يا طـالـب المـجــد فـي عجــور مــورده =عـــذب مـعـيــن يـروّي غــلــة فـيـنـــــا=شــــم الأنــــــوف أبــاة دام عـــزهــــــم =هـــم الأوائــل إن نــادى مـنــاديــــــنــــا=تـفـوح يـا بـاقـة الأزهـــار فـي وطـنــي =فــوح الأريـــج ونـفـح الطيــب يغـريـنـا كلمة الإدارة


مبارك .........مبارك لعجور ومنتديات عجور       »     عجور التاريخ و الحضارة - الحلقة الثانية       »     سجل الوفيات لعجور ١٣٢٠هـ -١٣٣٠هـ ١٩٠٢م - ١٩١١م       »     عجور التاريخ و الحضارة       »     ميزانية قرية عجور - 1939       »     عجور - وقوعات الزواج 1915م       »     عهد عشائر عجور بالحفاظ على اراضي عجور المشاع و عدم بيعها لل       »     اول أحصاء(حصر نفوس) موثق لسكان عجور1878م       »     أراضي عجور المشاع - حصري       »     اسماء من عجور مطلوبون للضريبة 1       »     ضريبة الانتداب البريطاني "3"       »     عجور - لجنة 18 ( اللجنة القومية لعجور)       »     أراضي عجور الحكر       »     عجور التاريخ و الحضارة-الحلقة الثالثة       »     علم النفس الاجتماعي       »     ملوك المملكة الاردنية الهاشمية       »     موسوعة صور القدس- زهرة المدائن       »     دليل الجامعات العربية و العالمية       »     روائع الشعر العالمي       »     موسوعة الاصول و القبائل العربية كاملة       »    

آخر 25 مشاركات
ملف عن الحج وما يتعلق به (الكاتـب : نور الهدى - آخر مشاركة : قلم حزين - )           »          كبرت بنتــي / قصة مؤثرة (الكاتـب : أمان - آخر مشاركة : قلم حزين - )           »          مبارك .........مبارك لعجور ومنتديات عجور (الكاتـب : م .نبيل زبن - آخر مشاركة : نور الهدى - )           »          عجور التاريخ و الحضارة - الحلقة الثانية (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          سجل الوفيات لعجور ١٣٢٠هـ -١٣٣٠هـ ١٩٠٢م - ١٩١١م (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          عجور التاريخ و الحضارة (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          ميزانية قرية عجور - 1939 (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          عجور - وقوعات الزواج 1915م (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          عهد عشائر عجور بالحفاظ على اراضي عجور المشاع و عدم بيعها لل (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          اول أحصاء(حصر نفوس) موثق لسكان عجور1878م (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          أراضي عجور المشاع - حصري (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          اسماء من عجور مطلوبون للضريبة 1 (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          ضريبة الانتداب البريطاني "3" (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          عجور - لجنة 18 ( اللجنة القومية لعجور) (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          أراضي عجور الحكر (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          عجور التاريخ و الحضارة-الحلقة الثالثة (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          كيف و متى تحدثين طفلك عن التحرش ؟ (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          قصص اطفال للبنوتات الحلوين (الكاتـب : اميرة عجور - آخر مشاركة : م .نبيل زبن - )           »          علم النفس الاجتماعي (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          ملوك المملكة الاردنية الهاشمية (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          موسوعة صور القدس- زهرة المدائن (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          دليل الجامعات العربية و العالمية (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          روائع الشعر العالمي (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          موسوعة الاصول و القبائل العربية كاملة (الكاتـب : م .نبيل زبن - )           »          ضيف اليوم بصراحة (الكاتـب : Big heart - آخر مشاركة : ajoor - )


العودة   منتديات عجور - بيت كل العرب > الاقسام الفلسطينية > قسم رجالات فلسطين
قسم رجالات فلسطين كل ما يتعلقوعشائر ورجالات فلسطين



إضافة رد
قديم 11-20-2012, 08:04 PM رقم المشاركة : 501
معلومات العضو
م .نبيل زبن
المؤسس
 
الصورة الرمزية م .نبيل زبن
إحصائية العضو







 

م .نبيل زبن غير متواجد حالياً

 


افتراضي


ربنا يرحمهم جميعا و يحسن لهم جميعا







رد مع اقتباس
قديم 11-20-2012, 08:05 PM رقم المشاركة : 502
معلومات العضو
م .نبيل زبن
المؤسس
 
الصورة الرمزية م .نبيل زبن
إحصائية العضو







 

م .نبيل زبن غير متواجد حالياً

 


افتراضي


اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو ثائر بنات [ مشاهدة المشاركة ]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخي ابو أوس

أإسـ عٍ ـد الله أإأوٍقـآتَكُـم بكُـل خَ ـيرٍ

دآإئمـاَ تَـبهَـرٍوٍنآآ بَمَ ـوٍآضيعكـ

أإلتي تَفُـوٍح مِنهآ عَ ـطرٍ أإلآبدآع وٍأإلـتَمـيُزٍ

لك الشكر من كل قلبي

مشكور على المرور الكريم






رد مع اقتباس
قديم 11-27-2012, 12:42 AM رقم المشاركة : 503
معلومات العضو
م .نبيل زبن
المؤسس
 
الصورة الرمزية م .نبيل زبن
إحصائية العضو







 

م .نبيل زبن غير متواجد حالياً

 


افتراضي




انطلقا بطائرات شراعية (التي تحمل على الكتف) بعد أن ركبا لها محرك مروحة صغير من جنوب لبنان باتجاه شمال فلسطين المحتلة واخترقا أكبر منظومة رادار دفاعية بالعالم ولم يكشفهم اليهود .. وعند وصولهم للهدف اشتبكوا مع العدو حتى اسشهادهم







رد مع اقتباس
قديم 11-27-2012, 12:44 AM رقم المشاركة : 504
معلومات العضو
م .نبيل زبن
المؤسس
 
الصورة الرمزية م .نبيل زبن
إحصائية العضو







 

م .نبيل زبن غير متواجد حالياً

 


افتراضي


الذكرى 25 لعميلة الطائرات الشراعية







رد مع اقتباس
قديم 12-15-2012, 03:51 PM رقم المشاركة : 505
معلومات العضو
Palboy
عضو برونزي
 
الصورة الرمزية Palboy
إحصائية العضو






 

Palboy غير متواجد حالياً

 


افتراضي


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 18 ( الأعضاء 1 والزوار 17) ‏Palboy







رد مع اقتباس
قديم 12-28-2012, 02:22 AM رقم المشاركة : 506
معلومات العضو
م .نبيل زبن
المؤسس
 
الصورة الرمزية م .نبيل زبن
إحصائية العضو







 

م .نبيل زبن غير متواجد حالياً

 


افتراضي


القائد الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد
يعد القائد المجاهد عبد الرحيم الحاج محمد أحد أبرز وجوه الثورة الفلسطينية في عام 1936 _ 1939، وقد سمعت عن جليل أعماله منذ سنوات طفولتي عام 1974، حيث جلست مع كبار السن، وفي عام 1986 أخذت أبحث عن حياة الثائر عبد الرحيم الحاج محمد وعارف عبد الرازق، وحمد زواتا، وغيرهم.
ومما شجعني لزيارة قريته وأبنائه ومقبرة القرية ومقابلة ثوار عملوا تحت إمرته، والإطلاع على مصادر مراجع متعددة في لغات مختلفة، شملت مؤلفات وصف ومنشورات وزعها الشهيد ووثائق أحضرتها من بريطانيا.
وقد دلني البحث على دوره المهم الذي أسهم به، واهتمامه بوحدة فصائل الثورة، وتواضعه وحبه للجماهير، وتأثيره في الثورة العربية الفلسطينية الكبرى، حتى يصح القول أنه باستشهاده في 29/3/1939انتهت الثورة .

في حياته وسيرته النضالية
ولد الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد، في قرية ذنابة، المجاورة لمدينة طولكرم عام 1892 وهو من عائلة آل سيف ذات النضال العريق والذين جاءوا من قرية برقة، فأحد أجداده ناضل مع صلاح الدين، وآخر تصدى مع مجموعة منظمة من منطقته لقوات نابليون القادمة لاحتلال مدينة عكا، حيث قبض عليه وتم إعدامه شنقا، كما وينحدر مجاهدنا من أصول عائلة ماجدة ومالكة ذات أصول طبقية امتلكت المساحات الواسعة من الأرض وامتدت أراضيها من قرية ذنابة شرقا حتى البحر المتوسط غربا، ووقفت أكثر من مرة في وجه غزاة فلسطين(1).
تعلم عبد الرحيم في كتاب القرية، ثم أنهى صفوف المدرسة الحكومية في طولكرم، وفي شبابه انخرط في سلك الجندية الإجباري، وعاد إلى بلده بعد نهاية الحرب.
عمل عبد الرحيم الحاج محمد في تجارة الحبوب في العشرينات من القرن العشرين، بعد أن خدم في الجيش التركي في بيروت وطرابلس الشام، وكان ذلك في الحرب العالمية الأولى .
عرف الثائر الشهيد كتاجر للحبوب وكان محبوبا عند جمهرة الفلاحين في قضاء طولكرم، حيث صادقهم وتساهل معهم واستدانوا منه الكثير من المال، ولم تقتصر العلاقة على الفلاحين، بل أن صداقاته الواسعة امتدت لتطال العديد من المدن الفلسطينية القريبة من قريته .
أمسى عبد الرحيم الحاج محمد بعد فترة من العمل التجاري يعاني عجزا ماليا، حيث فقد رصيده المالي وأرهقته الضرائب الباهظة ووضعت السلطات البريطانية يدها على ماله فأعلن عجزه وإفلاسه المالي وباع متجره وكان ذلك قبل انطلاق الثورة بسنوات، وتحول نحو الزراعة ، فزرع أرضه في "دبة القراية " على بعد 3كم غربي طولكرم، وفي هذا المكان زرع البطيخ والترمس وحفر عيون الماء، بالتعاون مع أقربائه وزرع الخضروات بصنوفها المختلفة.
بداية المشوار النضالي: بينما كان يقوم شيخ المجاهدين عز الدين القسام في جامع الاستقلال بمدينة حيفا على توعية الناس ونشر فكرة النضال المسلح للوقوف في وجه الخطر الصهيوني في فلسطين، كان البطل عبد الرحيم الحاج محمد يقوم بدعوى مماثلة في منطقة طولكرم، وقد لقيت دعوته نجاحا بين صفوف الفلاحين، وكذلك سكان المدن الذين أحبوه، وأخذ يجمع التبرعات لشراء الأسلحة ويقوم بتدريبات سرية لبعض أصدقائه في المناطق الشرقية من ذنابة مستغلا خبرته العسكرية السابقة إبان خدمته في الجيش التركي.
ويذكر داود الحسيني في مذكراته أن عبد الرحيم التقى به في مقهى المغربي بيافا حيث يجلس داود وإخوانه وهو يتباحث مع إخوانه فيما وصلت إليه أحوال فلسطين، ووصفه بأنه طويل القامة يلبس الكوفية والعقال والقنباز، وقد جلس معنا وأظهر لنا استعداده للعمل الجدي في الجبال وذلك عن طريق تأليف فرق من الشباب النشيط لمهاجمة البريطانيين بالسلاح وقد استمر النقاش ساعة بعد أن انسحب اثنين من الحاضرين أظهرا عدم رغبتهم في حمل السلاح وتمخض الاجتماع على ما يلي:
يعود عبد الرحيم إلى منطقته لتأليف الشباب في فرق وإشعال نار الثورة فيها.ويقوم داود الحسيني بجمع المال والإعانات لمساعدة الثوار الفلسطينيين، وشراء السلاح والعتاد وإرساله للمجاهد عبد الرحيم وإخوانه، وقد نجح داود وصديقه في جمع مائتين وخمسين جنيها، وأرسل له حوالي عشرين بندقية مع عتاد وعدد من المسدسات وصندوق أصابع ديناميت وهكذا انطلق بأعماله الثورية، وتلا ذلك اتصال داود وصديقه بعارف عبد الرزاق ويؤكد أ.سميح حمودة على أن الثورة بدأت في هذه المنطقة وليس صحيحا ما ذهب إليه إميل الغوري في أن الثورة بدأها رجال الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني وأن عبد الرحيم الحاج محمد وعارف عبد الرزاق كانا عضوين في هذا التنظيم.
التقى بالمفتي وطلب تقديم السلاح من أجل القيام بالأعمال الثورية في جبال نابلس.
ولقد أعد عبد الرحيم هذه المجموعة للقيام بأعمال اغتيال ضد جنود العدو وضباطه، وضرب المستعمرات اليهودية القريبة من طولكرم وجنين، كما نشط في إتلاف محاصيلهم الزراعية وبياراتهم وقد أطلق على منطقة نابلس وجنين وطولكرم "مثلث الرعب" وذلك لشدة الهلع والذعر الذي أصاب الجنود البريطانيين واليهود في تلك المنطقة.
ومع استشهاد القائد عز الدين القسام في العشرين من شهر تشرين ثاني عام 1935، بات عرب فلسطين مقتنعين بضرورة رفع راية الكفاح الشعبي المسلح، وكان أحد أبرز هؤلاء عبد الرحيم الحاج محمد وقد تعزز ذلك إبان الإضراب الكبير، وما تلاه من خروج للثوار لأعالي الجبال.
بعد أن نجحت الجماهير الفلسطينية في تحقيق الإضراب الشامل خاصة في المدن، أخذت تتحول نحو شكل آخر من النضال يتمثل في الكفاح المسلح وركوب أعالي الجبال، وفي هذه الفترة الممتدة بين 15/4/1936 والأول من أيلول 1936 حيث حضر إلى فلسطين البطل المجاهد القومي فوزي القاوقجي جاءت الترتيبات للعمل على انخراط أبناء الريف في هذه المنطقة مع الثورة وقادتها وليشكلوا رديفا لها ومنها قرية بلعا، وكفر اللبد وارتاح وكفر صور وبيت إمرين ودير الغصون.
وعن هذه الترتيبات التي تمت بين الفلسطينيين والمتطوعين العرب، وكان ملخصها حسبما يذكر سميح حمودة ما يلي:
تقسيم شباب القرى إلى قسمين أحدهما للجهاد والثاني للاحتياط وتبادل الأدوار مع مراعاة أن تفرض الأسلحة على القرية بنسبة عدد رجالها، ويعمل الاحتياط في حراسة الثوار عندما يمرون في قراهم، كما أن القرى تجمع مالا لذوي الشهداء، ويقوم داود الحسيني بجمع العتاد والسلاح والمعلومات عن حركات الجيش البريطاني والبوليس .
إن هذا يعني أن مادة الثورة من الفلاحين والمثقفين الثورين أمثال داود الحسيني ومحمود السخن الذي عمل هو الآخر مساعدا للقائد عبد الرحيم، بينما كان دور قيادة القدس غائبا عن المسرح، ويؤيد داود الحسيني القول بأن المفتي أمين الحسيني كان منشغلا في قضايا ثانوية اعتبرت مضيعة للوقت.
وهذه دلالة أكيدة على أن الثورة ثورة أبناء الريف وكانت بعيدة عن قيادة الأفندية في مدينة القدس كما ذهب إلى ذلك غسان كنفاني وعبد الوهاب الكيالي والمستشرق اليهودي تسفي البليغ والذين اعتبروها ثورة فلاحين.
قام بطلنا عبد الرحيم الحاج محمد ومعه الثوار المغاوير أمثال: عبد الرحمن زيدان، وسعيد بيت إيبا، وعبد الحميد مرداوي بأكثر من هجوم على القوافل والسيارات اليهودية والقوات البريطانية بعد أن توفرت لديهم كميات من البنادق الألمانية والفرنسية والتركية، والذخائر المختلفة التي كانوا يشترونها من سورية ولبنان مقابل أسعار خيالية .
كانت قرية ذنابة مسرحا لأول عملية ثورية قادها البطل عبد الرحيم الحاج محمد، فقد انطلقت أول طلقة من "جبل السيد" في ذنابة مع أوائل صيف عام 1936، ويطل هذا الجبل على الطريق الواصل بين طولكرم ونابلس والذي تعبره القوافل البريطانية واليهودية، نهارا وليلا، كما نشط الثوار بغاراتهم المتكررة على سجن نور شمس حيث وضعت قوات الاحتلال الإنجليزي المناضلون والمواطنون العرب رهن الاعتقال، وقد ساعد عبد الرحيم الحاج محمد في القيادة والتنفيذ كل من الأبطال كامل الحطاب والبطل سليمان أبو خليفة، والبطل إبراهيم العموري، عبد اللطيف أبو جاموس وغيرهم.
وتلا تكرار الهجوم على سجن نور شمس بأيام قلائل، معركة بطولية نادرة بالقرب من قرية بلعا على طريق نابلس ـ طولكرم، وكانت أبرز معارك الثائر عبد الرحيم في هذه الفترة معركة المنطار (لية بلعا)وهي الأولى في 21/6/1936 حيث تمر السيارات في منعطف خطر وتشرف عليه مرتفعات خربة أبو خميش من الجنوب، وقد أشرف عليها عبد الرحيم ونفذها قائد الفصيل إبراهيم العموري، واستمرت لأكثر من 7 ساعات، وقتل فيها أكثر من خمسين جندي، وضابط من الأعداء، وتم إسقاط طائرة وتدمير ثلاث آليات إنجليزية، وقد شكل هذا كله بداية طيبة لسمعة الثورة .
وقد اعترفت المصادر البريطانية بهذه المعركة وذكرت أنها كانت على علم بمخطط الثوار وأنها تمكنت بفضل طائراتها ورشاشاتها من إيقاع الخسائر بالعرب وكانت الخسائر 21 إصابة ـ25 إصابة بينما كانت خسائرها أربع إصابات: قتيل واحد وجريحان بصورة بالغة وجريح واحد بصورة طفيفة.
لقد تلا هذه المعركة البطولية قيام القائد عبد الرحيم الحاج محمد ورفاقه بسلسلة كمائن وهجمات نصبت على الطريق العام وهم ما بين كر ففي10/8/1936م، بعد أن رابطوا في جبال بلعا قرب موقعة " المنطار " على طريق طولكرم عنبتا، دير شرف نابلس، واحتلوا جميع الاستحكامات والخنادق الواقعة بين قرية بلعا ومدينة نابلس .
حضرت القوات البريطانية من تلك المنطقة حتى انهال عليها رصاص الثوار المرابطين، فتعطلت السيارات وتوقفت عن السير، فنزل الإنجليز واختبئوا بين الصخور على مقربة من الطريق، لكن رصاص الثوار كان أسرع من أن يمكنهم من الاحتماء طويلا أو الفرار، فقتل الكثير منهم واتصلوا بمراكزهم، وجاءتهم النجدات المكونة من 25 سيارة عسكرية منها 5 مدرعات بالإضافة إلى غطاء جوي مكون من خمس طائرات، على أن هذا الأمر لم يرهب الثوار الذين ناضلوا بعزم وإيمان حتى غروب الشمس، وانسحب الإنجليز مخلفين خلفهم ستون قتيلا، كما وضع الثوار الألغام في طريق القوات الإنجليزية فانفجر أحد الألغام تحت سيارة إنجليزية مما أدى إلى مقتل ضابط وأربعة جنود.
وتمكن الثوار من الانسحاب وكانت خسائرهم استشهاد أربعة، منهم: الشهيد عبد اللطيف أبو جاموس ابن عم الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد من قرية (ذبابة)، والشهيد أمين حسين علارية من قرية اكتابه، وشهيد ثالث من قرية كفر اللبد، وقد نكل البريطانيون بالشهداء وتم ربط جثث الشهداء الأربعة بمؤخرة إحدى الدبابات التي جرتهم من منطقة بلعا لغاية طولكرم ، وكان هذا شأن بريطانيا بعد كل معركة!

معركة بلعا الثانية 3/9/1936
جاءت هذه المعركة بعد وصول القائد فوزي القاوقجي ومعه المتطوعين من الثوار العرب، وجرت بعد وضع حواجز حجرية على الطريق العام، وكمنوا على جانب الشارع من أعلى جبل المنطار واشترك في التخطيط والتنفيذ القادة الثوريون عربا ومنهم فلسطينيين وسوريين وعراقيين وأبرزهم فوزي وعبد الرحيم، وفي هذه المعركة استخدم الإنجليز الطائرات، وقرروا قصف القرى التي خرج منها الثوار، وقد بدأها الثوار الساعة السادسة والنصف صباحا بضرب قوة بريطانية كانت في طريقها إلى عنبتا وزرعوا الألغام على مسافة طويلة في الطريق، مما أسهم في وقف تقدم النجدات في كلا الاتجاهين وأعاقت وصوله لبلعا لعدة ساعات و فيها تجسدت بطولة عربية وأخذ الإنجليز يقصفون بمدافعهم وطائراتهم وكانت حصيلة المعركة إسقاط طائرتين وقتل جندي مشاة وجرح ضابطين وجنديين وتكبد الثوار العرب عشرون شهيدا، ضموا فلسطينيين وعراقيين وسوريين وأردنيين.
وشاركت بعض فصائل عبد الرحيم في معركة جبع التي خطط لها فوزي القاوقجي، وكذلك معركة بيت إمرين ومعركة كفر صور.
لقد عبرت الجماهير الشعبية عن حماستها للثورة ودور أبطال هذه المعركة، وأنشدت أبياتاً غنائيةً التي أصبحت جزءا من تراثنا الشعبي ومنها البيت التالي.

