يا طـالـب المـجــد فـي عجــور مــورده =عـــذب مـعـيــن يـروّي غــلــة فـيـنـــــا=شــــم الأنــــــوف أبــاة دام عـــزهــــــم =هـــم الأوائــل إن نــادى مـنــاديــــــنــــا=تـفـوح يـا بـاقـة الأزهـــار فـي وطـنــي =فــوح الأريـــج ونـفـح الطيــب يغـريـنـا كلمة الإدارة


مبارك .........مبارك لعجور ومنتديات عجور       »     عجور التاريخ و الحضارة - الحلقة الثانية       »     سجل الوفيات لعجور ١٣٢٠هـ -١٣٣٠هـ ١٩٠٢م - ١٩١١م       »     عجور التاريخ و الحضارة       »     ميزانية قرية عجور - 1939       »     عجور - وقوعات الزواج 1915م       »     عهد عشائر عجور بالحفاظ على اراضي عجور المشاع و عدم بيعها لل       »     اول أحصاء(حصر نفوس) موثق لسكان عجور1878م       »     أراضي عجور المشاع - حصري       »     اسماء من عجور مطلوبون للضريبة 1       »     ضريبة الانتداب البريطاني "3"       »     عجور - لجنة 18 ( اللجنة القومية لعجور)       »     أراضي عجور الحكر       »     عجور التاريخ و الحضارة-الحلقة الثالثة       »     علم النفس الاجتماعي       »     ملوك المملكة الاردنية الهاشمية       »     موسوعة صور القدس- زهرة المدائن       »     دليل الجامعات العربية و العالمية       »     روائع الشعر العالمي       »     موسوعة الاصول و القبائل العربية كاملة       »    

آخر 25 مشاركات
ملف عن الحج وما يتعلق به (الكاتـب : نور الهدى - آخر مشاركة : قلم حزين - )           »          كبرت بنتــي / قصة مؤثرة (الكاتـب : أمان - آخر مشاركة : قلم حزين - )           »          مبارك .........مبارك لعجور ومنتديات عجور (الكاتـب : م .نبيل زبن - آخر مشاركة : نور الهدى - )           »          عجور التاريخ و الحضارة - الحلقة الثانية (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          سجل الوفيات لعجور ١٣٢٠هـ -١٣٣٠هـ ١٩٠٢م - ١٩١١م (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          عجور التاريخ و الحضارة (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          ميزانية قرية عجور - 1939 (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          عجور - وقوعات الزواج 1915م (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          عهد عشائر عجور بالحفاظ على اراضي عجور المشاع و عدم بيعها لل (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          اول أحصاء(حصر نفوس) موثق لسكان عجور1878م (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          أراضي عجور المشاع - حصري (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          اسماء من عجور مطلوبون للضريبة 1 (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          ضريبة الانتداب البريطاني "3" (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          عجور - لجنة 18 ( اللجنة القومية لعجور) (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          أراضي عجور الحكر (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          عجور التاريخ و الحضارة-الحلقة الثالثة (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          كيف و متى تحدثين طفلك عن التحرش ؟ (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          قصص اطفال للبنوتات الحلوين (الكاتـب : اميرة عجور - آخر مشاركة : م .نبيل زبن - )           »          علم النفس الاجتماعي (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          ملوك المملكة الاردنية الهاشمية (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          موسوعة صور القدس- زهرة المدائن (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          دليل الجامعات العربية و العالمية (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          روائع الشعر العالمي (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          موسوعة الاصول و القبائل العربية كاملة (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          ضيف اليوم بصراحة (الكاتـب : Big heart - آخر مشاركة : ajoor - )


العودة   منتديات عجور - بيت كل العرب > الاقسام الأردنيه > قسم جلالة الملك المفدى والعائلة الهاشمية
قسم جلالة الملك المفدى والعائلة الهاشمية قسم خاص بحياة وانجازات جلالة الملك وجميع ابناء العائلة الهاشمية



إضافة رد
قديم 05-16-2011, 12:17 PM رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
أمان
عضو ملكي
 
الصورة الرمزية أمان
إحصائية العضو






 

أمان غير متواجد حالياً

 


افتراضي




كنت أنهض كل صباح في الساعة السابعة فأستحم برذاذ من الماء البارد


الذي لا أستحسنه بنوع خاص، ثم أرتب غرفتي وأصبغ حذائي وأتأكد من أن بنطالي مكوي (كنت أضعه كل مساء تحت الفراش). وكنت أحب النظام دون أن أكون ذا ميل مفرط في أي شيء. فألمع حذائي وأجد متعة في إنجاز عملي باتقان مطلق. وانني أعتقد بأنني كنت هنالك أعيش بصورة لاشعورية حياة كنت دوماً أصبو إليها كرجل مستقل يقود سفينته على طريقته الخاصة. وإنني أحب المنافسة حباً شديداً لاسيما عندما تكون النتيجة كتعلقة بي . وبالإضافة إلى البرنامج المدرسي فقد تسجلت في الصف الخاص بالغغة العربية وكنت أيضاً أمارس رياضة المبارزة بالسيف لأن جدي قد شجعني على المضي في ممارسة هذه الرياضة .


ولكن الذي كنت أستحسنه فوق كل شيء في هارو، فهو الحياة خارج المدرسة. فقد أهداني صديق لوالدي سيارة من طراز روفر ذات لون أزرق سماوي، لقد تعلمت قيادة السيارات في عمان كما سبق لي أن ذكرت لك، ولكنني كنت أقود سيارات الآخرين. أما الآن على الأقل فلي سيارتي الخاصة. وكان أول شيء فعلته هو التقدم للفحص للحصول على إجازة قيادة. قد يكون هذا مضحكاً ولكنني أستطيع إجراء الفحص في عمان لعدم وجود من يستطيع تحمل مسئولية ذلك . لهذا كان لابد من أذهب إلى انكلترا لتقديم فحص الإجازة التي تمكنني من قيادة سيارة في عمان. وعندما عدت إلى الأردن فيما بعد بصفتي ملكاً كان لدي إجازة قيادة بريطانية.
لم أحصل على إذن بايواء سيارتي في المدرسة. وكان النظام يقضي بذلك، فقام سفير الأردن بإيجاد مأوى لسيارتي بالقرب من هارو في سدبوري على مسافة كيلو متر ونصف من المدرسة .
وهناك التقيت بموريس رينور الذي يعمل في الأردن منذ ذلك الحين. كانت السيارة غرام حياته الأكبر. فقام بيننا تعاطف فوري، وبالطبع لم تكن الحياة في هارو مجرد قيادة سيارات جميلة، أو أكل الدراق المحفوظ في علب! فقد كنا نشق على أنفسنا في العمل . أما ما كنت أستحسنه فوق كل شيء، فقد كان النظام. فعلى الرغم من صرامته. كان الفتى ابن الستة عشر عاماً يتمتع بحرية واسعة وببعض الامتيازات، ولكن لا أحد كان يسيء استخدام ذلك. إنني جد ميال إلى هذا النمط من التربية الذي يمكن الطلاب من أن يفرضوا على أنفسهم نظامهم الخاص والذي يتيح لهم الفرصة لسلوك مسلك الكبار البالغين . فالطالب الذي يعمل بشكل جدي في هارو والذي يسجل نجاحاً ملحوظاً، يستطيع أن يتمتع بأوقات فراغه كما يرغب ويشتهي، واني لأرجو أن تؤمن بأنني كنت أعرف كيف أستعمل الأوقات التي أكون فيها حراً.
وعلى مدار الأشهر، كنت أستقبل عدداً متزايداً من الزوار. وكان معظمهم من الدبلوماسيين. فقد كنت الوارث للعرش. كما أن جمعاً كبيراً من أعضاء الحكومة الأردنية قد جاء لزيارتي كلما كان أي منهم في رحلة إلى انكلترا. فكنت بذلك مطلعاً على أبسط التطورات التي كانت تطرأ على حالة والدي الصحية. وكنت في البداية كبير الأمل في تحسن صحته.
ولكن كان علي بسرعة أن أقلص من أماني الطموحة. فقد كانت التحسنات الطفيفة في صحته تتلوها نكسات خطيرة. وكان هنالك انطباع مبهم يحملني على الشعور بأن مهاماً جساماً سوف تدعوني إلى بلادي في وقت أبكر مما هو متوقع. وانتهت (مهنتي كطالب) لتفسح المكان لمهنة أخرى تتناسب بصعوبة مع واقعي كوني مازلت قاصراً: ألا وهي مهنتي كملك للأردن. لأنه، كما سبق لي أن ذكرت لك، ليس ثمة مشكلة بالنسبة إلي من هذه الناحية . فلأن أكون ملكاً هو مهنة كغيرها شريطة أن يحب المرء عمله وأن يكرس نفسه بكليتها له ويقفها عليه مع سائر التضحيات التي يمكن أن يتطلبها هذا المنصب .







رد مع اقتباس
قديم 05-16-2011, 12:18 PM رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
أمان
عضو ملكي
 
الصورة الرمزية أمان
إحصائية العضو






 

أمان غير متواجد حالياً

 


افتراضي



* لقد فكرتم آنئذ بأن مدة حكم جلالة والدكم لن تطول ...

