في قريته التي استقرَّ بها بعد نكبة عام 1948 عرابة، التقيت مع الأستاذ الحطّيني المتقاعد محمد توفيق رباح 72 عاماً (أبو شوقي) وزوجته عبلة أحمد رباح، وإخوانه وأبناءه.
أبو شوقي دأب كوالده أن يكد ويتعب من أجل تعليم أبنائه وبناء مستقبلهم، وأحد أبنائه هو لاعب فريق اتحاد أبناء سخنين المتألِّق عبد رباح.
عيلِة سويد في حطينْ كانت القَيِّمْ على مقام النبي شعيب
استقبلني أبو شوقي بالترحاب وطلبت منه أن يحدِّثني عن بلده المُهجَّرة حِطّينْ وقال: عدد سكان حِطّينْ في الـ48 كان 1200 من الطايْفِة الإسلاميِّة، تبعد حطّين عن مدينة طبريا غرباً تسِعْ كيلومِترات، بِحِدّها من الجنوب لوبْيا ونِمرينْ، ومن الغرب عيلبون، ومن الشمال وادي الحمام وعرب المواسي، ومن الشرق طبريا، فيها سِتّْ عائلات كبار: رباحْ، عَزّامْ، شعبان، شَبايْطَة، السَعديِّة، دَحابْرِة، خطيب، وعائلات صغيرِة منها: عباس. وعيلِة سويد، اللي جابها صلاح الدين الأيوبي من صفد على حطينْ حتى تكون القَيِّمْ على مقام النبي شعيب، وكان الشيخ ذيب سويد هو المسؤول عن المقام وحِمايْتو.
حاكورِة اليهودي
قلت: كيف كانت علاقِتكو مع اليهود قبل الاحتِلالْ؟.. قال: على أرض حطين كان في مستعمرتين الأولى (كفار حطيم) على طريق طبريا تأسست عام 1936، والثانيِة (متسبا) تأسست في أواخر القرن الـ19 علاقتنا مع اليهود كانت منيحَة، ومرّة العرب سرقوا من اليهود غنم والمختار رَجَّعْهِنْ، وفي مرّة واحد يهودي كان يملُكْ بْحطّينْ أرضْ..باعْ قسِمْ منها لأهل حطين اللي سمّوها بعد هيكْ حاكورِة اليهودي.
حِطّينْ كانت من أغنى القرى في فلسطين، بسبب وَفْرِة الميّْ وسهِلها الخصيب، وقُربها من المدينِة (طبريا)
قلت: على شو كانت معيشِة أهل حطين؟.. قال: حطين كانت بلد غنيِّة بالمَيّْ، وعشان هيكْ كان وضع البلد الاقتصادي من أغنى القرى العربية في فلسطين، بسبب وَفْرِة الميّْ وسهِلها الخصيب، وقُربها من المدينِة (طبريا)... أنأ فيها نبع قوي إسمو (لِعْيونْ)، ونبع إسمو (القسطَلْ)... نبع لِعيون كانت الناس تِشرَبْ مِنّو وتِسقي البساتين، ومزروعات الخُضارْ على أنواعها، ويِنزلوا أهل البلد يبيعوا مَنتوجْهِنْ في حِسْبِة طبريا.
كانت الميّْ مْقَسَّمِة عَالناسْ حسب الفَدادينْ، تْلاقي واحد إلو قيمِة فَدّان وواحد إلو قيمة ثور
قلت: احْكيلي كيف كُنتو تِستَغِلّوا المَيّْ؟.. قال: كانت لِعيون جارْيِة صيف وشِتا، نبع براسْ البلد عِند مقام النبي شعيب فوقِيّْ البلد وتِسقي البساتينْ الفوقَا، وتِمشي القناة من قلب البلد من بينْ لِبيوت للبساتين تحت البلد.
