسدّ الرمق و تكمل شبعتهم بآهات الشمم و تهَدْهِدُهم حتى يناموا بعهد قديم ورثته عن أمها يقول:
يا ابني اذا حان الاجل اكتــــب عـلى قـــــبري
محفـــور اسمك يا وطن في دفتري وحــــبري
يا ابني ابوك الي ورث عن جــــدك عقــــــالو
أتقـــن كل لغات الأرض لكن مـــا حكى عــــــبري