هيكل سليمان المزعوم في علم الآثار
مصطفى إنشاصي
من أجل حسم الصراع نهائياً حول الحق في القدس والمسجد الأقصى؛ ومعرفة إن كان داود وسليمان بنيا هيكلاً بالمواصفات التي يتحدث عنها اليهود أو لا! بقي أن نستمع إلى رأي علم الآثار في إثبات أو نفي إدعاء اليهود، خاصة وأن ذلك العلم تأسس في البدء من أجل إثبات ادعاءات اليهود الدينية والتاريخية في وطننا، وقد كانت القدس والهيكل المزعوم أحد أهم المجالات التي اهتم بها.
يقول المؤرخون المتأثرين بالروايات التوراتية: أنه عندما فتح داودu مدينة القدس عام 1000 ق.م، وكان اسمها "يبوس"، نسبة إلى اسم ساكنيها وبُناتها اليبوسيين العرب نحو الألف الثالث قبل الميلاد، وجد اليبوسيين قد بنو هيكلاً لـ(لإله سالم) على أحد مرتفعات المدينة، على جبل "الثُريا"، ففكر داود في اقتباس هذا المظهر الديني عند اليبوسيين، إلا أنه ترك معبد المدينة كما لم يلتفت إلى تغيير اسم المدينة والذي لم يتأثر إلا بطبيعة اللهجة العبرانية[1]. هذا الرأي لا يُعجب علماء الآثار كثيراً؛ الذين ليس فقط يشككون في كثير من مواصفات الهيكل المزعوم، بل إنهم ينفون أن يكون سليمان قد بنى هيكلاً في الأصل! وهذه أدلتهم على ذلك:
التشكيك في الهيكل من حيث المساحة
يقول المؤرخ ول ديورانت: أن اليهود كانوا "يقدمون قرابينهم لـ"يهوه" في هياكل محلية أو في هياكل ساذجة فوق التلال". وتلك كانت عادة متبعة عند الكنعانيين. أما عن مساحة الهيكل فيقوله: "ولم يكن هذا الهيكل كنيسة بالمعنى الصحيح، بل كان سياجاً مربعاً يضم عدة أجنحة ولم يكن بناؤه الرئيس كبير الحجم، فقد كان طوله حوالي مائة وأربعة وعشرين قدماً، وعرضه حوالي خمسة وخمسين، وارتفاعه اثنين وخمسين، كما أنه كان في نصف طول البارثنون". ويضيف "أن هيكل سليمان المزعوم كان بمثابة معبد خاص ملحق بقصر سليمان، فقد كانت مساحة جناح واحد في القصر تعدل أربعة أضعاف مساحة الهيكل كله"[2].
ويقول المؤرخ (ويلز): "فلو أنا استخرجنا من القصة أطوال معبد سليمان لوجدنا أن في الإمكان وضعه داخل كنيسة صغيرة من كنائس الضواحي"[3]. أما (محمد الزعبي) فقد اعتبره أكذوبة اعتادوا اليهود على ترويجها، "لأن مساحة الهيكل لا تحتمل ذلك العدد الذي ادعاه اليهود ـ ثلاثمائة ألف عامل ولمدة سبع سنين ـ وأن عقلاء المؤرخين يجزمون أن الهيكل في عهد سليمان لا يحتاج لأكثر من بضع عمال لبضعة أسابيع"[4].
كما أن الأثري الفرنسي (دى سولسي) أجرى مقارنة بين أطوال أضلع كل من الحرم القدسي الشريف وهيكل سليمان المزعوم ومدينة داود، وتبين له عدم صدق روايات التوراة التي تدعي {أن الهيكل المزعوم الذي بناه سليمان كان في داخل سور يحيط بكل جبل الهيكل، بدليل أن الهيكل الذي بناه اليهود بعد عودتهم من السبي البابلي في المكان نفسه، وبعد سليمان بنحو 500 سنة أُخرى، كان يحيط به سور أيضاً، وكذلك الهيكل الذي عَمره هيرودوس بعد ذلك بخمسمائة سنة أخرى، ثم الحرم الإسلامي الشريف الذي قام أخيراً في المنطقة نفسها الذي كان ملكي صادق يدعو فيها باسم الله العظيم. ويبدو أن السور الذي كان يحيط بمنطقة الهيكل على أيام سليمان، كان مربعاً طول ضلعه 180 متراً "فتكون مساحة ما يحيط به السور نحو ثمانية أفدنة إلا ربعاً". وبهذه المناسبة يذكر (دى سولسي) مقاييس الحرم الإسلامي الشريف، في نفس المنطقة وفي العصر الحديث كما قاسها هو بنفسه: الضلع الشرقي لسور الحرم طوله 384 مترا ًوالضلع الجنوبي طوله 225 متراً، ثم يمتد الضلع الغربي بزاوية منفرجة وبخط غير مستقيم، بحيث يكون الضلع الشمالي من السور أطول بكثير من مقابله الجنوبي وينبني على ما ذكره دى سولسي أن تكون مساحة الحرم الشريف أكثر بكثير من ضعف مساحة جبل الهيكل داخل أسوار سليمان، أو نحميا، أو هيرودوس. ودليل آخر على أن الحرم القدسي لم يبنَ مكان الهيكل كما يقول دى سولسي، هو: أن الحرم الإسلامي الشريف مستطيل، واتجاهه من الشمال إلى الجنوب "في اتجاه القبلة بمكة المكرمة"، أما معبد سليمان فهو مستطيل اتجاهه من الغرب إلى الشرق "نحو الشمس" وهو الاتجاه العام في المعابد القديمة في بابل، أو مصر، أو غيرهما من أقطار الشرق الأدنى والأوسط}[5].