مع فتح باب الترشيح للانتخابات النيابية يوم امس - الاحد، بدأ العد العكسي والجدي ليوم الاقتراع العتيد الواقع في التاسع من شهر تشرين الثاني المقبل، كما انطلقت اوسع عملية منافسة وشد حبال بين الجهات الرسمية والحكومية الحريصة على توسيع قاعدة المشاركة الانتخابية·· ترشيحاً واقتراعاً، وبين القطاعات الحزبية والنقابية والاعلامية الداعية، بقيادة الحركة الاسلامية، الى مقاطعة هذه الانتخابات، وافراغها من مضمونها الوطني والجماهيري·
وبالنظر الى ان رهان دعاة المقاطعة على احتمال تأجيل الانتخابات قد فشل واصبح وراء الظهر، خصوصاً بعد التأكيدات الملكية في الكرك وعجلون على ضرورة اجرائها، فقد تمترس هؤلاء الدعاة في خط الدفاع الثاني المتمثل في مباشرة اوسع الحملات الشعبية لحث الناخبين على البقاء في منازلهم وعدم التوجه يوم التاسع من الشهر المقبل الى مراكز الاقتراع·
ورغم ان الملك قد عمد الى دعم الحكومة بشكل شخصي ومباشر في الدعوة للمشاركة الانتخابية، حين حث جلالته المواطنين خلال زياراته التفقدية الاخيرة للمحافظات، الى التوجه بهمة ونشاط الى صناديق الاقتراع، الا ان الحكومة وملحقاتها مازالت متخوفة من تدني نسبة المشاركة الشعبية في التصويت، حيث تدل المؤشرات الحالية على ان هذه النسبة لن تزيد كثيراً عن 20% من اجمالي المسجلين في الجداول الانتخابية·
وفي تحذيرات حكومية مباشرة للجان المعارضة التي وسعت من نشاطاتها الداعية للمقاطعة الانتخابية هدد نايف القاضي، وزير الداخلية في تصريحات رسمية يوم امس الاول - السبت، بان الحكومة لن تسمح بالتجاوز على القانون والاجراءات المعلنة تحت اية حجة، ولسوف تتصدى بكل ما تستطيع لاية محاولة تستهدف تعويق او تشويه العملية الانتخابية·· فيما لجأ موسى المعايطة، وزير التنمية السياسية الى لغة اكثر مواربة وهدوءاً، حين صرح في ذات اليوم بان من يقاطع الانتخابات لا يعاقب الا نفسه·
ورغم ان التنافس المركزي والاساسي يدور اليوم وغداً بين الدوائر الحكومية، وبين قوى المعارضة والمقاطعة بقيادة الحركة الاسلامية، الا ان منافسات - وربما صراعات- خفية وجانبية تدور هذا الاوان ايضاً بين دعاة المشاركة انفسهم، وتحديداً بين الحكومة وانصارها من جهة، وبين فيصل الفايز وحلفائه من جهة اخرى·
فقد علمت "المجد" ان سمير الرفاعي، رئيس الوزراء، ورهطاً من المقربين اليه قد باشروا مؤخراً "حملة همس" واسعة النطاق ضد الفايز وتحالفاته، حيث اشاعوا في الناس ان الفايز يخوض الانتخابات بمحض اختياره، ومن تلقاٌّء نفسه، وهو لم يتلق اية توجيهات او اشارات او تعهدات من اية مرجعية رسمية، او جهة حكومية تشجعه على خوض هذه الانتخابات، او تضمن له الوصول الى رئاسة المجلس النيابي العتيد·
وقالت مصادر موثوقة "للمجد" ان هذه الاطراف الحكومية قد اكدت ان معركة تنافسية حادة سوف تجري على رئاسة المجلس المقبل، وان نواباً اقوياء من طراز عبدالله النسور، وعبدالكريم الدغمي، وسعد هايل السرور، وممدوح العبادي سوف ينازعون الفايز على هذه الرئاسة·· مشيرة الى ان ادعاءات الفايز بالحصول على رئاسة المجلس حتى قبل اجراء الانتخابات النيابية، انما تلقي شبهة الفبركة والتزوير سلفاً على المجلس العتيد، وتضع الحكومة التي تؤكد على نزاهة الانتخابات، في موقف حرج على الصعيدين المحلي والخارجي·
واكدت المصادر الموثوقة ان عبدالهادي المجالي، رئيس حزب التيار الوطني الذي ينتظر ان يفرز نحو عشرين نائباً، قد تعهد للحكومة بحجب اصوات كل نواب حزبه عن الفايز، ومنحها لاي من منافسيه الاقوياء في معركة التنازع على رئاسة المجلس النيابي السادس عشر·
وبالمقابل، فقد رد الفايز وحلفاؤه على النار بالمثل، فأشاروا الى ان الرفاعي والمجالي يعزوان فشل تحالفهما الذي انهار عقب استنكاف المجالي عن الترشح للانتخابات القادمة الى الفايز، ويعملان على تحميله مسؤولية هذا الفشل من خلال تشويه اقواله وحتى تقويله ما لم يقل، علاوة على دفع بعض النواب المقبلين لمنافسته على الرئاسة·