- في سن الحادية والأربعين، كان والدي قد منح بلاده كل ما يملك. فقد ولد في مكة المكرمة، وأكمل علومه في ساند هيرست ثم التحق بالجيش العربي الأردني كضابط احتياط. تقلد منصب قاض في محكمة العشائر بعض الوقت، وتولى مرة أعمال نائب الملك أثناء غياب جدي . ما أعظم سعادتنا لو كانت حالة والدي الصحية قد أتاحت له أن يحكم مدة أطول. ولكن علامات خفيفة كانت تقلقني قلقاً شديداً. ولقد استدعتني أسرتي في أحد الأيام للانضمام إليها، ولم يكن الأمر يتعلق سوى بصحة والدي، وكنت أعرف أنه إذا ما وقع له أي مكروه، فلسوف أضطر إلى العودة. وكنت أخشى هذه اللحظة، لقد كنت أحب أسرتي وأحب بلادي، ولكن كان لدي انطباع بأنني ما زلت غير قادر على تحمل مسئوليات حكم الأردن وخدمة شعبي .
يضاف إلى ذلك أن تصرفات عدد كبير من الأشخاص الذين شاهدتهم يوم وفاة جدي قد أصابتني بخيبة أمل شديدة. فقد كنت أرغب في حياة طبيعية قبل فوات الأوان .
انتهت السنة الدراسية في هارو ، وعلى الرغم من أنني استمتعت بها كثيراً فقد كنت في حاجة ماسة إلى الإجازة .
فذهبت فوراً إلى لوزان وأقمت في فندق بوريفاج على ضفاف بحيرة ليمان حيث وجدت والدتي التي كانت تتعالج وكذلك أخوي وشقيقتي. كانت الأيام الأولى بهيجة رغيدة، وكان صيف عام 1952 جميلاً لطيفاً وهادئاً في هذا الركن الصغير من سويسرا التي يخضع فيها كل شيء لنظام دقيق، والتي كنت فيها على أحسن حال من الراحة والدعة .
وفي صباح الثاني عشر من آب (أغسطس)، ذهبت والدتي وجميع أفراد الأسرة لشراء بعض الحاجيات في ساحة القديس فرانسوا. كنت وحدي في غرفتي أمتع ناظري بمشاهدة الأوز الطائر فوق البحيرة، وكانت تسعى نحو الميناء سفينة بيضاء اللون. قرع الباب. فإذا بخادم فتى يقدم لي مظروفاً موضوعاً على صينية من الفضة. لم أكن في حاجة لفتحه لكي أفهم أن (هارو) لم تعد بعد الآن بالنسبة إلي إلا ذكرى. لقد كان يكفي أن ألقي نظرة على المظروف. فقد كان موجهاً إلى "حضرة صاحب الجلالة الملك حسين". للمرة الأولى في حياتي أنادى " بصاحب الجلالة" كجدي ... ولم أكن قد بلغت السابعة عشر عاماً .









رد مع اقتباس
قديم 05-16-2011, 12:19 PM رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
أمان
عضو ملكي
 
الصورة الرمزية أمان
إحصائية العضو






 

أمان غير متواجد حالياً

 


افتراضي




* ماذا كان أول رد فعل لكم؟

- لاشئ . لقد بقيت هادئاً جداً.
كانت الساعة قد بلغت التاسعة. ولم يكن الحر قد غلف المدينة بعد . فضضت الغلاف وأنا أتنهد. كانت الرسالة صادرة من رئيس الوزراء. وبأسلوب دبلوماسي نموذجي، وبلهجة تتسم بالفتور والأدب، أبلغني أنه يأسف لاعلامي أن والدي قد تنازل عن العرش وأنني قد غدوت منذ ذلك الحين ملكاً للأردن. وأن القرار الذي أنبأني به قد أقره مجلسا النواب والأعيان وأن عودتي قد غدت مرجوة وفي أقرب فرصة. كانت هذه اللحظة التي كنت أخشاها، لن أصبح أبداً طالباً بعد الآن. فهل أتمكن يوماً من أن أعيش حياة طبيعية وأن أكون لنفسي حياتي الخاصة؟
لقد كافح والدي بشجاعة للتغلب على مرضه ليس لمصلحته فحسب ، ولكن بشكل خاص لأنه يعرف أن بلاده في حاجة إليه. ولقد انتقل خيالي في بضع لحظات إلى آلاف الكيلومترات نحو الشرق حيث كان والدي يناضل بعزيمة اليائس لاتمام مهمته على خير وجه في عمان، العاصمة التي تختلف كثيراً عن سويسرا التي أقيم فيها، العاصمة السمراء بدلاً من أن تكون خضراء ، العاصمة الثاوية على الجبال مع غبار شوارعها، وجموعها ذوي الازياء المتباينة الألوان، لقد تخيلت بسهولة الاضطراب الذي كان سائداً في قصر بسمان. وفجأة فهمت بأنه لا حق لي بأن أتحسر على نفسي في الوقت الذي كان والدي يعاني من العذاب. ومن الصعب على المرء أن يتفهم من بعيد الوقائع المحزنة وكآبة الأحداث التي مرت بالأمس. ولم أعرف ما جرى فعلاً في الحادي عشر منآب ، إلا فيما بعد . لقد كنت مقتنعاً ، وكنا نعرف ذلك جميعاً، بأن حالة والدي الصحية لاتمكنه من الحكم مدة أطول. فالمرض عنده قد اشتد طوال السنة الماضية، ولكن والدتي وأنا، على الرغم من ذلك ، كنا نأمل في شفاء يتحقق بأعجوبة. كانت شعبيته عظيمة جداً. بعث ببرقية مؤثرة إلى رئيس الوزراء قال له فيها بشكل خاص :
"إنني أعود إلى بلادي لأضع نفسي باخلاص تحت تصرفاتكم" .

في صباح الحادي عشر من آب (أغسطس) عقد مجلسا النواب والأعيان جلسة سرية استغرقت عشر ساعات. وكان الملك في القصر. وقد أعلن رئيس الوزراء السيد توفيق أبو الهدى في هذه الجلسة ، بوقار الرجل الذي يشعر بخطورة الموقف، أن والدي لم يعد في مقدوره ممارسة سلطاته الدستورية .
" بالطبع أنه ليشق على نفسي كثيراً أن أقول ذلك ، ولكنني أخشى أن لا يشفى جلالته من مرضه في موعد قريب " .

ثم عرض على أعضاء المجلس تقريراً طبياً عن حالة والدي الصحية ، أعده قبل شهرين طبيبان أجنبيان ثم تقارير أخرى كتبها ثلاثة أطباء أردنيون .
يتضمن دستورنا مادة تنص على أنه في حالة عدم تمكن الملك من الحكم لأسباب مرضية ، يحق لمجلس الوزراء دعوة البرلمان إلى الإجتماع . فإذا ثبت المرض وعدم الأهلية للبرلمان الحق في أن يخلع الملك وأن ينقل إمتيازاته الملكية إلى وريثه. وهذا ما حدث . فقد اتخذ القرار، إذ قضى تصويت أقرته الأكثرية بوضع حد لحكم والده. وهكذا بعد إقامة قصيرة دامت بضعة أشهر في هارو . غدوت ملكاً للأردن .

ولما كانت حداثة سني لاتمكنني من ممارسة سلطاتي الدستورية فقد شكل مجلس وصايا من ثلاثة أشخاص خلال فترة غيابي .
كان علي إذاً أن أعود إلى عمان على جناح السرعة .









رد مع اقتباس
قديم 05-16-2011, 12:21 PM رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
أمان
عضو ملكي
 
الصورة الرمزية أمان
إحصائية العضو






 

أمان غير متواجد حالياً

 