كانت الميّْ مْقَسَّمِة عَالناسْ حسب كبر الأراضي، وحسب الفَدادينْ، تْلاقي واحد إلو قيمِة فَدّان (الفدان يعني بقرتين وعود حراث)، وواحد إلو ثور. أنا بَذكُر كُنّا نِسقي مَرّتين في الأسبوع، مَرَّة بيجي دورنا في النهارْ، ومَرّة بالليل، كنت أروح مع أبويْ نِسقي، يِقُللي: روحْ يابا ديرْ المَيّْ، تِبقى المَيّْ جاريِة على بساتين ناسْ غيرنا، نظَلّْ نْقَنّيلْها بالصابِّة تَتِصَلْ حَكورِتْنا.. ما كان في ساعات زيّْ اليوم، كان اللي معهن ساعات بَسّْ واحد من دار رباح وواحد من دار خطيب، مرّات لمّا الناس يِختِلفوا على الوقت ييجو يِقِعْدوهن بنُصّْ الليل عشان يِسألوا عن السيعَة وِيْديروا المَيّْ من واحَد لَواحَدْ حسب الوقت وِالدور...في احداث الـ48 كنت في الصف الرابع، واعي لكُلّْ اللي صارْ، كان عند أبويْ دكانِة، أقْعُدْ فيها وأبيعْ وأشتري، وأسجِّلْ اللي بِتْدَيَّنْ، وِاللي بِدفَعْ أشْطُبْ إسمو.
لمّا وْصِلنا لبنان كانو كُلّْ أهالي الجليل على بيادِر الرميشْ
بالـ48 عِرفَتْ الناس إنّو جيش الإنقاذ انْسَحَبْ، وصُرنا نِسمع عن المجازر والقتل في القرى الأخرى، وبعد سقوط طبريا بِتْنا ليلِة بين الزتون شماليّْ البلد، ومن هناك مشينا لوادي سلاّمِة وْبِتْنا ليلْتينْ بْراسْ النَبِعْ، وبَعدينْ طْلِعْنا على فرّاضْيِة وظَلّينا هناك لَتاريخْ 30-10-1948 لَحدّْ ما سقط الجليل...حَمَّلنا فراشْنا وِغْراضنا عالفَرَسْ، وِمْشينا بِطُرُقْ ما مْنِعْرِفها.. صرنا نِمشي بعَرْضْ جبل الجَرمَق بإنْحدارات قويِّة، وكُلْ شْوَيّْ يِقَعْ لِفراشْ وِانْحَزّْموا من أوَّلْ وِجْديد..وْصِلنا السيعَة سَبْعَة المِغْرِبْ على عينْ مَيّْ في عينْ الأسد، كانت عَمتي زهرة حامِلْ بْشَهِرها التاسع، قُمنا استَأجَرنا بْغالْ اثنينْ الواحَدْ بْخَمِسْ ليرات فَلسطيني عَشان نركب عَليهِنْ، ومَيَّلنا على بيت جن عِند جماعَة صحاب من دار أبو حيِّة، أعطونا خبز وأكل وكَمَّلنا عَالرميشْ، كانو كُلّْ أهالي الجليل على بيادِر الرميشْ، ولمّا وْصِلنا خَلَّفت عَمتي ولد.
أَمْرارْ الواحَدْ يْقَلِّلْ مْرُوِّة يِطْلَعْ يِتْسَبَّحْ بِالِعْيونْ، يْحُطّْ حالو بِْقناة المَيّْ حَدّْ بيتو ويِتْغَسَّلْ
قلت: لإيشْ بْتِشْتاقْ أكثر إشي يابو شوقي؟.. هَزّْ أبو شوقي راسو بِاعتِزازْ وقال: أهل حِطّينْ كانوا مَحسودين، أراضي حطّين واسْعَة مَساحِتها حَوالي ثلاثينْ ألف دونم، من حدود لوبْيا، تَتِصَلْ المِجْدَلْ (مِجْدَلْ لِغويرْ) على شَطّْ طبريا، لَجبالْ وادي الحمام، لوادي اللَّمون اللي فوق وادي الحمام كان كُلّو بساتينْ وبَيّاراتْ لأهِلْ حِطّينْ.
وتابَعْ أبو شوقي وهو يوصِفْ حِطّينْ وكأنّها جَنِّة وقال: الجامِع كان موجود على بعد ثلاثين متر بَسّْ من نبع القسطَلْ، ومِنْ النَبِعْ تِنزَل ماسورِة مَيّْ للجامِعْ على ثلاث بِرَكْ مَيّْ، أوَّلْ بِرْكِة يِتْوَضّوا وْيِشْرَبوا منها، والبِرْكِة الثانيِة للغُسِلْ، يِِرْجَعوا الفلاّحينْ بْأيّام البيادِرْ والحَصيدِة تالي النهارْ من الشُغُلْ، يِتْغَسّلوا فيها وِيْرَوّحوا عَالبيتْ، والبِرْكِة الثالثِة كانت بْجَنبْ المَنافِعْ للاسْتِنْجاءْ.
