برقين
تقع بلدة برقين غرب مدينة جنين، على جبال وتلال متفرقة، وتجمع في تضاريسها بين ثلاث بيئات مختلفة:الأراضي السهلية، والجبال المرتفعة نسبياً مقارنة بالمدينة، والوديان. وترتفع حوالي 270 متر عن سطح البحر، وهي التجمع الأقرب إلى جنين، إذ تبعد عنها مسافة هوائية لا تزيد عن الكيلومترين، باتجاه الغرب (أربعة كيلومترات مسافة فعلية). ترتبط بالمدينة بطرق رئيسة وفرعية، تحدها شمالاً قرية كفرذان، ومن الجنوب سهل عرابة الذي يبلغ طوله 11 كيلومتراً مربعاً وعرض يقدر بأربعة كيلومترات، أما من الشرق فتحدها جنين ومخيمها، فيما تقع قرية البارد (الهاشمية) وكفرقود في ناحيتها الغربية. تبلغ مساحة أرضيها العمرانية وفق المخطط الهيكلي القديم(861) دونماً، والمصادق عليه (أربعة آلاف دونم) ، أما الأراضي الزراعية فتبلغ تسعة عشر ألف ومائتي دونم، وتحيط بها أحزمة خضراء من أشجار الزيتون، التي تعود إلى العهد الروماني، ويطلق عليها الأهالي "الزيتون الرومي".
تبلغ مساحة اراضي القرية المسجلة وذلك حسب سجل الاراضي حالي (40*000) دونم تعتمد البلدة على القطاع الزراعي بنسبة كبيرة، وتقدر مساحة الأراضي التي يزرعها السكان في سهل مرج ابن عامر بنحو 18 ألف دونماً، إضافة إلى 8 آلاف أخرى في سهل عرابة، وتبلغ مساحة الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون وغيرها من الأشجار الرعوية 10 آلاف دونم. كان في البلدة نبع ماء في واد برقين، أطلق عليه السكان"الحاووز"، وكان يستخدم للشرب ولري المزروعات، قبل أن يجف في أوائل الثمانييات. يقع واد برقين إلى الغرب من مدينة جنين على بعد 2كيلو متر تقريباً ،ويمر من الجهة الشمالية شارع برقين جنين وشارع حيفا جنين، ومن الجهة الغربية جبل الجابريات وخزان المياه التابع لبلدية جنين. أما من الجهة الشرقية يوجد المخيم (مخيم جنين) ومن الغرب وادي الخوري الذي يفصله عن قرية برقين التي تبعد حوالي 2 كيلو متر تقريبا. تبلغ مساحة واد برقين كيلو متر مربع واحد تقريبا. وهو ذو طبيعة جبلية حيث يقع على تلة صغيرة أسفل جبل عال ويتبع له من الجهة الشمالية بعض المناطق الزراعية السهلية وهي جزء من مرج بن عامر المشهور بخضرته وجماله الخلاااب.
أما بقية الأراضي التابعة له فهي جبلية صخرية فيها بعض أشجار الزيتون واللوز.
تعود تسمية البلدة حسب بعض المصادر إلى زمن المسيح، حيث تذكر الكتب التاريخية ان المسيح حين خرج من الناصرة متوجّهاً نحو مدينة بيت لحم مرّ على موقعٍ وجد فيه كهفاً يأوي عدداً من المصابين بمرض البرص فأشفاهم، فسمّي الموقع "بورصين" وتحوّل بعد ذلك إلى بورقين ومن ثم استقر على برقين. وربما تكون تسمية برقين قد أتت من الجذر السامي المشترك "برك" بمعنى الاستراحة.