افتراضي




وضعت المظروف في جيبي ، وبعد بضع دقائق ، كنت في ساحة القديس فرانسوا في قلب المدينة . فوجدت والدتي بعد بضع لحظات .
قد قلت لها :" لقد إستلمت هذه البرقية " . وسلمتها إليها . فوضعت ذراعها على كتفي دون أن تتفوه بشئ وعدنا إلى الفندق . جلست وراء مكتب من طراز لويس السادس عشر ، أخط رسالة لرئيس الوزراء أعلمه فيها بأنني سوف أعود فوراً إلى الأردن ، وإنني سوف يسعدني ويشرفني أن اخدم بلادي والقضية العربية . وبعد بضعة أيام كنا قد أعددنا حقائبنا ورجعنا إلى عمان .
كانت عودتي إلى الأردن بالطائرة . وكان الجو حاراً بعد ظهر هذا اليوم .
قدم لاستقبالي جمع غفير من الشخصيات . استعرضت حرس الشرف ثم صافحت حوالي العشرين من أعيان البلاد وكبرائها .
وكان بينهم كلوب باشا . قائد الجيش العربي الأردني . لقد أحدث لي هذا الإستقبال الرسمي الودي الحار صدمة نفسيه بمراسيمه الإحتفالية " لقد فكرت بأنني الآن وقد أصبحت ملكاً ، فلسوف لن يقترب الناس مني أبداً بدون هذه المراسم " . وغادرنا المطار الذي كان تحت المراقبة الشديدة . واتخذت السيارة واجهتها نحو عمان . ومنذ أن اجتزنا الضواحي ، صدمت أيضاً وأنا أدخل المدينة فقد شكلت قوات الجيش العربي حاجزاً على طول الشوارع . وفجأة وجدت نفسي وسط جمهور يتأجج حماسه وهو يصيح ويغني ويصرخ :" عاش الحسين " " مرحبا بالحسين " . دون أن يكترث إلا قليلاً بالمراسم وبالمقتديات الدبلوماسية . حتى أن بعضهم حاول إيقاف السيارة بالصعود على مراقيها الجانبية ولما عجزت قوات الجيش عن احتواء الجمهور ، انضمت إلى هذه الجموع الحاشدة المبتهجة: كان الاستقبال خيالياً بضخامته وحرارته . لقد كانت أوروبا وسويسرا الهادئة بعيدتين جداً عن هذه البيوت الحجرية وعن هذه البوادي التي لا نهاية لها. لقد كنت في الطائرة أشعر بأنني وحيد مكدود القوى منخفض المعنويات . ولكن مخاوفي جميعها قد تلاشت وأنا في طريقي إلى القصر. لقد سحرني هذا الجمهور وشدد من عزيمتي استقباله المؤثر . وفي هذا اليوم أدركت أن الشعب لم يكن يعرب عن حماسته وفرحته فحسب، وإنما كان يرغب بشكل خاص أن يفصح عن مشاعر الود والتعاطف، وأن يجزل مظاهر التشجيع لملك شاب في السابعة عشرة من العمر. لقد كانت تجربة تلفت النظر بغرابتها وطرافتها ، تجربة ممزوجة بالفرح والانفعال النفسي البهيج.
كان رئيس الوزراء إلى جانبي هادئاً غير منفعل . ولقد قلت له فبل أن نبلغ القصر:
"لايستطيع المرء أن يحظى بهذا الاستقبال دون أن يعاهد نفسه ويعاهد الله على أن يبذل خير ما في نفسه لكي يستأهل هذه الثقة وهذا الايمان. وإنني لآمل أن يدرك هؤلاء الرجال وهؤلاء النساء أنني سوف أنجز ما تعهدت به" .
لقد أرهقتني رحلتي جسمياً ونفسياً. في هذه الليلة استسلمت للنوم كرجل غمرته السعادة. وفي صباح اليوم التالي نهضت موفور النشاط والقوة ومصمماً على مواجهة أي عائق بحزم وعز وفعالية.
لم أكن أعرف المهام التي ستوكل إلي لأنه كان علي أن أبلغ الثامنة عشرة من العمر ليتسنى لي ممارسة سلطاتي الدستورية. وإلى أن يحين ذلك الوقت كان مجلس الوصاية ينوب عني في هذا الأمر . فقررت أن أنتهز هذه الفرصة لأستزيد من الاطلاع على أمور شعبي وأستكمل السيطرة على الصعوبات الفنية لحياتي الجديدة .
فقمت برحلة استغرقت ثلاثة أسابيع لأستوفي التعرف على رعاياي. فزرت أهم المدن والقرى وقابلت آلاف الأردنيين. وذهبت سواء بالطائرة أبو بالسيارة، إلى أقصى أنحاء البلاد. لقد كان أمراً يبعث على الفرح والابتهاج أن أرى مدى الإخلاص الذي كان يكنه الشعب لي. ولقد حضرت مرة حفلة غداء قدم فيه المنسف في أحد مضارب البدو. كان هنالك مئات من الرجال والنساء يرقصون ويغنون ويطلقون الرصاص في الهواء ابتهاجاً. وقد حملوني على مشاركتهم في احتفالهم . وقفت أمام بيوت الشعر السمراء التي كانت تبرز من الصحراء. وقلت في نفسي عندها بأن البلاد سوف تكون بخير ما وجد في الأردن أمثال هؤلاء الرجال.
إنتهت هذه الرحلة الممتازة ويا للأسف. ماذا أصنع؟ إنني رجل يشعر بالتعب ولايتأثر به . إنني لا أستطيع تحمل البطالة والتفرغ. وهكذا سنحت لي فرصة لتحقيق حلم قديم .
في صباح أحد الأيام زارني خالي الشريف ناصر ورئيس الوزراء بدأنا نتحدث عن العادي من الأمور. وأحسست أنهما يرغبان في مفاتحتي بأمر جدي. قدم لنا الخدم الشاي بالنعناع والتفت خالي عندئذ. وهو رجل محبوب لطيف المعشر نبيه ذو فطانة وقال لي :
" هل تعتقدون يا صاحب الجلالة أنكم إذا ما بقيتم في القصر، ستستفيدون من وقتكم فائدة أكثر؟".
فأجبته: هل لديك اقتراح تعرضه علي.
فرد قائلاً: بالتأكيد: وإنني أعرف بأن والدكم سوف يقدر اقتراحي حق قدره وكذلك جدكم نفسه فقد كان سيتمناه لو بقي على قيد الحياة .
وأدركت فجأة اقتراح خالي وقلبي يثب طرباً. فقلت له : إنك تريد أن تتحدث عن ساند هيرست.
فقال لي مؤكداً: نعم أن أباكم قد دخل هذه الأكاديمية وأنني أذكر قوله بأن ساند هيرست أحسن مدرسة حربية في العالم وخير مكان يختاره الرجل ليتعلم مهنته كملك" .
وتذكرت عندها الكلمات التي قالها لي والدي قبل ذلك ببضع سنين ، عندما كنت ألعب بجنود من الرصاص أمامه.
"لايستطيع المرء القيادة وإدارة الأمور إلا بالنظام. ولا مكان في العالم يحسن تعليم ذلك أفضل من ساند هيرست" .
وهكذا سنحت لي فرصة فريدة استثنائية! إنني أود أن أعطي خير مافي نفسي وأرغب في أن أتقدم أمام شعبي وأنا واثق تمام الثقة بنفسي وأن أرتقي العرش مستوفياً لأفضل الصفات والشروط الممكنة. لقد كنت ملكاً حقاً ولكنني كنت أبغي أيضاً تمديد فترة شباب، يفر مني، بضع سنين أخرى. إن هذه الشهور القليلة في ساند هيرست ستكون بمثابة فسحة من الوقت أو راحة وقتية قبل عقد العمل الطويل الأمد الذي سوف أوقعه مع الأردن عندما أبلغ الثامنة عشرة من العمر .

إتصل كل من رئيس الوزراء والجنرال كلوب بوزير الدفاع البريطاني للتصريح لي بمتابعة تدريب خاص عاجل لمدة ستة أشهر . وهكذا بعد شهر من استلامي برقية فندق بوريفاج استبدلت لقبي كملك بآخر. وهو التلميذ الضابط حسين بالأكاديمية الملكية العسكرية في ساند هيرست. كان ذلك في 19 أيلول (سبتمبر) من عام 1952. وقد ألحقت بسرية أنكيرمان أولد كوليدج غرفة رقم 109.







رد مع اقتباس
قديم 05-16-2011, 12:22 PM رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
أمان
عضو ملكي
 
الصورة الرمزية أمان
إحصائية العضو






 

أمان غير متواجد حالياً

 


افتراضي




* بماذا عادت عليكم إقامتكم في أشهر أكاديمية عسكرية بريطانية؟
- كانت ساند هيرست بلا أدنى شك تجربة غير عادية لأسباب شتى فقد ساهم هذا الفصل الدراسي القصير الأمد إللا حد كبير مساهمة فعالة في تكويني الفكري وإعدادي الشخصي كرجل. لقد كانت هارو وساند هيرست تجربتين متباينتين تماماً. كنت في الأولى أعتبر فتى. أما في الثانية فقد عوملت كرجل. لقد عهد إلي بمسئوليات. وكانوا يستطيعون الاعتماد علي، صحيح أنه كان لابد من العمل الدائب الموصول وكان على المرء أن يبذل من نفسه كل ما يستطيع بغير حساب ولكن دروسي كانت تستهوي النفس. فنحن العرب من جنس يحب الاحتكاك بواقع الحياة القاسي، ويحب بذل الجهد واستنفاد مافي الوسع. لذلك كنت كعربي أحب هذه الحياة القاسي، ويحب بذل الجهد واستنفاد مافي الوسع. لذلك كنت كعربي أحب هذه الحياة كتلميذ ضابط. وكان يستهويني هذا النظام العسكري ، والجو الدراسي ككل في ساند هيرست .
في اليوم الأول ، رحب بي القائد وقدم لي بياناً سريعاً بتقاليد المدرسة ، وتمنى لي أن أتمكن من استخلاص خير نفع وأحسنته، ثم أحد النظر في عيني وقال لي:
"أود أن أمنحكم إمكانية الاختيار. إن ساند هيرست مكان شاق قاس جداً فالرجال الذين يفيدون إليها مجبرون على أن يشتدوا في العمل وأ، يبذلوا مافي وسعهم من جهد. أكثر من أي مكان آخر. فالحياة فيها شاقة متعبة. فهي تتطلب اتياطاً هائلاً من القوة وكثيراً من ضبط النفس. فهل تعتقدون أنكم قادرون على احتمال هذه الشروط أم أنكم تفضلون اختيار معاملة تفضيلية؟" .
وأضاف :
"إنكم إذا ما اخترتم البرنامج الذي يتطلب المزيد من المشقة والتعب، فلسوف تعاملون مثل التلاميذ الآخرين" .



وبديهي أنني أخترت الحل الأصعب لأنني كنت مصمماً على أن أستخلص منه أعظم الفوائد . إن مهنتي سوف أتعلمها هكذا. عن أشق طريق وأقساه.

إن برنامجي العاجل قد جعلني أقوم بمناورات ومسيرات تزيد عما هو مقرر عادة . وقد اشتركت في حملات ليلية، وفي تدريبات على استعمال الأسلحة الحديثة ، وبذلت كل مافي وسعي لفهم الأساسي من العلم العسكري.

بعد شهرين من دخولي الأكاديمية، استدعاني القائد من جديد فأقلقني هذا الاستدعاء لأنني كنت راضياً عن عملي وعن النتائج التي حققتها والتي أعدت أنها كانت على الأقل مرضية. وتساءلت عما يمكن أن أكون قد فعلته لكي أقابله للمرة الثانية، وهو حدث نادر جداً في حياة طالب في ساند هيرست .