يَعني شو بَدّي أقُلَّكْ مَيّْ كثيرِة، جارْيِِة بين بيوتْ البلد وِنْظيفِة، وأَمْرارْ الواحَدْ يْقَلِّلْ مْرُوِّة يِطْلَعْ يِتْسَبَّحْ بِالِعْيونْ، يْحُطّْ حالو بِْقناة المَيّْ حَدّْ بيتو ويِتْغَسَّلْ... إجْمالاً الحياة في حِطّينْ كانت مُريحَة أكثر من قرى لوبْيا، ولِمْرينْ، وعيلبونْ، وعرابِة اللي حَوالينا.. بْهاي القُرى الناسْ كانت عايْشِة عَالآبارْ، كُلّْ النهار عَالجَرَّة وبِالنُقْطَة.. عِنّا بْحِطّين كان الأرضْ والبَنِآدْمينْ والطَرشْ شَبْعانينْ ومِرْتْوِيّيِن.
أجو يِقولوا: يهود يهود.. قامت الناس تركت دكاكينها مفتوحَة وفَلَّتْ
قلت:شو بْتُذكُرْ عَشِيِّة النكبِة؟...قال: الناسْ انْهَزمت من البلد قبل ما اليهود يفوتوها، وظَلّْ بَسّْ خَمِسْ خْتيارِيِّة بذكُر منهن: الحَجِّة صبيحَة دَحادْرِة، وأحمد شعبان، وبَديعَة إمّْ الحدَّا الحطيني (كانت يهوديِّة من صفد)، دارْهِنْ كانت عالْيِة، تِطلَعْ بالليلْ عَالعِلِيِّة، وتِعْطي إشارات لأهالي البلد ييجوا يوخذوا غراضْ ومؤن وطَناجِرْ من بيوتْهِنْ، أو يوخذوا قمح من العورَمِة اللي عَالبيادِر (لأنّو كان موسم الحصيدِة، يومْها الناس تركت كل شي مَطْرَحو وانهَزمَت).. ولَمّا كَشَفوا اليهود أمر بَديعَة طَحوها من البلد.
كان يُربُطْ أهل حطين مع لوبيا جيرِة حَسنِة، وكان كثار من ثوار حطينْ اللي شاركوا في معارِكْ لوبيا وطبريا، وفي معركِة لوبيا استشهد ثلاثِة من البلد أبو شكيب الحِطّيني أخو الحَدَّا الشعبي المعروف ابو السعيد الحِطّيني، واثنين ناسي أساميهِنْ، وِتْصاوَبْ مُختارْ حِطين احمد قاسم رباح. وبَذكُر أجوا اليهود رَبَطوا (عِملو كمين) عَالقَسْطَلْ، ويومها أجت الناسْ بَدها تِشرَبْ، طَخّوا عليهِنْ وِتْصاوَبْ محمد السعدي اللي استشهد بعدين في مَجزرة عيلبون.
وَقَّفوا القطار وقالوا: سوريا مَلانِة وبَطَّلتْ تِقْبَلْ لاجِئينْ
وصلنا الرميشْ وقَعدنا بين الزتون على طرف البلد وَلاّ أجو يِقولوا: يهود يهود.. قامت الناس تركت دكاكينها مفتوحَة وفَلَّتْ، وبعدين تْبَيَّنْ إنّو اللي جايْ فِرْقَة من جيشْ الإنقاذْ مِنْسِحبِة من فلسطين. رْكِبنا في الباص ورُحنا لعين الحِلوِة، بَسّْ كانت مَلانِة وما في مَحَلّْ..قُمنا رْكِبنا في القطار اللي بيجي من صور بِاتِّجاه مخيّم (النيرب) في حلب، ولَمّا وصِلنا طرابلس لبنان، وَقَّفوا القطار وقالوا: سوريا مَلانِة وبَطَّلتْ تِقْبَلْ لاجِئينْ، وظَلّينا في القطار 15 يوم، وكُلّْ عيلِة قَعْدَتْ بْفاجونْ، بعدين نَزَّلونا على ثكنِة عسكريِّة جَنبْ المينا، وقَعدنا في بَرَكْساتْ (بيوت خَشَبْ)، كانت تِدلِفْ علينا من الشِتا، وصاروا يِعطوا كل عيلِة كيلو بَطاطا ونُصّْ كيلو عَجْوِة، وثلاثْ كْماجاتْ صغارْ، صُرنا نجيب الحطب ونسلُقْ البطاطا ونوكُلْ.. قَعَدنا كمان 15 يوم، وِبْأوَّلْ شهر 12 رْجِعنا على عين الحِلوِة، وسَكَنّا في كنيسِة قايْمِة جديد بَعِدها بِدونْ بْوابْ وشَبابيكْ... ويومْ السيعَة سِتِّة الصُبِحْ وَلاّ الدَرَكْ اللبناني مْطَوِّقْ لِكنيسِة، وقُدّام الباب سيارِة شحن وباصْ، وحَمَّلولْنا لِغْراضْ بسيارة الشحنْ وطَلَّعونا عَالباصْ.. وظَلّينا نِتْنَقَّلْ من محطِّة زحلِة لَبَعَلبَكْ لَلقَشْلِة التِحتا، لعين الحلوة كمان مرَّة، لمخيَّم (المِيِّة ومِيِّة).. يعني باختصار تْمَرْمَرنا وشُفنا الذُلّْ.