من ابرز معالم برقين 'كنيسة القديس جرجس (جوارجيوس) وهي تعتبر رابع أقدم كنيسه بعد كنيسة المهد وكنيسة القيامة وكنيسة البشارة في الناصرة (والتي تقع جميعها في فلسطين).وتقع إلى الشمال الشرقي من القرية على منحدر جبلي وتشرف الكنيسة على واد برقين الاخضر وتكسو أشجار الزيتون المنطقة المقابلة للكنيسة كما تنتشر في الوادي شجيرات الصبر وأشجار التين.. يعود أصل الكنيسة إلى الفترة الرومانية وكانت عبارة عن مغارة يعزل فيها مرضى الجذام بعيداً عن القرية وهذا أحد أقدم اشكال الحجر الصحي كما ذكر في التوراة حيث كان يعتبر المصاب بمرض البرص نجسا ويجب ان يبتعد عن الناس لكي لايسبب لهم العدوى بالمرض وفيما بعد تم تحويل المغارة إلى كنيسة في الفترة البيزنطية وكانت صغيرة جداً لا تتسع لعدد كبير من المصلين إلا أنه جرى توسيعها في نهاية الفترة البيزنطية. وقد دمرت الكنيسة فيما بعد وأعيد بناؤها إبان الحملات الصليبية بحيث اشتملت على غرف إضافية وساحة حول الكنيسة.وقد مر عليها المسيح أكثر من مرة وهو في طريقه من الناصرة إلى القدس، ويقال إنه شفي عشرة من المجذومين في قرية برقين شرقي مدينة جنين وتخليداً لهذا الحدث شيدت كنسية في القرية ما زالت آثارها باقية حتى اليوم. وهي تعتبر طريق الوصل للحجاج المسيحين من الناصرة إلى بيت لحم.
ال جرار و برقين
لا يعرف بالضبط وبالدقة التاريخية الوقت الذي هاجر فيه الشيخ محمد المشرقي من ابناء الشقران الى غربي الاردن، كما لا تعرف الاسباب الحقيقية التي حملته على هذه الهجرة (الجلاء)، ولكن الرواية الشفوية التي تناقلتها الاجيال والتي سمعتها من عدد من المعمرين من شيوخ آل جرار ومن سكان جبل نابلس في المدن والقرى تفيد ان خصومة وقعت بيد هذا الفتى القيسي وبين ابناء عمومته الادنون بسبب فتاة قيسية خطبها زوجة له فمنعوه منها ولم يرضوا بمصاهرته، وقد اتسعت هذه الخصومة واريقت فيها الدماء وتعذر اصلاح ذات البين الا (بالجلاء)... كما سمعت رواية اخرى ان مرد تلك الخصومة الدامية كان نزاعا على بئر ماء تنتشر حوله بعض المراعي.. وقد ادعى هذا الفتى ملكيتها كما ادعى هذه الملكية ابناء عمومته.. وايا كان السبب الحقيقي لذلك الجلاء فقد تم خروج الشيخ محمد منافزا اهله وعشيرته فغادر منازلهم جوار قلعة القسطل ميمما نحو الشمال عند اطراف اقليم البلقاء حيث اجتاز هو وسائمته مياه نهر الاردن عند بعض مخاضاته المجاورة والقريبة من قرية طوباس. ويرجح ان تلك الهجرة كانت في اوائل القرن الثامن عشر الميلادي، وقد اخذ هذا الشيخ وبعض غلمانه يتنقل بانعامه من مرعى الى مرعى طلبا للماء والكلأ حتى بلغ اطراف السهل المعروف اليوم بسهل فباطية، حيث استقر به المقام في هذه البقعة.....