فتقدمت إذن إليه وأنا متوتر الأعصاب بعض الشيء. وهذا طبيعي . وحييته باحترام. فنظر إلي بضع لحظات دون أن يتفوه بكلمة ، ثم قال لي فجأة :
" يا حسين ، إنني جد راض عن عملك، ولقد تتبعت تطورك الدراسي وإنني أعتقد أن الوقت قد حان لترفيع درجتك ، فإذا ما واظبت بهذا الشكل فلسوف تجري ترقيتك إلى رتبة ضابط بعد شهرين. إستمر" .
ضاعفت من جهودي ، لأنني لم أنس أن رفاق إذا كان عليهم أ، يصبحوا ضابطاً أو حتى جنرالات ، فإن قدري قد هيأني لأن أصبح بعد قليل قائداً أعلى لسائر القوات المسلحة في بلادي. لذلك فإن من واجبي أن أطلع على كل الموضوعات العسكرية لكي أحاول دون (تأثير) ضابط الجيش العربي الأردني علي بسهولة .
لقد كنت أعرف أيضاً أن النظام العسكري في ساند هيرست لم يكن شيئاً بالقياس إلى النظام الذاتي الذي يتوجب على اكتسابه إذا ما أردت فيما بعد أن أستقر فوق عرشي .











رد مع اقتباس
قديم 05-16-2011, 12:23 PM رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
أمان
عضو ملكي
 
الصورة الرمزية أمان
إحصائية العضو






 

أمان غير متواجد حالياً

 


افتراضي




ولعل المظهر الذي تجدر ملاحظته في أكاديمية كساند هيرست، هو أنه إذا كان النظام فيها دقيقاً وصارماً والعمل شاقاً، فإن الخدمة فيها عندما تنتهي ، تتلاشى معها الهموم والمشاغل جميعاً.
عندما يعرف موعد الاجازات ، يكون لدينا فترة أ
فراغ لعدة ساعات وكانت بعض إجازاتي محض وهمية، لأنهم كانوا يعرضون علي خلالها إمكانية التخصص في موضوعات أخرى. ومن حين إلى آخر . كانت النتيجة غير متوقعة. مثلاً اتصالي الأول بمحكمة جنايات ...
كان الكثير من الوقار يخيم على هذه الجلسة التي تابعتها باهتمام بالغ على يسار قاض صارم عابس، في أولد بيلي. كان يلتفت إلي بلطف من وقت إلى آخر، ليشرح لي النقطة التي كانت تبدو معقدة. وكانت الأمور تسير بصورة عادية، ثم اشتد الجو في الجلسة حدة، خاصة لأن القضية التي كنا نبحثها كانت مؤثرة بشكل خاص. وساد صمت عميق. وكان جميع الحضور ينتظرون قرار المحكمة. وفجأة رن في القاعة صوت مخنوق لجرس ساعة ذات منبه.
إنني ما زلت أتصور وجه القاضي . كان أحمر من الإرتباك تحت شعره المستعار. وقد رفع المحامون أعيناً تنم عن استهوال ما حدث ثم رشقوني بنظرة باردة، فقلت متلعثماً بعض كلمات الاعتذار للقاضي وأنا أحاول إيقاف ساعتي التي كانت إحدى أجمل ما أملك من متاع. ثم بعد عودة الهدوء، نظرت خلسةإلى ساعتي التي كنت أضبطها على موعد النهوض من النوم. كانت تشير إلى الحادية عشرة والنصف. وما من شك في أن بعض الطلاب الذين كانوا يعرفون بأن علي أن أذهب إلى محكمة الجنايات ، قد لعبوا معي هذه اللعبة الماكرة، بينما كنت أستحم. وطافت في ذهني باستمرار فكرة الأخذ بالثأر. وحانت الفرصة بعد فترة وجيزة.
يملك كل تلميذ في ساند هيرست دراجة لتسهيل تنقلاته من مكان دراسته إلى أي مكان آخر. وكان علي يومئذ أن أشهد محاضرة حول العلوم العسكرية ، عندما لاحظت أن إطار دراجتي مفرغ من الهواء، لاريب أن أحداً قد فعل ذلك، الأمر الذي حملني على الذهاب إلى المدرج راكضاً. فبلغته متأخراً .
حاولت بعد انتهاء المحاضرة أن أكتشف المذنب ولكن دون جدوى فانتظرت حتى أقبل الليل. ثم خرجت من غرفتي سراً على أطراف أصابع رجلي، وتحت جنح الظلام، أفرغت إطارات عشر دراجات هوائها . بعد أن احتطت لدراجتي، فأودعتها وراء غرفة الحراسة، ولعلهم شكوا في أمري . ولكن أحداً منهم لايملك أي برهان.
لقد وقع علي قصاص الحجز مرة واحدة، فاستطعت أن أتدبر الأمر لرفع القصاص، بأن اعترفت بخطيئة لم أرتكبها!
وقعت الحادثة يوم جمعة ليلاً، كنت غائباً عن ساند هيرست لأنني كنت أحتفل بعيد ميلادي . وأمضيت الليلة في لندن، كان ذلك في نهاية الدورة، وكان الطلاب يحتفلون بهذا الحدث، بالتظاهر بخوض معركة، حرك طالب، إما عرضاً، أو معتمداً، جهاز إنذار الحرائق ، فأثار ذلك فوضى لاتوصف. فقد وصل رجال الإطفاء خلال بضع دقائق إلى مكان الحادث . كانوا على استعداد للعمل وهم يعتمرون الخوذات ويلبسون الجزمات. ولم ينقص سوى النار! كان ذلك أكبر فضيحة عرفتها ساند هيرست منذ مدة طويلة . وكان القائد شاحب اللون من الغضب، عدت إذن في ساعة متأخرة من الليل بعد أن وقعت على ورقة الوصول.
كان رجال الإطفاء قد انصرفوا وكانت ساند هيرست مستسلمة للرقاد، كل شيء كان يبدو طبيعياً. لم يكن لدي أي شعور مسبق بما كان ينتظرنا .
بدأ العرض العسكري الصباحي، تلاه طعام الإفطار، ثم الدروس الأولى . كل ذلك حدث على التوالي، وكان الجو متوتراً في يوم السبت هذا . كان على غالبيتنا أن تذهب في إجازة. وقد أعد كل فرد منا مشروعاته الخاصة. عند الظهر فسدت الأمور. فقد أنبئنا بأن القائد سوف يستعرض طلاب المدرسة في الساعة الواحدة بعد الظهر. كان وجهه صارماً. وعندها وجه إلينا هذا السؤال:



" على من حرك جهاز الإنذار أن يتقدم خطوة إلى الأمام" .
ولكن كلماته استقبلت بالصمت. لم يتحرك أحد . فانتظر قليلاً كان يبدو أن الغضب قد استبد به. ولكنه كان يحاول أن يتمالك نفسه، ثم عاود القول:
" على من حرك جهاز الإنذار أن يتقدم خطوة إلى الأمام" .
ولكن الجواب لم يأت. عندئذ قال:
"حسن. تلغى جميع الإجازات. إنكم محتجزون في المبنى هذا المساء إلى أ، يكشف المذنب نفسه. إنصرفوا أيها السادة" .
لم يعرف المذنب أبداً. ولم يدل أحد على نفسه. فكرت بأن هذا الموقف ظالم بالنسبة لأمثالي من الطلاب الذين كانوا غائبين عن الكلية أثناء وقوع الحادث. ولا يمكن في أية حال أن يعتبروا مسئولين.
في صباح الأحد كنا ما زلنا ننتظر . وعندما أقبلت فترة بعد الظهر كان من البديهي أن أحداً سوف لن يكشف عن نفسه. فقررت. إنه لابد من العمل. فالتمست مقابلة من القائد، ولبست أجمل بزاتي العسكرية. واستقبلني القائد بعد فترة قصيرة. دخلت الغرفة وأغلقت الباب وحييته أجمل تحية وقلت :
"طاب يومك يا سيدي القائد".
فأجابني: "طاب يومك. ماذا حدث يا حسين؟" .
فأطلقت من فمي عبارة: هو أنا.
- هو أنت ماذا، عم تتكلم ؟
- لقد قرعت جرس الإنذار يا سيدي القائد.
- ماذا تريد أن تقول؟
- فكررت بإلحاح، بأنني أنا المذنب، أنا الذي حرك جهاز الإنذار .
- هل أستطيع أن أسألك يا حسين كيف استطعت تحريك جهاز الإنذار بينما كنت غائباً عن ساند هيرست ؟
- فأجبته " هذا ما كنت أبغي إيضاحه يا سيدي . هناك عدد آخر من الطلاب الذين كانوا غائبين مثلي أثناء وقوع الحادث" .
ولقد خشيت برهة أن يحمل ما فعلته على محمل سيئ ، ولكنه تبين لحسن الحظ. الجانب الهزلي المزاحي من الأمر.
لقد آتى (اعترافي) ثماره. كان ذلك نصراً لكل الطلاب الذين كانوا غائبين والذين ألغيت عقوبتهم.
كانت لي أسبابي الخاصة لمغادرة الكلية، فقد كان علي يومئذ أن أجرب سيارة جديدة من طراز (أوستن مارتن) على طريق السباق في جودوود. لقد غدت سيارتي الجديدة شعبية جداً في ساند هيرست لاسيما عند الذهاب في إجازة آخر الأسبوع حيث كانت تستخدم بمثابة سيارة ركوب لزملائي الطلاب.