بين بلعا والمنطار صار إشي عمره ما صار
وبين بلعا والليلة والبارود يدوي دية
وعلى أثر العمليات العسكرية التي قام بها الثوار في مثلث الرعب في زمن الانتداب البريطاني، قامت القوات البريطانية بحملات عسكرية كبيرة لتفتيش المنطقة بحثا عن ثوار ترافقها مدرعات وطائرات، وسيارات عسكرية في قرية بلعا، كفر عبوش كفر بيت أمرين.
كما قامت بهدم بيت الثائر عبد الرحيم الحاج محمد، ومئات المنازل للثوار منهم: فارس العزوني، وعارف عبد الرزاق، حيث نسفت منزل عبد الرحيم الحاج محمد بتاريخ 27/9/1936 لكن الأهالي قاموا ببناء المنزل من جديد، واغتاظت السلطات البريطانية من هذا الالتفاف حول الثائر عبد الرحيم فقامت بنسفه مرة أخرى سنة 1938 كما كانت قريته عرضه للتفتيش والتنكيل والزيارات العسكرية المفاجئة.
علاقة القائد القومي فوزي القاوقجي بالقائد الوطني عبد الرحيم الحاج محمد:
تقاطرت إلى منطقة جبال نابلس، الذي يسمى باسم "جبل النار " بضعة مئات من الثوار المتطوعين العرب والذين قدر عددهم من 300ـ 500 ثائر يقودهم الثائر فوزي القاوقجي في جهاد مقدس اتجه نحو فلسطين، وكانوا سوريين وعراقيين ولبنانيين وأردنيين، وفي يوم 25 آب 1936 كان اجتماعهم جميعا في منطقة جبل جوريش. التقى فوزي القاوقجي بعدد من الثوار الفلسطينيين كان من بينهم : عبد الرحيم الحاج محمد، وفخري عبد الهادي وتوفيق علاري. وعارف عبد الرازق وغيرهم.
شاور القائد فوزي القاوقجي ثوار فلسطين حول أسلوب المعارك الفعال والتخطيط لها واختيار مكان يناسب ديمومة الثورة وتوجهوا إلى بلعا، وكانت هناك معارك شهيرة في قرى بلعا وبيت أمرين، وفي كفر صور.
كما أنه قام بتأسيس محكمة ثورية تكونت من منير الريس رئيسا، ومحمد الأشمر، وعبد الرحيم الحاج محمد وفخري عبد الهادي، وهدفها فرض النظام والعدل بين الناس.
كان من ثمار التعاون المشترك بين المناضلين الفلسطينيين، وفرقة المتطوعين التي يقودها فوزي القاوقجي أن جرى تشكيل لجنة لجمع التبرعات والإعانات بصورة رسمية، وعلى أعلى المستويات، وتضم القائد عارف عبد الرازق (طيبة المثلث) وإبراهيم نصار(عنبتا) وفخري عبد الهادي (عرابة)، وكان عبد الرحيم محمد أحد أعضاء هذه اللجنة وقام فوزي بتقسيم ميدان الثورة الرئيس إلى ثلاث مناطق:
المنطقة الأولى: تمتد شمال طريق طولكرم ـ دير شرف، وغربي دير شرف ـ جنين وجنوبي وادي عارة. وعين فخري عبد الهادي قائدا لهذه المنطقة.
والمنطقة الثانية: جنوبي طريق دير شرف ، طولكرم، وغربي طريق دير شرف ونابلس حتى السهول الغربية، وجعل عليها قائدا عبد الرحيم الحاج محمد (أبو كمال يساعده عارف عبد الرازق (الطيبة).
المنطقة الثالثة وتمتد شرقي طريق جنين ـ نابلس، وكانت بقيادة الشهيد سليمان السعدي الصانوري.
وقد اعترف القائد عبد الرحيم وقادة آخرون للقائد فوزي القاوقجي برئاسته للثورة، والذي أشرف بدوره على معركة المنطار الثانية والتي جرت شمالي الشارع العام بين نابلس وطولكرم بالقرب من قرية بلعا بتاريخ 3/9/1936.
وقد تحدث فوزي القاوقجي في مذكراته عن دور عبد الرحيم الحاج محمد ومساعده عارف عبد الرازق والذي وصفه بأنه مثالا لروح الجندية النظامية بين مجاهدي فلسطين كافة.
وظلت أهمية عبد الرحيم كركن أساس بارز في الثورة حتى بعد خروج فوزي القاوقجي من فلسطين والذي تركه وكيلا عنه وربط الثوار الفلسطينيين بعضهم ببعض، وتأمين احتياجاتهم بواسطة اللجان وللمحافظة على عتادهم وسلاحهم ومراعاة عدم تسربها لليهود.
وقد سجل القاوقجي في مذكراته دور القرى والأشخاص الذين برزوا في معمعان الثورة ومنهم عبد الرحيم الحاج محمد وعارف عبد الرازق وفخري عبد الهادي، وبلعا، وعلار وصانور وغيرهم دون حصر.
وهكذا أصبح الثائر عبد الرحيم في موقع القيادة والمسؤولية التاريخية وقد تمرس في حرب العصابات.
نجحت الثورة في إيقاع الخسائر بالبريطانيين كما أن الإضراب الكبير أقلق مضاجع الإنجليز في وقت تعبت فيه طبقة الملاكين الفلسطينيين من النضال، ثم أن القائد فوزي القاوقجي أخذ يمثل مصدر استقطاب للثوار والجماهير الفلسطينية، عندها أخذت "قيادة الأفندية" ـ قيادة الشعب الفلسطيني حينذاك يبحثون عن وسيلة لوقف الإضراب الكبير، وترافق هذا مع ميل الأنظمة العربية للتوسط ورفع الإحراج عن بريطانيا، وأخيرا تم وقف الإضراب نزولا عند وساطة الزعماء والملوك العرب، ورحبت القيادة الفلسطينية بوقف الإضراب والسير في مساعي وجهود الوساطة العربية وأقرت وقف الإضراب وخروج الثوار والمناضلين والمتطوعين العرب.
غادر فوزي القاوقجي فلسطين في يوم 13/10/ 1936 بعد الإعلان عن وقف الإضراب الذي استمر 176 يوما .
عودة القائد عبد الرحيم إلى فلسطين:
توجه عبد الرحيم الحاج محمد يوم23/11/1936 إلى دمشق خشية الوقوع في أيدي القوات البريطانية التي أعلنت عن تقديم مكافأة كبيرة لمن يقبض عليه وعلى مجموعة من قادة الفصائل الفلسطينية، ولم يكن عبد الرحيم على ثقة بصدق نوايا بريطانيا وجهودها ولهذا أقام صلات مع الحركة الوطنية السورية واللبنانية، واتخذ من قرية قرنايل اللبنانية ومن صديقه نايف هلال وشبابا آخرين منطلقا لإرسال السلاح بانتظار ساعة العودة، وشرع في التحضير لجمع السلاح والمعونات المالية حيث عاد إلى فلسطين في الفترة الواقعة بين نيسان وأيار 1937 حسبما يذكر نمر سرحان وزميله مصطفى كبها في حين جاء في منشور في ذكرى وفاة القائد والمجاهد الكبير أن قضى عاما في سوريا، وقد أوكل للقادة إبراهيم العموري، وإبراهيم نصار وسليمان أبو خليفة، أمور نصب الكمائن وزرع الألغام على الطريق الرئيسية وسكك الحديد لعرقلة حركات الجيش البريطاني وتقييدها، كما أن الثورة تفجرت من جديد بعد فشل جهود لجنة بيل وانحيازها الكامل للبريطانيين واليهود.
وقد ثبت أن إحساس الثائر عبد الرحيم كان في محله حيث أعلن وزير المستعمرات غداة وصول لجنة بيل (لجنة التحقيق الملكية ) أن وقف الهجرة اليهودية لا مبرر له ومعلنا تحديد جدول هجرة لستة شهور قادمة، مما حمل أبناء فلسطين على مقاطعة اللجنة، وقد عرفوا تسويف بريطانيا ومماطلتها.
وصل القائد عبد الرحيم إلى قرية النزلة الشرقية التي جعلها مركز قيادته، وبدأ يجمع صفوف الثوار ويدعو المواطنين إلى حمل السلاح ويشرف بنفسه على تدريب الرجال من أبناء القرى المتحمسين للثورة وقاموا بعمليات أقلقت راحة الإنجليز.
عندها قرروا قتله بأي ثمن وجندوا عملائهم وجواسيسهم لهذه الغاية كما ترصدوا حركاته ومن معه، ونجح في إفشال عدة محاولات لاغتياله من قبل عملاء وجواسيس السلطة البريطانية وكان من أبرزها الكمين الذي اعد له وهو يقوم بجولة اعتيادية بين جنين وطولكرم، حين فوجئ بحركة غريبة فأمر رفاقه أن يتوزعوا ودارت معركة عنيفة بينهم وبين القوة البريطانية المهاجمة استمرت عدة ساعات، وأظهر فيها عبد الرحيم ألوانا من البطولة وأعمالا تبعث على الفخر والاعتزاز، وأصيب الثائر بجرح بليغ في ذراعه ونجا من الأسر بعد أن جاءت فزعات من الثوار التي نجحت في فك الطوق عنه ونقل إلى مغارة للعلاج وقام بتضميد جراحه الدكتور فؤاد دعدس، ولم يتراجع عن تقديم التعليمات للمجاهدين.
وقد استعان بخيرة المجاهدين ومنهم: عارف عبد الرازق، ويوسف أبو درة، والشيخ عبد الفتاح المزرعاوي ومحمد الصالح أبو خالد، وعبد الله الطه، وحمد زواتا، وفارس العزوني، وعبد الله الأسعد، وغيرهم .
كما أن عبد الرحيم حرص على استشارة المثقفين أمثال الشاعر عبد الرحيم محمود ومحمود السخن.
وبدأ تقسيم الثوار على سرايا وألوية بأسماء قادة بارزين في تاريخ العروبة والإسلام، ومنها: العاصفة، والرعد القاصف، والعراق، وخالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقاص، الزلازل وغيره.
ووجه دعوته للشباب العربي تحت عنوان "يا شباب العرب" مذكرا بأهمية الثورة على الظلم والاستبداد التي مارستها بريطانيا لإخراج الشباب العربي من بلاده وتشتيته، وهو يشجعهم على ترك الجبن والخنوع والتردد وإلا سيكون حالهم أكثر تعاسة وشقاء، وإلا سيكون حالهم حال المهاجر الباكي على فراق وطنه، ومشددا على الظلم والجور الواقع على بلاده وتشتيت زعماء البلاد، ومرحبا بالشباب المتحمس أصحاب النخوة الذين يرمون للتحرر من العبودية والظلم.
كان من نتائج اشتداد الثورة وزيادة لهيب نيرانها أن الإنجليز أصدروا بلاغا باسم المندوب السامي يقدم فيها مكافأة مالية للقبض على قائمة من الثوار شملت 22 ثائرا وتراوحت بين مائة وخمسمائة جنيها وعشرة آلاف جنيها لمن يدل على قاتل أو قتلة المستر أندروز حاكم لواء الجليل.
وأنشأ عبد الرحيم المحاكم الثورية للشعب بدل المحاكم الإنجليزية وعين لها قضاة كان أشهرهم بشير إبراهيم من قرية زيتا، طولكرم، وجمع هذا الرجل بين دور القاضي والثائر ورجل الإصلاح الذي يصلح بين الناس العاديين وأيضا بين قادة الثورة، وكان إخلاصه بمستوى إخلاص عبد الرحيم، وكانت تجري المحاكمات ليلا أو في محل تجاري ليشهد الناس على ما يجري، ونادرا في العراء المكشوف على بيادر القرى وفي ميادين التجمعات. وكانت قراراته أحيانا أكبر من قدرة الفصيل في المنطقة ويحترمها قادة الفصائل وربما تشكل لجنة قضائية من قادة الفصائل.
الفصائل التابعة لعبد الرحيم الحاج محمد:
وصل عدد الفصائل تحت إمرته إلى ثلاثة عشر فصيلا وانخفض العدد في عام 1937 إلى ثمانية فصائل ثم عاد وارتفع عددها إلى اثني عشر فصيلا تراوح عدد الثوار فيها من 200 ـ 400 ثائر منظم، ويتبعه محمد الصالح الحمد، وعبد الله الطه من قرية سيلة الظهر، وإبراهيم العموري (أبو جاسر) من قرية ارتاح، ومحمود إسماعيل البريمي (أبو فتحي) من قرية كفر اللبد، وجميل خضر من الرامة، وعبد الحميد مرداوي من بيت أمرين والأصل من قرية (مردة)، وسليمان أبو خليفة (أبو فارس) من وادي الحوارث، جميل خنفر ـ الرامة ويسكن في سيلة الظهر، ومصطفى الأسطة من نابلس، وعبد الله الحادر من دير الغصون، وعبد الله الأسعد من عتيل، والعبد الصادق من عتيل. وسعيد سليم من بيت ايبا، والملقب سعيد بيت ايبا. وخالد الحامد من عتيل وعبد اللطيف كعوش من طولكرم ويطلق عليه رئيس الحرس القيادي، وفصيل عطية، ومصطفى الأسطة من نابلس، كفر اللبد، وعبد الله الطه من سيلة الظهر، وعبد القادر الصادق، ويقدرهم رجل المخابرات الصهيوني عزرا دنين بـ 163 ثائرا، وأرى أن هذا غير صحيح إذ أن العدد يفوق المائتين كما ظهر من خلال المقابلات وكتاب فيصل عارف عن أبيه.
ويظهر من خلال رسائل الشهيد التي نشرتها المراجع العربية والكاتب الصهيوني عزرا دنين وروايات الذين قابلتهم أن الشهيد أقام علاقاته وتعهد بالرعاية مجموعة من قادة الفصائل في جنوب فلسطين ومنهم: عبد الحليم الجيلاني في الخليل وإبراهيم الصانع في منطقة بئر السبع، و توفيق الصايغ في غزة، وكان حريصا على إظهار أهمية التنسيق والوحدة الوطنية، والتعاون حيث يطلب من القائد عبد الحليم الجيلاني أن يرسل له سلاحا مما غنمه بعد احتلال مدينة بئر السبع ولم يميز بين مسيحي ومسلم، وهو صاحب الشعار القائل في منشوراته "الوطن فوق الجميع".
كانت للشهيد عبد الرحيم دائرة من المؤيدين في قرى ومدن عديدة من فلسطين وخاصة في قرية رامين الذين شكل منهم مجموعة كانت أشبه ما يكون بالحرس الثوري، وقد وجدت أن للثائر صورا عديدة احتفظ بها بعض أصحابه في كفر قدوم.
ولم تقتصر علاقة الثائر عبد الرحيم بالمدنيين بل أنها طالت العسكريين والعاملين في الشرطة الإضافية في الجيش البريطاني، حيث أمدوه بالمعلومات عن تحركات الجيش ومن أبرزهم المقدم رشيد عبد الفتاح، حتى أن بعض العاملين بالبوليس نهبوا السلاح والخيل من مركز البريطانيين والتحقوا بالقائد عبد الرحيم.
دور عبد الرحيم الحاج محمد في الجهاد وتنظيم العمل الثوري:
كان عبد الرحيم الحاج محمد يعمل بجهود حثيثة لتوحيد صفوف الثوار وتنظيم شؤونهم، وتجنيب الثورة ما أمكن أي منزلقات وأخطار وقع فيها ثوار فلسطين في عدة مناطق، وتشير الدراسة التي قام بها الباحث إلى أن بعض المحسوبين على القائد عارف عبد الرزاق قد أساءوا للثورة كثيرا ببعض الأخطاء التي ارتكبت وجمع الإعانات المالية وجبايتها على حساب التبرع للثورة وجرى توظيف القوة والبطش والشدة ، واغتيال أشخاص وطنيين بتهمة العمالة، ونجاح المشبوهين في التسلل إلى أوساطهم ومنهم :الحاج مسعود والحاج محمد اليمني والحاج محمد المسلم، وتشير عدة مرويات إلى أنهم يهود مستعربين دخلوا صفوفا الثورة وقد تعرضت للتشويه بسببهم، إلى جانب الاختلاف حول الصلاحيات والمسؤوليات بين القائدين عبد الرحيم الحاج محمد وعارف عبد الرازق وانحياز العائلات الفلسطينية لهما على حساب الآخر، حتى أن الصحف البريطانية وإذاعاتها صارت تتحدث عن هذا الخلاف، ومثلها الصحافة العربية، ولكن الثائر عبد الرحيم نفى وجود خلافات وظل يحاول توحيد جهود الثورة، وتجنيبها دسائس البريطانيين والاستقلال في مناطقهم .
و دفع القائد زميله في النضال الشهيد القائد محمد الصالح (أبو خالد) للتوسط بينه وبين زميله في السلاح القائد عارف عبد الرزاق وأثمرت الجهود في عقد لقاء في مؤتمر دير غسانة من قرى رام الله في أواسط عام 1939من أجل التباحث في شؤون الثورة وضع حد للمشكلات التي بدأت تأخذ أبعادا خطيرة في أوساط الثوار، وأهمها تعدد ألقاب القائد العام والخلاف على مناطق السيطرة والاغتيالات السياسية باسم الثورة وتأثرها بالخلافات العائلية بين أبناء القرى، وكبار كالتجار في المدن وأبناء القرى بجمع الإعانات والإتاوات ولعبت المعارضة المأجورة لحساب البريطانيين دوراً سلبياً فيها، وأشارت الكتب والصحف اليهودية والبريطانية إلى شرخ عميق بين صفوف الثوار.
نظم مؤتمر المصالحة الذي دعي باسم "مؤتمر دير غسانة" حضره جمع كبير من قادة الثورة الفلسطينية وفصائلها المناضلة خاصة في وسط فلسطين ومنهم: عبد القادر الحسيني قائد منطقة القدس، وعبد الحليم الجيلاني قائد منطقة الخليل. والشيخ عبد الفتاح المزرعاوي قائد منطقة رام الله، وفصائل عارف عبد الرازق، وفصائل تابعة للقائد عبد الرحيم الحاج محمد.
كان القائد عبد الرحيم مهتما بتحقيق نجاحات في المؤتمر لمصلحة الثورة المقدسة، ونشر بيانا باسم مجلس قيادة الثورة في فلسطين بدأه بآية "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" وفيه استعرض الإشاعات المغرضة بسمعة الثورة وهدد مروجيها بالعقاب وأن محاولاتهم تهدف لخلق الشقاق والنفاق. مبينا أن الجميع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
ورغم ذلك استنتج الباحث أن أزمة قيادة ظهرت بين الثوار، وأن خطاب عبد الرحيم كان خطابا مسئولا يهدف إلى وضع حد مدركا لخطورة الإشاعة في الحرب النفسية وتأثيرها على دعم والتفاف الجماهير حول الثورة.
وكان من نتائج المؤتمر عقد مصالحة بين الفريقين، وخاصة عبد الرحيم وعارف حيث تكللت جهود المؤتمرين بالنجاح، واتفق على تشكيل مجلس قيادة ثورة مكون من عارف عبد الرزاق، وعبد الرحيم الحاج محمد، وحسن سلامة، ويوسف أبو درة، ومحمد الصالح "أبو خالد"، واتفقوا على تشكيل قيادة مجلس الثورة وممارسة موقع القائد العام بالتناوب الدوري، واتفقا على خطوط الأعمال الحربية الرئيسة، وتصالح الأخوين عبد الرحيم وعارف وتناول الثوار طعام العشاء في القرية حيث أرادوا قضاء ليلتهم، وفي منتصف تلك الليلة شاهد الحراس من رجال الثورة قوات إنجليزية كبيرة تحاول محاصرة القرية مدعمة بالطائرات الحربية، وحدث اشتباك بين العدو البريطاني والثوار، وقد جاء في منشور الثورة.
بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس القيادة العامة للثورة العربية في فلسطين
21 رجب 1357 هـ ، 15/9/1938
نصر من الله وفتح مبين
قررت القيادة العامة في سوريا الجنوبية باستعراض استكشافي في المنطقة فذهب عدد كبير من قادة الفصائل والفرق المنظمة يمتطون الخيول العربية، بعد أن تجولوا في عدة أماكن وذلك للتنظيم والترتيب والتعارف والتآلف بين المجاهدين.
وفي يوم الخميس الموافق 20 رجب 1357 هـ الموافق 15 /9/ 1938 وبالقرب من قرية بيت ريما ودير غسانة، تقدم جيش العدو المستعمر إلى تلك الجهات لتطويقها فأرسل الطائرات لاستكشاف مع العلم أن العدو يعلم بمكان جيوشنا الجرارة، ولكن لما علم بتنظيم فرقنا المجاهدة تنظيما عسكريا تراجع عن مجابهتنا واكتفى بإرسال نجدة جوية مشكلة من اثنتي عشرة طائرة فما كان من جنودنا البواسل إلا أن أطلقوا نيران بنادقهم ورشاشاتهم على طائرات العدو فحمي وطيس المعركة وتمكن المجاهدون خلالها من إسقاط طائرتين وقتل من فيهما وأصيب بقية الطائرات بإصابات مختلفة مما اضطرها أخيرا للانهزام، وكانت خسارتهم الفادحة أما خسارتنا فشهيد وإصابة اثنين بجراح بسيطة وقتل أربعة رؤوس من الخيل، هذا ولا صحة لما أذاعته الحكومة البريطانية من إصابة عدد كبير من المجاهدين، ومما هو جدير الذكر أن جنودنا البواسل أظهروا في هذه المعركة بطولة منقطعة النظير بينما كانت تسمع الأهازيج والأناشيد الوطنية أثناء المعركة من بعيد وتعلن القيادة أسفها الشديد من الأعمال البربرية التي ارتكبها الإنجليز مع الأهالي من قتل الأبرياء الآمنين لما عجزوا عن ملاقاتنا .
هذا والوطن فوق الجميع(8)
المجاهد الصغير
عبد الرحيم الحاج محمد
وفي هذه الثورة خسرت قائدا مهما لعب دورا في عقد المؤتمر والصلح والمعروف بنزاهته وطيبته إنه الثائر المجاهد محمد الصالح أبو خالد والذي أصدر بشأنه المنشور التالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
ديوان الثورة العربية الكبرى
في سورية الجنوبية(فلسطين)
24 رجب 1357ه
قال تعالى: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون".
يأسف ديوان الثورة العربية الكبرى أشد الأسف أن ينعي إلى الأمة العربية المجاهد الكبير السيد محمد الصالح والمشهور بأبي خالد ابن الثورة البكر فقد كان رحمه الله رحمة واسعة ركنا حصينا من أركانها وسيفا سله الله على أعداء الأمة عظيما.
فقد خرج المرحوم للجهاد في سبيل الله فجاهد حق جهاده، وبقي كذلك يكافح الاستعمار ويقارع الظلم إلى أن حانت منيته في 21 رجب سنة 1357ه في المعركة التي دارت رحاها في الجهة الجنوبية بين جنود الحق وأعوان الباطل فقاوم مقاومة الأبطال بين التكبير والتهليل حتى قضى نحبه بعد أن أدى ما يجب على نحو أمته وبلاده أيضا ولذلك فإن ديوان الثورة العربية الكبرى يعلن للشعب العربي الفلسطيني الإضراب العام وذلك يوم الجمعة فقط الموافق 28 رجب 1357هـ حدادا عليه وتقديرا لخدماته وحسن بلائه ونسأل الله أن يلهمنا بالصبر وان يعوض الله أخيرا(9)
المجاهد الصغير
عبد الرحيم الحاج محمد
علاقة القائد عبد الرحيم بالقيادة والجماهير
يصف كبار السن والرواة الذين قابلناهم في أماكن مختلفة أن عبد الرحيم كان موصوفا بحكمته واعتداله، وسعة صدره وعدم تسرعه في الحكم، وابتعد عن التدخل في المسائل الشخصية التافهة، وحصر جهوده في الإخلاص للوطن وعدم الطمع في منصب أو جاه سياسي، ويشير العارفون وكبار السن في حينه أن عبد الرحيم كان أكثر إخلاصا من غيره من الثوار، وكان حريصا على الابتعاد عن قضايا الاغتيال السياسي أو اللصوصية التي شوه بها بعض الثوار وجه الثورة حتى وصفها الأعداء والمعارضون بالتمرد والشغب واللصوصية والسلب والنهب.
وكان يرى أن الاغتيالات السياسية شيء يبعث الفساد في البلاد، ويسيء إلى أهداف الثورة المقدسة، وجدنا عبد الرحيم يشن حربه الشعواء على الذين جمعوا المال، وبأختام مزورة، وباسم الثورة، وفي هذا تضليل وأيما تضليل ودس وافتراء على الثورة والثوار، ويظهر ذلك من خلال منشورات وزعت باسم ديوان الثورة العربية، ويشهد عدد من الكتاب اليهود والأجانب على نظافة يده وتواضعه وأنه أفضل نموذج من بين قادة فصائل الثورة حتى كانوا منحازين للفكر الصهيوني لم يجدوا شيء يشوهون به الثائر غير القول أنه أفلس في تجارته وصار مطلوبا للحكومة البريطانية ولم يجد غير اللجوء للثورة للتخلص من إفلاسه وسجنه مع أنها كانت واحدة من الأكاذيب والدعايات الملفقة.
حاول عبد الرحيم ما أمكنه الجهد تجنيب الثورة، سوء تصرفات البعض، وفرق بين نضال شعبنا ضد الصهيونية كحركة عنصرية لا ضد الديانة اليهودية مستلهما روح التسامح الإسلامي، ومن القصص المشهورة في تاريخه النضالي، أن الثوار قبضوا على مهندس يهودي وبعد أن بحثت محكمة الثورة في شؤونه، أمر ديوان الثورة العربية الكبرى لفلسطين بإطلاق سراح اليهودي الذي ثبت عدم انتمائه للحركة الصهيونية، أو مناصرته لأفكارها، وهو ما ثبت نصه في المنشور التالي:
القيادة العامة للثورة العربية بفلسطين
26 جمادي الثانية 57هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان إلى الأمة العربية الكريمة
لقد أسر مجاهدو فيصل الزلزال على طول طريق حيفا، يافا المهندس اليهودي (جيشو دفنا) وفي الجلسة المنعقدة في تاريخ 18/8/38 قررت هيئة محكمة فصيل الزلازل إعدام هذا الشخص رميا بالرصاص مع إعطائه حقا باستئناف هذا الحكم إلى المحكمة الثورية العليا.
وعند طلبه الاستئناف إلى المحكمة المذكورة التي تشكلها القيادة وأركان حربها وبعد سماع أقواله وأقوال كثير من الشهود قررت المحكمة ما يأتي:
1. وبما أن شهودا عرب موثوقين قد شهدوا لصالح جيشو دفنا المذكور.
2. وبما أنه لم يعترف أنه يعتنق فكرة الصهيونية التي نكرهها ونحاربها.
3. بما أن قتله يسبب كوارث وآلام لأطفاله الصغار.
4. وبما أن محكمة القيادة تأخذ بقول العرب الشهير "العفو عند المقدرة"
5. وبما أنها تعتبره أسيرا يجب أن لا يؤذي.
لكل هذه الدلائل وملابستها حكمت القيادة الحكم التالي:
1. إطلاق سراح الأسير المذكور وعدم قبول الفدية التي عرضها الأسير نفسه ومقدارها ألف جنيه ليكون هذا دليلا على أن الثورة أوجدت لغاية عليها تتنزه عن المادية الخسيسة.
2. صرف خمسة جنيهات من خزانة الثورة وملابس عربية لهذا الأسير وإرجاعه إلى مقره بسلام.
3. تكليف لجنة النشر بإعلان هذا الحكم وحيثياته على أناس ليعلموا أن العرب نبلاء في كل أفعالهم وأنه من أعدائهم كما قال الشاعر:
وحللتمو قتل الأسرى غدونا عل السرى نمن ونصفح
ويكفيكمو هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح
المجاهد الصغير
عبد الرحيم الحاج محمد.
ومع أن عبد الرحيم بقي يعاني من ديونه بالأموال طيلة سنوات الثورة، وحتى مماته بسبب خسارته في تجارته، إلا أنه رفض رفضا قاطعا أن يتقاضى مليما واحدا لإعالة أولاده على حساب الثورة أو سداد دينه على نفقة الثورة بل باع أرضه لسداد ديونه وكانت تعيل أسرته من قبل أخوته وشقيقاته، لا على حساب الثورة وظل أبو كمال أرملا إلى ساعة استشهاده.
أما علاقته بالمفتي فقد اعتبره الزعيم الأوحد وفي أكثر من بيان تناول هذه المسألة، وكان عبد الرحيم موضع ثقة المفتي، لكنه اختلف معه في وجهات النظر، وفي أكثر من مكان قال عبد الرحيم أنه يقاتل من أجل الوطن لا من أجل القيادات، حيث كان يريد القتال حتى النهاية بينما كان المفتي يرهن جهوده تارة بالتهدئة والجهود السلمية مع بريطانيا، وهكذا آمن بالقتال حتى النهاية، وقبل وفاته التقى بالمفتي في بيروت وشكا الاغتيالات السياسية التي باتت تنهك البلاد.
ضعفت الثورة منذ أواخر عام 1938، وأخذت تتآكل من داخلها في عام 1939، حيث ازداد العملاء والجواسيس المؤيدين للإنجليز، وضاعف البريطانيون اضطهادهم للثوار وحل الإرهاق والتعب بالجماهير الشعبية، ونجح الإنجليز في استخدام أساليب قمعية حديثة، وخطط عسكرية جهنمية مبتكرة، سواء باستخدام سلاح الطيران لقصف تجمعات ومواقع الثوار، أو بفرض مختلف أشكال الحصار، وحظر التجوال لعدة أيام، أو استخدام أساليب التجسس بالاغتيال لقادة الفصائل، ودس المشبوهين والعملاء في صفوف الثورة للقيام بالاغتيال والقتل والنهب والسرقة باسمها، وتنامي الاحتراب السياسي والحمائلي بين الحزبين الرئيسين حزب آل النشاشيبي وحزب آل الحسيني وانعكس سلبا على عناصر وقيادات الحركة الوطنية الفلسطينية، وتشكيل (عصابات السلام) وهي فصائل عميلة للبريطانيين وتعادي الثورة وتتخذ خطة مضادة وممارسات للإجهاز عليها والتي أدارها فخري عبد الهادي الذي انتقل من خندق الثورة إلى خندق الثورة المضادة، والذي وجدت فيه بريطانيا ومعه فخري النشاشيبي خير قيادة للركوب، وقد استمر دعمه بضعة شهور ثم سحبوا منه سلاحه، هذا ناهيك عن التقاء الظرف الدولي والتحالف بين بريطانيا وفرنسا في الحرب العالمية الثانية.
أثر استشهاده في نفوس أبناء فلسطين:
توجه عبد الرحيم في أوائل عام 1939 إلى دمشق للتباحث مع القيادة السياسية الفلسطينية فيها حول شؤون الثورة، وكان مراقبا من قبل السلطات الفرنسية حتى أنها خططت للقبض عليه كما أوردت بعض التقارير البريطانية، والتقى فيها بقادة اللجنة المركزية للجهاد ومنهم: محمد عزة دروزة وداود الحسيني وسليم أبو لبن، وشرح لهم الأحوال في فلسطين وقرر الرجوع من سوريا إلى فلسطين في آذار 1939 ونام ليلته في صانور عند صديقه كامل الحسين.
حدثني الثائر أسعد قاسم من قرية عسلة أن الدكتور داود الحسيني لم يكن متحمسا لرجوع الثائر عبد الرحيم وأدرك المخاطر الجمة التي تنتظر قيادة الثورة، حتى أنه وصف طريقا أخرى لأسعد القاسم منبها للمخاطر التي تحيط بعبد الرحيم واستهدافه من قبل الإنجليز وعملائهم في فلسطين.
وفي رأي الباحث أن داود كان يعلم أن عبد الرحيم معروفا للجميع بينما كان أسعد غير مغمور ومن الصف الأخير في الثورة.
وصلت وشايات للبريطانيين عن قدوم القائد عبد الرحيم إلى فلسطين، ويظهر أن عملاء الإنجليز، وبعض الحاقدين من العائلات الفلسطينية كانوا له بالمرصاد. والذين اتهموه بأنه كان وراء اغتيال شخصين في منطقة جنين هما محمد وأحمد أرشيد المعروفين بوطنيتهما، ومع أن الشهيد كان نظيفا من هذه الأعمال وأنكر علاقته وصلته بها ولكن الدس والتخريب طاله هو الآخر ولم يسلم منه.
راقب هؤلاء قدومه إلى صانور التي كانت غير بعيدة عن قرية الكفير القريبة. سارع العملاء بالوشاية عنه، ولم تكن المرة الأولى التي يشي فيها العملاء والجواسيس عنه، ورغم ذلك عملت القوات البريطانية على قاعدة أنه قد يصح الخبر هذه المرة، فأرسلت قوة كبيرة ورأت في حصاره والقبض عليه أو القضاء عليه فرصة لا تعوض خاصة وأنه رأس الثورة المسلحة ويشكل رمزا مهما من رموزها.
وقامت بفرض ثلاثة أطواق عسكرية على قرية صانور في منطقة جنين وتقدرهم بعض الروايات والمراجع بثلاثة آلاف جندي. صلى القائد عبد الرحيم صلاة الصبح وبلغه خبر الحصار وحاول الفكاك منه، حيث ركب فرسه وأرخى لجامها محاولاً اختراق الحصار في سهل القرية الذي كان مزروعا بالقمح إلا أن البريطانيين عاجلوه بإطلاق النار عليه، فخر شهيدا في صانور ومعه رفيقه في السلاح سليمان خليفة. بينما نجح رفيقه سعيد سليم باختراق الحصار بعد أن قذف بعباءته على محاصيل القمح فأصلوها نارا وقد ظنوا أنه أصيب، وقد بعث موته الحزن العميق في جميع أنحاء فلسطين، وبموته ضعفت الثورة، وأصابها الوهن، وعجز خليفته الثائر أحمد أبو بكر أن يسد الفراغ الذي نشأ في الثورة.
ترك الثائر الشهيد وراءه أربعة أبناء وهم: كمال وجواد وعبد الكريم وجودت وكان أرملا منذ عام 1934ولم يتزوج بعد وفاته.
وقد جاء في ذكرى وفاته أنه تحين الفرص للجهاد منذ شهر آذار 1936، وكان يرأس نواة من الشباب المستعد للتضحية والفداء وأصبحت نواة فصيله واستكمل جهاده مع القاوقجي وعندما خرج من البلاد أواخر سنة 1936 كان موضع تكريم أهل البلد، وفي واحدة أصيب بجراح بليغة ومكث شهرا يتطبب في الجبال والكهوف، وفي سنة 1939 استدعي من قبل زملائه لرسم الخطط للثورة وعاد لميدان الجهاد مملوءا بالحماسة وعرج على صانور وبات ليلة فيها مع بعض أعوانه وتوضأ وصلى الصبح وأنبأوه عن وجود طوق، تمنطق بسلاحه وركب جواده مخترقا نطاق الجمع، وكان معه سعيد بيت ايبا وسليمان خليفة واستشهد عبد الرحيم وأدى له العدو البريطاني تحية عسكرية، وحذر الجميع نقل جثمانه إلى بلدته وأمرهم بدفنه في الحال، ولكن المجاهدين لم يعبأوا ونقلوه إلى بلدته ذنابة.
وقد أوصى الملك غازي ملك العراق برعاية أبنائه وكان وثيق الصلة به ويتلقى منه النصح والإرشاد، ولم يمض على استشهاد الفقيد أسبوعين حتى وقعت الكارثة للملك غازي فقضت على حياته، ترك الفقيد أربعة أشبال اثنان منهم في الصفوف العليا في كلية روضة المعارف الوطنية والثالث في مدرسة الصناعة في مصر والرابع وأصغرهم سنا في كلية النجاح الوطنية.
كان نبأ استشهاده علامة حزن كبرى في فلسطين. أضربت البلاد وأغلقت الحوانيت، وتوقفت حركة السير وصدرت الصحف مجللة بالسواد، مما دفع السلطات لإعلان تحذيري في يوم 29/3/1939، وتحدى الناس وأعلنت حالة الطوارئ في يافا.
وقد ترجم المرحوم يوسف حنا عن الضابط البريطاني جيفري مورتن عن الوشايات التي كانت تصل له عن الثوار والإخباريات الكاذبة ولكنه كان مهتما بها حتى يقبض على عبد الرحيم وغيره حتى لو كانت واحد بالمائة، وقد وصفه بمكانته وأخلاقه عند الشعب وأن الرجل كان مؤمنا وقد دلته التحريات أنه يقضي ليلته في قرية أخرى غير صانور وكان مهتما بنفسه بملاحقته ولكن الرواية الكاذبة منعته من القبض عليه وقتله الجيش في صانور، ولم يكد يسمع الخبر حتى حضر عدد من الجنرالات الإنجليز ذوي الرتب الرفيعة لمشاهدته والتيقن من صحة الخبر.
أشادت الصحف الفلسطينية بمناقب الشهيد وأعلنت مختلف الجاليات وأعلنت الطائفة الأرثوذكسية حدادها وبدت غزة حزينة، وشاركت الجاليات الأجنبية الألمانية واليونانية وأعلنت حدادها، واهتزت طولكرم للنبأ العظيم وأضربت إضرابا شاملا وظهر الوجوم على محياهم.
ويذكر أكرم زعيتر جليل أعمال الثائر الذي كان محبوبا ومخلصا وتطرق للروايات والإخباريات والوشايات وتفاصيل الاصطدام مع القوة البريطانية، ويلاحظ أن السلطة لقبت الشهيد بالزعيم المعروف، وأن قائدا في الجيش البريطاني وقف أمام جثمانه الطاهر مع قسم من جنوده وأدوا التحية العسكرية له.
وقد صدرت بيانات النعي من إخوانه في مجلس قيادة الثورة ومن القائد عارف عبد الرازق، "في ذمة الخلود أخا حبيبا وكبيرا... لقد قضى الليث ولكن العرين سيخرج ليوثا، لا يخيفهم الموت، ولا تردهم المصاعب..." أما المجاهد عبد الحميد المرداوي فقد رثاه بأبيات شعرية وكلمات نثرية رقيقة ونقتطف منها:
شجرة الأرض تسقى بالماء وشجرة الاستقلال تسقى بالدماء
أبكي عليك وما أعز من البكا وأنوح إذ ناح الحمام وأسجع
مني السلام عليك ما هب الصبا يا نخبة الزعماء أنت الأروع
يا سيد الشهداء، قل لي يا أبا كمال ماذا دهاك وماذا حل بك يا خير ما نفديه أجل أيتها الروح الطاهرة، إنك تنادينا فلبيك لما توحيه إلينا للقضاء على الخونة اللئام على تلك الذرة المنحطة المرتشية بالدينار الإنجليزي المزيف الملطخ بالعار المغموس بدم الشهداء الأبرياء وضحايا الاستعمار الغاشم...".
ورثاه الشهيد عبد الرحيم محمود ونقتطف من درر شعره:
إذا أنشدت يوفيك نشيدي حقك الواجب يا خير شهيد
لا يحيط الشعر فيما فيك من خلق زاك ومن عزم شديد
أما الشاعر برهان الدين العبوشي فقد رثاه ومما قال:
عبد الرحيم أما علمت مكانه يا دهر فهو بنا كصحب محمد
يا قائد الثوار يوم كريهة أشعلت للهيجا لظى لم تخمد
وزرت قبره في قرية ذنابة عام 1986
ومما كتب على قبره:
يا زائرا لأبي كمال في الثرى عبد الرحيم ضحية الأوطان
أدع الإله له بقلب مخلص واقرأ له ما شئت من قرآن
مات عبد الرحيم وبقيت ذكراه راسخة في التاريخ الفلسطيني كرمز كفاحي مقاوم وشريف جمع بين الدين والوطنية والقومية وكان درسا في الأخلاق وعنوانا للوطنية الصادقة التي لا تشوبها شوائب رحم الله الشهيد وأسكنه فسيح جنانه وإنا لله وإنا إليه راجعون.
المصادر والمراجع:
الكتب:
ـ بهجت أبو غربية، مذكرات المناضل بهجت أبو غربية 1916ـ 1949 في خضم النضال العربي الفلسطيني، مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
ـ حسني أدهم جرار، شعب فلسطين أمام التآمر البريطاني والكيد الصهيوني 1920ـ 1939، دار الفرقان، عمان، الأردن.
ـ حسن صالح عثمان، فلسطين في سيرة البطل عبد الحليم الجيلاني، ط2، جمعية العنقاء الثقافية، الخليل2002
ـ زياد عودة، عبد الرحيم الحاج محمد بطل ...وثورة، الوكالة العربية للتوزيع والنشر، 1984
ـ نمر محمد سرحان، ومصطفى داوود كبها، بشير إبراهيم، القاضي والثائر في ثورة 1936ـ 1939
ـ يوسف رجب الرضيعي، ثورة 1936 في فلسطين دراسة عسكرية، منشورات شمس، 1982ط.
ـ مصطفى داوود كبها، ثورة 1936الكبرى دوافعها وانعكاساتها، نيسان 1988 ط1
ـ عزرا دنين، شخصيات ووثائق بالعبرية، 1944
الحوليات والبيانات
ـ بيانات ومنشورات الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد ويحتفظ الباحث بعشرة منها، ووردت في كتب أخرى.
ـ حوليات القدس، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الدكتور سميح حمودة، أوراق داود الحسيني: جوانب مستترة من النضال الفلسطيني في فترة الانتداب.
ـ مجلة الجليل، مقال من إعداد عبد العزيز أمين عرار، التي حررها ماهر دسوقي في رام الله صدرت لمرة واحدة عام 1994.
المقابلات:
ـ مقابلات ميدانية وشفوية: اللقاء مع ابنه كمال عبد الرحيم في قرية ذنابة عام 1986.
ـ اللقاء مع الشيخ عبد الفتاح المزرعاوي قائد منطقة رام الله في ثورة 1936ـ 1939في عام 1994 .
ـ اللقاء مع المرحوم أسعد القاسم من قرية عسلة رفيق الثائر فارس العزوني في عام 1998
ـ اللقاء مع فيصل عارف عبد الرازق في قرية الطيبة 1986
ـ اللقاء مع المرحوم محمود أسعد الخطيب في كفر ثلث 1985
المؤلف في سطور
ـ عبد العزيز أمين موسى عرار .
ـ مواليد بلدة كفر ثلث /محافظة قلقيلية 27/11/ 1957
ـ رب أسرة مكونة من 8أفراد.
ـ التحق بجامعة بيرزيت وتخرج فيها عام 1986 .
ـ حصل على شهادة الماجستير في جامعة النجاح الوطنية 13/6/2001
الأعمال والوظائف:
ـ عمل في صحيفة الموقف المحتجبة لمدة ست شهور، وكتب في العديد من المجلات والصحف العربية والفلسطينية.
ـ عمل مديراً للمركز القومي للدراسات والإعلام في رام الله عام 1993، وباحثا غير متفرغ في مركز الدراسات والتوثيق في جامعة بيرزيت.
ـ التحق بسلك التربية والتعليم في 1/9/ 1994 وعمل معلما لمادة الاجتماعيات.
ـ حصل على شهادة الماجستير في جامعة النجاح الوطنية 13/6/2001
ـ عين مشرفا لمادة التاريخ في محافظة قلقيلية في عام2003
المؤلفات والأبحاث:
ـ شارك وألف وكتب عددا من المؤلفات والدراسات والأبحاث منها:
ـ إصدار كتاب حرب الكرامة العربية عام1983، عن مطبعة جمعية العمال التعاونية في نابلس.
ـ إصدار كتاب القرية الفلسطينية بين المتحول والثابت، عن دار القلم في رام الله 1985.
ـ نشر كتاب السياسة العربية والمسألة الفلسطينية، عن مطبعة الوحدة 1986 ـ نشر كتاب بعض حقول الفكر عند القائد صدام حسين، عن مركز الدراسات القومية في مدينة رام الله، عام 1993
ـ إصدار كتاب قرية بيت جبرين رقم 23من سلسلة القرى الفلسطينية المدمرة عن مركز توثيق الأبحاث جامعة بيرزيت، عام .1995
ـ نشر كتاب حزب البعث لعربي الاشتراكي في فلسطين ودوره في الحركة الوطنية لفلسطينية 1948ـ 1982، المركز القومي الأعلام 2008 .
ـ إصدار كتاب سيرة الثائر فارس العزوني 1913ـ 1940 عن جمعية كفرثلث الخيرية، نشر عام 2005.
نشر العديد من الدراسات في مواقع مختلفة من مواقع الانترنت، منها: دراسة عن الشخصية العربية الفلسطينية من خلال الأمثال الشعبية .وسيرَّ كوكبة من شهداء كفرثلث، وكتاب قرية خريش المدمرة، .وأسباب ونتائج الحرب الإيرانية ـ العراقية وجذور الاتفاق الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ويعد دراسة عن أغاني الحب والوطن في الأدب الشعبي الفلسطيني.
حصل على عدد من الجوائز التقديرية في مسابقات بحثية وثقافية.
المعاناة والكفاح:
اعتقل وسجن إداريا ودون محاكمة، ومجموعها 8مرات وبلغت قرابة 5 سنوات بين أعوام 1978ـ 1991
الخبرات التعليمية والحياتية:
حاصل على العديد من الدورات التربوية والمجتمعية، وعمل مدربا ومتدربا في التنمية وحقوق الطفل، وحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ورئيسا لجمعية كفرثلث الخيرية، وعضو هيئة إدارية لنقابة المعلمين في المدارس الحكومية في محافظة قلقيلية






