فلسفة العلاج بالنوم والأحلام
هذه إحدى فلسفات العلاج بالنوم وليست كلها، ولكنها تكفي لإلقاء الضوء على ما يمكن أن نستغل فيه النوم وما يمكن أن يعطينا من إمكانيات.
النوم .. ذلك السحر السرمدي الذي يجذبك بهدوء، ويأخذك على حين غرة، فيصعب عليك بشدة إمساك حبال النوم المحيطة بأطرافك المرتخية، فلا تشعر إلا وأنت نائم ترى أحلامك، أو وأنت مستيقظ تبدأ يوم جديد.
هناك الكثير من الحقائق عن النوم، أنا متأكد من أنك لا تعرف عنها شيئاً، وأوضحها وأغربها هو أن النوم – حتى الآن – ليس له تفسير علمي منطقي مقبول، فحتى الآن لا يعرف العلماء السر الذي من أجله يلجأ الإنسان لتلك الحالة الفسيولوجية المسماة ( النوم ).
النوم يحتل من حياة الفرد العادي فينا ما بين 6 – 8 ساعات يومياً .. أي أن ربع عمرك أو ثلث عمرك تقضيه في عالم هلامي الشكل، غارق في الخيال واللانهائية. فهل كان لك يوماً نظرة تأمل إلى النوم وكينونته؟
قريباً من النوم
النوم علمياً هو الحالة الجسدية والذهنية التي يكون عليها حالك حينما تريد الرقاد قليلاً طلباً للراحة بعد يوم مجهد، أو في ميعاد نومك الطبيعي الذي اعتدت عليه كل يوم.
والنوم علمياً هو ارتخاء كامل لعضلات الجسم، إلا من عضلات الحجاب الحاجز الخاصة بالتنفس، وعضلات العينين، أما بقية الجسم فتتعرض لارتخاء كامل في العضلات، وهو المطلوب حتى يحصل جسمك على القدر المطلوب من الراحة.
من رحمة الله بنا أن ارتخاء العضلات الجبري هذا من مصلحة الإنسان .. فأنت حينما تكون نائماً، فإن عقلك لا يدري أنه نائم، فيتصرف وكأنه مستيقظ تماماً ويطيع الجسم حركات العقل، فلو كنت مثلاً تجري في صحراء خائفاً من ذئب فما هي حالتك النفسية والجسدية؟
ستكون حالتك النفسية بالغة السوء في الواقع، فسيكون الرعب مسيطر عليك، وتسعى لإنقاذ نفسك بقدر ما تستطيع، وستكون حالتك الجسدية في أوجها، وسيتم إفراز كمية عالية من الأدرينالين لتعطيك الطاقة التي تعينك على مسابقة ذئب في سرعته، وستتحرك قدماك كما لو أنهما ليسا من جسدك، بل من ماكينة توربينية، تسابق الريح على الرمال حتى تهرب من الخطر الذي يلاحقك .. كل هذا في الحلم.
ولكن عقلك لا يقتنع أنه حلم، ولا يتعامل معه على أنه حلم، بل يتعامل معه كما الواقع تماماً، فلو كان هناك من يتابعك أثناء نومك، فسيلاحظ انقباضات شديدة على حواجبك، وانتفاضات بسيطة في عضلات جسمك، تتفاوت قوتها حسب مدى تفاعلك مع الحركة أثناء النوم.
من الطبيعي أن يكون تفاعل عضلات الجسم مع المخ سلبي .. أي أن المخ يتخيل ما يتخيله، والجسم ثابت في مكانه لا يتأثر بالتغيرات التي تحدث. أما إذا حدث العكس، وتفاعل الجسد مع انفعالات وتأثيرات المخ، ستكون مأساة حقيقية .. مأساة تسمى مرض (المشي أثناء النوم Sleep Walking).