رد مع اقتباس
قديم 05-16-2011, 12:23 PM رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
أمان
عضو ملكي
 
الصورة الرمزية أمان
إحصائية العضو






 

أمان غير متواجد حالياً

 


افتراضي




* كيف أمضيتم شهوركم الأخيرة في ساند هيرست؟.

- طوال أسابيع ، كنت أخشى اللحظة التي أعين فيها عريف خفر وهذا يعني أنه خلال فترة أسبوعين كان عليّ أن أنهض من فراشي في الخامسة صباحاً وأن أعد قائمة المرضى ، وأن أجمع البريد وأوزعه ، وأفتح المكاتب إلخ... ولا سيما أن أكون جاهزاً في أية لحظة وخلال النهار لمجابة أية مشكلة.

ولعل من يمن الطالع أن الخدمة لم تدم طويلاً. فقد نبئت في مساء أول يوم من مصدر غير رسمي أن العرض الصباحي قد ألغي بالنسبة لليوم التالي. وبذلك يستطيع الطلاب إذن أن يتصرفوا بساعة إضافية ، جميعهم ، ما عدا الحسين ، إذ كان عليّ أن أنهض فعلاً في الساعة الخامسة صباحاً.

لم يخبرني أحد رسمياً بهذا التغيير ، وكجندي صالح مثالي ، لا يجوز لي أن أطيع إلا التعليمات الرسمية. وفي الساعة السادسة وأربعين دقيقة ، أنهيت عملي المكتبي. وكان عليّ أن أوقظ سريتي. فذهبت إذن إلى المهجع. وجعلت أذرع الأروقة وأنا أصيح وأدق الأرض برجلي: "الساعة السادسة وخمس وأربعون دقيقة ، انهضوا يا أفراد سرية أنكرمان. لقد حان الوقت. دعوا الأسرة جميعاً".

استقبلتني موجه من الشتائم ، ولكنني تجاهلتها بوقار ورزانة وواصلت إصدار تعليماتي بصوت عال، حتى الساعة السابعة وعشر دقائق، الإ أن موجة الشتائم تحولت إلى طوفان من التجاديف والكفر، تلاه زخات من المقذوفات المختلفة!. طأطأت رأسي لتفاديها وتراجعت نحو الباب. لم يوقظ صوتي الضخم القوي سريتي فحسب، بل السرية المقيمة في الطابق الأسفل والنقيب خفر فيها الذي استدعاني بعد تناول طعام الفطور، ورشقني بنظرة ببرودة الثلج ثم قال لي بلهجة ساخرة : "ياحسين"، من الواضح أنك قد أوفيت على الغاية في قيامك بالواجبات التي عهدت إليك، فلم تعد في حاجة إلى تعلم أي شئ كعريف خفر من اآن إلى نشاطاتك العادية" .
لم أعد أحتاج إلى النهوض في الساعة الخامسة صباحاً، لقد أفادتني إقامتي في ساند هيرست فائد كبرى ، فتعلمت خلال هذه الأشهر القليلة طائفة من الأمور، لاسيما استخدام الدراجة النارية التي كانت منذ عهد بعيد شائعة في انكلترا. ومع ذلك فقد قدت دراجة نارية في أحوال جوية سيئة قبل انتهاء الدورة وقبيل العرض العسكري ببضعة أيام، إذ كنت أحاول القيام باجتياز منعطف بسرعة فائقة، فزلقت الدراجة ومرت فوق جسمي، حاولت النهوض وأنا أشعر بألم شديد في ذراعي الأيسر . ولم أجرؤ على البوح بذلك خشية أن أسجل في قائمة المرضى فأحرم من إمكانية المشاركة في العرض العسكري الختامي، في نهاية الفصل الدراسي تفاقم الألم . وفي صباح اليوم المحدد للعرض العسكري اتضحت حالتي للنقيب خفر فقال لي:
" يا حسين إنك لن تستطيع الصمود وأنت في هذه الحالة . سأحمل إليك شيئاً يعيد إليك نشاطك، إنه مزيج خاص لن أقول لك ما هو ، ولكنني كفيل بأنه سيجعلك تتحمل المشقة أثناء العرض العسكري.
ولقد احتملتها حقاً، ولكن ذراعي ساءت حالها أكثر مما كنت أعتقد.
بعد أن غادرت ساند هيرست ، قمت بجولة في إنكلترا وويلز واسكتلندا بصحبة خالي الشريف ناصر، ولكن الألم أصبح لا يطاق كلما أوغلنا في الطريق فاستدعيت طبيباً، وتبين أنني كنت مصاباً بانفجار في الأوعية الدموية، فوضع ذراعي في الجبص فوراً . ٍ
قال لي الطبيب: " سوف تبقى ذراعك في الجص مدة شهر كامل" . كانت ذراعي تضايقني جداً وهي معصوبة هكذا. لقد عملت بهمة لاتعرف الكلل طوال ستة أشهر، وكنت تواقاً إلى الانتفاع بإجازتي إلى أقصى الحدود، لذلك. بعد ساعة، أمسكت بمقص وساعدني خالي على خلع ضماد الجص.
وهكذا انتهت" مرحلة ساند هيرست " من حياتي.
* عندئذ بدأت فعلاً حياتكم كملك ...
- نعم كان لي من العمر سبعة عشر عاماً ونصف في الثاني من أيار عام 1953 عندما بدأت ممارسة سلطاتي الدستورية، وفي اليوم نفسه في بغداد، باشر ابن عمي فيصل ولايته الملكية أيضاً، عندما أقسمت اليمين أمام مجلس الأمة، كان قد انتقضى عام على تنازل والدي عن العرش.

كانت يومئذ تتدلى الأعلام من النوافذ في أهم شوارع عمان حيث أقيمت أقواس النصر، من القصر حتى مجلس الأمة . في الصباح الباكر من هذا اليوم كان آلاف الناس يملأون الطرقات بانتظار مروري.

إستيقظت في وقت مبكر. ومكثت بضع لحظات في السرير. كانت تراودني رغبة في أن أبقى وحيداً مع أفكاري، كان هذا أهم يوم في حياتي: كان سيعهد إلي بمسئولية قيادة بلادي وخدمتها، لقد ساءلت نفسي عما إذا كنت أختلف اليوم عني بالأمس . فكرت أنني بالأمس كنت لا أستطيع أن أتخذ قراراً في أي شيء مهما كان. وأصبح علي منذ الآن، أن أتخذ أخطر المقررات وأوثقها صلة بحياة الأردن ومصيره.

لم أتناول إلا القليل من الطعام لشدة توتر أعصابي، كان لدي لباس عسكري جديد خيط بقماش ثقيل أبيض اللون للصيف، وأزرق مائل إلى السواد للشتاء. وعلى كتفي ثبت حاملات رتب ذهبية، في الساعة التاسعة كنت مستعداً. بعد نصف ساعة غادرت قصر بسمان متوجهاً إلى مجلس الأمة، كان الحرس يتألف من كوكبة من فرسان الحرس الملكي، ومن مجموعة من راكبي الدراجات النارية المسلحين.

كانت السيارة تسير ببطء وهي محاطة بالجماهير المبتهجة، وكان الجيش يحتوي بصعوبة هذه الأمواج البشرية . وكنت أعرف أن علي أن أبدي الكثير من ضبط النفس. ولكن لا بدلي من الاعتراف بأن الانفعال والتأثر كانا يعترصان حنجرتي . وأخيارً بلغنا الأمة .
كان الجميع هنالك : رئيس الوزراء ومجلس الوصاية وأعضاء الوزارة كانوا جالسين على يساري. وأخي الذي يليني في العمر،وخالي وكبار الضباط كانوا جالسين على يميني. أعرب رئيس الوزراء ورئيس مجلس الأعيان عن تمنياتها لي بولاية ملكية سعيد مزدهرة. ونهضت بعدئذ لأقسم اليمين التالية :
" أقسم بالله بأن أحافظ على الدستور وأن أخلص للأمة". وإنني أعتقد بأنني لم أحنث أبداً بهذا اليمين.
بعد أن أقسمت يمين الولاء، أطلقت المدافع مائة طلقة ، إيذاناً للشعب بارتقائي العرش، ثم ذهبت إلى المسجد للصلاة، وتوجهت إلى ضريح جدي فانحنيت أمامه وقرأت الفاتحة على روحه، وقمت بعدئذ بزيارة والدتي، فقبلتني وأعربت لي عن شديد اعتزازها وبالغ فخرها بولدها، وأسرت لي بما تعلقه علي من آمال، ثم أضافت:
" لاتنسى هذا اليوم يا ولدي، تذكر عند مجابهة الصعوبات التي سوف لن تتأخر عن الظهور، كيف أن الشعب الأردني قد كشف لك عن مدى ولائه وحبه وثقته. فعليك أن لا تسمح بأن تدير رأسك المسئوليات والسلطة، سدد الله خطاك يا ولدي" .
وما كان ذلك سوى أول مظاهر تعلق شعبي بشخصي، بعد مرور بضعة أيام استقبلت من جديد في ميدان الطيران بعمان، بالتشجيع الحار، كان حوالي مائة الف شخص قد اجتمعوا في هذا اليوم لمشاهدة العرض العسكري لأكثر من خمسة آلاف جندي من الجيش العربي. وبينما كنت أستعرض الجنود، لم أستطيع أن أتمالك نفسي، من ملاحظة التفاوت بين ما يجري هنا ، وما عرفت في ساند هيرست ، ومن التنبه إلى التناقض المؤثر بين القديم والحديث، مدافع الميدان والمدرعات كانت تسير في تشكيلة متقنة وهي تتبع كتيبة حرس البادية التي تمتطي الجمال، وفي نهاية الاحتفال ، صرحت معلناً على املأ لأول مرة ما سيكون عليه الخط الموجه لحكمي :" إن الأردن لعلى قناعة تامة بالأخوة التي تربط بين شعوب الأمة العربية العظيمة، وإن الأردن ليس إلا جزءاً من الأمة العربية والجيش العربي الأردني ما هو غلآ أحد الجيوش العربية " .