رد مع اقتباس
قديم 12-28-2012, 02:23 AM رقم المشاركة : 507
معلومات العضو
م .نبيل زبن
المؤسس
 
الصورة الرمزية م .نبيل زبن
إحصائية العضو







 

م .نبيل زبن غير متواجد حالياً

 


افتراضي


القائد الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد
يعد القائد المجاهد عبد الرحيم الحاج محمد أحد أبرز وجوه الثورة الفلسطينية في عام 1936 _ 1939، وقد سمعت عن جليل أعماله منذ سنوات طفولتي عام 1974، حيث جلست مع كبار السن، وفي عام 1986 أخذت أبحث عن حياة الثائر عبد الرحيم الحاج محمد وعارف عبد الرازق، وحمد زواتا، وغيرهم.
ومما شجعني لزيارة قريته وأبنائه ومقبرة القرية ومقابلة ثوار عملوا تحت إمرته، والإطلاع على مصادر مراجع متعددة في لغات مختلفة، شملت مؤلفات وصف ومنشورات وزعها الشهيد ووثائق أحضرتها من بريطانيا.
وقد دلني البحث على دوره المهم الذي أسهم به، واهتمامه بوحدة فصائل الثورة، وتواضعه وحبه للجماهير، وتأثيره في الثورة العربية الفلسطينية الكبرى، حتى يصح القول أنه باستشهاده في 29/3/1939انتهت الثورة .

في حياته وسيرته النضالية
ولد الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد، في قرية ذنابة، المجاورة لمدينة طولكرم عام 1892 وهو من عائلة آل سيف ذات النضال العريق والذين جاءوا من قرية برقة، فأحد أجداده ناضل مع صلاح الدين، وآخر تصدى مع مجموعة منظمة من منطقته لقوات نابليون القادمة لاحتلال مدينة عكا، حيث قبض عليه وتم إعدامه شنقا، كما وينحدر مجاهدنا من أصول عائلة ماجدة ومالكة ذات أصول طبقية امتلكت المساحات الواسعة من الأرض وامتدت أراضيها من قرية ذنابة شرقا حتى البحر المتوسط غربا، ووقفت أكثر من مرة في وجه غزاة فلسطين(1).
تعلم عبد الرحيم في كتاب القرية، ثم أنهى صفوف المدرسة الحكومية في طولكرم، وفي شبابه انخرط في سلك الجندية الإجباري، وعاد إلى بلده بعد نهاية الحرب.
عمل عبد الرحيم الحاج محمد في تجارة الحبوب في العشرينات من القرن العشرين، بعد أن خدم في الجيش التركي في بيروت وطرابلس الشام، وكان ذلك في الحرب العالمية الأولى .
عرف الثائر الشهيد كتاجر للحبوب وكان محبوبا عند جمهرة الفلاحين في قضاء طولكرم، حيث صادقهم وتساهل معهم واستدانوا منه الكثير من المال، ولم تقتصر العلاقة على الفلاحين، بل أن صداقاته الواسعة امتدت لتطال العديد من المدن الفلسطينية القريبة من قريته .
أمسى عبد الرحيم الحاج محمد بعد فترة من العمل التجاري يعاني عجزا ماليا، حيث فقد رصيده المالي وأرهقته الضرائب الباهظة ووضعت السلطات البريطانية يدها على ماله فأعلن عجزه وإفلاسه المالي وباع متجره وكان ذلك قبل انطلاق الثورة بسنوات، وتحول نحو الزراعة ، فزرع أرضه في "دبة القراية " على بعد 3كم غربي طولكرم، وفي هذا المكان زرع البطيخ والترمس وحفر عيون الماء، بالتعاون مع أقربائه وزرع الخضروات بصنوفها المختلفة.
بداية المشوار النضالي: بينما كان يقوم شيخ المجاهدين عز الدين القسام في جامع الاستقلال بمدينة حيفا على توعية الناس ونشر فكرة النضال المسلح للوقوف في وجه الخطر الصهيوني في فلسطين، كان البطل عبد الرحيم الحاج محمد يقوم بدعوى مماثلة في منطقة طولكرم، وقد لقيت دعوته نجاحا بين صفوف الفلاحين، وكذلك سكان المدن الذين أحبوه، وأخذ يجمع التبرعات لشراء الأسلحة ويقوم بتدريبات سرية لبعض أصدقائه في المناطق الشرقية من ذنابة مستغلا خبرته العسكرية السابقة إبان خدمته في الجيش التركي.
ويذكر داود الحسيني في مذكراته أن عبد الرحيم التقى به في مقهى المغربي بيافا حيث يجلس داود وإخوانه وهو يتباحث مع إخوانه فيما وصلت إليه أحوال فلسطين، ووصفه بأنه طويل القامة يلبس الكوفية والعقال والقنباز، وقد جلس معنا وأظهر لنا استعداده للعمل الجدي في الجبال وذلك عن طريق تأليف فرق من الشباب النشيط لمهاجمة البريطانيين بالسلاح وقد استمر النقاش ساعة بعد أن انسحب اثنين من الحاضرين أظهرا عدم رغبتهم في حمل السلاح وتمخض الاجتماع على ما يلي:
يعود عبد الرحيم إلى منطقته لتأليف الشباب في فرق وإشعال نار الثورة فيها.ويقوم داود الحسيني بجمع المال والإعانات لمساعدة الثوار الفلسطينيين، وشراء السلاح والعتاد وإرساله للمجاهد عبد الرحيم وإخوانه، وقد نجح داود وصديقه في جمع مائتين وخمسين جنيها، وأرسل له حوالي عشرين بندقية مع عتاد وعدد من المسدسات وصندوق أصابع ديناميت وهكذا انطلق بأعماله الثورية، وتلا ذلك اتصال داود وصديقه بعارف عبد الرزاق ويؤكد أ.سميح حمودة على أن الثورة بدأت في هذه المنطقة وليس صحيحا ما ذهب إليه إميل الغوري في أن الثورة بدأها رجال الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني وأن عبد الرحيم الحاج محمد وعارف عبد الرزاق كانا عضوين في هذا التنظيم.
التقى بالمفتي وطلب تقديم السلاح من أجل القيام بالأعمال الثورية في جبال نابلس.
ولقد أعد عبد الرحيم هذه المجموعة للقيام بأعمال اغتيال ضد جنود العدو وضباطه، وضرب المستعمرات اليهودية القريبة من طولكرم وجنين، كما نشط في إتلاف محاصيلهم الزراعية وبياراتهم وقد أطلق على منطقة نابلس وجنين وطولكرم "مثلث الرعب" وذلك لشدة الهلع والذعر الذي أصاب الجنود البريطانيين واليهود في تلك المنطقة.
ومع استشهاد القائد عز الدين القسام في العشرين من شهر تشرين ثاني عام 1935، بات عرب فلسطين مقتنعين بضرورة رفع راية الكفاح الشعبي المسلح، وكان أحد أبرز هؤلاء عبد الرحيم الحاج محمد وقد تعزز ذلك إبان الإضراب الكبير، وما تلاه من خروج للثوار لأعالي الجبال.
بعد أن نجحت الجماهير الفلسطينية في تحقيق الإضراب الشامل خاصة في المدن، أخذت تتحول نحو شكل آخر من النضال يتمثل في الكفاح المسلح وركوب أعالي الجبال، وفي هذه الفترة الممتدة بين 15/4/1936 والأول من أيلول 1936 حيث حضر إلى فلسطين البطل المجاهد القومي فوزي القاوقجي جاءت الترتيبات للعمل على انخراط أبناء الريف في هذه المنطقة مع الثورة وقادتها وليشكلوا رديفا لها ومنها قرية بلعا، وكفر اللبد وارتاح وكفر صور وبيت إمرين ودير الغصون.
وعن هذه الترتيبات التي تمت بين الفلسطينيين والمتطوعين العرب، وكان ملخصها حسبما يذكر سميح حمودة ما يلي:
تقسيم شباب القرى إلى قسمين أحدهما للجهاد والثاني للاحتياط وتبادل الأدوار مع مراعاة أن تفرض الأسلحة على القرية بنسبة عدد رجالها، ويعمل الاحتياط في حراسة الثوار عندما يمرون في قراهم، كما أن القرى تجمع مالا لذوي الشهداء، ويقوم داود الحسيني بجمع العتاد والسلاح والمعلومات عن حركات الجيش البريطاني والبوليس .
إن هذا يعني أن مادة الثورة من الفلاحين والمثقفين الثورين أمثال داود الحسيني ومحمود السخن الذي عمل هو الآخر مساعدا للقائد عبد الرحيم، بينما كان دور قيادة القدس غائبا عن المسرح، ويؤيد داود الحسيني القول بأن المفتي أمين الحسيني كان منشغلا في قضايا ثانوية اعتبرت مضيعة للوقت.
وهذه دلالة أكيدة على أن الثورة ثورة أبناء الريف وكانت بعيدة عن قيادة الأفندية في مدينة القدس كما ذهب إلى ذلك غسان كنفاني وعبد الوهاب الكيالي والمستشرق اليهودي تسفي البليغ والذين اعتبروها ثورة فلاحين.
قام بطلنا عبد الرحيم الحاج محمد ومعه الثوار المغاوير أمثال: عبد الرحمن زيدان، وسعيد بيت إيبا، وعبد الحميد مرداوي بأكثر من هجوم على القوافل والسيارات اليهودية والقوات البريطانية بعد أن توفرت لديهم كميات من البنادق الألمانية والفرنسية والتركية، والذخائر المختلفة التي كانوا يشترونها من سورية ولبنان مقابل أسعار خيالية .
كانت قرية ذنابة مسرحا لأول عملية ثورية قادها البطل عبد الرحيم الحاج محمد، فقد انطلقت أول طلقة من "جبل السيد" في ذنابة مع أوائل صيف عام 1936، ويطل هذا الجبل على الطريق الواصل بين طولكرم ونابلس والذي تعبره القوافل البريطانية واليهودية، نهارا وليلا، كما نشط الثوار بغاراتهم المتكررة على سجن نور شمس حيث وضعت قوات الاحتلال الإنجليزي المناضلون والمواطنون العرب رهن الاعتقال، وقد ساعد عبد الرحيم الحاج محمد في القيادة والتنفيذ كل من الأبطال كامل الحطاب والبطل سليمان أبو خليفة، والبطل إبراهيم العموري، عبد اللطيف أبو جاموس وغيرهم.
وتلا تكرار الهجوم على سجن نور شمس بأيام قلائل، معركة بطولية نادرة بالقرب من قرية بلعا على طريق نابلس ـ طولكرم، وكانت أبرز معارك الثائر عبد الرحيم في هذه الفترة معركة المنطار (لية بلعا)وهي الأولى في 21/6/1936 حيث تمر السيارات في منعطف خطر وتشرف عليه مرتفعات خربة أبو خميش من الجنوب، وقد أشرف عليها عبد الرحيم ونفذها قائد الفصيل إبراهيم العموري، واستمرت لأكثر من 7 ساعات، وقتل فيها أكثر من خمسين جندي، وضابط من الأعداء، وتم إسقاط طائرة وتدمير ثلاث آليات إنجليزية، وقد شكل هذا كله بداية طيبة لسمعة الثورة .
وقد اعترفت المصادر البريطانية بهذه المعركة وذكرت أنها كانت على علم بمخطط الثوار وأنها تمكنت بفضل طائراتها ورشاشاتها من إيقاع الخسائر بالعرب وكانت الخسائر 21 إصابة ـ25 إصابة بينما كانت خسائرها أربع إصابات: قتيل واحد وجريحان بصورة بالغة وجريح واحد بصورة طفيفة.
لقد تلا هذه المعركة البطولية قيام القائد عبد الرحيم الحاج محمد ورفاقه بسلسلة كمائن وهجمات نصبت على الطريق العام وهم ما بين كر ففي10/8/1936م، بعد أن رابطوا في جبال بلعا قرب موقعة " المنطار " على طريق طولكرم عنبتا، دير شرف نابلس، واحتلوا جميع الاستحكامات والخنادق الواقعة بين قرية بلعا ومدينة نابلس .
حضرت القوات البريطانية من تلك المنطقة حتى انهال عليها رصاص الثوار المرابطين، فتعطلت السيارات وتوقفت عن السير، فنزل الإنجليز واختبئوا بين الصخور على مقربة من الطريق، لكن رصاص الثوار كان أسرع من أن يمكنهم من الاحتماء طويلا أو الفرار، فقتل الكثير منهم واتصلوا بمراكزهم، وجاءتهم النجدات المكونة من 25 سيارة عسكرية منها 5 مدرعات بالإضافة إلى غطاء جوي مكون من خمس طائرات، على أن هذا الأمر لم يرهب الثوار الذين ناضلوا بعزم وإيمان حتى غروب الشمس، وانسحب الإنجليز مخلفين خلفهم ستون قتيلا، كما وضع الثوار الألغام في طريق القوات الإنجليزية فانفجر أحد الألغام تحت سيارة إنجليزية مما أدى إلى مقتل ضابط وأربعة جنود.
وتمكن الثوار من الانسحاب وكانت خسائرهم استشهاد أربعة، منهم: الشهيد عبد اللطيف أبو جاموس ابن عم الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد من قرية (ذبابة)، والشهيد أمين حسين علارية من قرية اكتابه، وشهيد ثالث من قرية كفر اللبد، وقد نكل البريطانيون بالشهداء وتم ربط جثث الشهداء الأربعة بمؤخرة إحدى الدبابات التي جرتهم من منطقة بلعا لغاية طولكرم ، وكان هذا شأن بريطانيا بعد كل معركة!

