أزهارٌ لمعلمِّتي
في يومٍ من أيامِ الربيعِ، وقفتْ ليلى أمامَ بابِ المنزلِ المطلِّ على حقولِ القريةِ ومروجِها الزاهيةِ. كانتْ الشمسُ ترسلُ أشعَّتَها الذهبيَّةَ، والنسماتُ الهادئةُ تداعبُ شعرَها الحريريَّ.
كانت ليلى حزينةً...
تمنَّتْ لو أنَّها تشعرُ الآن بالسعادة، ويذهبُ عنها الحزنُ.
عادتْ إلى البيتِ واستأذنتْ أُمَّها في الخروجِ، لكنَّ أُمَّها قالتْ:
ـ الشمسُ ستغيبُ بعد ساعةٍ!!
ـ أعلمُ ذلك، ولن أبتعدَ كثيراً، لأعودَ قبلَ غيابِ الشمسِ.
خرجتْ ليلى إلى المرجِ القريبِ، وأخذتْ تجمعُ بعضَ الأزهارِ. كانتْ تقولُ:
ـ هذهِ أزهارُ البابونجِ والأقحوانِ، وتلك شقائقُ النعمانِ الحمرُ...وهناك أزهارُ الليلكِ، والزنبقِ البرِّيّ، والبنفسجِ... يا ألله ما أجملها!!..
بينما كانتْ ليلى تنتقلُ من زهرةٍ إلى زهرةٍ، لمحتْ رجلاً جالساً فوقَ العشبِ الأخضرِ، وبين يديهِ قلمٌ وأوراقٌ... فوقفتْ تتأمَّلُ المنظر!...
حدَّثتْ ليلى نفسَها:
"المطالعةُ ممتعةٌ وسطَ هذه الطبيعةِ الساحرةِ!..
انتبه الرجلُ إلى ليلى. فالتفتَ إليها وابتسمَ ثم سألها:
ـ ماذا تفعلينَ هنا يا صغيرتي؟..
اقتربتْ ليلى من الرجلِ، ووقفتْ صامتةً.
ـ ما اسمُك أيتها الصغيرةُ؟
ـ ليلى.
ـ وماذا تفعلين؟
ـ أجمعُ باقةَ أزهارٍ.
ـ هل تحبينَ الأزهارَ.؟
ـ أُحبُّها كثيراً.
ـ لماذا؟
ارتاحت ليلى لهذا الرجل الذي تشاهدُهُ دائماً في طرقاتِ القريةِ يحمل بيدهِ كتاباً. فقالت:
ـ الأزهارُ جميلةُ المنظرِ. زكيَّةُ الرائحةِ، إنها زينةُ الطبيعةِ.
أُعجبَ الرجلُ بإجابةِ ليلى، فأخذَ يتأمَّلُها.
سألتْ ليلى :
ـ هل تجلسُ هنا دائماً؟
ردَّ الرجلُ مبتسماً:
ـ أجلْ. أليسَ منظرُ الطبيعةِ رائعاً؟
ـ وماذا تكتبُ؟
ـ أكتبُ قصيدةً.
دخلَ نفسَها شيءٌ من السعادةِ. قالتْ:
ـ إذنْ أنتَ شاعرٌ!!..
ـ صحيحٌ يا صغيرتي... هل تحبيّنَ الشعرَ؟
ـ أحفظُ جميعَ الأناشيدِ التي تعلَّمْتُها في المدرسةِ.
تمنَّتْ ليلى أن يقرأَ لها شعراً مما يكتبُ، فهي تحبُّ الشعرَ كثيراً كما تحبُّ الأزهارَ والعصافيرَ والسهولَ... تمنَّتْ أن تسمعَ منه بعضَ قصائِدِه، ولكنَّها تذكَّرتْ أنَّ الشمسَ ستغيبُ بعد قليلٍ، وقد وعدتْ أُمَّها أن تعودَ دون تأخيرٍ..
شاهدتْ ليلى زهرةَ أقحوانٍ صفراءَ، فمدّتْ يدَها وقطفتها لتضمّها إلى الباقة في يدِها.
ـ أنتِ تقطفينِ الأزهارَ لتزيِّني بها غرفتَكِ، أليس كذلكِ؟
ـ صمتتْ ليلى، ثم سارتْ بضعَ خطواتٍ مبتعدةً عنه.
نهضَ الشاعرُ، واقتربَ منها:
ـ هل ستعودينَ إلى البيت؟...
ـ أجلْ.
ـ وهل ترغبين في أن أسيرَ معكِ حتى بابِ منزلِكم؟
ـ أشكُرُكَ. منزلُنا قريبٌ. إنه على بعد خطواتٍ من هنا.
سألها* وهو يسيرُ إلى جانبها مثل أبٍ عطوفٍ:
ـ هل ستضعين زهرةً على شعركِ عندما تذهبين إلى المدرسة صباحاً؟
صمتتْ ليلى ثانيةً، وعادَ الحزنُ إليها من جديدٍ.
ـ هل أنتِ حزينةٌ يا صديقتي. أرجو أن تخبريني، فأنا شاعرٌ أحبُّ الأطفالَ والفراشاتِ والربيعَ والحقول َوالوطنَ، وأحبُّ أن أرى البسمةَ على شفاه الصغارِ.
نظرتْ ليلى إليه، ثم قالت:
ـ سأقدِّمُ الأزهارَ التي جمعتُها إلى معلِّمتي المريضةِ.
فكَّرَ الشاعرُ في كلامِ ليلى، ثم ابتسَمَ، وسألها:
ـ هل تحبينَ المعلِّمةَ أيضاً، كما تحبينَ الأزهارَ؟
كانت ليلى قد صارتْ أمام المنزلِ، فابتسمتْ مودِّعةً الشاعرَ، ثم قالتْ:
ـ إنها أُمِّي الثانية