المحرقة
الموقع : تقع الى الشمال الشرقى من مدينه غزه بعده كيلو مترات قليله..والى الجنوب من القريه المدمره المسماه (الكوفخه) بمسافه تقدر ب 3 كيلو متر..
ويحدهامن المستوطنات الاسرائيليه الزراعيه من الغرب مستوطنه(yakhini) ومستوطنو هذه المستوطنه من المستوطنون القادمون من اليمن..والى الجنوب من المحرقه مستوطنه (tequma) والى الشمال مستوطنه (ner moshe) والى الشرق مستوطنه(zeruaa)واغلب سكان هذه المستوطنات من اليهود القادمون من المغرب و ليبيا و الجزائر..
تقع هذه القريه المهجره على تله مرتفعه قليلا.. واراضيها زراعيه طينيه خصبه*و مزروع الى الغرب من هذه القريه اشجار الصبار التى ثمرها مذاقه حلو مثل السكر و ايضا التين اللذيذ و اشجار الجميز العالى الذى صمد رغم الخراب و التجريف الذى لحق بهذه القريه.
و تبلغ تقريبا مساحه هذه القريه التى كانت مبنيه تقريبا 1 كيلو متر مربع اقصد المساحه التى كانت مبنيه و طبعا بدون المساحه الزراعيه التابعه للقريه..وعرفت ذالك من اثار و بواقى الابنيه المهدمه و الاطلال الباقيه حتى الان..
ومن معالم القريه...يوجد الى الجنوب من القريه مقبره القريه التى يوجد بها القبور حتى الان...والى الشرق يوجد بئر مياه تابع للقريه ايضا موجود و لكن مهدم..و بئر اخر الى الشمال من القريه و هو ايضا مهدم..ويحدها من الغرب و الشرق وادى صغير..
وقد قامت السلطات الاسرائيليه بزراعه كل موقع القريه باشجار الاحراش و الصنوبر حتى اى شخص يمر من هناك لا يستطيع ان يميز القريه عن بعد..
ومن العائلات التى سكنت هذه القريه قبل النكبه منها عائله المشهراوى و عائله الغره وغيرها و تسكن الان فى مخيمات اللاجئين فى غزه...
اذكر جيدا و انا اتجول بين اطلال هذه القريه المهجره اننى كنت اجد اشياء صغيره الحجم حديديه صدئه متاكله...ولكن معناها و دلالاتها كبيره مثل حذوات الخيل القديمه.. و بواقى المناجل الحديديه و الفخار المكسور و الاوانى الخزفيه القديمه ..وذالك يدل على الادوات التى كانوا يستخدموها هؤلاء المهجرون البسطاء..
صدقونى اننى عندما كنت ارى هذه الاطلال و الاشياء القديمه كنت بغير مقدره اخذ فى البكاء كالطفل الصغير...
و اتسائل ..ماذا فعل هؤلاء الناس البسطاء حتى يتم طردهم من وطنهم بهذه الصوره الوحشيه.....وللكلام بقيه..
خلال تجوالى بين اطلال القريه لفت انتباهى بئر القريه القديم المهدم...والذى اعجبنى جدا بروعه بناءه و اصالته..
يقع هذا البئر اخر القريه من الجهه الشرقيه...ويتكون من موقعين متلاصقين ..الموقع الاول البئر الذى يستجرج منه المياه ..و الموقع الثانى الى اليسار من البئر و هى البركه التى يضعون فيها المياه المستخرجه من البئر استعدادا للاستعمال..وهذه البركه حجمها 4 متر طول فى عرض و عمقها تقريبا 2متر..و يوجد على جدران هذه البركه حنفيات و صنابير عده للاستعمال من قبل اهل القريه.. ولفت انتباهى و جود برك صغيره بجانب البركه الكبيرهخ و التى اعتقد انهم يستعملوها لسقى دواب القريه من الخيل و الحمير و غيرها و التى يعتمدون عليها فى الزراعه..
و الذى يشاهد اطلال و اثار هذه القريه المهجره ليستدل على انه كان بهذه القريه مبان حجريه استخدم فيها الباطون المسلح و الطوب لبناء المنازل فيها..و من كثره الفخار المكسور والملقى فى ارجاء القريه نستدل على ان اهل هذه القريه كانت جميع ادواتهم المنزليه تصنع من الفخار و الخزف..
اننى من خلال تجوالى فى هذه القريه المنكوبه و رؤيتى الاثار و الاطلال القديمه انتابنى شعور و احساس بالحياه التى كانوا يعيشونها هؤلاء المهجرون و طريقه حياتهم و اتمنى لو ان الزمان يرجع و استطيع ان ارى حياتهم عن كثب و ليس عن طريق اثار مهدمه..