معركة بلعا الثانية 3/9/1936
جاءت هذه المعركة بعد وصول القائد فوزي القاوقجي ومعه المتطوعين من الثوار العرب، وجرت بعد وضع حواجز حجرية على الطريق العام، وكمنوا على جانب الشارع من أعلى جبل المنطار واشترك في التخطيط والتنفيذ القادة الثوريون عربا ومنهم فلسطينيين وسوريين وعراقيين وأبرزهم فوزي وعبد الرحيم، وفي هذه المعركة استخدم الإنجليز الطائرات، وقرروا قصف القرى التي خرج منها الثوار، وقد بدأها الثوار الساعة السادسة والنصف صباحا بضرب قوة بريطانية كانت في طريقها إلى عنبتا وزرعوا الألغام على مسافة طويلة في الطريق، مما أسهم في وقف تقدم النجدات في كلا الاتجاهين وأعاقت وصوله لبلعا لعدة ساعات و فيها تجسدت بطولة عربية وأخذ الإنجليز يقصفون بمدافعهم وطائراتهم وكانت حصيلة المعركة إسقاط طائرتين وقتل جندي مشاة وجرح ضابطين وجنديين وتكبد الثوار العرب عشرون شهيدا، ضموا فلسطينيين وعراقيين وسوريين وأردنيين.
وشاركت بعض فصائل عبد الرحيم في معركة جبع التي خطط لها فوزي القاوقجي، وكذلك معركة بيت إمرين ومعركة كفر صور.
لقد عبرت الجماهير الشعبية عن حماستها للثورة ودور أبطال هذه المعركة، وأنشدت أبياتاً غنائيةً التي أصبحت جزءا من تراثنا الشعبي ومنها البيت التالي.

بين بلعا والمنطار صار إشي عمره ما صار
وبين بلعا والليلة والبارود يدوي دية
وعلى أثر العمليات العسكرية التي قام بها الثوار في مثلث الرعب في زمن الانتداب البريطاني، قامت القوات البريطانية بحملات عسكرية كبيرة لتفتيش المنطقة بحثا عن ثوار ترافقها مدرعات وطائرات، وسيارات عسكرية في قرية بلعا، كفر عبوش كفر بيت أمرين.
كما قامت بهدم بيت الثائر عبد الرحيم الحاج محمد، ومئات المنازل للثوار منهم: فارس العزوني، وعارف عبد الرزاق، حيث نسفت منزل عبد الرحيم الحاج محمد بتاريخ 27/9/1936 لكن الأهالي قاموا ببناء المنزل من جديد، واغتاظت السلطات البريطانية من هذا الالتفاف حول الثائر عبد الرحيم فقامت بنسفه مرة أخرى سنة 1938 كما كانت قريته عرضه للتفتيش والتنكيل والزيارات العسكرية المفاجئة.
علاقة القائد القومي فوزي القاوقجي بالقائد الوطني عبد الرحيم الحاج محمد:
تقاطرت إلى منطقة جبال نابلس، الذي يسمى باسم "جبل النار " بضعة مئات من الثوار المتطوعين العرب والذين قدر عددهم من 300ـ 500 ثائر يقودهم الثائر فوزي القاوقجي في جهاد مقدس اتجه نحو فلسطين، وكانوا سوريين وعراقيين ولبنانيين وأردنيين، وفي يوم 25 آب 1936 كان اجتماعهم جميعا في منطقة جبل جوريش. التقى فوزي القاوقجي بعدد من الثوار الفلسطينيين كان من بينهم : عبد الرحيم الحاج محمد، وفخري عبد الهادي وتوفيق علاري. وعارف عبد الرازق وغيرهم.
شاور القائد فوزي القاوقجي ثوار فلسطين حول أسلوب المعارك الفعال والتخطيط لها واختيار مكان يناسب ديمومة الثورة وتوجهوا إلى بلعا، وكانت هناك معارك شهيرة في قرى بلعا وبيت أمرين، وفي كفر صور.
كما أنه قام بتأسيس محكمة ثورية تكونت من منير الريس رئيسا، ومحمد الأشمر، وعبد الرحيم الحاج محمد وفخري عبد الهادي، وهدفها فرض النظام والعدل بين الناس.
كان من ثمار التعاون المشترك بين المناضلين الفلسطينيين، وفرقة المتطوعين التي يقودها فوزي القاوقجي أن جرى تشكيل لجنة لجمع التبرعات والإعانات بصورة رسمية، وعلى أعلى المستويات، وتضم القائد عارف عبد الرازق (طيبة المثلث) وإبراهيم نصار(عنبتا) وفخري عبد الهادي (عرابة)، وكان عبد الرحيم محمد أحد أعضاء هذه اللجنة وقام فوزي بتقسيم ميدان الثورة الرئيس إلى ثلاث مناطق:
المنطقة الأولى: تمتد شمال طريق طولكرم ـ دير شرف، وغربي دير شرف ـ جنين وجنوبي وادي عارة. وعين فخري عبد الهادي قائدا لهذه المنطقة.
والمنطقة الثانية: جنوبي طريق دير شرف ، طولكرم، وغربي طريق دير شرف ونابلس حتى السهول الغربية، وجعل عليها قائدا عبد الرحيم الحاج محمد (أبو كمال يساعده عارف عبد الرازق (الطيبة).
المنطقة الثالثة وتمتد شرقي طريق جنين ـ نابلس، وكانت بقيادة الشهيد سليمان السعدي الصانوري.
وقد اعترف القائد عبد الرحيم وقادة آخرون للقائد فوزي القاوقجي برئاسته للثورة، والذي أشرف بدوره على معركة المنطار الثانية والتي جرت شمالي الشارع العام بين نابلس وطولكرم بالقرب من قرية بلعا بتاريخ 3/9/1936.
وقد تحدث فوزي القاوقجي في مذكراته عن دور عبد الرحيم الحاج محمد ومساعده عارف عبد الرازق والذي وصفه بأنه مثالا لروح الجندية النظامية بين مجاهدي فلسطين كافة.
وظلت أهمية عبد الرحيم كركن أساس بارز في الثورة حتى بعد خروج فوزي القاوقجي من فلسطين والذي تركه وكيلا عنه وربط الثوار الفلسطينيين بعضهم ببعض، وتأمين احتياجاتهم بواسطة اللجان وللمحافظة على عتادهم وسلاحهم ومراعاة عدم تسربها لليهود.
وقد سجل القاوقجي في مذكراته دور القرى والأشخاص الذين برزوا في معمعان الثورة ومنهم عبد الرحيم الحاج محمد وعارف عبد الرازق وفخري عبد الهادي، وبلعا، وعلار وصانور وغيرهم دون حصر.
وهكذا أصبح الثائر عبد الرحيم في موقع القيادة والمسؤولية التاريخية وقد تمرس في حرب العصابات.
نجحت الثورة في إيقاع الخسائر بالبريطانيين كما أن الإضراب الكبير أقلق مضاجع الإنجليز في وقت تعبت فيه طبقة الملاكين الفلسطينيين من النضال، ثم أن القائد فوزي القاوقجي أخذ يمثل مصدر استقطاب للثوار والجماهير الفلسطينية، عندها أخذت "قيادة الأفندية" ـ قيادة الشعب الفلسطيني حينذاك يبحثون عن وسيلة لوقف الإضراب الكبير، وترافق هذا مع ميل الأنظمة العربية للتوسط ورفع الإحراج عن بريطانيا، وأخيرا تم وقف الإضراب نزولا عند وساطة الزعماء والملوك العرب، ورحبت القيادة الفلسطينية بوقف الإضراب والسير في مساعي وجهود الوساطة العربية وأقرت وقف الإضراب وخروج الثوار والمناضلين والمتطوعين العرب.
غادر فوزي القاوقجي فلسطين في يوم 13/10/ 1936 بعد الإعلان عن وقف الإضراب الذي استمر 176 يوما .
عودة القائد عبد الرحيم إلى فلسطين:
توجه عبد الرحيم الحاج محمد يوم23/11/1936 إلى دمشق خشية الوقوع في أيدي القوات البريطانية التي أعلنت عن تقديم مكافأة كبيرة لمن يقبض عليه وعلى مجموعة من قادة الفصائل الفلسطينية، ولم يكن عبد الرحيم على ثقة بصدق نوايا بريطانيا وجهودها ولهذا أقام صلات مع الحركة الوطنية السورية واللبنانية، واتخذ من قرية قرنايل اللبنانية ومن صديقه نايف هلال وشبابا آخرين منطلقا لإرسال السلاح بانتظار ساعة العودة، وشرع في التحضير لجمع السلاح والمعونات المالية حيث عاد إلى فلسطين في الفترة الواقعة بين نيسان وأيار 1937 حسبما يذكر نمر سرحان وزميله مصطفى كبها في حين جاء في منشور في ذكرى وفاة القائد والمجاهد الكبير أن قضى عاما في سوريا، وقد أوكل للقادة إبراهيم العموري، وإبراهيم نصار وسليمان أبو خليفة، أمور نصب الكمائن وزرع الألغام على الطريق الرئيسية وسكك الحديد لعرقلة حركات الجيش البريطاني وتقييدها، كما أن الثورة تفجرت من جديد بعد فشل جهود لجنة بيل وانحيازها الكامل للبريطانيين واليهود.
وقد ثبت أن إحساس الثائر عبد الرحيم كان في محله حيث أعلن وزير المستعمرات غداة وصول لجنة بيل (لجنة التحقيق الملكية ) أن وقف الهجرة اليهودية لا مبرر له ومعلنا تحديد جدول هجرة لستة شهور قادمة، مما حمل أبناء فلسطين على مقاطعة اللجنة، وقد عرفوا تسويف بريطانيا ومماطلتها.
وصل القائد عبد الرحيم إلى قرية النزلة الشرقية التي جعلها مركز قيادته، وبدأ يجمع صفوف الثوار ويدعو المواطنين إلى حمل السلاح ويشرف بنفسه على تدريب الرجال من أبناء القرى المتحمسين للثورة وقاموا بعمليات أقلقت راحة الإنجليز.
عندها قرروا قتله بأي ثمن وجندوا عملائهم وجواسيسهم لهذه الغاية كما ترصدوا حركاته ومن معه، ونجح في إفشال عدة محاولات لاغتياله من قبل عملاء وجواسيس السلطة البريطانية وكان من أبرزها الكمين الذي اعد له وهو يقوم بجولة اعتيادية بين جنين وطولكرم، حين فوجئ بحركة غريبة فأمر رفاقه أن يتوزعوا ودارت معركة عنيفة بينهم وبين القوة البريطانية المهاجمة استمرت عدة ساعات، وأظهر فيها عبد الرحيم ألوانا من البطولة وأعمالا تبعث على الفخر والاعتزاز، وأصيب الثائر بجرح بليغ في ذراعه ونجا من الأسر بعد أن جاءت فزعات من الثوار التي نجحت في فك الطوق عنه ونقل إلى مغارة للعلاج وقام بتضميد جراحه الدكتور فؤاد دعدس، ولم يتراجع عن تقديم التعليمات للمجاهدين.
وقد استعان بخيرة المجاهدين ومنهم: عارف عبد الرازق، ويوسف أبو درة، والشيخ عبد الفتاح المزرعاوي ومحمد الصالح أبو خالد، وعبد الله الطه، وحمد زواتا، وفارس العزوني، وعبد الله الأسعد، وغيرهم .
كما أن عبد الرحيم حرص على استشارة المثقفين أمثال الشاعر عبد الرحيم محمود ومحمود السخن.
وبدأ تقسيم الثوار على سرايا وألوية بأسماء قادة بارزين في تاريخ العروبة والإسلام، ومنها: العاصفة، والرعد القاصف، والعراق، وخالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقاص، الزلازل وغيره.
ووجه دعوته للشباب العربي تحت عنوان "يا شباب العرب" مذكرا بأهمية الثورة على الظلم والاستبداد التي مارستها بريطانيا لإخراج الشباب العربي من بلاده وتشتيته، وهو يشجعهم على ترك الجبن والخنوع والتردد وإلا سيكون حالهم أكثر تعاسة وشقاء، وإلا سيكون حالهم حال المهاجر الباكي على فراق وطنه، ومشددا على الظلم والجور الواقع على بلاده وتشتيت زعماء البلاد، ومرحبا بالشباب المتحمس أصحاب النخوة الذين يرمون للتحرر من العبودية والظلم.
كان من نتائج اشتداد الثورة وزيادة لهيب نيرانها أن الإنجليز أصدروا بلاغا باسم المندوب السامي يقدم فيها مكافأة مالية للقبض على قائمة من الثوار شملت 22 ثائرا وتراوحت بين مائة وخمسمائة جنيها وعشرة آلاف جنيها لمن يدل على قاتل أو قتلة المستر أندروز حاكم لواء الجليل.
وأنشأ عبد الرحيم المحاكم الثورية للشعب بدل المحاكم الإنجليزية وعين لها قضاة كان أشهرهم بشير إبراهيم من قرية زيتا، طولكرم، وجمع هذا الرجل بين دور القاضي والثائر ورجل الإصلاح الذي يصلح بين الناس العاديين وأيضا بين قادة الثورة، وكان إخلاصه بمستوى إخلاص عبد الرحيم، وكانت تجري المحاكمات ليلا أو في محل تجاري ليشهد الناس على ما يجري، ونادرا في العراء المكشوف على بيادر القرى وفي ميادين التجمعات. وكانت قراراته أحيانا أكبر من قدرة الفصيل في المنطقة ويحترمها قادة الفصائل وربما تشكل لجنة قضائية من قادة الفصائل.
الفصائل التابعة لعبد الرحيم الحاج محمد:
وصل عدد الفصائل تحت إمرته إلى ثلاثة عشر فصيلا وانخفض العدد في عام 1937 إلى ثمانية فصائل ثم عاد وارتفع عددها إلى اثني عشر فصيلا تراوح عدد الثوار فيها من 200 ـ 400 ثائر منظم، ويتبعه محمد الصالح الحمد، وعبد الله الطه من قرية سيلة الظهر، وإبراهيم العموري (أبو جاسر) من قرية ارتاح، ومحمود إسماعيل البريمي (أبو فتحي) من قرية كفر اللبد، وجميل خضر من الرامة، وعبد الحميد مرداوي من بيت أمرين والأصل من قرية (مردة)، وسليمان أبو خليفة (أبو فارس) من وادي الحوارث، جميل خنفر ـ الرامة ويسكن في سيلة الظهر، ومصطفى الأسطة من نابلس، وعبد الله الحادر من دير الغصون، وعبد الله الأسعد من عتيل، والعبد الصادق من عتيل. وسعيد سليم من بيت ايبا، والملقب سعيد بيت ايبا. وخالد الحامد من عتيل وعبد اللطيف كعوش من طولكرم ويطلق عليه رئيس الحرس القيادي، وفصيل عطية، ومصطفى الأسطة من نابلس، كفر اللبد، وعبد الله الطه من سيلة الظهر، وعبد القادر الصادق، ويقدرهم رجل المخابرات الصهيوني عزرا دنين بـ 163 ثائرا، وأرى أن هذا غير صحيح إذ أن العدد يفوق المائتين كما ظهر من خلال المقابلات وكتاب فيصل عارف عن أبيه.
ويظهر من خلال رسائل الشهيد التي نشرتها المراجع العربية والكاتب الصهيوني عزرا دنين وروايات الذين قابلتهم أن الشهيد أقام علاقاته وتعهد بالرعاية مجموعة من قادة الفصائل في جنوب فلسطين ومنهم: عبد الحليم الجيلاني في الخليل وإبراهيم الصانع في منطقة بئر السبع، و توفيق الصايغ في غزة، وكان حريصا على إظهار أهمية التنسيق والوحدة الوطنية، والتعاون حيث يطلب من القائد عبد الحليم الجيلاني أن يرسل له سلاحا مما غنمه بعد احتلال مدينة بئر السبع ولم يميز بين مسيحي ومسلم، وهو صاحب الشعار القائل في منشوراته "الوطن فوق الجميع".
كانت للشهيد عبد الرحيم دائرة من المؤيدين في قرى ومدن عديدة من فلسطين وخاصة في قرية رامين الذين شكل منهم مجموعة كانت أشبه ما يكون بالحرس الثوري، وقد وجدت أن للثائر صورا عديدة احتفظ بها بعض أصحابه في كفر قدوم.
ولم تقتصر علاقة الثائر عبد الرحيم بالمدنيين بل أنها طالت العسكريين والعاملين في الشرطة الإضافية في الجيش البريطاني، حيث أمدوه بالمعلومات عن تحركات الجيش ومن أبرزهم المقدم رشيد عبد الفتاح، حتى أن بعض العاملين بالبوليس نهبوا السلاح والخيل من مركز البريطانيين والتحقوا بالقائد عبد الرحيم.
دور عبد الرحيم الحاج محمد في الجهاد وتنظيم العمل الثوري:
كان عبد الرحيم الحاج محمد يعمل بجهود حثيثة لتوحيد صفوف الثوار وتنظيم شؤونهم، وتجنيب الثورة ما أمكن أي منزلقات وأخطار وقع فيها ثوار فلسطين في عدة مناطق، وتشير الدراسة التي قام بها الباحث إلى أن بعض المحسوبين على القائد عارف عبد الرزاق قد أساءوا للثورة كثيرا ببعض الأخطاء التي ارتكبت وجمع الإعانات المالية وجبايتها على حساب التبرع للثورة وجرى توظيف القوة والبطش والشدة ، واغتيال أشخاص وطنيين بتهمة العمالة، ونجاح المشبوهين في التسلل إلى أوساطهم ومنهم :الحاج مسعود والحاج محمد اليمني والحاج محمد المسلم، وتشير عدة مرويات إلى أنهم يهود مستعربين دخلوا صفوفا الثورة وقد تعرضت للتشويه بسببهم، إلى جانب الاختلاف حول الصلاحيات والمسؤوليات بين القائدين عبد الرحيم الحاج محمد وعارف عبد الرازق وانحياز العائلات الفلسطينية لهما على حساب الآخر، حتى أن الصحف البريطانية وإذاعاتها صارت تتحدث عن هذا الخلاف، ومثلها الصحافة العربية، ولكن الثائر عبد الرحيم نفى وجود خلافات وظل يحاول توحيد جهود الثورة، وتجنيبها دسائس البريطانيين والاستقلال في مناطقهم .
و دفع القائد زميله في النضال الشهيد القائد محمد الصالح (أبو خالد) للتوسط بينه وبين زميله في السلاح القائد عارف عبد الرزاق وأثمرت الجهود في عقد لقاء في مؤتمر دير غسانة من قرى رام الله في أواسط عام 1939من أجل التباحث في شؤون الثورة وضع حد للمشكلات التي بدأت تأخذ أبعادا خطيرة في أوساط الثوار، وأهمها تعدد ألقاب القائد العام والخلاف على مناطق السيطرة والاغتيالات السياسية باسم الثورة وتأثرها بالخلافات العائلية بين أبناء القرى، وكبار كالتجار في المدن وأبناء القرى بجمع الإعانات والإتاوات ولعبت المعارضة المأجورة لحساب البريطانيين دوراً سلبياً فيها، وأشارت الكتب والصحف اليهودية والبريطانية إلى شرخ عميق بين صفوف الثوار.
نظم مؤتمر المصالحة الذي دعي باسم "مؤتمر دير غسانة" حضره جمع كبير من قادة الثورة الفلسطينية وفصائلها المناضلة خاصة في وسط فلسطين ومنهم: عبد القادر الحسيني قائد منطقة القدس، وعبد الحليم الجيلاني قائد منطقة الخليل. والشيخ عبد الفتاح المزرعاوي قائد منطقة رام الله، وفصائل عارف عبد الرازق، وفصائل تابعة للقائد عبد الرحيم الحاج محمد.
كان القائد عبد الرحيم مهتما بتحقيق نجاحات في المؤتمر لمصلحة الثورة المقدسة، ونشر بيانا باسم مجلس قيادة الثورة في فلسطين بدأه بآية "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" وفيه استعرض الإشاعات المغرضة بسمعة الثورة وهدد مروجيها بالعقاب وأن محاولاتهم تهدف لخلق الشقاق والنفاق. مبينا أن الجميع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
ورغم ذلك استنتج الباحث أن أزمة قيادة ظهرت بين الثوار، وأن خطاب عبد الرحيم كان خطابا مسئولا يهدف إلى وضع حد مدركا لخطورة الإشاعة في الحرب النفسية وتأثيرها على دعم والتفاف الجماهير حول الثورة.
وكان من نتائج المؤتمر عقد مصالحة بين الفريقين، وخاصة عبد الرحيم وعارف حيث تكللت جهود المؤتمرين بالنجاح، واتفق على تشكيل مجلس قيادة ثورة مكون من عارف عبد الرزاق، وعبد الرحيم الحاج محمد، وحسن سلامة، ويوسف أبو درة، ومحمد الصالح "أبو خالد"، واتفقوا على تشكيل قيادة مجلس الثورة وممارسة موقع القائد العام بالتناوب الدوري، واتفقا على خطوط الأعمال الحربية الرئيسة، وتصالح الأخوين عبد الرحيم وعارف وتناول الثوار طعام العشاء في القرية حيث أرادوا قضاء ليلتهم، وفي منتصف تلك الليلة شاهد الحراس من رجال الثورة قوات إنجليزية كبيرة تحاول محاصرة القرية مدعمة بالطائرات الحربية، وحدث اشتباك بين العدو البريطاني والثوار، وقد جاء في منشور الثورة.
بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس القيادة العامة للثورة العربية في فلسطين
21 رجب 1357 هـ ، 15/9/1938
نصر من الله وفتح مبين
قررت القيادة العامة في سوريا الجنوبية باستعراض استكشافي في المنطقة فذهب عدد كبير من قادة الفصائل والفرق المنظمة يمتطون الخيول العربية، بعد أن تجولوا في عدة أماكن وذلك للتنظيم والترتيب والتعارف والتآلف بين المجاهدين.
وفي يوم الخميس الموافق 20 رجب 1357 هـ الموافق 15 /9/ 1938 وبالقرب من قرية بيت ريما ودير غسانة، تقدم جيش العدو المستعمر إلى تلك الجهات لتطويقها فأرسل الطائرات لاستكشاف مع العلم أن العدو يعلم بمكان جيوشنا الجرارة، ولكن لما علم بتنظيم فرقنا المجاهدة تنظيما عسكريا تراجع عن مجابهتنا واكتفى بإرسال نجدة جوية مشكلة من اثنتي عشرة طائرة فما كان من جنودنا البواسل إلا أن أطلقوا نيران بنادقهم ورشاشاتهم على طائرات العدو فحمي وطيس المعركة وتمكن المجاهدون خلالها من إسقاط طائرتين وقتل من فيهما وأصيب بقية الطائرات بإصابات مختلفة مما اضطرها أخيرا للانهزام، وكانت خسارتهم الفادحة أما خسارتنا فشهيد وإصابة اثنين بجراح بسيطة وقتل أربعة رؤوس من الخيل، هذا ولا صحة لما أذاعته الحكومة البريطانية من إصابة عدد كبير من المجاهدين، ومما هو جدير الذكر أن جنودنا البواسل أظهروا في هذه المعركة بطولة منقطعة النظير بينما كانت تسمع الأهازيج والأناشيد الوطنية أثناء المعركة من بعيد وتعلن القيادة أسفها الشديد من الأعمال البربرية التي ارتكبها الإنجليز مع الأهالي من قتل الأبرياء الآمنين لما عجزوا عن ملاقاتنا .
هذا والوطن فوق الجميع(8)
المجاهد الصغير
عبد الرحيم الحاج محمد
وفي هذه الثورة خسرت قائدا مهما لعب دورا في عقد المؤتمر والصلح والمعروف بنزاهته وطيبته إنه الثائر المجاهد محمد الصالح أبو خالد والذي أصدر بشأنه المنشور التالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
