فمن الأمثال:عادت حليمة لعادتها القديمة،
البيت معمور وصاحبته بتدور،
ناس بحنانيها وناس بغنانيها،
الباب اللي يجي منه الريح سده واستريح…
والسجع يكون أحيانًا صوتيًا:
لبس البوصة تصير عروسة،
القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود.
ويظهر السجع في بداية الحكايات وخواتمها:
مكان مكان يا مستمعين الكلام ، حتى توحدوا الله، لا اله إلا الله…
وعاشوا في تبات ونبات ، وخلفوا صبيان وبنات .[14]ولو عدنا إلى الشعر فالسجع في البيت الواحد يسمى تشطيرًا. وقد ورد كثيرًا في الشعر العربي، ولنذكر مثلاً من امرئ القيس:
سليمِ الشَّظى عبلِ الشّوى شَنِجِ الَّنسا
له حَجَباتٌ مُشْرِفاتٌ على الفالي [15]
مما تقدم نرى أن السجع كان ملازمًا للغة العربية، واستمر حتى عصرنا، غير أننا لا نكاد نرى اليوم مقدمات كتب مسجوعة ، بسبب اعتماد الكتاب على التركيز على المضمون. فإن جاء السجع تلقائيًا ومطبوعًا فهو سائغ، وإلا فما أغنانا عن التحمل والتكلف على غرار تقديم أحدهم لكتابه:انتشر هذا الديوان ، معتمدًا على الواحد الديان، وممتلئ النفس من الرضا والاطمئنان، لأنه ثمرة جهد جهيد، وصبر مؤمن عنيد، ولقد جاء كما ترى معبرا، عما صار وجرى، وسلكت به الطريق الطويل، على نهج الفراهيدي الخليل، بلا انحراف وتحويل، ولا تمويه ولا تضليل، بل عربي مصري أصيل…
فالسجع لا يحسن إلا إذا كان رصين التركيب خاليًا من التكرار في غير فائدة، يراوح مع المرسل. ولهذا كان جمال القرآن اللغوي الذي راوح بين الفواصل والإرسال ، ومن جهة أخرى نفرنا من أسلوب المقامات ، وخاصة المتكلف منه ، بينما أعجبنا بالأمثال المسجوعة.فالخطيب إذا استعمل السجع بعض المرات يزيد خطبته سبكًا ورونقًا، بينما إذا استمر على السجع فإنه يتركز على الشكل ويفقد الجاذبية.فالسجع اليسير استعمل قديمًا وما زال. والعودة إليه لا تدل على ارتفاع في الأسلوب، فهو جزء من اللغة لم ينفصل عنها في أية فترة زمنية ، فالعبرة في قوة السبك وفي التأثير.