رد مع اقتباس
قديم 05-16-2011, 12:24 PM رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
أمان
عضو ملكي
 
الصورة الرمزية أمان
إحصائية العضو






 

أمان غير متواجد حالياً

 


افتراضي





* كيف تكيفتم مع مسئولياتكم الجديدة ؟

- يتدخل الروتين كثيراً في عمل الملك. فمنذ مطلع حكمي ، كنت أذهب في كل صباح إلى مكتبي في قصر بسمان ، كأي عامل آخر، فلا أغادر القصر إلا بعد إتمام عملي.

أما نشاطاتي فمتنوعة للغاية ، إذ أخصص جزءاً كبيراً من وقتي لاستقبال الناس من جميع الطبقات . وفي فترات منتظمة يزورني رؤساء العشائر . الجميع يلاقون مني كل ترحيب، أما الأعمال الروتينية فمن اختصاص رئيس الديوان الذي يقوم بدور الوسيط بيني وبين الحكومة .

أما بالنسبة لطلبات المقابلة فإن رئيس التشريفات يتولى عملية الاختيار بينها، ولكن منذ أن أصبح مكتبه مجاوراً لمكتبي، غدا بامكان أي كان أن يدخل إلى القصر لالتماس المقابلة، أو الإتصال هاتفياً لهذه الغاية .

على كل حال عندما ترفض المقابلة، يكون السبب الوحيد في ذلك ، هو أن برنامجي اليوم يكون مثقلاً بأعباء العمل ، إلى الحد الذي لا أعرف فيه من أين أبداً.
يبدأ نهاري عموماً في الساعة الثامنة والنصف صباحاً، وينتهي نادراً قبل الثامنة مساءً. أستقبل بانتظام رئيس الوزراء ورئيس التشريفات واثنين أو ثلاثة من الوزراء. والسفراء المعتمدين وكبار قواد الجيش والطيران وأساتذة الجامعة وأعضاء مجلس الأمة، وغالباً جداً ما أتحدث بإيجاز مع عدة زوار، وعلي أن أوشح الكتب بتوقيعي أو أن أدرس الوثائق المعروضة علي، وعندما أغادر مكتبي يكون الوقت متأخراً.

لقد كتب الكثير من السخافات حول البذخ والترف المزعومين في قصور العالم العربي ولا سيما حول قصري بالذات. ولابد من تصحيح هذا الخطأ ، ورد الأمور إلى نصابها، ذلك لأن معظمنا من سلالات بدوية معروفة بالفقر، إننا نعيش عيشة جد بسيطة. وانني لا أملك ثروة شخصية ولسوف لن أمتلك هذه الثروة أبداً .

إن القصر الملكي ليس ملكاً شخصياً لي بالطبع، إنه من ممتلكات الحكومة ، وهذا ما يفسر كون طرازه مجرداً من الطابع الشخصي، وتقيم الأسرة المالكة في ثلاثة قصور. شيد القصر الأول جدي عندما وفد إلى الأردن للمرة الأولى. ويسمى رغدان. كما أن جدي هو الذي بدأ في إنشاء قصر بسمان الذي أعيش فيه الآن . ولكنه لم يسكنه أبداً، أما بقية أفراد أسرتي، فيقيمون في قصر زهران . وهذه المساكن صغيرة وبسيطة، ولا تقارن في أية حال بالقصور الموجودة في أوروبا .







رد مع اقتباس
قديم 05-16-2011, 12:25 PM رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
أمان
عضو ملكي
 
الصورة الرمزية أمان
إحصائية العضو






 

أمان غير متواجد حالياً

 


افتراضي




*كيف يستطيع ملك أن يكون قريباً من شعبه ؟


-خلال السنين الأولى من ولايتي احتملت الكثير من المتاعب والمصاعب في سبيل التقرب من شعبي وفهمه . لقد كنت شاباً صغير السن ، وكان مستشاريّ راغبين في تنظيم أسلوب حياتي. وكان ذلك عكس ما كنت أبغي وأتمنى .

كيف أستطيع أن أكون ملكاً صالحاً خيرّاً مثالياً ، إذا كنت لا أعرف رعاياي
جيداً . لقد كنت من أجل مقابلتهم والاجتماع بهم في عجلة من أمري . لا سيما
الرعايا الذين اتخذوا من البادية مسكناً ومقاماُ . فحياتهم كانت مختلفة تماماُ . لقد كنت ملكهم ، وبالقرب منهم كنت أشعر بأنني لست وحيداً لأنهم يعتبرونني كأنني واحد منهم . ما كنت في نظرهم سوى "الحسين"* بلا مراسم ولا تشريفات، ولكن تقاليد بدوية صميمة تقوم على ثلاثة مبادئ هي معاني الشرف والشجاعة والضيافة . فرجل الشرف هو الذي يتمسك بشدة بقوانين الضيافة . فكل ما تملك ملك لضيوفك ، وحتى عدوك الذي يبلغ مضارب عشيرتك يغدو من حقه أن يحصل على الماء والخبز .

لقد كانوا أثناء زياراتي لهم ، يشرفونني بالرقص والغناء من أجلي . وكلما ورد إسمي في أغنية ، كانوا يحيونني بإطلاق الرصاص في الهواء . ثم أجلس فتقدم إليّ القهوة ، ويرتجل زعيم العشيرة خطبة الترحيب التقليدية ، وهذا ما كان يعتبر من مظاهر الأدب. وعندما يتناول الطعام ، ما دام الضيوف لم يفرغوا من طعامهم . إنني أحب هذه الحياة التي تغاير وقار البلاط وإنني لأتعاطف تعاطفاً شديداً مع حاجات العشائر البدوية . فعلى الرغم من أنها تعيش في العوز والإملاق ، فإن على المرء أن يبذل أقصى ما في وسعه ليتمكن من اكتشاف ما هم في حاجة إليه ، لأن كبرياؤهم وعزة أنفسهم تمنعانهم من طلب العون . ومن الطبيعي وهم يرونني بينهم أن يعرض علي أفراد العشيرة شكاواهم . ولكن رغباتهم ومطالبهم هي من التواضع والبساطة والقناعة إلى الحد الذي يجعلني أستجيب إليها حالاً . أحدهم في حاجة إلى العمل وآخر إلى المعالجة الطبية ، وهم جميعاً يفتقرون إلى المدارس والمستشفيات وإلى تزويدهم بالماء . إنني أحب هذه البساطة التي يتوجهون بها إليّ ، فهي تعني أنهم يعتبرونني زعيمهم ورئيسهم وقائدهم .

لقد حاولت بنجاح أن أوطن القبائل البدوية ، وأن أضع حدّا لحياة الارتحال والانتقال التي يحيونها، وهم يبحثون عن الماء والكلأ . وقد قمت من تلقاء نفسي بإعداد وتنفيذ برنامج مساعدة ومعونة يؤمن لهم مساكن عصرية حديثة ومياهاً جارية طوال السنة، وهذا هو أساسي في بلادنا .

هذه الأشهر الأولي من الحكم لم تكن هيّنة ليّنة . فقد كنت أتعلم مهنتي كملك بممارسة العملية شخصياً . من أي وجه يجب أن تؤخذ الأمور ، وبأية طريقة تنبغي معالجتها. في الثامنة عشرة من العمر، تنقصك الخبرة عموماً، يضاف إلى ذلك أن المرء عندما يكون ملكاً ، فإن من النادر أن يكون رأي الآخرين فيه موضوعياً .

ولكن أحياناً ، حتى بالنسبة لملك، فإن مصدر التشجيع قد يكون غير متوقع . فقد زرت يوماً قبة السماء وكنت أقوم بنزهة قصيرة بمعزل عن الآخرين لأستنشق هواء الليل البارد المنعش ، فسمعت أصواتاً هامسة تنبعث من خيمة . عندها بلغت مسامعي جملة واضحة ، فاستولى عليّ شعور قوي بالاعتزاز والامتنان عندما قال بدوي لا أعرفه:

"لو كان الملك عبد الله حياً لكان فخوراً بحفيدة " .