ديوان الثورة العربية الكبرى
في سورية الجنوبية(فلسطين)
24 رجب 1357ه
قال تعالى: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون".
يأسف ديوان الثورة العربية الكبرى أشد الأسف أن ينعي إلى الأمة العربية المجاهد الكبير السيد محمد الصالح والمشهور بأبي خالد ابن الثورة البكر فقد كان رحمه الله رحمة واسعة ركنا حصينا من أركانها وسيفا سله الله على أعداء الأمة عظيما.
فقد خرج المرحوم للجهاد في سبيل الله فجاهد حق جهاده، وبقي كذلك يكافح الاستعمار ويقارع الظلم إلى أن حانت منيته في 21 رجب سنة 1357ه في المعركة التي دارت رحاها في الجهة الجنوبية بين جنود الحق وأعوان الباطل فقاوم مقاومة الأبطال بين التكبير والتهليل حتى قضى نحبه بعد أن أدى ما يجب على نحو أمته وبلاده أيضا ولذلك فإن ديوان الثورة العربية الكبرى يعلن للشعب العربي الفلسطيني الإضراب العام وذلك يوم الجمعة فقط الموافق 28 رجب 1357هـ حدادا عليه وتقديرا لخدماته وحسن بلائه ونسأل الله أن يلهمنا بالصبر وان يعوض الله أخيرا(9)
المجاهد الصغير
عبد الرحيم الحاج محمد
علاقة القائد عبد الرحيم بالقيادة والجماهير
يصف كبار السن والرواة الذين قابلناهم في أماكن مختلفة أن عبد الرحيم كان موصوفا بحكمته واعتداله، وسعة صدره وعدم تسرعه في الحكم، وابتعد عن التدخل في المسائل الشخصية التافهة، وحصر جهوده في الإخلاص للوطن وعدم الطمع في منصب أو جاه سياسي، ويشير العارفون وكبار السن في حينه أن عبد الرحيم كان أكثر إخلاصا من غيره من الثوار، وكان حريصا على الابتعاد عن قضايا الاغتيال السياسي أو اللصوصية التي شوه بها بعض الثوار وجه الثورة حتى وصفها الأعداء والمعارضون بالتمرد والشغب واللصوصية والسلب والنهب.
وكان يرى أن الاغتيالات السياسية شيء يبعث الفساد في البلاد، ويسيء إلى أهداف الثورة المقدسة، وجدنا عبد الرحيم يشن حربه الشعواء على الذين جمعوا المال، وبأختام مزورة، وباسم الثورة، وفي هذا تضليل وأيما تضليل ودس وافتراء على الثورة والثوار، ويظهر ذلك من خلال منشورات وزعت باسم ديوان الثورة العربية، ويشهد عدد من الكتاب اليهود والأجانب على نظافة يده وتواضعه وأنه أفضل نموذج من بين قادة فصائل الثورة حتى كانوا منحازين للفكر الصهيوني لم يجدوا شيء يشوهون به الثائر غير القول أنه أفلس في تجارته وصار مطلوبا للحكومة البريطانية ولم يجد غير اللجوء للثورة للتخلص من إفلاسه وسجنه مع أنها كانت واحدة من الأكاذيب والدعايات الملفقة.
حاول عبد الرحيم ما أمكنه الجهد تجنيب الثورة، سوء تصرفات البعض، وفرق بين نضال شعبنا ضد الصهيونية كحركة عنصرية لا ضد الديانة اليهودية مستلهما روح التسامح الإسلامي، ومن القصص المشهورة في تاريخه النضالي، أن الثوار قبضوا على مهندس يهودي وبعد أن بحثت محكمة الثورة في شؤونه، أمر ديوان الثورة العربية الكبرى لفلسطين بإطلاق سراح اليهودي الذي ثبت عدم انتمائه للحركة الصهيونية، أو مناصرته لأفكارها، وهو ما ثبت نصه في المنشور التالي:
القيادة العامة للثورة العربية بفلسطين
26 جمادي الثانية 57هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان إلى الأمة العربية الكريمة
لقد أسر مجاهدو فيصل الزلزال على طول طريق حيفا، يافا المهندس اليهودي (جيشو دفنا) وفي الجلسة المنعقدة في تاريخ 18/8/38 قررت هيئة محكمة فصيل الزلازل إعدام هذا الشخص رميا بالرصاص مع إعطائه حقا باستئناف هذا الحكم إلى المحكمة الثورية العليا.
وعند طلبه الاستئناف إلى المحكمة المذكورة التي تشكلها القيادة وأركان حربها وبعد سماع أقواله وأقوال كثير من الشهود قررت المحكمة ما يأتي:
1. وبما أن شهودا عرب موثوقين قد شهدوا لصالح جيشو دفنا المذكور.
2. وبما أنه لم يعترف أنه يعتنق فكرة الصهيونية التي نكرهها ونحاربها.
3. بما أن قتله يسبب كوارث وآلام لأطفاله الصغار.
4. وبما أن محكمة القيادة تأخذ بقول العرب الشهير "العفو عند المقدرة"
5. وبما أنها تعتبره أسيرا يجب أن لا يؤذي.
لكل هذه الدلائل وملابستها حكمت القيادة الحكم التالي:
1. إطلاق سراح الأسير المذكور وعدم قبول الفدية التي عرضها الأسير نفسه ومقدارها ألف جنيه ليكون هذا دليلا على أن الثورة أوجدت لغاية عليها تتنزه عن المادية الخسيسة.
2. صرف خمسة جنيهات من خزانة الثورة وملابس عربية لهذا الأسير وإرجاعه إلى مقره بسلام.
3. تكليف لجنة النشر بإعلان هذا الحكم وحيثياته على أناس ليعلموا أن العرب نبلاء في كل أفعالهم وأنه من أعدائهم كما قال الشاعر:
وحللتمو قتل الأسرى غدونا عل السرى نمن ونصفح
ويكفيكمو هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح
المجاهد الصغير
عبد الرحيم الحاج محمد.
ومع أن عبد الرحيم بقي يعاني من ديونه بالأموال طيلة سنوات الثورة، وحتى مماته بسبب خسارته في تجارته، إلا أنه رفض رفضا قاطعا أن يتقاضى مليما واحدا لإعالة أولاده على حساب الثورة أو سداد دينه على نفقة الثورة بل باع أرضه لسداد ديونه وكانت تعيل أسرته من قبل أخوته وشقيقاته، لا على حساب الثورة وظل أبو كمال أرملا إلى ساعة استشهاده.
أما علاقته بالمفتي فقد اعتبره الزعيم الأوحد وفي أكثر من بيان تناول هذه المسألة، وكان عبد الرحيم موضع ثقة المفتي، لكنه اختلف معه في وجهات النظر، وفي أكثر من مكان قال عبد الرحيم أنه يقاتل من أجل الوطن لا من أجل القيادات، حيث كان يريد القتال حتى النهاية بينما كان المفتي يرهن جهوده تارة بالتهدئة والجهود السلمية مع بريطانيا، وهكذا آمن بالقتال حتى النهاية، وقبل وفاته التقى بالمفتي في بيروت وشكا الاغتيالات السياسية التي باتت تنهك البلاد.
ضعفت الثورة منذ أواخر عام 1938، وأخذت تتآكل من داخلها في عام 1939، حيث ازداد العملاء والجواسيس المؤيدين للإنجليز، وضاعف البريطانيون اضطهادهم للثوار وحل الإرهاق والتعب بالجماهير الشعبية، ونجح الإنجليز في استخدام أساليب قمعية حديثة، وخطط عسكرية جهنمية مبتكرة، سواء باستخدام سلاح الطيران لقصف تجمعات ومواقع الثوار، أو بفرض مختلف أشكال الحصار، وحظر التجوال لعدة أيام، أو استخدام أساليب التجسس بالاغتيال لقادة الفصائل، ودس المشبوهين والعملاء في صفوف الثورة للقيام بالاغتيال والقتل والنهب والسرقة باسمها، وتنامي الاحتراب السياسي والحمائلي بين الحزبين الرئيسين حزب آل النشاشيبي وحزب آل الحسيني وانعكس سلبا على عناصر وقيادات الحركة الوطنية الفلسطينية، وتشكيل (عصابات السلام) وهي فصائل عميلة للبريطانيين وتعادي الثورة وتتخذ خطة مضادة وممارسات للإجهاز عليها والتي أدارها فخري عبد الهادي الذي انتقل من خندق الثورة إلى خندق الثورة المضادة، والذي وجدت فيه بريطانيا ومعه فخري النشاشيبي خير قيادة للركوب، وقد استمر دعمه بضعة شهور ثم سحبوا منه سلاحه، هذا ناهيك عن التقاء الظرف الدولي والتحالف بين بريطانيا وفرنسا في الحرب العالمية الثانية.
أثر استشهاده في نفوس أبناء فلسطين:
توجه عبد الرحيم في أوائل عام 1939 إلى دمشق للتباحث مع القيادة السياسية الفلسطينية فيها حول شؤون الثورة، وكان مراقبا من قبل السلطات الفرنسية حتى أنها خططت للقبض عليه كما أوردت بعض التقارير البريطانية، والتقى فيها بقادة اللجنة المركزية للجهاد ومنهم: محمد عزة دروزة وداود الحسيني وسليم أبو لبن، وشرح لهم الأحوال في فلسطين وقرر الرجوع من سوريا إلى فلسطين في آذار 1939 ونام ليلته في صانور عند صديقه كامل الحسين.
حدثني الثائر أسعد قاسم من قرية عسلة أن الدكتور داود الحسيني لم يكن متحمسا لرجوع الثائر عبد الرحيم وأدرك المخاطر الجمة التي تنتظر قيادة الثورة، حتى أنه وصف طريقا أخرى لأسعد القاسم منبها للمخاطر التي تحيط بعبد الرحيم واستهدافه من قبل الإنجليز وعملائهم في فلسطين.
وفي رأي الباحث أن داود كان يعلم أن عبد الرحيم معروفا للجميع بينما كان أسعد غير مغمور ومن الصف الأخير في الثورة.
وصلت وشايات للبريطانيين عن قدوم القائد عبد الرحيم إلى فلسطين، ويظهر أن عملاء الإنجليز، وبعض الحاقدين من العائلات الفلسطينية كانوا له بالمرصاد. والذين اتهموه بأنه كان وراء اغتيال شخصين في منطقة جنين هما محمد وأحمد أرشيد المعروفين بوطنيتهما، ومع أن الشهيد كان نظيفا من هذه الأعمال وأنكر علاقته وصلته بها ولكن الدس والتخريب طاله هو الآخر ولم يسلم منه.
راقب هؤلاء قدومه إلى صانور التي كانت غير بعيدة عن قرية الكفير القريبة. سارع العملاء بالوشاية عنه، ولم تكن المرة الأولى التي يشي فيها العملاء والجواسيس عنه، ورغم ذلك عملت القوات البريطانية على قاعدة أنه قد يصح الخبر هذه المرة، فأرسلت قوة كبيرة ورأت في حصاره والقبض عليه أو القضاء عليه فرصة لا تعوض خاصة وأنه رأس الثورة المسلحة ويشكل رمزا مهما من رموزها.
وقامت بفرض ثلاثة أطواق عسكرية على قرية صانور في منطقة جنين وتقدرهم بعض الروايات والمراجع بثلاثة آلاف جندي. صلى القائد عبد الرحيم صلاة الصبح وبلغه خبر الحصار وحاول الفكاك منه، حيث ركب فرسه وأرخى لجامها محاولاً اختراق الحصار في سهل القرية الذي كان مزروعا بالقمح إلا أن البريطانيين عاجلوه بإطلاق النار عليه، فخر شهيدا في صانور ومعه رفيقه في السلاح سليمان خليفة. بينما نجح رفيقه سعيد سليم باختراق الحصار بعد أن قذف بعباءته على محاصيل القمح فأصلوها نارا وقد ظنوا أنه أصيب، وقد بعث موته الحزن العميق في جميع أنحاء فلسطين، وبموته ضعفت الثورة، وأصابها الوهن، وعجز خليفته الثائر أحمد أبو بكر أن يسد الفراغ الذي نشأ في الثورة.
ترك الثائر الشهيد وراءه أربعة أبناء وهم: كمال وجواد وعبد الكريم وجودت وكان أرملا منذ عام 1934ولم يتزوج بعد وفاته.
وقد جاء في ذكرى وفاته أنه تحين الفرص للجهاد منذ شهر آذار 1936، وكان يرأس نواة من الشباب المستعد للتضحية والفداء وأصبحت نواة فصيله واستكمل جهاده مع القاوقجي وعندما خرج من البلاد أواخر سنة 1936 كان موضع تكريم أهل البلد، وفي واحدة أصيب بجراح بليغة ومكث شهرا يتطبب في الجبال والكهوف، وفي سنة 1939 استدعي من قبل زملائه لرسم الخطط للثورة وعاد لميدان الجهاد مملوءا بالحماسة وعرج على صانور وبات ليلة فيها مع بعض أعوانه وتوضأ وصلى الصبح وأنبأوه عن وجود طوق، تمنطق بسلاحه وركب جواده مخترقا نطاق الجمع، وكان معه سعيد بيت ايبا وسليمان خليفة واستشهد عبد الرحيم وأدى له العدو البريطاني تحية عسكرية، وحذر الجميع نقل جثمانه إلى بلدته وأمرهم بدفنه في الحال، ولكن المجاهدين لم يعبأوا ونقلوه إلى بلدته ذنابة.
وقد أوصى الملك غازي ملك العراق برعاية أبنائه وكان وثيق الصلة به ويتلقى منه النصح والإرشاد، ولم يمض على استشهاد الفقيد أسبوعين حتى وقعت الكارثة للملك غازي فقضت على حياته، ترك الفقيد أربعة أشبال اثنان منهم في الصفوف العليا في كلية روضة المعارف الوطنية والثالث في مدرسة الصناعة في مصر والرابع وأصغرهم سنا في كلية النجاح الوطنية.
كان نبأ استشهاده علامة حزن كبرى في فلسطين. أضربت البلاد وأغلقت الحوانيت، وتوقفت حركة السير وصدرت الصحف مجللة بالسواد، مما دفع السلطات لإعلان تحذيري في يوم 29/3/1939، وتحدى الناس وأعلنت حالة الطوارئ في يافا.
وقد ترجم المرحوم يوسف حنا عن الضابط البريطاني جيفري مورتن عن الوشايات التي كانت تصل له عن الثوار والإخباريات الكاذبة ولكنه كان مهتما بها حتى يقبض على عبد الرحيم وغيره حتى لو كانت واحد بالمائة، وقد وصفه بمكانته وأخلاقه عند الشعب وأن الرجل كان مؤمنا وقد دلته التحريات أنه يقضي ليلته في قرية أخرى غير صانور وكان مهتما بنفسه بملاحقته ولكن الرواية الكاذبة منعته من القبض عليه وقتله الجيش في صانور، ولم يكد يسمع الخبر حتى حضر عدد من الجنرالات الإنجليز ذوي الرتب الرفيعة لمشاهدته والتيقن من صحة الخبر.
أشادت الصحف الفلسطينية بمناقب الشهيد وأعلنت مختلف الجاليات وأعلنت الطائفة الأرثوذكسية حدادها وبدت غزة حزينة، وشاركت الجاليات الأجنبية الألمانية واليونانية وأعلنت حدادها، واهتزت طولكرم للنبأ العظيم وأضربت إضرابا شاملا وظهر الوجوم على محياهم.
ويذكر أكرم زعيتر جليل أعمال الثائر الذي كان محبوبا ومخلصا وتطرق للروايات والإخباريات والوشايات وتفاصيل الاصطدام مع القوة البريطانية، ويلاحظ أن السلطة لقبت الشهيد بالزعيم المعروف، وأن قائدا في الجيش البريطاني وقف أمام جثمانه الطاهر مع قسم من جنوده وأدوا التحية العسكرية له.
وقد صدرت بيانات النعي من إخوانه في مجلس قيادة الثورة ومن القائد عارف عبد الرازق، "في ذمة الخلود أخا حبيبا وكبيرا... لقد قضى الليث ولكن العرين سيخرج ليوثا، لا يخيفهم الموت، ولا تردهم المصاعب..." أما المجاهد عبد الحميد المرداوي فقد رثاه بأبيات شعرية وكلمات نثرية رقيقة ونقتطف منها:
شجرة الأرض تسقى بالماء وشجرة الاستقلال تسقى بالدماء
أبكي عليك وما أعز من البكا وأنوح إذ ناح الحمام وأسجع
مني السلام عليك ما هب الصبا يا نخبة الزعماء أنت الأروع
يا سيد الشهداء، قل لي يا أبا كمال ماذا دهاك وماذا حل بك يا خير ما نفديه أجل أيتها الروح الطاهرة، إنك تنادينا فلبيك لما توحيه إلينا للقضاء على الخونة اللئام على تلك الذرة المنحطة المرتشية بالدينار الإنجليزي المزيف الملطخ بالعار المغموس بدم الشهداء الأبرياء وضحايا الاستعمار الغاشم...".
ورثاه الشهيد عبد الرحيم محمود ونقتطف من درر شعره:
إذا أنشدت يوفيك نشيدي حقك الواجب يا خير شهيد
لا يحيط الشعر فيما فيك من خلق زاك ومن عزم شديد
أما الشاعر برهان الدين العبوشي فقد رثاه ومما قال:
عبد الرحيم أما علمت مكانه يا دهر فهو بنا كصحب محمد
يا قائد الثوار يوم كريهة أشعلت للهيجا لظى لم تخمد
وزرت قبره في قرية ذنابة عام 1986
ومما كتب على قبره:
يا زائرا لأبي كمال في الثرى عبد الرحيم ضحية الأوطان
أدع الإله له بقلب مخلص واقرأ له ما شئت من قرآن
مات عبد الرحيم وبقيت ذكراه راسخة في التاريخ الفلسطيني كرمز كفاحي مقاوم وشريف جمع بين الدين والوطنية والقومية وكان درسا في الأخلاق وعنوانا للوطنية الصادقة التي لا تشوبها شوائب رحم الله الشهيد وأسكنه فسيح جنانه وإنا لله وإنا إليه راجعون.
المصادر والمراجع:
الكتب:
ـ بهجت أبو غربية، مذكرات المناضل بهجت أبو غربية 1916ـ 1949 في خضم النضال العربي الفلسطيني، مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
ـ حسني أدهم جرار، شعب فلسطين أمام التآمر البريطاني والكيد الصهيوني 1920ـ 1939، دار الفرقان، عمان، الأردن.
ـ حسن صالح عثمان، فلسطين في سيرة البطل عبد الحليم الجيلاني، ط2، جمعية العنقاء الثقافية، الخليل2002
ـ زياد عودة، عبد الرحيم الحاج محمد بطل ...وثورة، الوكالة العربية للتوزيع والنشر، 1984
ـ نمر محمد سرحان، ومصطفى داوود كبها، بشير إبراهيم، القاضي والثائر في ثورة 1936ـ 1939
ـ يوسف رجب الرضيعي، ثورة 1936 في فلسطين دراسة عسكرية، منشورات شمس، 1982ط.
ـ مصطفى داوود كبها، ثورة 1936الكبرى دوافعها وانعكاساتها، نيسان 1988 ط1
ـ عزرا دنين، شخصيات ووثائق بالعبرية، 1944
الحوليات والبيانات
ـ بيانات ومنشورات الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد ويحتفظ الباحث بعشرة منها، ووردت في كتب أخرى.
ـ حوليات القدس، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الدكتور سميح حمودة، أوراق داود الحسيني: جوانب مستترة من النضال الفلسطيني في فترة الانتداب.
ـ مجلة الجليل، مقال من إعداد عبد العزيز أمين عرار، التي حررها ماهر دسوقي في رام الله صدرت لمرة واحدة عام 1994.
المقابلات:
ـ مقابلات ميدانية وشفوية: اللقاء مع ابنه كمال عبد الرحيم في قرية ذنابة عام 1986.
ـ اللقاء مع الشيخ عبد الفتاح المزرعاوي قائد منطقة رام الله في ثورة 1936ـ 1939في عام 1994 .
ـ اللقاء مع المرحوم أسعد القاسم من قرية عسلة رفيق الثائر فارس العزوني في عام 1998
ـ اللقاء مع فيصل عارف عبد الرازق في قرية الطيبة 1986
ـ اللقاء مع المرحوم محمود أسعد الخطيب في كفر ثلث 1985
المؤلف في سطور
ـ عبد العزيز أمين موسى عرار .
ـ مواليد بلدة كفر ثلث /محافظة قلقيلية 27/11/ 1957
ـ رب أسرة مكونة من 8أفراد.
ـ التحق بجامعة بيرزيت وتخرج فيها عام 1986 .
ـ حصل على شهادة الماجستير في جامعة النجاح الوطنية 13/6/2001
الأعمال والوظائف:
ـ عمل في صحيفة الموقف المحتجبة لمدة ست شهور، وكتب في العديد من المجلات والصحف العربية والفلسطينية.
ـ عمل مديراً للمركز القومي للدراسات والإعلام في رام الله عام 1993، وباحثا غير متفرغ في مركز الدراسات والتوثيق في جامعة بيرزيت.
ـ التحق بسلك التربية والتعليم في 1/9/ 1994 وعمل معلما لمادة الاجتماعيات.
ـ حصل على شهادة الماجستير في جامعة النجاح الوطنية 13/6/2001
ـ عين مشرفا لمادة التاريخ في محافظة قلقيلية في عام2003
المؤلفات والأبحاث:
ـ شارك وألف وكتب عددا من المؤلفات والدراسات والأبحاث منها:
ـ إصدار كتاب حرب الكرامة العربية عام1983، عن مطبعة جمعية العمال التعاونية في نابلس.
ـ إصدار كتاب القرية الفلسطينية بين المتحول والثابت، عن دار القلم في رام الله 1985.
ـ نشر كتاب السياسة العربية والمسألة الفلسطينية، عن مطبعة الوحدة 1986 ـ نشر كتاب بعض حقول الفكر عند القائد صدام حسين، عن مركز الدراسات القومية في مدينة رام الله، عام 1993
ـ إصدار كتاب قرية بيت جبرين رقم 23من سلسلة القرى الفلسطينية المدمرة عن مركز توثيق الأبحاث جامعة بيرزيت، عام .1995
ـ نشر كتاب حزب البعث لعربي الاشتراكي في فلسطين ودوره في الحركة الوطنية لفلسطينية 1948ـ 1982، المركز القومي الأعلام 2008 .
ـ إصدار كتاب سيرة الثائر فارس العزوني 1913ـ 1940 عن جمعية كفرثلث الخيرية، نشر عام 2005.
نشر العديد من الدراسات في مواقع مختلفة من مواقع الانترنت، منها: دراسة عن الشخصية العربية الفلسطينية من خلال الأمثال الشعبية .وسيرَّ كوكبة من شهداء كفرثلث، وكتاب قرية خريش المدمرة، .وأسباب ونتائج الحرب الإيرانية ـ العراقية وجذور الاتفاق الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ويعد دراسة عن أغاني الحب والوطن في الأدب الشعبي الفلسطيني.
حصل على عدد من الجوائز التقديرية في مسابقات بحثية وثقافية.
المعاناة والكفاح:
اعتقل وسجن إداريا ودون محاكمة، ومجموعها 8مرات وبلغت قرابة 5 سنوات بين أعوام 1978ـ 1991
الخبرات التعليمية والحياتية:
حاصل على العديد من الدورات التربوية والمجتمعية، وعمل مدربا ومتدربا في التنمية وحقوق الطفل، وحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ورئيسا لجمعية كفرثلث الخيرية، وعضو هيئة إدارية لنقابة المعلمين في المدارس الحكومية في محافظة قلقيلية