فات عَمّي وما كان إسم مَرَتو موجود وما قِبلوا يِسَجّلوهِنْ ويعطوهِنْ هَويّاتْ وكَبّوهِنْ
وكيف رْجِعتوا يابو شوقي؟...قال: أجَتْ ناس قالت في بفَلسطينْ تَسجيلْ، وبِعْطوا هَوِيّاتْ، قمنا ترَكنا كلّْ غراضنا بِبِنتْ جبيلْ وِارجِعْنا بأواعينا العَتيقَة الوِسْخَة بِدونْ غَياراتْ، وِمْشينا بالليل للرميشْ وقطعنا الشارِعْ الرئيسي، وطِلعَتْ عَلينا الشمس بوادي (الذِبّانْ) حَدّْ حُرفيشْ، بَذكُرْ كنت ماشي وأنا حامِلْ ابريقْ مَيّْ مصنوع من (توتْيا) نِشرَبْ مِنّو... تْرَيَّحْنا شوَيّْ في بيت جن عند صحابنا من دار أبو حيِّة، ونزِلنا عالرامِة، وكَمّلنا طريق وادي سلاّمِة، وقَعَدنا بدير حنا يومينْ، وأجينا بعدها لَعرابِة، وسَكَنّا عند نَسايِبنا دارْ الخطيب. راحْ أبويْ سَجَّلْ إسمو وأعطى إسم إمي وعَبّى القسيمِة، وما كان إسم إمي موجود بَسّْ رَبَّكْ ستر سَجَّلها وأعطوها نُمرَة جْديدِة، فات وراه عَمّي كان إسمو موجود وإسم مَرَتو مِشْ موجود، وما قِبلوا يِسَجّلوهِنْ ويَعطوهِنْ هَوِيّاتْ وكَبّوهِنْ في لِبنان... جَدّي حسن رباح وِعْمامي احمد وابراهيم وحوالي 80% من العيلِة كَبّوهِن في لِبنان وسوريا وبَعِدهِن لليوم هناكْ.
أرْبَعْتَعشَر سِنِة وِاحْنا عايْشينْ بِالأجارْ بِلِبيوتْ القديمِة
قلت: وكيف خَلَّصت تعليمَكْ يا بو شوقي؟.. قال: كان في بِحِطّينْ مدرسة ذكور لَلصف السابع، ومديرها الأستاذ صلاح حديد من صفد، ولِمْعَلّمين كانوا كُلّهِنْ من خارج البلد من نابلس ومِنْ جنين ومِنْ صفد، الصف الأول كان في الجامع، واللي يخَلِّصْ تَعليمو ينزل على طبريا مَشي يتعلّم هناك أوّل ثانوي، وفي النكبة عام 48 في شهر أربَعَة طِلْعوا لمعَلّمين من حِطّين وما رِجْعوا، قاموا وْلاد البلد اللي اتعلّموا للثانويات مَشّوا المدرسة أكَمّْ شهرْ لَحدّْ ما سَقْطَتْ طبريا، لأنّو مَنْفَذْ حِطينْ الوحيد هو شارِعْها الموصِلْ لَطَبريّا.