تذكر بعض الروايات المتناقلة والمتوارثة ان آل النزال كانوا اصحاب السيادة والنفوذ في المنطقة الواقعة جنوبي بلدة جنين والممتدة من جنين شمالا حتى اطراف سيلة الظهر جنوبا، ومن قرية طوباس وخرائيها شرقا حتى اطراف السهل الساحلي عند منحدرات الكرمل غربا وكانت منازلهم في كل من قريتي عرابة وقباطية.. وكانت تربطهم بالامير التركماني (ابن طرباي) متسلم بلدة جنين وبيسان روابط من الولاء والمودة والتحالف لذا كانوا سادة الاقليم دون منازع، فلما رأوا هؤلاء القوم هذا الاعرابي (محمد المشرقي) الطارئ يتمتع ببعض مظاهر المحبة والاحترام واخذت سمعته تنتشر بين ابناء القرى المجاورة وبين ابناء بعض القبائل البدوية التي تقيم في هذا السهل بعض فصول السنة، انتجاعا للماء والمرعى.. عز عليهم ان ينازعهم هذا البدوي سلطاتهم ونفوذهم، وتمثل لهم شرا داهما فقرروا التخلص منه باي وسيلة، فأخذوا يتربصون به حتى باغتوه وحيدا عند احد اودية قرية قباطية الجنوبية الشرقية فانهالوا عليه طعنا بالخناجر والعصي وتركوه جثة هامدة.
لقد اراد النزال امرا واراد الرحمن امرا فقد صحا ذلك الشيخ من سكرات الموت وتحامل على نفسه ينشد العون والعلاج واخذ يتلمس طريقه ليلا حتى آنس نارا عند احدى المنحدرات الجبلية المجاورة وما زال ينشد هذه النار حتى بلغها فإذا هي خباء بدوي تنزله امرأة متقدمة في السن فلما رأت ذلك الطنيب المستجير وما به من طعنات سارعت لعلاجه والسهر عليه، تنزله في جوارها في الخباء تتكتم امره خشية من اعدائه، وقد قضى الشيخ محمد المشرقي زهاء ثلاثة اشهر بين الحياة والموت حتى كتبت له الحياة من جديد.
عرف الشيخ اعداءه فصمم على الثأر والانتقام ولذا فقد غادر خباء تلك الامرأة البدوية النازلة في جوار بلدة (صانور) الحالية مسرعا الى قومه في ارض القسطل وقص عليهم اخباره وما اصابه من مكروه وكشف لهم عن جسده يريهم مواطن الطعنات فحز في نفوسهم هذا الامر وقرروا الثأر وكان ابناء عمومته ومنافسوه اشد القوم حماسا واكثرهم طلبا للثأر، فتصافوا واخذوا يستعدون للزحف، معاهدين الله على الثأر او الموت، وقد تولى اخوا الشيخ وهما احمد الذي ينتسب اليه وجوه العواملة المقيمين في السلط، وحمد راشد الذي ينتسب اليه الرواشدة ترتيب هذا الزحف، فقد جهز الحملة بعدد من الابل والخيل تحمل الركب والردفاء والسلاح، سارت هذه الجموع خفية تغير مسالكها ومساربها تمويها وتضليلا حتى بلغت اطراف سهل عرابة الشرقية عند اصيل يوم من اوائل الربيع. وقد كان اهل القرية وخاصة المزارعين والحراثين منهم منهمكين في اعمالهم، فباغتوهم، اذ نزل الردفاء يقتلون الحراثين ويستلمون العمل مكانهم وسكان قرية عرابة في غفلة إذ يشاهدون العمل والحراثة مستمرة دون اي ضجيج او صراخ او استنجاد، وما زالوا كذلك حتى فوجئو نياما فأعملوا فيهم القتل حتى كادو ياتون عليهم لولا نفر كتبت لهم النجاة. بهذه المذبحة المريعة ثأر الشقران لابنهم محمد وانزلوه منازل القوم.
لقد انتهت هذه المذبحة سراعا كما بدأت سراعا وذلك لكثرة رجالها الغازين. ولما تسامعت القرى والنواحي المجاورة بهذا العمل الحاسم السريع وهذا العدد الضخم من الرجال لقبوا صاحب الركب والثأر (بالجرار) إذ انه جر رجاله وحقق نصره وثأره."