رد مع اقتباس
قديم 12-28-2012, 02:28 AM رقم المشاركة : 508
معلومات العضو
م .نبيل زبن
المؤسس
 
الصورة الرمزية م .نبيل زبن
إحصائية العضو







 

م .نبيل زبن غير متواجد حالياً

 


افتراضي


الثائر الشهيد عبدالفتاح خدرج

تهدف هذه المقالة إلى التعريف بسيرة وجهاد الشيخ المجاهد البطل الشهيد عبدالفتاح خدرج ، الذي بدأ نضاله في ثورة 1936،وسجن من قبل سلطات الاحتلال البريطاني ، وقد عاش المعاناة والمكابدة في الحرب العالمية الثانية ، وانعكست الأوضاع الاقتصادية السيئة التي عاشها الشعب الفلسطيني في واقعه الحياتي .
تم اعتماد مذكرات الشهيد وتتكون من 71 صفحة من الخط الكبير.وبعض الروايات الشفوية،وبعض المراجع المكتوبة عن بلدية قلقيلية.
3ـ المقابلات الشخصية مع الذين عاشوا في عصره أو كانوا رفقاء وجيران له.
نشأة الثائر الشهيد عبد الفتاح خدرج
ما أكثر أبطال الأمة الذين بذلوا الروح رخيصة في سبيل الله والوطن، وقد عبروا عن بطولتهم التي نبعت من نفس شجاعة وإيمان عميق بالله وبحقنا في هذه الأرض المقدسة، ولكن قلة منهم الذين تذكرهم كتب التاريخ وتتحدث عنهم، ولكنهم بقوا في ذاكرة هذا الشعب المحروم من ابسط حقوقه، حتى إن لم تذكرهم كتب التاريخ فنحن نذكرهم ، وقد قمت بهذا العمل كرد دين علينا كإفراد شعب نقدمه إلى من رفض الذل واحتلال الأرض في وقت كان فيه الناس في حالة إحباط وجهل .
فقام هذا الشهيد وغيره من الأبطال الشهداء بالدفاع عن الأرض من دافع داخلي وديني بحت تحر كة الغيرة على الوطن ومصيره، فقاوم في أصعب أوقات الحياة،وأحلك الظروف، حيث كان الحال الاقتصادي في أسوأ ما يكون ،كذلك لم تكن هناك وسائل إعلام ولا محطات فضائية لنقل الأحداث ولا صناديق أسلحة تخزن وتتلف دون أن تطلق منها رصاصة، فكان المجاهد يدفع ثمن الرصاصة من قوت يومه ومن قوت عياله ليشتري بها بندقية ويبيع مصدر رزقه أو ذهب زوجته حتى يدافع عن أرض نسيها الساسة ولم ينسها المجاهدين الذين رووا بدمائهم الزكية الطاهرة أرض الوطن ، ومن بين هؤلاء المجاهدين كان الشهيد عبد الفتاح خدرج حاضرا في دوره ووعيه.
وهو مجاهد له تجربة في صناعة الأسلحة في محددته وقام بتصفيح سيارة بالحديد وجعلها آلة حربية تضاهي المصفحة ،فشاركت في المعركة قرب قرية جلجولية في عام 1948 ، وهذا يعني أن فكرة صناعة السلاح بالاعتماد على الخبرات والإمكانيات الذاتية للفلسطينيين مبكرة لدى الشهيد .
تعريف بالشهيد:
هو عبد الفتاح محمد خدرج من مواليد قلقيلية 1913م وفيها تلقى تعليمه الابتدائي بعد أن درس في كتاب القرية، نشأ في بيت عرف بالتقوى وشجعته والدته على القراءة الدينية، منذ نعومة أظافره (1) ( قلقيلية ماض ماجد وحاضر رائد ومستقبل واعد، منشورات بلدية قلقيلية 1997م،ص5)
درس الحاج عبد الفتاح خدرج في كـُتاب القرية في قلقيلية في ذلك الزمان، لأنها كانت قرية صغيرة ، وأكمل تعليمه حتى الصف الرابع ، وخرج منها لأسباب اجتماعية واقتصادية، حسبما ورد في مذكراته التي كتبها، ويستدل منها أن تعليمه لم يتعد التعليم الابتدائي .
رغم ذلك كان الشهيد يحمل هموم المثقف وهموم الأمة ويحياه يوميا ، وكان مطلعا على أمور السياسة وملما بأمور الدنيا والدين .
حياته العائلية
كان الشهيد يعيش عيشة متواضعة ويعمل في الزراعة ،كان صبوراً يتحمل كل ما يجري له ويتغاضى عن الكثير من المشاكل ويسارع إلى أعمال الخير، وملتزما بأمور دينه ويقوم الليل.
حدثنا ابن خاله داود حسين من سكان قلقيلية في 17/4/2006 م ،قائلاً:ـ
"كان رجل دين ولو كان موجوداً إلى الآن لكان من قادة التيارات الإسلامية، وأدى فريضة الحج، وكان هادئاً إلى أقصى الحدود متواضعاً مع الكبير والصغير ".
و حدثنا كذلك محمد يوسف سعادة داود بتاريخ 25/4/2006م قائلا:ـ
" كنت جاراً وصديقاً للمرحوم في فترات حياته وكان سمح الخلق مع الناس وكان متوسط القامة وممتلئ يوصف بعز الرجال وهو متدين ومحبوب لدى الناس والثوار تزوج من فتاة من قبرص من أصل تركي وكانت مسلمة، أنجب منها عدة أطفال وكان يسكن في حارة دار شريم أصل عائلته وتقع في الجنوب الغربي لمدينة قلقيلية في مواجهة العدو مباشرة ".
حياته العملية:
بدأ حياته العملية بالزراعة فكان مزارعاً نشيطاً يزرع لكي يكسب قوته فكان كما أورد في مذكراته يزرع الخضراوات مناصفة أو على حصة محددة لأنهم لا يملكون الأرض وكان يزرع البطيخ والبندورة ويضمن كروم العنب من بعض الكروم الواقعة في السهل الساحلي الفلسطيني وتقع غرب قلقيلية.
وبعد مهنة الزراعة تعلم مهنة الحدادة حيث كان من أوائل الحدادين في مدينة قلقيلية ومهنته هذه كان لها دور في نضاله حيث كان يصنع الأسلحة في محددته والألغام بهدف تزويد المجاهدين بها للدفاع عن ارض فلسطين ،وهذا حسب قول شهود عيان .
حدثنا داود سلمان في مقابلة أجريت في 17/4/2006م :
"كان حداداً وكان يصنع الأسلحة ويقول انه صنع قنابل وألغام وقام بتصفيح سيارة للهجوم على اليهود ".
وحدثنا محمود يوسف سعادة في مقابلة أجريت في 25/4/2006م "انه كان أول حداد في قلقيلية وكانت محددته تقع مكان دار يوسف أبو صالح وكان يصنع بها كل شيء "
ويستدل مما كتبه أنه عاش حياة كفاح وضنك وهذا الواقع رسم تفكير الشهيد ، ومثل ذلك تعلقه بأمور الدين ، وقد بين الشهيد في مذكراته التي سنوردها في الفصل الرابع أن الحياة في زمنه كانت صعبة والخير بها قليل والفقر كان يعم أنحاء البلاد كافة، وكانت في تلك الفترة أسعار المواد الغذائية مرتفعة بالنسبة للدخل الذي يجنيه الناس فكانت السلعة الأساسية في تلك الفترة هي البرتقال فكان الانجليز يفرضون ضرائب باهظة وصارمة على كل من يحمل البرتقال إذا ازداد عن الكمية المحددة .
حياة عبد الفتاح خدرج النضالية حتى استشهاده عام 1948م
بدأ الشهيد حياته النضالية بالمشاركة في أعمال ثورية وجهادية وأي مظاهرة ضد الانجليز حيث كان يصنع في محددته المتواضعة بعض حاجات المجاهدين وذلك لقلة العتاد عندهم.
كان الشهيد حسب قوله في مذكراته انه كان مولعاً في العمل الوطني ويحترم المجاهدين فكان يمتدح الحاج عبد الرحيم الحاج محمد قائد قوات الثورة في فلسطين من قرية ذنابة فقد قال انه يرى نفسه مخطئاً بان كتب اسمه بهذا اللون في دفتره ، ويجب أن يكون اسمه مسطراً بماء الذهب وقد وصف استشهاده بالفاجعة الكبرى.
ويذكر أيضا انه كان من المؤيدين للإخوان المسلمين في مصر وقام بزيارة لمصر أكثر من مرة لطلب المساعدة للثورة حيث كتب في مذكراته هذه الأشياء، وكان أيضا من المعجبين بعز الدين القسام وعبد القادر الحسيني ومن أنصارهم و من ساروا على دربهم ، يقول الأستاذ عبد الرازق رشيد في مقابلة أجريت معه في 18/5/2006م " كان يتلقى العتاد والتدريب من عبد القادر الحسيني وكان له اتصال مباشر معه ".
ويروى أيضا أنه ليس هو الوحيد فقد كان له أخ اسمه زكي قد استشهد وهو ذاهب في عملية لقطع الكهرباء عن كفار سابا فصعق بالكهرباء.
واما اخيه عبد القادر الذي اشرف على تربيته وتدريبه فكان له باع طويل في المقاومة الفلسطينية المعاصرة ،حيث انتمى لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ، وقد قام بعدة عمليات ونجح في زرع العبوات الناسفة في سيارات المسؤولين الصهاينة ،إلى أن تم القاء القبض عليه وسجن مؤبداً.
المعارك التي خاضها الشهيد
عندما هدأت الامور في البلاد عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتظار وعود الانجليز قام رحمه الله في عام 1946م باداء فريضة الحج وعاد بعدها ليواصل مشوار النضال والكفاح من اجل كرامة وحرية وطنه، وفي 21/4/1948م.
عرف شهيدنا بجسارته وجرأته ولم يتوانى عن تقدم الصفوف الأولى في المقاومة لينال شرف الشهادة فتروي زوجته الى احفادها بانه كان دائماً يذهب في الليل ليهاجم اليهود وفي الأيام التي لا يذهب بها يقضيها قيام الليل، ومن اهم معاركه:
1ـ معركة الطيرة التي ذهب اليها بعض شباب قلقيلية لنجدة مدينة الطيرة من اليهود.
2ـ معركة بيارة الداعور حيث قام اليهود باحتلال هذه البيارة من العرب وتقع هذه البيارة الى الغرب من قلقيلية فما كان من الشيخ الداعور وهو صاحب هذه البيارة ان جمع اقاربة وبعض مجاهدي القرية ومن بينهم عبد الفتاح فقاموا بالهجوم على البيارة وخلال وقت قصير استطاعوا تحريرها من اليهود (1). ( مقابلة أجريت مع الاستاذ عبد الرازق رشيد في 18/5/2006.)
3ـ في شباط 1948 دمروا جسراً كبيراً من جسور السكة الحديدية تدميراً كاملاً يقع بين راس العين وبتاح وملبس (بيتح تكفا) وقام المجاهدين من ابناء القرى المجاورة بنسف جسور اخرى تقع على السكة نفسها (2).
حدثنا الاستاذ عبد الرازق ابو بكر في مقابلة اجريت معه بتاريخ 18/5/2006م حيث قال انه في هذا اليوم ذهب عبد الفتاح خدرج واخيه عبد القادر ومعهم مجموعة من ابناء قلقيلية لتدمير السكة الحديدية، فكان معهم ثلاثة اصابع من المتفجرات فقال ابحثوا عن احجار الطوب الفارغة في السكة الحديدية وذلك لوضعها فيها وقام بزرع المتفجرات ومدوا طريقا من البارود لاشعال المتفجرات، ولما لم يكفي هذا البارود قام بخلع حطته وارسل اخيه لاحضار السولار من بئر ماء قريب يعمل على السولار فاكمل هذه الطريق واشعلها لتفجر اثنين من الاصابع.
حينها بدأ الانجليز واليهود باطلاق النار بكثافة لمدة نصف ساعة وحين وقف اطلاق النار قال لهم انه يريد ان يذهب لاحضار المتفجرات التي لم تنفجر وقال لهم انه لا يريد ان يذهب معه غير اخيه، وبرر ذهابه هذا لاحضار المتفجرات لكي لا يستفيد منها اليهود ولان الثورة بحاجة اليها، ونجح باحضارها.
4ـ معركة هاكوفيش الاولى بتاريخ 6 نيسان 1948م وفيها هاجم المجاهدون العرب من قلقيلية المستعمرة التي تقع الى الشمال الغربي لمدينة قلقيلية.
حدثنا عبد الكريم برهم في مقابلة اجريت معه في 15/4/2006م انه عندما اشتد اطلاق النار كانت رابية(اي موقع متقدم) ما بين موقع المجاهدين وبين اليهود حيث تقدم إليها الحاج عبد الفتاح مع بعض المقاتلين وهم عبد الله عبد الفتاح سلامة ومناور من كفرجمال وحسن ابراهيم من قبلان، وعندما اشتدت المعركة انسحب عبد الله وانسحب مناور وتقدم علي الدية من العدو وكان هناك بما يقرب من 10 الى 15 شخص يهودي ، فاستشهد مناور وهو منسحب بالقرب من الدية وبقي الحاج عبد الفتاح وحسن ابراهيم الدية يقاتلون حتى استشهدوا واخذ العدو جثثهم ومن ثم سلمها الى المسؤولين في المدينة بعد يوم او يومين.
حدثنا داود سلمان في 17/4/2006م انه كان مع بعض رفاقه او مجموعة تتالف من ثلاثة افراد، ولما وقعت المعركة اشتد اطلاق النار وانسحبوا وتركوه وحده في الخندق في غرب قلقيلية فالتف عليه العدو من الخلف واطلق النار على رأسه وبقيت الخوذه على رأسه أكثر من خمسة سنوات معلقة في محددته وعليها اثار الرصاصات التي اطلقت عليه حيث اخترقت رأسه منهية حياة وقائد قل وندر أمثاله .
أثر استشهاده
حقق المجاهد أمنيته بعد تسطير ملحمة من البطولة والتضحية من أجل إعلاء كلمة الله ورفع الذل عن الاوطان.
كان الشهيد يتمنى الشهادة في كل مرة يخرج بها للقتال وكان يناضل في نهاره وليله ويهتبل الفرص مندفعا نحو غايته النصر أو الاستشهاد . كانت زوجته تروي لأبنائها قصة خروجه ليلاً و كلما عاد من عملية كان يلجأ الى الصلاة ويضرع الى الله القدير والدموع في عينيه ويتمنى ان يرزقه الله الشهادة.
نال الشهادة التي تمناها وذلك قرب رامات هاكوفيش حيث وقع رحمه الله في مصيدة الغدر اليهودي عندما اوهموه انهم عراقيون فاقتربوا منه كثيراً واحاطوا به وامطروه وابلاً من رصاص الحقد والغدر وكان رحمه الله ينتظر في ذلك الموقع مع بعض افراد الجيش العراقي واتفق واياهم على احضار كمية كمية من السلاح ليوزعها على المناضلين.
هبت قلقيلية وجوارها عقب سماعهم نبأ استشهاد هذا المناضل الكبير ورفع الاهالي اصواتهم بالتكبير والتهليل مرددين عبارات القسم بالانتقام لهذا البطل وشيع جثمانه الطاهر الى مثواه الاخير في جنازة مهيبة وكبيرة بعد ايام من استشهاده، وقد حضر جنازته الكثير من المجاهدين والابطال في كل انحاء فلسطين و توافد للتشييع بعض الاخوة من مصر وبهذا سجل تاريخ فلسطين صفحة ذهبية في كفاح قلقيلية التي كان عنوانها الشهيد الحاج عبد الفتاح خدرج (1). (منشورات بلدية قلقيلية ماض ماجد وحاضر رائد ومستقبل واعد 1997م ص96 )
زرع استشهاد المناضل عبدالفتاح بذرة المقاومة والعمل الوطني في نفوس الاطفال الذين نذروا ارواحهم فداءاً للوطن، فلم تتوقف المقاومة باستشهاده بل تواصل العمل والتضحيات فكان في كل يوم يسقط شهيد ويقتل من الاعداء وترك الشهيد بعده اخيه عبد القادر الذي لم يكن اقل منه وطنيه فقد كان مجاهداً ومناضلاً صلباً فكان مرافقاً وملازماً لأخاه في اغلب عملياته وتعلم عنه الكثير مثل صناعة الاسلحة والالغام فكان الجيش الاردني بعد التقسيم يستدعيه لتصليح بعض الاسلحة مثل المدافع والرشاشات في صوفين وذلك نظراً للخبرةالتي اكتسبها من مرافقته لاخيه طوال فترات المقاومة والنضال .
وضعت اسرائيل اسم عبد القادر على قائمة الاغتيالات من قبل المخابرات وبعض العملاء وكان هو يعرف ذلك عن طريق بعض العملاء وبعد ذلك ظهر التنظيم والمقاومة فانتظم هذا الرجل في المقاومة بعد عام 1965م الى ان اعتقل عام 1969م وحكم عليه بالمؤبد.
وبعد ذلك تم الافراج عنه في تبادل للاسرى وعاد ليعمل بنفس المهنة حداداً الى ان وافته المنية في حادث سير غامض.
مذكرات الشهيد
وهذه بعض صفحات من مذكراته والتي تبدأ بهذا الموضوع:
بسم الله الذي ألهمنا هذا وما كنا له مقرنين بسم الذي فطر السموات والارض وهو على كل شيء قدير اما بعد فهذا كتاب اريد ان اشرح فيه كيفية الحياة في عصرنا هذا ليكون تذكاراً لي ولمن بعدي والله يتولى الصالحين واني اوصي من قرأ بكتابي هذا ان يتعظ بهذه الوصية وانا احوج منه للايقاظ ولتقويم نفسي فنسأل الله الثواب وهي هذه الوصية:ـ
وصية سيدنا علي لاولاده
ولما ضرب ابن ملجم لعنه الله علياً رضي الله عنه دخل منزله فاعترته غشية ثم افاق فدعا الحسن والحسين رضي الله عنهما وقال:اوصيكما بتقوى الله تعالى والرغبة في الاخرة والزهد في الدنيا ولا تأسفا على شيء فاتكما منها فإنكما عنده راحلان، افعلا الخير وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً ثم دعا محمد ولده وقال له أما سمعت ما أوصيت به أخويك قال بلى قال فاني اوصيك به وعليك ببر اخويك وتوقيرهما ومعرفة فضلهما ولا تقطع امراً دونهما ثم اقبل عليهما وقال اوصيكما به خيراً فانه اخيكما وابن ابيكما وانتما تعلمان ان اباه كان يحبه فأحباه ثم قال يا بني أوصيكم بتقوى الله في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الرضا وفي الغضب والقصد في الغني والفقر والعدل في الصديق والعدو والعمل في النشاط والكسل والرضا عن الله في الشدة وفي الرخاء يا بني ما شر بعده الجنة بشر ولا خير بعده النار بخير وكل نعيم دون النار حقير وكل بلاء دون النار عافية يا بني ما ابصر عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ومن رضي بما قسم الله لم يحزن على ما فاته ومن سل سيف البغى قطع به ومن حفر بئراً لاخيه وقع فيه ،ومن هتك حجاب أخيه هتكت عورات بنيه ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره ومن أعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله زل ومن تكبر على الناس ذل ومن خالط الأنذال احتقر ومن دخل مداخل السوء اتهم ومن جالس العلماء وقر ومن مزح استخف الناس به ومن أكثر من شيء عرف به ومن كثر كلامه كثر خطؤه ومن كثر خطؤه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار يا بني الأدب ميزان الرجل وحسن الخلق خير قريب يا بني العافية عشرة أجزاء تسعة منها الصمت الا عن ذكر الله والعاشرة في ترك مجالس السفهاء، يا بني زينة الفقر الصبر وزينة الغنى الشكر يا بني لا شرف أعلى من الاسلام ولا كرم أعز من التقوى ولا لباس أجمل من العافية يا بني الحرص مفتاح التعب ومطية النصب .
تعليق: سبحان من اعطاه هذا العقل واللسان الكريم إجعلنا من المتعظين بقوله بجاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
حظوظنا في السجن
أمر الله تعالى أن أسجن بضعة أيام وقد خرجنا باعجوبة وهو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى ولكن ما طال الأمد الا ان ذهب عبد القادر ليشتغل في البرتقال هو وعبد الله الدعاس ومحمود ابو ذياب والشيخ خليل مسكه وفي طريقهم ليافا عن تل ابيب راكبين قارة* ولان الاطمبيلات ممنوعات فتشوهم وأخذوهم مع انهم لم يجدوا معهم شيئ ابداً ووضعوهم في سجن يافا وذلك في تاريخ 6/ذي القعدة/1357هـ وبعد ستة ايام قد فتش الجند دارنا ولم يكن موجود بها احد سوى زوجتي وكان التفتيش دقيقاً جداً ولكن الله على كل شيء قدير فانهم لم يتلفوا لنا شيء ولم يجدوا اي شيء عندنا والحمد لله رب العالمين والفضل ذلك كله للواحد القهار لك الحمد يا رب جربتك وعرفتك انت اهل التقوى واهل الوفا واهل الصدق وانت على كل شيء قدير سبحانك انت الحفيظ العليم وانت على كل شيء قدير يا رب سبحانك رقيب حفيظ تحافظ على من يعرفك وتستره، الله اكبر سبحانك عليّ عظيم فعال لما تريد وامرك المبرم بين الدول الله اكبر ومن أكبر منه حاشا وكلا ويمكرون والله خير الماكرين سبحانك ربي لا اله الا انت سبحانك ان كنا من الظالمين امنت بالله وملائكته وكتبه ورسله اللهم ثبتنا على دين الاسلام ولا تجعل الدنيا اكبر همنا والطف بنا في قضائك وقدرك لطفاً يليق بكرمك يا ارحم الراحمين يا واسع المغفرة يا رب العالمين يا الله يا الله يا الله ، وكذلك فتشت دور بقية الاشخاص الذين مسكوا معه ولم يمسكوا اي شيء ولكن دولة الضلال زجوهم في السجون اذ حكموهم ثلاثة اشهر بلا حق، ولا ايه حقيقة لك الله يا فلسطين كم فيك بلايا، لقد اصبح نباتك وهواك ومناخك كله نوائب وهموم الله الله كم تغيرت يا فلسطين في بضع سنين متى يرتاح فيك من فيك وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
اللهم عافنا من غلبة الدين وقهر الرجال
انه بتاريخ 13/ذي الحجة/1357هـ قد ذهبت الى يافا لنشتري بطاطه وكان المطلوب على حصتي 350 قرش تقريباً ولم يكن معي منها شيء وكنت واضعاً امامي احد اصدقائي في هذا الطلب وهو المخلص ابراهيم الحاج مصطفى فأخذت منه ال350 قرش بأول اشارة له مني
· في طلبهم وقلت له ان يستعد لدفع 650 قرش اذا بعثت له في طلبهم فاجاب بالمثل اللهم اعني على رد نقوده ومعروفه وليس قصور مني بل يجب عدم نسيان اخلاصه واكثر امثاله يا الله وصلى الله على سيدنا محمد.
انه بتاريخ شوال/1357هـ قد طوقت الكروم واخذونا الاثنين دون ان يظهر علينا اية تهمة فألفت حوت ما شاء الله لنا:
قصيدة السجن:

اول ما ابدى واقول صلوا على طه الرسول ينقذنا من كل هول سيدنا في المحشرا
ياما جرى وياما صار وياما مخفي في الاقدار سرحنا قبل نهار وروحنا اشكرا
ونحن نمشي بالطريق لاقانا اولاد الحريق والعسكر عملت تطويق وفتشونا مبادرا
وفتشوا كل الكروم ووقع في ذاك اليوم مئة رجل على المعلوم نقونا اولاد المرا
وركبونا في اطمبيل ووصلنا المركز بالتصجيل وهيئونا للرحيلاما ركبى مسوجرا
وسلمونا الى الجيش بطولكرم بعد التفتيش وقلوبنا صارت ترفش من اولاد الكلاب
وقصدونا على ناح وفكري براسي صاح وقال عبد الفتاح اين انت يا ترى
وقفونا امام العربان وعملونا فيها هالديوان وفي في القرنة قلتان علينا يشير ومشابرا
بحكم الموت انا قريت وبقلبي ياما بكيت وتمنيت يا ريتني ريت اكون بموتي مخيرا
لاتمنى من غير ميعاد واموت وسط الجهاد ولا يشتمونا الاوغاد في اسباع السحرا
وثاني يوم عصري ودورنا الاصلاحي وفي ادارة قويي ودونا برا
وزجونا في السجون مع شباب من فرعون واثنين ثلاثة مخلوطين بوسط اوظة مخصرا
اما جيش الملاعين امطوق قرية رامين جابوهم خمسة وسبعين مثل اجرار مكسرا
واخذوا فرقة مساكين وقالوا انكم متهومين وبالثوار متصلين عددهم بلغ عشرا
اما الاوظة الشامية صارت غصة بعيني وفي عشرين ومي قضوا الليل مساهرا
ثلاث ليالي مجمعين فوق بعضهم كالسردين انتصر في مخصصين وقسموها مشابرا
خرفونا شي عجيب بلدتهم خريت تخريب وما بقي لهم نصيب في متاع ومتجرا
جابوا الكرسنة والقمحات وخلطوهن بالجبنات والحقوهن بالزيتات وخلطوا معهن ذرا
اما الاواني والمتاع تعبهم منهم قد ضاع وكل منهم اظهر شجاع وصابر نفسو مصابرا
وراح منهم خمسة وعشرين على جيش الملاعين تحت الظلم مساكين اما عيشة مقاهرا
والشغل طول النهار وشغلتهم نقل الاحجار والدورية يا حضار بوخذوهم للمخاطرا
وتصاوب منهم اثنين تصيحوا المساكن وقالوا عرب ومسلمين تصار الضرب ورا
اما ذنابة وبلعا ودير الغصون ام القلعا هذول وقعن وقعا مع القوم الكفارا
اما علار وعتيلحالة تحزن بالاصل خلوا التيلا بالتمثيل فوق بعضها مدمرا
واخذوا منها السكان وولعوا فيها النيران حتى صارت كالبركان هذا فصل البربرا وقتلوا اربع شباب وراحوا بدون حساب اين الام والاتعاب تيجي ذوق المرمرا اما الرجال بالسجون ثورت بالعقل جنونه واولادهم يبكون بدنا خبز من الذرا
مسكينه ياهالبلاد مبليي بقوم عناد وعملولنا مرصاد على الجاجة في الموكرا وخلوهم سعادين فوق بعضهم كالدزينةونسيوهم مسجونين حبسي ونسوي اشكرا ولا جواب ولا سؤال ولا منين انت تعال خذلك هالحكم والفال عدد ستة اشهرا
ومنهم يقول يا ريتني ييجي السجن قسمتي واريح لفكرتي ولا حكم الكفرا
ولا اشوف اخواني بالذلة والاهاني ويجري دمهم قاني يبكي قلب الحجرا لو ان العالم تشوف عم تعمل فينا السيوفوقطعونا بلا خوف غير نخز الميسرا غير قلع الشوارب وخلع كل الحواجب والشاطر منهم هارب غير قلع الا الاظفرا ياما جرى في جيوس كانت بالدنيا عروس وقتلوا منها نفوس عددهم نصف عشرا اين الدولة والتمديين عيب عليهم مسكينين نحن شعب امنين بلعونا عملنا ثورا
اما الدولة مخزيي صارت صفر بعينيي وغايتهم وحشيي اما امر بربرا
انزلولنا اوغاد وبدهم نعطيهم البلاد يفتكروها لعب اولاد اما تياسة كفرا
ليفهموا انا ابطال وشهدت لنا الرجال ازيلوا هالحكم من بال مثل نيل القمرا
يقروا تاريخ العربان بعرفوا انا شجعان ثابتين في الميدان حتى اخر حجرا
ظلمونا بكل مكان وامنوا غدر الزمان وما بقي غير النقصان هذه حالة مصورا
عملوا فينا العجايب ونحن نكتب مصائب بيجي يوم يا حبايب نستد الدين بمكاسرا احسن حالة لدمي انا انموت ثورجيوالا نوخذ حرية الهدنة تاخذنا ورا
ما داموا هم الاغراب صابرونا بالعذاب فكيف بينا عجاب ان هجمنا اشكرى
انا عن رأيي بقول حكم الدول قرب يزول لأن الظلم معقول اعظم لضم مخطرا
امر الله المثقال يزيل الراسي من الجبال وكل مقدر من الازال صلوا على خير الورا
الحالة التي وصلت اليها البلاد
ان الحالة التي وصلت اليها فلسطين تبكي قلب كل ذي حرارة وطنية الله اكبر، هكذا يجري بنا نحن العرب المسلمين الله اكبر من بلاد تدمرت كل من جياع باتوا يتأوهون خصوصاً في تاريخ 3/ذي الحجة/1357هـ اي في نفس يومنا هذا فلا تسمع الا تطويق كل يوم يضم البلاد من نابلس عنبتا وطولكرم وقلقيلية وخربةكفرثلث ودير استيا وهلم جرة الله اكبر اين البراح من هذا المراح أما ما يجري في بلدتنا قلقيلية فهو كما يأتي، صار منع التجول من بعد المغرب وكان سببها الفعلة الشنيعة من اليد المجرمة كسر الله تلك العقول فصار الجند يطوفون في البلد طوال الليل لا يقرون ولا يهجعون حتى انهم في ثاني يوم من منع التجول قتلوا حسين الحاج علي رحمه الله تعالى اللهم تغمده في فسيح جنانك فانه رجل طيب يا اسفاه عليه استغفر الله بل علينا، لقد صار الجند يطوقون الدور ليلاً حتى ان اغلب الناس قد تركوا دورهم التي يكثر مرورهم فيها وصاروا يطرقون دور اشخاص لهم وجود ليلاً في اغلب الاوقات من كانت داره قريبة من طريقهم يومياً يطرقونها وحتى كبسوا الدواوين وفتشوها، لقد افزعوا الاهالي واقول والله الحق لقد اصبح الرجل بداره غير مطمئن حتى لا يطمئن ان يفتح بيته بداره ليقضي حاجته او ان يتلي قراءة او بكاء طفل لانهم من رأوا ذلك بداره يطرقونها ولربما يؤدي ذلك الى قتله كما صار بحسين الحاج علي الله اكبر ما هذه الحياة البائسة، لقد اثقلت كاهلنا اللهم لا تدمها علينا انك على كل شيء قدير يا قوي يا شديد يا رب العباد والبلاد اللهم اني اسالك اللطف يا لطيف يامن لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين اللهم يا ولي الامور انقذ فلسطين يامن امرك المبرم بين الدول وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين .
اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا
انه بتاريخ 12/ذي الحجة/1357هـ اردنا ان نشتري بطاطه زريعة لارض دار صالح الحمدان التي اخذناها على المثلث وطلبنا منهم ان يدفعوا لنا ثلثيهم في ثمن الزريعة لنشتري البطاطه والزبل الافرنجي فكان جوابهم ان العاده هي ان تدفعوا انتم وتحاسبونا عند النماء وكان قيمة المبلغ تقريباً 650 قرش الله اكبر ومن اين لي ذلك ان ادفع نصيبي وتذكرت ان امر على عبد القادر في السجن وبعثت له نصف جنيه واعطيت والدي من النقود التي له علينا 30 قرشاً وانا على اخر رمق مطمئن على ستر المصلحة دون فضيحتها امام الناس ودون ان احتاج لطلب ممن رجح عليهم الظن واعانني متأملا بالله ان لا يثقل كاهلي بالدين وان يذللني له الله اكبر لقد سد الفضاء امامي من طلبهم الذي الذي اراه شيئاً جديداً خلاف العشر جنيهات التي اضمر ان اخذها من الصديق فلان فصممت ان لا اطلب من احد وليس الان وقتهم واريد ان اطلبهم دفعة واحدة لاني هكذا ارى من المصلحة واريد ايضاً ان لا يشعر شريكه بضعفي وهو عبد الرحمن ومع اني اغبط عليه في دفع الحصتين ونحن في عوز الى مشترى البطاطه غداً من يافا وروحت من الحراث المغرب ومنع التجول بقي له عدة دقائق فاراد ان ادير النقود لشريكه ليبعث على البطاطه ويحضرها وانا ارجح ان اعمل في برنيكه كيف العمل الان هو الوقت اللازم لحضور النقود وغيره تاخير تركت شريكه وذهبت في هذا الوقت الباقي الضيق لصديق لي احضر من على الاقل جنيهين مجيباً لسؤالي فشعرت بذلول نفسي امامي فتمدد كلامي وشعرت باني من الاموات وكان جوابه ااتيت الان واخذ يعتذر بكلام حق مع وجود همته غداً فكانت صدمة اخرى لعدم توفيقها وتمنيت عدم السؤال ورجعت فقلت اريد ان لا يشعر شريكه مصطفى وان تأتي البطاطه غداً فكيف البراح من هذا المراح إلهي (ماذا ترى فيما ترى يامن ترى ولا تُرى) فاحببت ان احدث شريكي باني اريد ارسال مكتوب الى ابراهيم الحاج مصطفى مع من يريد احضار البطاطه ليأخذ من العشرة جنيهات الان في الوقت السابق للاوان، واخيراً بنظرنا الاثنين من المناسب ان نؤجل هذه المهمة لبعد غد لاتم عملي انا من برنيكه عساني اذهب الى يافا بنفسي اللهم اذكر لي هذه الاونة التي لحقنا بها الفقر وهي ومشاهدتي حول هذه الاطفال التي تطلب ان تعيش واخيرنا ثواب ذلك واجعل لنا من عبيدك الصابرين لقائك وقدرك والطف بنا يا ارحم الراحمين يا واسع المغفرة يا رب العالمين يامن لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين عاملني بغناك يا مجيب دعوة المضطرين يا الله يا الله يا الله اللهم اجعلني غني شاكراً ولا فقير صابراً وانت على كل شيء قدير وكرمك وسع كل شيء اللهم اغني بي عن ابراهيم وهو اول عشمي في خلقك لاعانتي فاقبل توسلي اليك واجعلني مديوناً لك ولا لأعز اصدقائي يا الله يا الله يا الله مالي غيرك وسواك فلا تطردني اني اليك من القاصدين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
تطويق المسجد بتاريخ 27/ذي الحجة/1357هـ
على اثر اخبارية الى الحكومة عند شيت اليهودي بعث نفراً من الجند من طرفه الى طولكرم واحضوا معهم بوليساً بريطانياً من طولكرم وفي وقت تحكيم الظهر تماماً ما احتاط الجند المسجد وعلى ظهر المسجد من الشمال والجنوب وكل الناس مجتمعين تماماً لصلاة الجمعة، وكان افراد من حامولتنا يحملون المسدسات تحفظاً من الخائن فارس العزوني وعند اتمام الصلاة اخرج الجند الناس من باب واحد وفتشوهم وبعد خلاص الناس نزلوا في المسجد وفتشوه تفتيشاً دقيقاً ولموا جميع الحصر وغمروا الحفر وفتشوا المصاحف لهم عرباً ومسلمين، النهاية وجدوا ستة مسدسات واربعة وخمسين طلقه وخرجوا والقوا القبض على سبعة اشخاص منهم اربعة من البلد والباقون اغراب ولكنهم والله ما جاهدوا ولا عاكسوا الحكومة بشيء اللهم ما اجهل الحكومة وقد اوجعت هذه الحالة جميع البلد لعنة الله على الخائنين الذين خانوا انفسهم ودينهم ووطنهم ونسأل الله ان ينقذ البلاد مما تعانيه من الازمة بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم.
الفاجعة الكبرى
انه بتاريخ 8/صفر/1358هـ قد اذاع الراديو على هذا الشعب الكبير نبأ مقتل قائد قوات الثورة في فلسطين وهو (عبد الرحيم الحاج محمد) من قرية ذنابة، وارى نفسي مخطئاً بان اكتب اسمه على هذا اللون ولا يكون مسطراً عندي بماء الذهب وباعظم من ذلك ان كان يوجد عندي وما كان الناس يسمعون هذا الخبر حتى اضربت جميع البلاد الفلسطينية وجميع السيارات ومرفأ يافا اضراباً عاماً وشاملاً وحزناً على هذا البطل الشهيد ذا الدين القويم الذي ضرب مثلاً علا للثورة بجهاده الشريف الخالص لاعلاء كلمة الله، في عصر ذلك اليوم ردد الخبر بان القتيل غير باكمال حتى حقى المصاب على البلاد وفي ثاني يوم تحقق الخبر وبقي الاضراب مستمراً ورفعت الاعلام السوداء وحقاً ان الشعب اصيب بفاجعة كبرى، كأن كل فرد من الشعب قد فقد احب الناس اليه حتى اصابه هذا الوجد والالم عليك رحمة الله باكمال.
سيرته في الثورة
كان هذا الرجل هو من اول العاملين في ثورة فلسطين والمخلصين لها حتى بلغت السنة الرابعة والثلاثين وقد ظهرت الثورة مرة اخرى، وما زالت اعماله الشريف ترفعه درجة درجة حتى قاد الثورة في فلسطين واقر له جميع الشعب بالطاعة دون ان يكلفوا بذلك، وكان هذا الرجل حكيماً عاقلاً شجاعاً مخلصاً لله تعالى في جهاده ولا تأخذه في الله لومة لائم ذا سيرة حسنة مع الشعب لين شديد جبار، وربما كانت مواقفه بوجه الاستعمار هي العامود الفقري في جسم الثورة ولا استطيع ان اذكر اكثر من هذا حيث لم اعرف عنه ما يتطلبه موقف المدون للحاجة الى معرفته تمام المعرفة ومعاشرته زمناً طويلاً حذراً ان يغلط بجانب هذا الشريف مع السلامة باكمال فزت بها دنيا واخرة وهنيئاً للفائزين.
مسكينة يا فلسطين
الله اكبر كيف الخلاص من هذه الالام كل يوم فلسطين تفاجئناً بهمّ جديد يا الهي اهل فلسطين دون لها ولاهلها الشقاء والمتاعب الى يوم يبعثون يا رب لا ارى عصراً هادئاً صافياً على فلسطين يا رب هل تصيبنا الفواجع على شان نحن ساكنين في فلسطين ام السبب حيث موجود افراد خونة باعوا انفسهم بالدرهم وبالدينار يا رب انك تسأل كل عن نفسه فكيف يا رب تفجع هذا الشعب المسكين بمقتل عبد الرحيم بذنب فرداً خائناً ام هي يا رب فلسطين ام تريد يا رب لقاء هذا الاسد الحقيقة كلها فواجع فلسطين ان خرجنا منها عار علينا وان بقينا مش مرتاحين الله اعلم خلقت في القضاء والقدر بهذا الشكل ليميز الله الخبيث من الطيب وليظهر الصالح من الطالح والشقي من السعيد نسأل الله ان يكتب لنا الشهادة مع القبول ورحمة الله عليك باكمال له منا الفاتحة.
اعتقال عبد القادر
انه اعتقل يوم الجمعة بتاريخ 29/12/1938م في تل ابيب وكان ذاهباً ليشتغل في البرتقال وبعد ايام قلائل ذهبت ليافا وقد سالت الدكتور سعيد الدجاني ليكلف احد الناس ان كان يستطيع فكلف ضابطاً بذلك ولكن لم يفد، الحكومة لا تسمع الموظفين العرب وكم بحثت وترجيت وكله ذهب ادراج الريح وقد اخذنا اخر جواب ان ترك الامر خوفاً من ان تتمسك الحكومة بهم اي عبد القادر والذين مسكوا معه، وقد شعرنا بخير بانهم حكموا ثلاثة اشهر فبعثنا له استرحامات بالانجليزية لحاكم اللواء الجنوبي القائمقام بيافا فلم يفد ذلك وبعد انتهاء المدة حكم ثلاثة اشهر اخرى فبعثنا له ايضاً ثلاثة استرحامات للحاكم والقائمقام ولم يفد ذلك وبعد قبل انتهاء المدة بقليل بعثنا له استرحامات على لسان الوالدة والمخاتير وطلبنا اطلاق سراحة او نقله للمدرسة الاصلاحية لانه صغير في السن فانتهت المدة فحكموه ثلاثة اشهر ايضاً فضاقت حالتنا وتاثرنا كثيراً فذهبت بنفسي الى نابلس لدار طوقان لان لنا معرفة معهم حيث الوالد وقف بيارى عندهم وقد عملت تحريراً على لسان والدي ليساعدونا في المهمة التي نرغبها ومع الاسف لم نتمكن من مقابلة احدهم فذهبت بنفسي لسليمان طوقان لانه المعارض المشهور وكلمته مسموعة عند الحكومة فوجدت عليه الحرس بالمسدسات وقال تكلم فطلبت ان انفرد به فابى وبقي سامعاً ما اقول له عن معرفتنا بهم حتى قلت نريد مساعدتك لنا فان لنا اخا معتقلاً فاجاب بانه لا يتدخل بنهره وطردني فسكت برهة ورجعت قافلا فاردت ان اهب للشكعة فتغلب علي عقلي ومنعني ثم رجعت ثاني يوم للبلد ولما وصلت طولكرم ذهبت لدائرة الاصلاحية واخذت تصريحاً ليافا وكتبت استرحامات وقدمتهم لرئيس القسم وقائم اللواء حتى مضى ما لم يقل عن شهر من الثلاثة اشهر الثالثة حتى بدأت الحكومة تطلق سراح المعتقلين فاستنظرناه ثم ذهبت امي ومرت عمر الحاج حسن ومريم عندهم وقد بعثنا قبلها له اغراض واكل ومرتبانات مع مرت عمر الحاج حسن ومرة ايضاً معها وبعثنا اختي ورده وبعثنا له اول مرة 50 قرشاً وبعث لنا مع وردة اختي 75 قرشاً لانه كان يبدي طواقي واخر مرة لم ياخذ نقود وبقيت المصلحة حتى اطلق سراح محمود ذياب التي القت عليه القبض الحكومة معهم وانه اشار ان السبب بذلك اخاه بواسطة دار طوقان لانه بياري عندهم فلما سمعت ذلك انهدمت قوتي واقول الحق اني روحت الى الدار يائساً وقد اثقل كاهلي الهم وتركنا المصلحة واطلق سراح عبد الله دعاس والشيخ خليل تبع مسكه وهم ايضاً مسكوا معه فلما اتت البشارة لهم ذهبت مسرعاً امتطي بسكليت وانتظرنا القطار فلم يكن معهم عبد القادر فرجعت ولله الحمد راجياً من الله اخراجه هذا ما مر علينا عقبات من جراء اعتقال عبد القادر مع اني لم اذكر اية مشقة فما عانينا من نفس الذي وقع وانه كان طيلة اعتقاله همنا الوحيد نرجو الله اخراجه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
يوم النزوح عن البلدة قلقيلية والهبوط في يافا
انه بتاريخ 13/رجب/1358 الموافق 28/اب/1939م كان هذا اليوم يوم نزوحنا عن البلد وسكوننا في يافا وان جميع ما نملكه في هذه الاونة جنيهين ونصف تقريباً مع اني لا اعلم ما يوفقنا اليه الله من العمل والحصول على المعيشة ومع ان عندي وخز الضمير على ذلك مستبشراً بالمستقبل فنسأل الله التوفيق على كل شيء انه على كل شيء قدير.
بقيت اصابر نفسي حتى خرج عبد الفتاح من السجن وقد اسلمته ارض دار صالح الحمدان وكان فيها ما لا يقل عن 13 دونم بندوره ودونمين ملفوف ودونم قمبوطة ودونم فجل ونصف دونم سبانخ ودونم بيتنجان وقد تركت عنده الوالدة واخوتي ورحلت بعيالي واخذت الوالدة معنا ليطمئن قلبها مؤقتاً وان في حسابي ايضاً ان يأتي اخي على اخر الخضريات وان يشتغل في البرتقال بآخر السنة ثم ندخل في شركة السكب حداداً انشاء الله في ما ذكرنا وانا اتدبر في عمل لي ثم ادخل ايضاً حداداً اشاء الله فنسأل الله التوفيق لما يحبه ويرضاه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

الطبيب يقول ان والدي في اخر حياته
بتاريخ 10/ربيع ثاني/1365هـ في صباح هذا اليوم قد ذهبت انا وامي وزكي لزيارة ابي فقررنا زكي لخدمته في النهار وينام في الخان عند ابراهيم الحاج مصطفى في الليل حتى يدبر الله امراً وامي أتت لتسامحه فلما دخلت وجدت ابي نائم مقلب العينين فاتح فاه قليل لا يخفى بتأخير فأتى التمرجي المصروف بحذاقته وهو فرحان فقال يا عبد الاحسن روحوه فهو فانه تعبان واذا مات هنا تتغلبوا فيه حتى يروح فذهبت للدكتور وسألته وقال الاحسن روحه فقلت له الن تجرحه قال لا مش محوجة وهنا قد ثقل علي كيف الغيار عن رجله وهي منتنة ومفتحة وتسيل وسخ ما يزعج الخواطر ويجرح القلوب فقال لي فرحان بعينك الله اذا كان تغير له مرتين او ثلاثة وهنا دفعت اجرة الاسبيطار وكان موجود اسعد الحاج حسن فقلت له اذهب وآتي باتمبيل فجاب وركبنا معه وافهمته ان امي اتت لتسامحه فقال خلي امك تركب بجنبي ولما نزلناه من الاتمبيل الى الدار تغيرت حالته وارتخت اعضاؤه وكأن لا روح فيه ولما وصلنا البيت ارخى رأسه على الكرسي وقد بال ماءاً على نفسه ففرشنا له وكان عندي كاوشوك تبع عجل اتمبيل فقطعته نصفين وشققته كالثوب وغطينا الفرشة به وغطيناه بشريطة حسنة ونيمناه وفي الليل نبهتني مرت ابي ان تعال فجئت وكان قد مضى ثلثي الليل تقريباً فمكثت عنده تارة أقرأ قرآن وتارة دعاء وقبل الفجر قد اتى عمي احمد وبقي للصبح وثاني يوم قد اتيت تقريباً من نصف الليل وبقيت للصبح مرة اقرأ وتارة اضطجع حتى اصابني البرد وشعرت بتعب في جسمي من البرد فرأيت ثاني يوم ان انام عندهم فأحضرت فرشة ومخدة ولحاف ونمت قريباً منه حتى امكنني من اول كلمة يقولها وكت واقفاً فوق رأسه محضراً له ما شاء وكان طيلة هذه البرهة حاضر العقل والسمع والبصر والشم ولا يخفى عليه شيء هنا طلبني وقطعت وهو تعبان وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
ـــــــــ
* فرمشية :كلمة إنجليزية الأصل وتعني الصيدلية






رد مع اقتباس
قديم 12-28-2012, 02:29 AM رقم المشاركة : 509
معلومات العضو
م .نبيل زبن
المؤسس
 
الصورة الرمزية م .نبيل زبن
إحصائية العضو







 

م .نبيل زبن غير متواجد حالياً

 


افتراضي


الشهيد النقيب محمد سعيد باعباد

أول شهيد يخضب الأرض الفلسطينية بدماء حضرمية يمنية
الصاروخ طريقي إلى الجنة
بقلم: غسان دوعر
في سبيل الله قدمت حياتك فداء لدينك وأرضك... في سبيل الله خرجت من بيتك وأرضك وديارك... أملك في بيت في الجنة، وفي عيش أهنأ عند ربك... في سبيل الله تركت مالك وأهلك وآثرت ما عند الله، هكذا كان محمد سعيد باعباد جندياً عظيماً وقائداً عظيماً.


وعندما كان عليه أن يختار بين منهجين، اختار الأصعب: تقدم إلى الميدان ليكون بين إخوانه جندياً مخلصاً حيث كان دائماً موقعه، مع أن بإمكانه أن يسترخي في إحدى العواصم العربية يجني أوسمة المجد ونياشين البطولة والإقدام، ووعود المستقبل الآمن في ظل الرفاهية القادمة والتي يظفر منها الكثيرون بنصيب، ولكنه اختار الجهاد بصدق، ليرحل عن هذه الدنيا شهيداً نظيفاً، كما كان في هذه الدنيا مجاهداً نظيفاً.


لم ير الشهيد محمد سعيد باعباد غير الجهاد القائم على التخطيط والإعداد طريقاً لتحرير فلسطين، فكان دائم الحديث بين إخوانه أن الجهاد أصبح فرض عين على كل مسلم، وأن فلسطين ستكون بالنسبة له السوق التي يربح فيها الصفقة مع الله، ويفوز بإحدي الحسنيين.
ولعل الكثير لا يعرفون أن النقيب الركن محمد سعيد باعباد، الضابط السابق في جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي سابقاً)، من طلائع العاملين المخلصين في حقل الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة، الذين يؤمنون أن المقاتل الذي لا يصدر عن إيمان وعقيدة لن يثمر سلاحه في المعركة مهما كانت حدة هذا السلاح.
نسبه:
محمد سعيد علي بن أحمد بن حسن بن الزين باعبّاد، وأل باعباد أشهر مشائخ حضرموت، إذ يقول الشاطري في كتابة ( أدوار التاريخ الحضرمي ): هم من أعرق القبائل حيث يرجع أصلهم إلى العصور الإسلامية الأولى، جدهم الجامع في حضرموت عبدالله بن محمد باعباد الملقب بالقديم المولود سنة 616 هـ والمتوفي سنة 687 هـ، ويرجع نسبهم إلى البيت الأموي في قريش.(1)
والمشائخ آل باعباد كانت لهم هجره إلى أرض الساحل للدعوة إلى الله من القرن السابع الهجري، وهناك بنوا المساجد وأوقفوا الأوقاف لنفع وتعليم المسلمين، ويمثلون من أغلبية سكان الساحل.

الميلاد والتنشئة:
ولد الشهيد محمد سعيد باعباد في الثاني عشر من أيلول/سبتمبر عام 1941م بقرية قصيعر بالمشقاص في حضرموت اليمن، وهو الابن الثالث لأسرة متوسطة الحال كانت تتكون من خمسة ذكور وثلاث إناث.
كان والده الشيخ سعيد بن علي بن الزين باعباد رجل قوي التدين، ربّى ابنه تربية إسلاميه واعتنى بغرس الأخلاق والصفات الحسنه فيه منذ الصغر، فنشأ منذ صغره طالباً للعلم، هادئاً، مواظباً على العبادات، باراً بوالديه، شفيقاً بإخوانه وأخواته، محباً للمسلمين: يُسرُّ لأفراحهم ويحزن لأتراحهم.
عندما بلغ محمد السابعة من عمره كانت المدرسة الابتدائية في قصيعر تفتح أبوابها في عامها الأول، فالتحق بها وأنهى سنينها الأربع بنجاح، وبدأ يتطلع للدراسة في المدرسة المتوسطة في غيل باوزير.
التحق محمد بالمدرسة المتوسطة بغيل باوزير في العام الدراسي 1955/1956م، وكان والده يشجعه على الدراسة ويحثه على الاجتهاد، فكان محمد عند حسن ظنّ الجميع، إذ واصل تفوقه الدراسي في المدرسة المتوسطة وأنهى دراسته بها في عام 58/59 م. ولأن هذه الدرجة من التعليم كانت أقصى ما يوجد في البلاد أيام السلطنة القعيطية، فكّر محمد بالذهاب إلى الكويت لمواصلة تعليمه الثانوي.

الدراسة الثانوية بالكويت:
ولأن رغبة محمد في التعليم كانت أقوى من كل الظروف، وبعد موافقة والده الذي يكنّ له حباً شديداً ويثق به فلا يرفض له أي طلب، ذهب محمد بطريقة ما إلى المهرة واستخرج جواز سفر من سلطانها، وسافر منها بحراً إلى الكويت بتاريخ 21/5/1959م.
وفي الكويت، نزل محمد في بيت أحد أبناء منطقته واستطاع أن يجد عملاً، وفي أوقات فراغه كان يتابع اتصالاته بالهيئة العامة للجنوب والخليج العربي التي تقدم المنح الدراسية لطلاب جنوب الجزيرة العربية واليمن، وبعد جهد ومتابعة متواصله، حصل الشهيد على منحه للدراسه في ثانوية الشويخ.
في أثناء دراسته الثانوية، وتحديداً في عام 1961م، اجتاحت الكويت - كغيرها من الدول العربية - مسيرات منددة بانفصال مصر وسوريا، فطلب وزير التربية الكويتي من الطلاب العرب الذين كانوا غالباً السبب في خروج هذه المسيرات، الرحيل إلى أي دوله يختارونها، فاختار الشهيد محمد باعباد مصر.

