التراث الفلسطيني ومدينة القدس
محمد أبو ليلي

منذ اللحظات الأولى لبروز الحركة الصهيونية ومعها تم البدء بالتعامل مع التراث الفلسطيني، والقاعدة العلمية تقول بأن الفراغ لا يملأ بشيئين في آن واحد، فهذا يستدعي بالضرورة اخلاء طرف أصيل ليحل محله دخيل عن طريق طمس ثقافة الشعب الأصيل.
فسرقة الاحتلال "الإسرائيلي" للتراث الفلسطيني بحسب الكُتاب ومؤرخين بدأت ما قبل النكبة بنحو ثلاثون عاماً أي في مطلع عشرينيات من القرن الماضي ولكنها لم تظهر بصورة موسعة إلا في مرحلتين:
ما بعد 1948 في المناطق العربية الي دخلت السيطرة "الإسرائيلي" أي في الجليل والمثلث وبئر السبع
ما بعد 1967 في بقية المناطق التي خضعت للاحتلال "الإسرائيلي" بعد هذه الحرب أي في الضفة الغربية وقطاع غزة
وقد أخذ الصهاينة على عاتقهم جمع أكبر قدر ممكن من مواد وأدوات التراث الشعبي الفلسطيني إضافة إلى قيام بعض اليهود بشكل فردي بجمع جوانب تراثية عن قصد أو بهواية شخصية.
ولا نتفاجئ أن العديد من الجامعات، حتى كتابة هذا السطور تجمع عناوين ومجالات في التراث الفلسطيني فمنها مثلاً جامعة حيفا حيث تجمع الحكايات الشعبية وارشفتها كما قامت الجامعة العبرية بجمع الأغاني الشعبية الفلسطينية وارشفتها.
ويستغل الأساتذة في معظم الجامعات العبرية وجود طلاب عرب في الأقسام التي تدخل ضمن مساقتها مواد التراث الشعبي ليقوم هؤلاء الطلاب بجمع مواد تدور حول جوانب أو أكثر من جوانب التراث الشعبي، وتمنح هؤلاء الطلاب احدى الدرجات العلمية في مجال التراث الشعبي.
وفي سياق نفسه، وضعت الحركة "الإسرائيلي" يدها على كل ما له صلة بالشعب الفلسطيني، من عادات وتقاليد واثواب وحكايات وأمثال شعبية وأدوات التراثية، فعلى سبيل المثال وفي العام 1972، أقيم معرض أمام المتحف الوطني في غرب القدس، واستمر لتسعة أشهر جمعت أدواته من الميدان المحلي، والشرح كله كان اثناء المعرض يدور حول أن هذا التراث هو يهودي، وأن هذه الأدوات أدوات يهودية..
أمام ما سبق، من سرقة لحضارة وتاريخ شعب سكن الأرض منذ آلاف السنوات، تعي الحركة الصهيونية أن ذلك ليس كافياً، إضافة إلى محاولة اضفاء الصبغة "الإسرائيلي" على التراث الفلسطيني، يأتي الدور لمدينة القدس، التي تمثل مهد الحضارات وتمثل أعظم رمزية للتراث الفلسطيني والعربي والإسلامي.
فمنذ أن احتل الكيان "الإسرائيلي" لفلسطين لمدينة القدس، ولم يهدأ في إعادة ترسيم المدينة وتغيير معالمها، فتارة يهدم البيوت في القدس القديمة، وتاره اخرى يعمل على تهجير السكان لخارج المدينة، أضافة إلى ذلك، يعمل على تغيير المناهج التعليمية للمدارس الفلسطينية وذلك بهدف خلخلة الوعي للاجيال الناشئة وبالتالي تسهيل السيطرة على المدينة وتهويدها.
إن استهداف التراث الفلسطيني ومدينة القدس، تأتي في سياقين الأول اضفاء الصبغة الإسرائيلية على التراث ومدينة القدس والثاني الغاء فلسطينية التراث ومدينة القدس، وكل ذلك لهدفين متزامنين، خلق صلة ما بين "اليهود الصهاينة" والأرض وكسب الاعتراف العالمي بهذه الصلة، والثاني، اضعاف الصلة بين الشعب الفلسطيني وبين ارضه، بل بترها كلياً وقطعياً.
ختاماً، المطلوب اليوم، فضح الممارسات "الإسرائيلي" بأشكالها المتنوعة، من سرقة حضارة وتاريخ الشعب العربي والإسلامي، فالقدس مستهدفة، والتراث الفلسطيني مستهدف، الأرض والمقدسات كلها مستهدفة، وكل ذلك يأتي ضمن إطار الخطة الصهيونية للقضاء على ما تبقى ...