...قال: أبويْ تِعِبْ بِحَياتو كثير، إشتغَلْ بِالتِجارة ولِعْتالِة، وبَنى حياتو من أوَّلْ وِجديد.. كان هَمّو الوحيدْ يِعَلِّمنا.. أنا خَلّصت الصف الثامِنْ بِعرابِة سِنة 1953، وكَمَّلت الثانوِيِّة البلديِّة في الناصرِة سِنة 1957، ونجحت في البجروت، وعيّنوني معلم بِعرّابِة، وعَلَّمتْ 36 سِنِة وِطْلِعتْ عَالتَقاعُدْ...قلت: كان في مُضايَقات على لِمْعَلّمينْ؟... قال: كانت قرارات الفصل من سِلكْ التَعليمْ بتاريخ 31 أيار من كُلّْ سِنِة.. لَمّا يُمْرُقْ هذا التاريخْ نْقولْ: مَزَطْنا هايْ السِنِة.
بعد الـ67 أعطوني إنذار (إقامِة جبريِّة) ممنوعْ من دخول الضَفِّة الغربيِّة، وكانوا يِجَدِّدوها كل سِنِة.. كانت هاي الضغوطات تُمارَسْ على اللاجئين بشكِلْ خاصْ للحصولْ على تنازُلاتْ، بَسّْ كنت دايْماً أرفض.. أرْبَعْتَعشَر سِنِة وِاحْنا عايْشينْ بِالأجارْ بِلِبيوتْ القديمِة، وبعدين اشترينا ارض في عرابِة وبَنينا فيها.
بِاللَّجْئَة بعد النكْبِة صُرنا نْروحْ نِخْدِمْ ونِتْبَعَّرْ عِند الناسْ، وكُنّا نِتْبَعَّرْ القَمِحْ بِالسَبَلِة
ما قِدرَتْ إم شوقي عبلة رباحْ تظَلّْ ساكْتِة قاطَعَتْ وقالت: أنا بِنت مُختارْ حِطّين أحمد قاسم رباح، أبويْ كان ملاّكْ زتون كبير، في الموسم تلاقي عِنّا ثلاثين أربعين جَوّالْ، وبِاللَّجْئَة بعد النكْبِة صُرنا نْروحْ نِخْدِمْ ونِتْبَعَّرْ عِند الناسْ، بَذكُرْ كُنّا نِتْبَعَّرْ القَمِحْ بِالسَبَلِة... سكتت إم شوقي وتابَعت: كيف الواحد بَدُّشْ يِتألَّمْ.. كان عِنّا شَلِيِّة غَنم بِحدود المِيِّة، لِحْقوا اليهود ابويْ عند سهل دير حنا وأخَذولوا الشَلِيِّة.. لَما كنت أروحْ مع إمّي عَالحَطب والبَقِلْ، كانت دايْماً تْنَوِّحْ وتِبكي.
مَرّة رُحت على حِطين مع حياة مرت عَمّي إم جوزي، قمت قَصَفتْ قُصْفِة رُمّانْ، وَلاّ وَحَدِة دُرْزِيِّة بِتْقُللي: كِنِّكْ يا عَمّي من هَالبَلَدْ؟.. قُلْتِلّها: شو عَرَّفِكْ؟..بِتْقُللي: قَدّيشْ باجي لَهونْ ما شُفتْ وَحَدِة حامْلِة قُصْفِة رُمّان.... واللي بِألِمْ أكثر إشي إنّو صارْ الواحد إذا بَدّو يْروحْ على عيون البلد وعلى النبي شعيب لازِم يِعطيهِنْ خبر قبل بْسَلَفْ ويخُذ إذِن، شوف لوين وصِلنا.
فُرقِة الأهل صِعبِة وبَعِدها فُرقِة الوطن
قلت:شو صار بأهلِكْ يا إم شوقي؟...قالت بِصوتْ حَزينْ: خَواتي الأربَعَة وإخوِة اثنين بِلِبنان.. أخويْ لِكبير شُفتو بَعِد 35 سِنِة وأخوي الثاني بعدْ 54 سِنِة، عِشنا كل عُمرنا عالمكاتيب عن طريق الصليب لِحمَر...غَصَّتْ إم شوقي وِتْنَهَّدت وقالت: فُرقِة الأهل صِعبِة وبَعِدها فُرقِة الوطن.. خْوالي ماتوا قبل ما أشوفهِنْ، إلي أُخت من خَواتي صَرلنا سِتّينْ سِنِة ما التَقيتا، بَشوفها بَسّْ عَالصورَة.