ومع ذلك كنت أعرف أن أبناء البادية لا يشكلون سوى جزء من شعبي .
وكنت أود معرفة رأي أبناء الحضر. إنني لم أدع فرصة تفوتني للإختلاط بسكان المدن وكنت في المدرسة أشعر بأن الطبقات المتوسطة تجتذبني . وكنت أرغب في مزيد من المعرفة بأحوالها وسأروي لك هذه القصة التي سوف تستمتع بها بالتأكيد ولكنها تشير إلى مقدار حبي للاستطلاع وميلي إلى استكناه الأمور في ذلك الوقت:
بينما كنت في إحدى الليالي وحيداً في القصر ، انتويت أن أتنكر لكي أتجوًّل بحرية بين السكان . ولكن كيف السبيل إلى تحقيق خطتي؟ وبديهي أننيّ ما كنت لأستطيع إطلاع حاشيتي على نيتي، خشية أن أثير قلقاً في غير محله. فخطر لي أن أتنكر بلباس سائق سيارة تكسي . وكان الحي الأكثر دلالة* يقع بين عمان والزرقاء ،وهي منطقة عسكرية على بعد حوالي ثلاثي كيلومتراً من العاصمة، ولكن بالنظر إلى أن الليالي باردة في الصيف من جراء ارتفاع المكان، فقد تدثرت بمعطف وأخفيت رأسي ووجهي بلثام (شماغ) فبدوت في شكل لا يمكّن أحداً إطلاقاً من التعرف عليً وعلى كل حال، كل امرئ يستطيع أن يجعل من نفسه سائق سيارة أجرة . طوال ليلتين متتاليتين كنت أغادر القصر في الساعة الثامنة مساءّ وأنا أقود سيارة فورد قديمة خضراء اللون وذات رقم عمومي . وكنت أعود في حوالي منتصف الليل متجنبا رقابة الحرس الذين كانوا يعتقدون بأنني كنت أطالع في مكتبي . طوال ليلتين كنت أقود سيارتي التاكسي على طريق الزرقاء فتعلمت أموراً لا حدّ لها. أنه لعجيب حقاً مدى ما يستطيع الناس أن يقولوه في سيارة تاكسي ، الأمر الذي يحمل على الإعتقاد بأنهم لا يعيرون انتباهاً لوجود السائق .
لقد كنت دوماً أحب التحدث إلى الناس الذين ينتسبون إلى مختلف الطبقات الاجتماعية والذين لا يعرفونني .وأنني لأذكر مرة كيف أنني كنت متجهاً نحو مدينة جرش فصادفت بدوياَ يحمل كيساً ثقيلاَ من الخضار فأومأ إلىّ . فتوقفت وهو يتصور أنني سائق تكسي بعد أن وافق على الأجرة، صعد إلى السيارة فسألته عندئذ عما إذا كان الموسم جيداً في هذه السنة وبماذا يبشر المحصول؟


فأجاب: "يفضل الله والملك الموسم رائع "
وسألته : ما رأيك في الملك حسين ؟ لقد سمعت الناس كثيراً ما تتحدث عنه. أي نوع من الرجال؟ هل هو ملك صالح ؟
فأجاب : إنه بعد الله رائدنا ومرشدنا الأكبر . إنه يحمينا ويمنحنا كل معونة نحتاجها . إننا نحبه كثيراً.
قلت: إنني لست متأكداً تماماً مما تقول.
فغضب الدوي وصاح في : " إذا ما تجرأت أن تتفوه بمثل هذه الأكاذيب على مليكي ، فلسوف أضربك . . . حتى يسيل دمك" .
لحسن الطالع، في هذه اللحظة كان الحرس الذين كنت قد تعمدت التنائي عنهم، والذين كانوا يجدون في أثري منذ نصف ساعة، قد أدركوا سيارتي. وهكذا نجوت من مأزق حرج !
خلال السنين الأولى من ولايتي قمت برحلات عديدة إلى الخارج. وبذلت المستحيل لإقامة أحسن العلاقات الممكنة مع الشعوب العربية الشقيقة. فزرت بشكل خاص المملكة العربية السعودية لمقابلة الملك ابن سعود. كان ذلك قبل وفاته بقليل. ولما كان مريضاً لا يستطيع المشي. فلكي يتمشى في أروقة قصره التي لا نهاية لها، كان لا بد له من مقعد متحرك .
جاء يوماً لزيارتي في أحد القصور التي كنت أقيم فيها، في مقعده المتحرك ، وبرز فجأة خادم يدفع أمامه مقعداً متحركاً آخر. لم يتفوه أحد بكلمة. كان يدفع المقعد المتحرك نحوي بلباقة وأدب فقلت " هل أستطيع أن اعرف ماذا يجري إذا سمحتم؟ " . فقال أحدهم : " هذا لجلالتكم " .
قلت : " أشكركم بالغ الشكر. ولكنني أفضل أن ألبث واقفاً وأن أسير قليلاً. ثم أدركت فجأة المقصود من ذلك. فالبروتوكول يستلزم من الملك ان لا يمكث واقفاً بينما يكون محدثه جالساً .
كان علي أن أجلس على المقعد . فجلست إذن وسرت بجانب الملك. وكنت وقتئذ أفضل ألا تقع عيناي على النظرات الباسمة لمرافقي العسكريين .
مضت الأشهر والسنون هادئة، ملأى بالجهد والكد والعناء . تعلمت خلالها الكثير من الاتصال بشعبي ومخالطته. أما التوتر مع إسرائيل فلم يتوقف بل غدت الصدامات وحوادث العنف أكثر خطورة منذ عام 1955. وأما ما تعلق بحياتي الخاصة، فقد جرى حدث هام : في التاسع عشر من نيسان ( ابريل) 1955 تزوجت الشريفة دينا عبدالحميد وهي ابنة عم لي بعيدة القرابة، من السلالة الهاشمية المقيمة في القاهرة. كانت جد ذكية ومتخرجة من جامعة كامبردج وتكبرني ببضع سنين. في البداية كنت شديد التفاؤل لفكرة انشاء أسرة . وفي السنة التالية عندما ولدت ابنتي عالية ، كنت أسعد الناس في بلادي .
ولسوء الحظ مني هذا الزواج بالفشل الذريع . وعلى الرغم مما بذلته من جهود ، وعلى الرغم مما استنفذناه معاً من وسع ، فلقد اتخذنا القرار بانفصالنا . كان الوضع غير قابل للاستمرار . فأصبح من المرغوب فيه أن نضع حداً له . لقد كانت لحظة صعبة الاجتياز . وقد أثار طلاقي الكثير من النقد . وهكذا بعد ثمانية عشر شهراً من زواجنا، رحلت عني وذهبت للاقامة في القاهرة .








رد مع اقتباس
قديم 05-16-2011, 12:28 PM رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
أمان
عضو ملكي
 
الصورة الرمزية أمان
إحصائية العضو






 

أمان غير متواجد حالياً

 


افتراضي




* هل في هذه الفترة بدأت هوايتكم للطيران؟

- لقد كنت دوماً مولعاً بالطيران، عندما كنت صغيراً ومقيماً في عمان، كنت مشغوفاً بهوايتين: التصوير الفوتوغرافي والطائرات كان لدي منها جميع النماذج المصغرة: أحدث أنواع الطائرات المطاردة، والقاذفات، وسائر نماذج طائرات الركاب، وعندما كان يحل المساء في بيتنا في جبل عمان ، كنت ألصقها في مجموعة (ألبوم). ومع ذلك فإنني إذا ما كنت مولعاً بالطيران ، فليس ذلك يعود بالطبع إلى حبي للسرعة أو إلى أن الميكانيك يثير اهتمامي، بل لأن للطيران بالنسبة إلي معنى أكثر عمقاً .

كنت عندما أصعد إلى الطائرة، تتلاشى سائر همومي، فإذا ما حلقت في الجو تبددت من ذهني مشاغل العرش ومشقات العمل التي تلازمه. لأنني أكون عندئذ وحدي .

عندما أقلع بالطائرة، أتنفس الصعداء شكراناً وعرفاناً وأشعر بأنني سيد مصيري. إن جمال الطيران عالياً في السماء، يرمز دائماً بالنسبة آلي إلى صورة الحرية .

على الأرض تكون مهامي عديدة . إنني باخلاص وصدق أجد بعضها شديدة الرتابة مملة، لقد كنت دوماً أتولى أشق المسئوليات والمهام وأثقلها عبئاً. وفي أوقات الأزمات كنت أعمل حتى أثناء الليل، منذ بلوغي الثامنة عشرة وأنا أستشعر الحاجة الملحة إلى الانفلات من حقائق العالم الواقعية ولولفترة ساعة .
فكان الطيران وسيلة الخلاص والسلامة .

كنت أبغي أن أمارس مهنتي على طريقتي الخاصة وأن أعيش الحياة التي أرغبها . لقد دقت الساعة مبكرة بالنسبة إلي، فقد أصبت بخيبة أمل عميقة عندما اضطررت لأن أتحمل مسئولياتي كملك وأنا حديث السن معدوم الخبرة، لقد حاولت أن أثقف نفسي إلى أقصى الحدود ، بالتعلم يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة، أسس المهنة وقواعدها . عندما تقع على عاتق المرء مسئوليات جسام. فليس أخطر عليه من الاعتقاد بأنه قد أصبح في غير حاجة إلى التعلم، ويوم أن كنت حديث السن، كنت دائماً أرغب في أن أنفرد بتدبير أموري بنفسي ، فالانغماس في العمل لاكتساب التجارب هو دوماً مصدر للقوة . هذا ما عاد علي من ممارسة قيادة الطائرات لأن الذي يهم الطيار، بالتحليل النهائي، هو مهارته في الخروج منها، وكلما قدت طائرة شعرت بأنني أنجزت عملاً مهماً.