من فضل الله أن هذا المرض نادر الحدوث عند البشر، وإلا كان للبشر حياة أخرى يمارسونها وهم نائمون
النوم والعلاج من الأمراض
كل شيء ممكن أثناء النوم .. المرء يستطيع أن يفعل ما لا يستطيع فعله وهو مستيقظ، ويمتلك الجرأة على أشياء لم يكن يتصور إمكانية فعلها أصلاً في حياته العادية ..
فالمرء الخجول الذي لا يستطيع مواجهة الناس، ما يضيره وهو نائم أن يعود نفسه على مواجهة الناس حتى يمكنه التغلب على الإحساس بالخجل من مواجهتهم .. ولن يعيب عليه أحد ما يفعل، ولن يهتم بتوبيخ أو سخرية أحد .. حيث أن الحلم حلمه وسيستيقظ منه طال الوقت أم قصر.
فلسفة العلاج بالنوم تتمثل في هذه النقطة .. مواجهة المخاوف النفسية والعصبية، وأحيانا الجسدية في النوم، لتقنع العقل أنه تغلب عليها في الواقع بالفعل، والعقل الباطن لا يميز بين الحلم والحقيقة، فهو لا يهتم إلا بالتسجيل والبرمجة، ولا يعنيه إن كان الأمر واقع أو خيال.
أنا شخصياً جربت هذا النوع من العلاج، ولكن بالصورة التي أراها، فقد توفيت جدتي رحمها الله ومن شدة تعلقي بها، كنت أشعر بأنها ماتت وهي غير راضية عني – وهذا غير صحيح ولله الحمد – ولكنه التعب النفسي وآلام الفراق ..
فعليه حلمت بها وأنا أعلم أن الحلم حلم، فما إن رأيتها حتى سارعت برمي نفسي بين أحضانها الدافئة الحنون، وقبلت يدها وسألتها إن كانت راضية عني .. فابتسمت في وجهي كأجمل ما يكون الابتسام وأخبرتني أنها راضية عني.
خطوات العلاج بالنوم تتمثل في البداية بالتفكير .. فكر في الأمر الذي يشغلك وتبحث له عن علاج (ممارسة الرياضة، مواجهة مديرك في العمل، الوقوف أمام الناس، المرور بامتحان السنة النهائية .. الخ) أياً كان ما تعاني منه، أكثر من التفكير فيه قدر استطاعتك طوال النهار وحتى مع مقدم الليل حتى قبل النوم ..
من الطبيعي عندما تنام أن تحلم به، فما أحلامنا إلا ترجمة مهتزة من الواقع الذي نحياه.
وفي أثناء الحلم يجب أن تدرك أن هذا حلم .. ستقول لي أنه في معظم أحلامي لا أعرف أنني أحلم، بل أظن أنه الواقع .. وهذه أيضاً لها حل.
في أثناء اليقظة يجب أن تسأل نفسك باستمرار – حتى ولو كان ذلك بصوت مرتفع – هل أنا نائم أم مستيقظ. وسيلاحقك نفس السؤال أثناء النوم، وحينما يأتيك وأنت نائم ستدرك أنك نائم وتحلم.
وفي هذه اللحظة ستبدأ في معالجة المشاكل التي تقابلك بدون وجل، فالخوف من الوقوف أمام الناس لا يعنيك طالما أن ما تحياه الآن هو مجرد حلم ستستيقظ منه إن عاجل أو آجل، وتدرب نفسك مرة بعد مرة ..
وحينما ينتهي الحلم وتعيد هذا التمرين مرة بعد مرة .. سيتم برمجة عقلك على هذا الآداء أنك بالفعل تستطيع الوقوف أمام الناس – على سبيل المثال – بلا خوف أو خجل .. وهكذا.
هذه إحدى فلسفات العلاج بالنوم وليست كلها، ولكنها تكفي لإلقاء الضوء على ما يمكن أن نستغل فيه النوم وما يمكن أن يعطينا من إمكانيات.