العودة للوطن بعد الجامعة:
وفي مصر، التحق محمد باعباد بالكلية الحربية مابين عامي 1962- 1965م، وكان عميد الكلية في ذلك الوقت الفريق محمد فوزي الذي تولى فيما بعد قيادة القوات المسلحة المصرية، وتخرج الشهيد من الكلية الحربية بشهادة بكالوريوس في العلوم العسكرية وضابطاً برتبة ملازم أول مع مرتبة الشرف.
عاد محمد إلى أرض الوطن في عام 1965م، والتحق بالجيش النظامي في السلطنة القعيطية، حيث تولى قيادة سرية بسلاح المشاة بعد أن رقّي إلى رتبة نقيب، واستمر في هذا العمل إلى عام 1967 م، وبالذات إبّان الاستقلال حيث عاش محمد فترة عصيبة من حياته.
يقول أحمد سالم الكسادي، أحد زملاء الشهيد: « في تلك الفترة كانت هناك محاولات لاحتوائنا، وكان يبدو أنها ستلجأ إلى التصفية، إذ لم نستطلع إن كان كل مايدور حولنا يتسرب إلى هذه الجهات... عندها اكتشفنا أن هناك زملاء بيننا يتجسسون علينا وينقلون مايدور بيننا، فكان علينا أن نهرب، وبالفعل، تمكن بعضنا من الهرب بطرق عجيبة، ولم يكن لذلك من خيار، فقد كان الأمر: إما الفرار أو الموت... كان معظمنا من خريجي الجامعات المصرية بالذات الكلية الحربية ».
وفي هذه الظروف، زار الشهيد محمد سعيد باعبّاد مسقط رأسه قصيعر لآخر مرة، والتقى بوالده في جلسة طويلة على شاطىء البلدة.
في تلك الجلسة، أخبر محمد والده بأنه سيذهب ولن يعود، وإن عاد فبعد سنوات طويلة، ولم يستطع الوالد إقناع ابنه بالعدول عن هذا القرار حيث استسلم للأمر الواقع، خاصة بعد أن أبلغه الشهيد أنه نتيجه لصراعات مابعد الثورة، واستيلاء الشيوعيون على السلطة في جنوب اليمن، حكمت السلطة الجديدة عليه بالإعدام لما رأوا فيه من خطر عليهم، لتمسكه بدينه وجهاده من مبدأ العقيدة.
ظنّ الشيخ سعيد بن علي بن الزين باعباد بعدها مقبوضاً على ابنه الذي غادر إلى مصر بتاريخ 3/2/1969م.ولم يعرف أحد ما كان يخطط له الضابط الشاب، غير أن بعض الكلمات التي تحدث بها لأقرب أصدقائه بحضرموت تدل أنه كان مقدماً على حياة جديدة. إذ كان دائماً يقول لأصدقائه: « إن المعركة الحقيقه بين الحق والباطل ليست في حضرموت، فالعدو الحقيقي هم اليهود والشهادة الحقيقه هي هناك ».(2)
تلبية نداء الجهاد:
ولكن مصر لم تكن سوى محطة من محطات حياة النقيب محمد سعيد باعباد الجهادية، فلم يستقر به المقام هناك، إذ التقى قيادات الدعوة والحركة الإسلامية، غادر بعدها إلى الكويت، ليصبح أحد الأعمدة الرئيسة للمشروع الجهادي للحركة لما حدثت نكبة 1967م حيث ضاعت فلسطين وسيناء والجولان، ويئست الناس من الحكومات والجيوش العربية واتجهت نحو العمل الفدائي.
يقول عنه المستشار عبد الله العقيل، الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي والقيادي في الحركة الإسلامية الكويتية آنذاك: « أول من عرفني به هو الأخ الكريم القاضي الفاضل عبد القادر العماري حيث أخبرني أنه من ضباط الإخوان المسلمين في اليمن، وأنه مجاهد صادق، وعسكري متمرّس، ومسلم ملتزم، وأوصاني به خيراً ».
ويضيف المستشار العقيل: « وحين شرع إخواننا من مختلف البلاد العربية في استنفار الأمة لاستعادة كرامتها التي أُهينت في نكبة 1967م، تلك الهزيمة النكراء... تحرك الإخوان المسلمون هنا وهناك يهيبون بالأمة المسلمة، أن تثأر لكرامتها، وأن تمسح العار... فاستجاب نفر من شباب الإسلام، من مختلف البلاد العربية والإسلامية، ولبوا النداء مسرعين إلى ميادين التدريب، ومعسكرات الإعداد، التي أقامها الإخوان المسلمون على الحدود مع اليهود 1968م، وكانوا من جنسيات وبلدان مختلفة، ومن هؤلاء أخونا محمد سعيد باعباد من اليمن الشقيق، حيث الإيمان يماني والحكمة يمانية، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ».(3)
تعبئة قبل الرباط:
عمل الشهيد في البداية على نشر الوعي بقضية فلسطين في الوساط الشعبية وبين صفوف أبناء الحركة الإسلامية، إلى جانب إلهاب مشاعر المسلمين وحثهم على الجهاد والتضحية، وهذا الجهد لا يمكن تقديره إلا في ضوء الظروف التاريخية التي عمل من خلالها محمد سعيد باعباد، فلم تكن ثورة الاتصالات على هذا النحو، ومن ثم فإن الوصول بقضية ما إلى القواعد الجماهيرية كان يتطلب جهداً دؤوباً، وحركة قريبة من نبض الجماهير والتغلغل في أوساطها، وقد عمل الشهيد باعباد على استشارة الحس العقدي والقومي من أجل إشعال جذوة البذل والعطاء في سبيل نصرة قضية فلسطين.
كان شهيدنا رحمه الله ـ نشيطاً، عالي الهمة، سريع الاستجابة للخير، يألَفُ ويُؤْلَفُ ـ
مع وفد يطوف العالم الاسلامي من إخوانه يحث على الجهاد بالمال والنفس، ويتذكر المستشار عبد الله العقيل لقاءه بالشهيد أثناء زيارته للكويت: « لقد سعدنا بزيارته لنا في الكويت، وكانت لنا معه أحاديث عن دور الحركة الإسلامية المعاصرة، وما يجب عليها في مثل هذه الظروف، وواجب الشباب المسلم تجاه ما يجري للأمة من تقطيع أوصالها وإبعادها عن دينها، وتنفيذ مخططات أعدائها، في حرب الإسلام وأهله والبطش بالدعاة والتنكيل بالعلماء وإسكات كلمة الحق، وإعلاء شأن الباطل، والركوع أمام مطامع اليهود والمستعمرين الصليبيين، وقد كان – رحمه الله – جذوة متقدة من الحماس، ومرجلاً يغلي من الغضب على أعداء الإسلام وعملاء الاستعمار، والمرتزقة المأجورين ».(4)
ومع أهمية هذه المهمة التي اضطلع بها النقيب محمد باعباد، إلا أن ذلك لم يكن طموحه. ولذلك، حين سنحت الفرصة للرباط والجهاد، التزم الشهيد بالقواعد الفدائية في غور الأردن، وكتب الدكتور محمد أبو فارس، القيادي بالحركة الإسلامية الأردنية، في كتابه شهداء فلسطين عن ذلك: « كان شهيدنا رحمه الله مع وفد مهمته الطواف بالعالم الإسلامي ليحضه على الجهاد بالنفس والمال، وجلب المتطوعين لقواعد الإخوان المسلمين، وكان زميلاه أجنبيين ليسا عربين أحدهما تركي والآخر اندونيسي، ولما مر هذا الوفد بالقواعد، واطلع رحمه الله على الحياة، وعاش يوما من حياة المجاهدين بالقواعد، قرر أن يبقى في القواعد يقاتل العدو، وهو صاحب خبرة عسكرية والعمل الميداني بحاجة إليه، فاعتذر لأخويه عن الاستمرار معهما في المهمة، إذ يمكن لغيره أن ينضم إليهما ويستمر الوفد في المهمة ».(5)
الصاروخ طريقي إلى الجنة:
« لايهمني في أي لحظه يختارني فيها القدر، ولكن كل مايهمني أن أكون في ساحة الجهاد المقدس، لكي يكون موتي بداية لطريق الجنه التي وعد الله بها المجاهدين في سبيله، وسأصدق الله إلى أن تحقق الآية الكريمة: { من المؤمنين رجالا صدقوا ماعاهدوا الله عليه منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا }... إن أقصى ما ابتغيه وما أرجوه أن أسافر إلى الجنة بطلقة مدفع أو بصاروخ موجه... لي أملان: أولهما الجهاد في سبيل الله وقد تحقق، والثاني أن استشهد في سبيله، وقد يتحقق إن شاء الله ».(6)
هذه هي أبلغ الكلمات التي كان يرددها الشهيد البطل محمد سعيد باعباد، وكتبها في مذكراته التي حفظها أفراد مجموعته في آخر عملية يقوم بها على أرض فلسطين المحتلة ليسجل اسمه في سجل الخادين.
كان رحمه الله جريئاً، مقداماً، يلبي أمر قائده إذا ندبه دون تردد أو بطء، بل يهب مسرعاً، وقد يكون قائده أقل كفاءة منه، فلا يؤثّر ذلك في نفسه.
كانت المجموعة الفدائية التي قادها الشهيد تحمل رقم 29، ومع أنها كانت تتبع قواعد الشيوخ للحركة الإسلامية، إلا أنها أيضاً كانت تعتبر من الناحية الرسمية من الوحدات التابعة لقوات العاصفة، الجناح العسكري لحركة فتح، وفق الاتفاق بين جماعة الإخوان المسلمين وحركة فتح.(7)
وكانت بيانات قوات العاصفة عن المجموعة (29)، تقول بأنها من أخطر خلايا حركة فتح التي زعزعت كيان العدو الصهيوني، وزرعت الرعب والذعر في صفوف جنوده. فقد اختصت هذه المجموعة الفدائية بتنظيم دوريات استطلاعية على نهر الأردن لإجراء الدراسات العسكرية والمسح الميداني استعداداً للعمليات الهجومية القادمة. كما برزت مؤهلات وخبرة النقيب محمد باعباد العسكرية في استطلاع منافذ العبور إلى الضفة الغربية المحتلة.(8)
هذا كل ما أتمناه:
آمن الشهيد محمد باعباد أن طريق الجهاد في سبيل الله هي الطريق من أجل إحقاق الحق واسترجاع الوطن السليب، وكانت هذه الروح الجهادية المخلصة تتفجر في كل مهمة أو عملية يقوم بها.
ولعل حديث الفدائي (ابن عمار)، وهو أحد رفاق الشهيد يعبر عن هذا المعنى، حيث يقول: « في أول عملية قام بها الشهيد البطل، كنا سوياً، وقد طلب مني أن أريه نهر اليرموك، وكانت مهمة شاقة فعلاً، قال بعدها: لو لم نكن قد مارسنا العسكرية، لما استطعنا أن نسير هذه المسافة، ولم أكن أعلم أنه خريج للكلية الحربية في القاهرة، ولكنه اكتفى بقوله هذا ثم قال: هذا كل ما أتمناه أن أموت هنا، إن أقصى أملي أن أرى الجنة، وأحمد الله بأني على الطريق ».(9)
ويضيف فدائي آخر قدم نفسه باسم (عمار): « أود أن أبين ملاحظة لعملية سبقتها، لأنها ترتبط بها اً جذرياً، ففي العملية الأولى كنت والشهيد وأفراد الوحدة نسير متجهين إلى هدفنا في الأرض المحتلة، وكان من بين أفراد المجموعة أخ لنا جميعاً رحمه الله وهو الأخ أبو الحسن، وقد كان مخلصاً إخلاصاً لا يوصف للشهيد محمد باعباد، وكان الاثنان مثالاً لنا جميعاً: مثالاً للنزاهة ومثالاً لكل فدائي عاهد الله على الجهاد، وفجأة اشتبكنا مع كمين إسرائيلي، واستمر الاشتباك حوالي ساعتين، استشهد على أثرها الشهيد أبو الحسن، واضطررنا بعدها للعودة إلى قواعدنا، وعلى الرغم من روابط الإخاء بين باعباد والشهيد إلا أن باعباد استطاع كتمان ما في نفسه ».(10)
وقفة المؤمن الصادق:
في الساعة الثامنة من مساء يوم الإثنين الموافق 24 / 4 / 1970م كان الشهيد باعبّاد مع قوة من المجموعة 29 في دورية استطلاعية على نهر الأردن حين اكتشفت قوات الاحتلال الصهيوني أمرهم في منطقة المشروع شرقي اشدوت يعقوب بعد أن أنجزوا المهمة المطلوبة منهم، فخاضت المجموعة الفدائية معركة عنيفة ضد العدو استمرت أكثر من ساعة، دفع العدو خلالها بنجدات كبيرة إلى المنطقه محاولاً الالتفاف حول المجموعة الفدائية.
وعندها تسابق المجاهدون فيمن يحمي انسحاب رفاقه، أصر شهيدنا على أن يكون هو الذي يحمل وسام الشرف، واستطاع أن يشق ثغرة في الحصار ليسقط بعدها شهيداً يروي الأرض الفلسطينية بدماء حضرمية يمنية بعد أن مزق الرصاص جسده.(11)
ولنعد لقصة استشهاد النقيب محمد سعيد باعباد برواية زميله الذي يقول: « صدرت إلينا الأوامر بالتحرك إلى منطقة تلعد حوالي مائة كم عن إحدى قواعدنا، وتقتضي تصوير بعض المناطق والمستعمرات اليهودية، وأن نحصل على استطلاعات كاملة للمنطقة المذكورة.
تحركنا كالعادة على متن سيارات قواعدنا تارة وتارة أخرى سيراً على الأقدام في الأرض المحتلة، وكنا نتحدث في همس، وكان يظهر على الشهيد علامات الاستبشار والفرح، وقد حاولنا أن نتبين حقيقة ما تحمله نفسه في تلك اللحظة، وهو الذي عرفنا عنه الصبر والصمت والهدوء. فقد عاش بيننا كأي فدائي آخر، لا يغره منصبه، ولا تعلية رتبته حتى لم نكن نعرف عنه سابقاً بأنه يحمل ماجستير في التربية الإسلامية إلا بعد استشهاده.
حاولت أن اسأله: أرى أنك مستبشراً خيراً هذه المرة، فيرد الأخ: إنني أقرب الآن إلى الجنة من الأرض، بل إنني أرى يا أخي وجهي في الشهيد أبو الحسن يدعوني، وقد صدق بإخلاصه ووفائه، ولحق بأبي الحسن، فهنيئاً له في صحبة أبي الحسن وإخوانه الشهداء ».(12)
لا يكفي أن أعرف تاريخ أمتي:
ومن بيان حركة فتح عن الشهيد نقتطف الفقرات التالية: « البطل الشهيد المناضل النقيب محمد سعيد علي باعباد (أبو السعيد) من أبناء جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.
ولد ابن فتح وبطل الثورة الفلسطينية في بلدة قصيعر في حضرموت في عام 1941، وفتح عينيه ليجد الأرض العربية من حوله وقد أذلها المستعمرون.
منذ سنواته الأولى كان محمد ثائراً. كان يتطلع للتغيير... كان يريد أن يرى الأرض العربية وقد تخلصت من عار الجهل والتبعية والتخلف.
ولكأن به يشعر أن الإنسان العربي يجب أن ينتصر على نفسه أولاً فيقضي على مظاهر الجهل والتخلف فيها، فانكب على العلم ينهل من ينابيعه الكثير... كان مبرزاً في دراسته... كان يدرس تاريخ أمتنا ومثلها وتقاليدها وأخلاقها، وكان في سلوكه مثلاً للتمسك بأهداب الأخلاق والدين.
وإلى جانب هذا، كان يبحث عن طريق يخدم فيها وطنه وأرضه... التحق بالكلية الحربية في القاهرة... تخرج منها عام 1965 ليعمل ضابطاً في جيش جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.
ولم يكتف بطلنا الشهيد بما حصل من علم عسكري... راح يدرس في القاهرة من جديد ليحصل على ماجستير في الدراسات الإسلامية، وبعد أن فرغ من ذلك، بدأ يعد للتعمق في دراسة القضية الفلسطينية، وعندما استشهد كان قد قطع شوطاً بعيداً في الإعداد لماجستير في الدراسات الفلسطينية.
من الكلمات التي ينقلها عنه رفاقه: كنت أدرس... كنت لا أترك كتاباً إلا وأبحث عنه... ولكنني كنت أشعر أن هذا لا يكفي... لا يكفي أن أعرف تاريخ أمتي...».(13)
شيّعته ثلاث دول:
شيعت جنازته في أكثر من قطر عربي، ففي البداية شيعته جماهير الأردن إلى مطار ماركا ليتم نقل الجثمان الطاهر إلى الكويت، إلى أن وصل لمدينة عدن، عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
لقد خرجت عدن بقضها وقضيضها لاستقبال جثمان الشهيد محمد سعيد باعباد، وما إن رأت الجماهير الغفيرة الجثمان حتى هتفت من أعماقها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، الشهيد حبيب الله، طريق فلسطين طريق الاسلام.
بهذة الألفاظ الصريحة وفي ظل النظام الشيوعي الحاكم لعدن مما يدل على أن الأمة الإسلامية، مهما تسلط عليها الطغاة والبغاة، ومهما حاولوا طمس الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهي فطرة الإسلام، فلن يستطيعوا ذلك أبدا.ً(14)
الوصية الاخيرة:
تم العثور على قصاصة ورق في بنطاله الذي استشهد فيه، يطلب من إخوانه المجاهدين أن يدفن عند وفاته في مسقط رأسه قصيعر حضرموت، وقبره معروف إذ أنه دفن إلى جانبه قبر الشيخ العارف بالله الذي نشر الدعوة في قصيعر ونواحيها: الشيخ المشهور عبدالله بن خالد باعبّاد.(15)
دمعة على الشهيد:
وقد رثاه كثير من الشعراء، ومنهم الدكتور محمد الشيخ محمود صيام بقوله:

خل عنك البكاء فليس التماد ْْ ْ ْ فيه تشفى إلا صدور الأعادي
خله إنه كما قيــل فيــــــــه ْ ْ ْ غير مجد في ملتي واعتقادي
والشهيد الذي نشيّعه اليوم ْ ْ ْ بجمعٍ مفتت الأكباد
لا يريدُ الدموع ينشدُ السير ْ ْ حثيثا على طريق الجهاد
فهو يدري أن الدموع تلاشى ْ ْ ْ وتعود الحياة كالمعتاد
بيد أن الدماء توقِظُ شعباً ْ ْ ْ قد تمادى في غفلة ورقاد
نم قريرا أبا سعيد وها هم ُ ْ ْ ْ إخوة الروح من جميع البلاد
نم قريرا وسوف نكمل شوطا ْ ْ ْ كنت فيه من خيرة الرواد
نم قريرا وسوف نمضي على الدرب ْ ْ ْ ففينا آلاف باعبّادِ
ومن قصيدة الشاعر عبد الرحمن البرغوثي:
ياشهيد القدس يا فادي البلاد ْ ْ ْ نلت ماكنت تتمنى من مراد
ياسعيد الاسم والحظ معا ْ ْ ْ قد بذلت النفس في ساح الجهاد
هكذا تسن الألي من يعرب ْ ْ ْ يوم ساروا لعلاء من غير زاد
غير زاد المصطفى في مكة ْ ْ ْ فأفيقوا يارعاة الانقياد
واغسلوا العار عن الأقصى فقد ْ ْ ْ طفح الكيل فأين الاتحاد
اتحاد الجسم لايكفى بلاء ْ ْ ْقلبُ إيمان يدق الاظهاد
واحفظوا العهد لأبطال الفداء ْ ْ ْ ليس في الإسلام من يرضى الرقاد
حين يرضى الظلم من قد أسلموا ْ ْ ْ فقدوا الاسلام وارتد العباد
منذ ان ثارت اسود في الحمى ْ ْ ْ ادرك الخازون ان الفتح عاد
وجزاء سوف يلقون غدا ْ ْ ْ شأن قوم قد تردوا بالفساد
حضرموت قدمت ما انجبت ْ ْ ْ افهمتم يارؤوس الارتداد
فأعدوا للأعادي فتية ْ ْ ْ ترفع الراس لتطهير البلاد
واعيدوا للدنى ماجهلت ْ ْ ْ غضبة الثوار طلاب العباد

ومن قصيدة الشاعر عبد الرحمن البرغوثي:
ياشهيد القدس يافادي البلاد ْ ْ ْ نلت ماكنت تتمنى من مراد
ياسعيد الاسم والحظ معا ْ ْ ْ قد بذلت النفس في ساح الجهاد
هكذا تسن الألي من يعرب ْ ْ ْ يوم ساروا لعلاء من غير زاد
غير زاد المصطفى في مكة ْ ْ ْ فأفيقوا يارعاة الانقياد
واغسلوا العار عن الاقصى فقد ْ ْ ْ طفح الكيل فأين الاتحاد
اتحاد الجسم لايكفى بلاء ْ ْ ْقلبُ ايمان يدق الاظهاد
واحفظوا العهد لأبطال الفداء ْ ْ ْ ليس في الاسلام من يرضى الرقاد
حين يرضى الظلم من قد اسلموا ْ ْ ْ فقدوا الاسلام وارتد العباد
منذ ان ثارت اسود في الحمى ْ ْ ْ ادرك الخازون ان الفتح عاد
وجزاء سوف يلقون غدا ْ ْ ْ شأن قوم قد تردوا بالفساد
حضرموت قدمت ما انجبت ْ ْ ْ افهمتم يارؤوس الارتداد
فأعدوا للأعادي فتية ْ ْ ْ ترفع الراس لتطهير البلاد
واعيدوا للدنى ماجهلت ْ ْ ْ غضبة الثوار طلاب العباد


ـــــــــــــــ
(1) راجع كتاب الشواهد الجلية ص 74 لمؤلفة المؤرخ ( عبدالله بن حسن بلفقيه العلوي )
(2) شبكة حضرموت العربية الإلكترونية، 27 أيار/مايو 2003م.
(3) عبد الله العقيل، من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة ( القاهرة:دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2005) الطبعة الرابعة، ص ص301-302.
(4) عبد الله العقيل، مرجع سابق، ص302.
(5) محمد أبو فارس، شهداء فلسطين (عمان: دار الفرقان للنشر والتوزيع، 1990) ص380.
(6) حسين عبد الله، "من عدن إلى جنة عدنٍ"، مجلة المجتمع الكويتية، العدد الثامن، 5 أيار/مايو 1970م، ص8.
(7) الدكتور توفيق يوسف الواعي، موسوعة شهداء الحركة الإسلامية في العصر الحديث: الجزء الأول (الكويت: دار البحوث العلمية، 2004) ص 556.
(8) حسين عبد الله، مرجع سابق، ص8. والدكتور توفيق الواعي، مرجع سابق، ص556.
(9) حسين عبد الله، مرجع سابق، ص8 وص9.
(10) حسين عبد الله، مرجع سابق، ص8.
(11) محمد أبو فارس، شهداء فلسطين، مرجع سابق، ص380






رد مع اقتباس
قديم 12-28-2012, 02:32 AM رقم المشاركة : 510
معلومات العضو
م .نبيل زبن
المؤسس
 
الصورة الرمزية م .نبيل زبن
إحصائية العضو







 

م .نبيل زبن غير متواجد حالياً

 


افتراضي


المجاهد حسن القطان الحموي...اليافاوي..!!


ليست المصادفة وحسب هي التي جمعتنا في مدينة حماة بالسيدة الفاضلة، أرملة المرحوم المجاهد (حسن حمدو القطان).
لقد كنا في (مؤسسة فلسطين للثقافة) نبحث في مخيمات شعبنا في الشتات عن المجاهدين العرب، ومن بينهم أبناء فلسطين، الذين ساهموا في المعارك ضد الحركة الصهيونية قبل قيام دولة الكيان الصهيوني، والذين ما زالوا يحفظون في صدورهم كثيرا من المعلومات عن مراحل هذا الصراع، ولم يتطوع من يرتب وينظم هذه المعلومات وينشرها لتشكل جزءا حيا من تراث جهاد شعبنا العربي والفلسطيني ضد الكيان الصهيوني.
وفي مخيم اللاجئين الفلسطينيين في محافظة حماة، تطوع من يعرفنا بالسيدة رفيقة درب المجاهد القطان، وهي سيدة في العقد الثامن من عمرها، لكن ذاكرتها لا زالت تحتفظ الكثير،وكلامها يأتي موثقا.
حين علمت أننا من اسرة (مؤسسة فلسطين للثقافة) جلبت لنا الوثائق المتعلقة بمفاصل من مسيرة المجاهد القطان التي نجت من التلف والضياع ووضعتها بين أيدينا وهي تقول: هذه أمانة، شلتها من عنقي ووضعتها في عنق مؤسستكم، إن كل ما أريده هو أن يتم تقديم المجاهد حسن للناس، خصوصا للأجيال الطالعة وهو الذي كان على استعداد في كل حين لبذل دمه دفاعا عن أرض الشام، وكل بلاد العرب والمسلمين.




وسأعترف من جانبي أنني سمعت باسم (حسن القطان) في الفيلم المصري (الطريق إلى إيلات) الذي وثق لعملية حقيقية نفذتها البحرية المصرية في (إيلات) على البحر الأحمر، وكان الضابط القطان أحد قادتها.
أما (حسن القطان الحموي) فهو من مواليد حي الحاضر بحماة عام 1905، ولدينا شهادة من المجاهد محمود بن مصطفى فرج الملقب (طافوحه) والقاطن بحي بين الحارين في مدينة حماة، ومن المجاهد سعيد ترمانيني ، ونص الشهادة الأولى جاء هكذا:
"أشهد بأن السيد حسن حمدو القطان من أهالي حماة، اشترك معنا في ثورة 1925، وكان بين الأوائل الذين شهروا السلاح في وجه المستعمر الفرنسي وبقيادة المناضل الكبير فوزي القاوقجي وسعيد العاص، وإنني إذ أرفع لكم هذه الوثيقة شهادة خالصة لوجه الله والتاريخ بأن المناضل السيد حسن المذكور اشترك معنا في الثورة اشتراكا فعليا، راجيا أخذ ذلك بعين الاعتبار، ودمتم عونا للثوار الذيت عاهدوا الله الزود (الذود) عن الوطن والدفاع عن حياضه لأخر قطرة في (من) دمائهم" ثم بصمة محمود فرج التي شهد على صحتها مختار محلة الباشوره



الشهادة الثانية مرفوعة من المجاهد سعيد ترمانيني وهذه هو نصها:
"إلى من يهمه الأمر..
أشهد بأن السيد حسن حمدو القطان من أهالي حماة قد اشترك معنا بثورة حماة عام 1925 وللبيان وقعت –التاريخ 24/9/1972" وقام بالتصديق عليها عبد الغني موسى باشا –كان يعمل أمينا لسر المحافظة-.



علما أن المجاهد حسن القطان يحمل بطاقة عضوية في (رابطة رجال الثورة السورية الكبرى) منذ 1/5/1960 وواظب على دفع الاشتراكات والتبرعات في مقر الرابطة بدمشق.















المعروف أن رابطة رجال الثورة السورية الكبرى تأسست عام 1955، وتضم في تشكيلها وبموجب هويات رسمية مرخصة يحملها رجال وأبناء وأقارب المجاهدين الذين شاركوا في الثورة السورية الكبرى في كل المحافظات والبلدات السورية، وتعتبر هذه الرابطة تابعة إداريا وتنظيميا لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
لقد بدأت عمليات مقاومة الغزو الفرنسي في سورية منذ تشرين الثاني/نوفمبر عام 1918 –مع نزول القوات الفرنسية الغازية على الساحل السوري- ثم اتسعت العمليات في المناطق الداخلية مع توسع انتشار قوات الغزو، وشهدت جبال اللاذقية انتفاضة فلاحية واسعة -عام 1919- شارك في قيادتها عمر البيطار وعز الدين القسام وصالح العلي، وانتفاضة حوران والجولان (1920) وجبل الزاوية (بقيادة إبراهيم هنانو) ودير الزور عام (1921) وجبل العرب (1922) ثم توحدت هذه الانتفاضات والهبات في الثورة السورية الكبرى، التي انطلقت من جبل العرب ثم إلى غوطة دمشق والمدينة، خروجا إلى محيطها ومحيطه.
لا تقدم لنا الوثائق المتوفرة أي معلومة عن كيفية خروج المجاهد حسن حمدو القطان من حماة إلى يافا في فلسطين، وهل كان ذلك بعد أن صدرت ضده أحكام فرنسية، ومااذا كان قد غادر إلى الأردن أولا مع القائد سعيد العاص.
الذي وصل إلينا هو أن (حسن حمدو القطان) الذي شارك في الثورة السورية الكبرى وعمره حوالي 20 عاما، غادر مدينته حماة وعمره 22 أو أكثر قليلا ليقيم في الأردن ومن بعدها في مدينة يافا، وهناك اشتغل بتجارة الألبان والزيوت والفواكه الطازجة والمجففة، وفلسطين كما هو معروف أرض خيرات، وأقام شركة بشارع القدس في يافا باسم (شركة إنتاج الفواكه العربية)، وكانت الفواتير الصادرة عن الشركة تحمل اسم (حسن القطان الحموي- تجارة وقومسيون).


وقد اعطته الغرفة التجارية العربية بالقدس –في عام 1951- شهادة بأنه كان في زمن الانتداب السابق مستوردا لكافة أصناف المعلبات في مدينة يافا.



القطان مجاهدا:
لدينا بين الوثائق رسائل موجهة من المجاهد المعروف السيد (عثمان الحوراني) أمين سر جمعية تحرير فلسطين بحماة، (الذي أطلق اسمه على مدرسة ثانوية في حماة) وجهها باسم (الأخ المجاهد الكريم حسن القطان المحترم..)
في الرسالة الأولى المؤرخة في الرابع من شباط/فبراير 1948 بعد المقدمة:
"كتبنا إلى المراجع العليا بوجوب إتمام نواقصكم في السلاح واللوازم، وجاءنا الجواب من تلك المراجع بأنهم قاموا بالواجب من إتمام نواقص المجاهدين الحمويين في يافا، فنرجو أن يكون الأمر كما قالوا.. نرجو أن تخبرونا عن الأشخاص المذكورين وهم: خالد محمد عدي ونافع وعبد الفتاح النشمي وعبد القادر البيطار.، هل هم بين المجاهدين، كما نرجو إخبارنا عمن يستشهد من الحمويين في ميدان الشرف والجهاد).
الرسالة الثانية تحمل تاريخ الثالث والعشرين من شباط/فبراير 1948 وجاء فيها:
"إننا لنعتز ونفاخر بعملكم وبأعمال إخوانكم في ميدان الجهاد المقدس.. أرجو أن ترسلوا كتابا يحوي قائمة بأسماء المجاهدين العاملين من الحمويين في يافا مع بيان عوائلهم المحتاجة للمساعدة لنقوم بالواجب نحو عائلاتهم".

















مع الشيخ المجاهد حسن سلامة:
وثيقة أخرى هي عبارة عن رسالة موجهة من (قائد جيش حماة الأقصى) الشيخ المجاهد حسن سلامة موجهة إلى السيد حمدي أبو النيل يطلب فيها منه الاجتماع مع حسن القطان وموسى البنا وعبد الحفيظ ومختار البلدة القديمة ورئيس حمالي الجمرك –في مدينة يافا-.. وان يعقدوا جلسة مستعجلة (بخصوص الموضوع الذي يشرحه لكم السيد حسن القطان، وتبتوا فيه).
المجاهد حسن سلامة من قرية القوله قضاء اللد، أسهم في الحركة الجهادية عام 1936 وأصبح من قادتها البارزين، بعد توقف الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 سافر إلى سورية ولبنان والعراق حيث شارك في ثورة رشيد عالي الكيلاني، وبعد فشل هذه الثورة سافر إلى ألمانيا ليتدرب على المزيد من فنون القتال، ويعود عام 1943 مع ذي الكفل عبد اللطيف وثلاثة من الألمان، هبطوا بالطائرة في سهل أريحا، فاعتقلهم الإنكليز وتمكن حسن سلامه من الاختفاء في جبال القدس. ولما أعلن عن تقسيم فلسطين عام 1947 عاد إلى المنطقة العسكرية التي يقودها وتمركز في رأس العين، واستشهد في الثالث من حزيران/يونيو 1948 وهو يقود المعركة في رأس العين، ودفن في قريته (قوله)-.
ولدينا أيضا الخبر الذي نشرته جريدة (نداء الوطن) البيروتية وجاء فيه "قدم حماة المجاهد الكريم السيد حسن قطان أحد كبار التجار الحمويين في يافا، وأحد الذين ساهموا مساهمة فعالة في تغذية النضال السوري ضد الصهيونية الخبيثة، وكانت له اليد الطولى في تأليف (فرقة حماة المسجد الأقصى) من المجاهدين الحمويين المقيمين في يافا وضواحيها، وقد أبلت هذه الفرقة بلاء حسنا في معارك الجهاد الأخيرة..".


والخبر الثاني نشرته جريدة (الوقت) الحلبية وهذا نصه:
"هبط الشهباء التاجر المحترم السيد حسن قطان من أهالي مدينة حماة والمقيم حاليا في مدينة يافا، وقد وقف نفسه للجهاد ضد الصهيونية الغاشمة منذ ابتداء الثورة في فلسطين عام 1936 حيث اشترك فيها وأبلى بلاء حسنا، ثم اشترك في القتال الحالي في فلسطين حيث ألف فرقة من إخوانه الحمويين أسماها (فرقة سعيد العاص) مؤلفة من مائة مجاهد ونيف تمركزت في منطقة تل الريش في يافا. وقد اشترك في عدة معارك كبرى، وساهم في نجدة المجاهدين في معركة وادي الصرار، ودير عصيون والقسطل.


هذا جزء يسير من سيرة ومسيرة المجاهد حسن حمدو القطان عسى أن نكون قد وفينا بالوعد الذي قطعناه للسيدة الفاضلة أرملته التي التقيناها في مخيم اللاجئين بمحافظة حماة.






رد مع اقتباس
إضافة رد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:49 AM بتوقيت عمان

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
[ Crystal ® MmS & SmS - 3.6 By L I V R Z ]
mess by mess ©2009