إن لشغفي بالطيران سبباً آخر، فقد كنت مقتنعاً بأن عجز الأردن عن الدفاع عن نفسه ناتج السياسة التي كانت سائدة آنذاك . كان لدينا جيش ممتاز، أفضل جيش في العالم. ولكن كنا لانملك أي غطاء جوي، كان الجيش العربي الأردني يحمينا على الأرض في حين أنه في حالة هجوم جوي، كنا مرغمين على اللجوء إلى مساعدة القوات الجوية الملكية البريطانية. لم أكن راغباً في أن يضطر الأردن إلى الإعتماد على أية معونة خارجية لايمكن ضمان استمرارها.
كانت إسرائيل تشكل تهديداً دائماً مستمراً، فلم يكن من الحكمة بالنسبة إلينا إذن أن نكون تحت رحمة معونة تأتينا من بلد آخر حتى ولو كان البلد صديقاً لنا ، وهي حكمة يعزز الأسس التي تقوم عليها، معرفتنا بأن سياسة أي بلد تتغير في الغالب دون أن نطلع على الأسباب التي حملت على ذلك .

لقد حاول جدي الملك عبد الله ، أن يبذل من هذا الوضع الشاذ بانشاء أول نواة لقوة جوية صغيرة. ولقد باءت بالفشل كل محاولاته لتعزيز هذه القوة . فالطائرات القديمة التي اشتريناها لم تعد صالحة للخدمة، وعندما اعتليت العرش كانت الحكومة قد بدأت تفكر في بيع الطائرات الهرمة التي بقيت لنا.

كنا معروفين في الأردن بامتلاكنا لأفضل جيش ، ولكن كان علينا أن نشجع الشباب الذين يرغبون في أن يصبحوا طيارين، وعندما كانوا يريدون الالتحاق بالجيش كانوا يدخلونه ويستبدلون بجيادهم أو جمالهم سيارت اللانروفر والمافع الرشاشة، فكنت آمل أنهم إذا ما غدوا طيارين سيتبعهم آخرون، وكنت في ذلك محقاً.

وإنني لأذكر هذا اليوم من عام 1953 الذي كان حاسماً في القرار الذي اتخذته بأن أصبح طياراً، كانت القوات الجوية الأردنية المسلحة بقيادة العقيد دالجليش وهو نفس الرجل الذي قادني بطائرته إلى عمان في اليوم الذي اغتيل فيه جدي، لقد أطلعته أكثر من مرة على نيتي في تعلم الطيران ، وكان قد سبق لي السفر إلى جانبه في غرفة قيادة الطائرة. وفي أحد الأيام استدعيته وقلت له:
إنه سوف ينتابني المرض لكثرة مكوثي منعزلاً في مكتبي يجب أن تعلمني الطيران

دهش دالجليش من أقوالي ومن الحزم الذي أبديته .

- قال لي: ولكن يا صاحب الجلالة سيكون الناس جميعاً ضدكم فيما تريدون.

- فأجبته: أعرف ذلك ولكن هذا لن يضايقني . سوف نرد على كل اعتراض وسوف أصبح طياراً.

طوال عشرة أو خمسة عشر يوماً حاولت أسرتي وحاول أصدقائي أنفسهم والوزراء أن يحملوني على العدول عن قراري، فكنت أشرح لهم وأكرر الشرح بأنه لا خطر علي البتة من قيادة الطائرة وكنت أعاود القول بقناعة تامة وإيمان عميق بأن ساعة الموت إذا ما حانت فلا مفر منها لأن الله يكون هكذا قد أراد .

وأخيراً تغلبت على المعارضة وبدأت التدريب . لم يوضح لي أحد بعد، بأنه لايحق لي أن أطير وحدي. كنت أستطيع أن أطير برفقة طيار ولكن لا أحد كان يجيز لي أن أطير وحيداً.

في اليوم الأول كان العقيد قد خطط لجولة فوق عمان في طائرة صغيرة من

طراز اوستر. ولست أدري إذا كان قد رمى من وراء ذلك إلى حملي على التخلي عما اعتزمته. ولكنه على كل حال قدم لي شرحاً كاملاً عن إمكانات طائرة الاوستر ذات الطاقة المحدودة. وهذا لم يمنع دالجليش من أن يقوم بحركات بهلومانية عليها جعلتني أقضي ساعة من أعنف وأِد ما عرفته في حياتي. كانت الحركات الدائرية الرأسية للطائرة وحركات الالتفاف حول محورها الطولاني تتلاحق على نق متسارع حتى أنه أوقف المحرك عدة مرات والطائرة في الجو!. وعندما هبطنا على الأرض أحسست بالمرض فجأة ، كانت هي المرة الأولى والوحيدة التي أصبت فيها بالغثيان. ولقد حاول عبثاً من جديد أن يتسبب في إصابتي به ، فقلت له: إنك لن تستطيع ذلك بعد ألان. أيها العقيد.

ثم عدت إلى القصر وانتظرت الدرس الآتي. وفي اليوم التالي. كنت قد نسيت آلام اليوم السابق. ولما كنت مصمماً على تجنب ألم الغثيان ، فقد أمضيت كل فترة بعد الظهر في البحث في عمان عن أفضل علاج لذلك. ولقد اعتدت أن أنشط جسمي بتعاطي حبوب خاصة لأتمكن من تقدير إنجازات دالجليش الجوية حق قدرها.

أمضيت شهري حزيران (يونيو) وتموز (يوليو) على مدرج المطار بمعدل خمسة أيام في الأسبوع. وقد قال لي العقيد بأنني موهوب موهبة خاصة ، وهو رأي لم أشاركه فيه على كل حال ، يعتقد الناس أنه يمكن للمرء أن يصبح طياراً معترفاً به وأن ذلك في متناول الجميع. أما أنا فلم أؤمن بذلك البتة. بل بذلت كل ما في وسعي للاعتياد على الأجهزة الفنية للطائرة ولكن ليس بدون صعوبة إذ ليس من السهل القيام بحركات بعدد هذه الأجهزة في نفس الوقت. وفي البداية كانت حالتي الجسمية تقلقني كثيراً ، لأم ركوب الطائرة لم يخفف (بل زاد) من التهاب الجيوب الأنفية المزمن الذي أصبت به منذ الحداثة.

أمضيت عشر ساعات طيران على طائرة الاوستر الصغيرة هذه قبل أن أجرب طائرة من محركين أكبر حجماً وأكثر راحة من طراز دوف. وبدأت بتحقق بعض الهبوط الممتاز على الأرض وكان بعضه الآخر أقل جودة. فقلقت من جراء ذلك.

قال لي دالجليش: لا تبالي يا صاحب الجلالة. فإن أفضل وسيلة لإتقان الهبوط هو أن تخطئ في بعض المرات.

بعض مرور شهر كنت قادراً على الطيران لوحدي. ولكنني ما كنت لأعلم أنهم يحظرون عليّ الطيران منفرداً. ومع ذلك في الدرس الثالث على طائرة الدوف نهض دالجليش من مقعده وقال لي فجأة: حسن يا صاحب الجلالة ستتولون بأنفسكم الهبوط بالطائرة ، ثم غادر غرفة القيادة وقد أغلق الباب بشدة وراءه!.

لم أكن واثقاً من نفس. ولكنني تمكنت من إيصال الطائرة أرضاً. وأعتقد بأنني فعلت ذلك جيداً. وعلى الرغم من هذا الإنجاز قال لي العقيد بأن لديه تعليمات محددة وأنه محظر عليّ أن أطير وحيداً. بلغ بي اضطراب النفس عندئذ حداً حال بيني وبين الغضب ، فعدت إلى القصر منهوك القوى. إنه أمر يبعث على السخرية. فكأنهم يحظرون عليّ قيادة سيارة بسرعة مائة كيلو متر في الساعة بدون سائق إلى جانبي. ومن البديهي أنني لا أستطيع الإلحاح في هذا الشأن لأنه إذا ما وقعت مصيبة ، فستعتبر القوات الجوية مسئولة عن حدوثها.

فقررت عندها بأن العمل بالنسبة إليّ قد حان. كانت الطائرة التي أقودها موضوعة تحت المراقبة الدائمة. يضاف إلى ذلك أن الجميع ، من الميكانيكيين إلى ضباط برج المراقبة ، كانوا مطلعين على الحظر الذي فرض عليّ. فانتظرت بصبر وأناة اللحظة المواتية. وأخيراً سنحت الفرصة.

وصلت بعد ظهر أحد الأيام إلى مدرج المطار. كانت هنالك طائرة أخفقت في الهبوط وانقلبت. لم يكن الحادث خطيراً . ولكن الناس كانوا جد منشغلين بالأمر حتى أنهم لم يلتفتوا إليّ ولم يكن بجانب طائرة الدوف أحد. فاندفعت إلى داخلها على أطراف أصابع رجليّ وأدرك المحرك. وصحت بالمهندس الذي هرع باتجاه الطائرة بأنني سوف آخذ الطيار المساعد في نهاية المدرج.

كان ذلك كافياً له . وببضع دقائق كنت قد ارتفعت في الجو، وتواجد الجميع في برج المراقبة لمتابعة تحركاتي، وكنت في غاية الابتهاج. تجولت فوق العاصمة . وجعلت أمتع النظر من غرفة القيادة في المدينة التي أحببتها، لم يتسرب الخوف إلى قلبي . ولربما كنت أقل اضطراباً وقلقاً من أولئك الذين تجمعوا في برج المراقبة، مكثت بعض الوقت أيضاً في الجو ثم عدت إلى الأرض بعد أن حققت هبوطاً في غاية الاتقان، وهكذا حدث مل لم يكن متوقعاً : لم تعد هنالك معارضة على ممارستي للطيران، ومنذئذ طرت وحدي خلال الآف الساعات.
يتبع.....






رد مع اقتباس
إضافة رد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:26 PM بتوقيت عمان

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
[ Crystal ® MmS & SmS - 3.6 By L I V R Z ]
mess by mess ©2009