كما اشاع هؤلاء "الفايزيون" ان الرفاعي ليس بعيداً عن "هندسة" المجلس المقبل، وبما يضمن فوز اكبر عدد من النواب الموالين له، رغم ان فرصته في اعادة تشكيل حكومة جديدة بعد انتخاب المجلس النيابي السادس عشر غالباً ما ستكون محدودة، وربما معدومة جراء تصاعد الانتقادات المتعددة المصادر ضد ادائه واداء حكومته على مدار قرابة السنة·
على صعيد المال السياسي، يبدو ان وعيد الحكومة بملاحقة البائع والمشتري، علاوة على الفتوى الشرعية التي حرمت الرشوة وشراء الاصوات، لم يوقفا صفقات المساومة والمفاصلة لشراء الذمم وتعزيز حضور تلك الفئات والجهات التي تراهن على دور المال في استقطاب الناخبين، مستفيدين من الاوضاع الاقتصادية والمعيشية السائدة لدى السواد الاعظم من الناس·
ولم يعد خافياً لجوء اعداد من المرشحين الموسرين لاستغلال حاجة الناس وفقرهم لايقاع الناخبين في حبائل الرشوة التي تبرز بقوة في المدن الكبيرة والدوائر الصعبة وشبه المغلقة، وان لم تسلم منها بعض التجمعات السكانية المتجانسة سكانياً الخاضعة لسيطرة عشائر وعائلات انقسمت حيال تزكية مرشحيها·
وعلى هامش هذا الموسم الانتخابي، برزت بشكل لافت "مافيا الاصوات" المتشكلة من رجال ونساء مؤثرين في محيطهم، وماهرين في اعمال الوساطة والسمسرة والمناورة بمغلفات عامرة بمبالغ نقدية تستطيع تحييد الضمير مقابل تفعيل الشهوات الانانية والمصالح الخاصة·
ومن الواضح ان مخترعي الدائرة الوهمية التي ما انزل الله بها من سلطان قد اسهموا من حيث لا يدرون في تنفيع سماسرة "مافيا الاصوات"، وتعظيم دور المال السياسي في شراء الاصوات·
ورغم ان المال السياسي والصوت العشائري هما سيدا الموقف في هذه الانتخابات، الا ان الجانب الحزبي لم يغب عنها حيث بدت خارطة المرشحين الحزبيين الذين ترشحوا داخل قوائم حزبية وكأنها تعاني من زحام وتزاحم على مقاعد انتخابية في دوائر بعينها، فيما تتوقع مصادر مطلعة ان تصل قائمة المرشحين الحزبيين المعلنة الى حوالي 120 مرشحاً، وهو رقم لم تشهده اية انتخابات نيابية من قبل·
وليس من شك ان قرار حزب جبهة العمل الاسلامي بمقاطعة الانتخابات النيابية قد فتح الباب واسعاً امام الاحزاب الصغيرة للبحث عن تحالفات انتخابية حزبية، فيما ذهبت الاحزاب الكبيرة الى توسعة قوائمها الحزبية، لتصل لدى حزب التيار الوطني الى 38 مرشحاً، بينما قد تتجاوز قائمة حزب الجبهة الموحدة هذا الرقم لتصل الى 40 مرشحاً·
وكان حزب التيار الوطني قد بدأ ماراثون اعلان القوائم الحزبية عندما اعلن في مؤتمر صحفي عن قائمته الحزبية التي ضمت 38 مرشحاً، فيما اطلق على قائمة مرشحين اخرى صفة المرشحين المستقلين او مرشحي الظل استجابة لرغبة هؤلاء الذين آثروا خوض الانتخابات كمستقلين لا كحزبيين لاسباب تتعلق بنظرة مناطقهم الانتخابية للعمل الحزبي·
بعدها تم الاعلان عن قائمة احزاب المعارضة التي تضم اربعة احزاب وتشمل سبعة مرشحين، ثلاثة منهم حزبيون واربعة كمستقلين رغبوا في الانضواء تحت مظلة حزبية، ثم تلا ذلك الاعلان عن قائمة ائتلاف حزبي انتخابي تمثلت فيها احزاب مجلس التنسيق الحزبي، وضمت عشرة مرشحين، سبعة منهم حزبيون وثلاثة كمستقلين، ثم الاعلان عن قائمة ائتلاف حزبي الرسالة والوسط الاسلامي التي لن يزيد عدد مرشحيها في احسن حالاتها عن عشرة مرشحين·
ومن الملاحظ ان الصراع الحزبي قد وصل الى اشده بين حزبي التيار الوطني، والجبهة الموحدة التي ابقت على قائمة مرشحيها سرية الى ما بعد انتهاء عملية التسجيل، وارجأت الاعلان عنها الى وقت اخر، لاسباب لها علاقة بمضمون وشكل الصراع الانتخابي مع حزب التيار الوطني·
ووفقا للسيناريوهات المتوقعة فإن عدداً من مرشحي القوائم الحزبية سينجحون بالوصول الى قبة البرلمان، لتوفير نوع من الدسم السياسي والتنوع الحزبي للمجلس السادس عشر، الا ان عدد الذين سيفشلون من مرشحي الاحزاب سيكون كبيراً لدرجة ان هذا الفشل سيشكل ظاهرة تثير الكثير من التساؤلات، وقد تؤثر سلباً على الاحزاب نفسها في قادمات الايام·

عن جريدة المجد