مذكرات شيقه يرويها الرجال الذين عاشوا فى القريه قبل ان تحل بها نكبه التهجير...
انه ابو احمد..وهو رجل عمره قد ناهز85 سنه ويسكن الان فى مخيم الاجئين الشاطىء فى مدينه غزه و يقول..
عندما قام اهل القريه بالهجره الى غزه و بعد ما سمعوا باخبار المجازر التى ترتكبها العصابات الصهيونيه ضد المدنيين العزل من سكان القرى...لملموا ما بستطيعون حمله من المتاع و فروا متوجهين ناحيه غزه..
ويقول ابو احمد كانت حياتنا فى القريه بسيطه جدا...نزرع الارض المحيطه بالقريه و نربى الحيوانات من ماعز و خيول و دواجن وقليل منا يعمل بالتجاره بين القرى القريبه...فى الشتاء نزرع القمح الذى كنا نصنع منه الدقيق الذى نتغذى عليه و نخزنه من سنه الى اخرى حتى لا نشتريه و نزرع المزروعات الاخرى مثل البندوره و الخيار و غيرها من الفواكه التى كانت مزروعه عندنا مثل التوت و الحمضيات و العنب و التين و عذه انواع اخرى..
يقول ابو احمد ..حياتنا كانت جميله هادئه خاليه من المتاعب و المشاكل نتسامر كل ليله و نلهو و لا نتقاتل مع بعضنا البعض و نحب و نحترم بعضنا البعض..
يقول ابو احمد ان اهل تلك القرى القريبه من غزه هاجروا من قراهم فى فصل الشتاء... و هذا ما قاله لى عده اشخاص من المهجرون...وكنا قد زرعنا القمح و الشعير ويقول انه بعد الهجره الى غزه كنا نتسلل الى اراضينا و قرانا و نقوم بحصد مزروعاتنا ليلا حتى لا ترانا العصابات الصهيونيه...
ويتنهد ابو احمد و يقول..كلنا لم نكن نتوقع ان تطول بنا البعد عن ارضنا..كنا نعتقد اننا سنرجع الى ديارنا بعد شهر او شهرين او حتى سته اشهر..ولكن الامر طال..ويقول لو انى عرفت حينها ان الامر سيطول لبقيت فى قريتى و لو دفعت حياتى ثمنا لذلك....اننى افضل ان اموت و ان ادفن فى قريتى بدلا من ان اهاجر و ابتعد عنها لاننى اشعر و انا بعيد عن قريتى ان شىء ينقص منى لاننى لست مثلكم يا شباب...انا ولدت فيها و اعشت فيها و كبرت فيها و ولعبت على ارضها و تنسمت هوائها واكلت من خيراتها فانتم لستم مثلى ايها الشباب انتم تتناقلون اخبارها من الرجال مثلى و لم تعيشوا بها وحتى لربما لم تروها...فقاطعته انا قائلا ..والله يا شيخ انا كنت فى موقع قريتك قبل سنتين...فنظر الى ابو احمد و قال...بالله عليك كيف تبدو الان و هل رايت بئر الماء و المقبره و الجامع و اخذ يعدد لى العديد من الاماكن...فقلت له ان الحقيقه انه لم يبقى شىء من هذه الاماكن التى تذكرها او لربما بقى اثارها و اطلال هذه الاشياء وذالك بعد ان هدمها الصهاينه...فتنهد و قال لو هدموها و لو دمروها فستبقى ذكراها فى القلب و العين و الفؤاد..واتمنى ان ارجع اليها قبل ان اموت...فقلت له يا ابو احمد اننا تعلمنا منك كيف نحافظ على كل فلسطين فلو مت فنحن سنكمل المشوار...
وفى هذا الاثناء وانا اتحدث الى ابو احمد فى معسكر الشاطىء مر بجوارنا عده من رجال المقاومه الفلسطينيون و بعدها سمعنا صوت الطائرات المروحيه الصهيونيه وهى تقوم بقصف عده اهداف فى غزه...
فقلت لابو احمد..ارئيت نحن لم و لن ننسى فلسطين و هم ايضا الصهاينه لم ينسوا انهم اغتصبوا ارضنا و طردونا منها..واذا انت يا ابو احمد مت و لم تعد الى قريتك فان حفيدك هذا..واشرت بيدى الى الطفل الصغير...لسوف يرجع و يعود و يعيش حيث عشت انت و يكبر حيث كبرت انت..
فتبسم ابو احمد و دعا لى بالتوفيق...
أقيمت على أراضي القرية مستعمرة"يخيني" عام 1950، أما مستوطنة "تكوما فقد أنشئت عام 1949، أراضي كانت تابعة لمدينة غزة.