في الـ48 كان أخوي لِكبيرْ مريضْ، قالت إمّي لأبويْ في دَكاتْرَة شاطْرينْ في بيروت، أخذَتو وطِلْعَتْ، وسَكَّرت الدرب وما قِدرَتْ تِرجَعْ لليوم.
دايماً مْنِطْلَعْ على حِطين مِنْعَبّي قَناني مَيّْ مْنِشْرب منها من ريحِة البلد، وكُلّْ ما بَطلَع هناك بَحِسّْ حالي بَخْتْنِقْ. وفي قرايِبْ إلنا في الأردن دايماً بُطُلبوا ميِّة حطين مِنزورْهِنْ ومنوخُذلهِن مَيّْ معنا.
وَفِّرْ مَصْرِيّاتَكْ بَدنا نِرْجَعْ على حِطين، وْبِتْعَمِّرْ هُناكْ
وأنا قاعِد مع أبو شوقي فات أخوه جهاد رباح (70 سِنة) وقال: إللي بِألِمني إنّو بَقْدَرشْ أتصَرَّف بْسَطِلْ زتون من أرض أبوي وجدّي، يا زَلَمِة زَوَّروا التاريخْ والجُغرافْيا.. وتابع جهاد رباح: سِنة 1997 كنت أعَمِّرْ الدارْ أجا حياة أبوي وأنا أرَكِّبْ الشايِشْ بِقُللي: لَليشْ بِتْرَكِّبْ الشايِشْ؟...قلتِلّو:ليشْ بْتِسألْ يابا؟.. بِقُلّي: وَفِّرْ مَصْرِيّاتَكْ بَدنا نِرْجَعْ على حِطين، وْبِتْعَمِّرْ هُناكْ... وبعد ما توفّى الوالِد لاقيت وراه أوْراقْ وكَواشينْ، وِاللي فْهِمتو إنّو في الـ53 أجاه يهودي بِقولولو (النِحْماني) من الوكالِة اليهوديِة وعَرَضْ على أبوي يِبَدِّلْ الأرض؟..قَللو ابويْ: بِالأوَّلْ بَدّي وَرقَة تِثْبِتْ مُلكِيتي للأرض.... راحْ النحماني جابلو ورقة بالعِبري مكتوب عليها رقم القسيمِة ولِبْلوكْ، ولَمّا وِصْلَتْ الورقة لأيدينْ ابويْ قَللو: خَلصْ لا بَدّي ابيع ولا أبَدِّلْ، عْرِفتْ الأرضياتْ بإسمي وهذا اللي بَدّي ايّاه... طلِعت قبل مُدِّة على الناصْرِة أفحص الأرض، أعطوني صورة عن الكوشان، والاّ هِنِّ ناقلينْ المُلكيِّة من القَيِّمْ عن أملاك الغائِبينْ لدائرة التطوير (ريشوتْ هَبيتوّحْ).
أنا من حطين وهاي الأرض إلي، ومعي طابو فيها! ردّْ علَيّْ: كانت إلَكْ!
قلت لأبو شوقي: إذا سألوكْ كيفْ بِتْعَرِّفْ حالَكْ؟...قال: اليوم بَعرّابِة وبفتْخِرْ بِأهِلها، وما بَنسى أصلي وفصلي، أنا حِطّيني، ولمّا بروحْ لهُناك بِراوِدني شعور مزدوج مخلوط، بَحِبْ أروحْ، ولمّا بَصَلْ وبَشوف محلّْ ما تربيتْ ووين كانت حارِتنا وبيتنا بَنِمْقِت وبَحزَنْ وبَرَوِّحْ مريضْ. مرّة رحْتْ مشوار على حطين مع لِمعلّمينْ المتقاعدين، ووصِلنا مقام النبي شعيب، أجا المسؤول، قِبِلْ ما يِفَوِّتنا.. قُلّتِلّو: أنا من حطين وهاي الأرض إلي، ومعي طابو فيها...ردّْ علَيّْ: كانت إلَكْ!! ويومها روّحت ممقوت ومريضْ.
ودّعت أبو شوقي وإم شوقي وولادوا اللي حضروا، ومِشي أبو شوقي معايْ للسيارة وقللي: شايف هاي لِبيوت كُلّها لدار رباح..إسّا أنا مُستَعِدّْ أترك كُلّْ شي وأرجع على حطين.
25/04/2008 
04-20-2013, 12:47 AM
حطين - طبريا
العرض العادي
