1- المؤرخ أحمد سليم سعيدان
حياته
ولد أحمد سليم سعيدان سنة 1914 بمدينة صفد الفلسطينية وتوفي بالعاصمة الأردنية يوم 23 يناير 1991. يعتبر سعيدان من أشهر مؤرخي الرياضيات العربية الإسلامية في هذا العصر. وقد زاول تعليمه الابتدائي والإكمالي في مسقط رأسه، ثم رحل من صفد إلى القدس لمواصلة دراسته الثانوية بالكلية العربية. ومنها انتقل إلى بيروت وتحصل هناك على الباكالوريوس في الرياضيات من الجامعة الأمريكية عام 1934. كما أحرز على البكالوريوس في العلوم والرياضيات من جامعة لندن سنة 1940، وعلى شهادة الدكتوراه من جامعة الخرطوم بـالسودان عام 1966 مقدما رسالة بعنوان تطور الحساب الهندي العربي (The Development of Hindu-Arabic Arithmetic ).
وقد درّس المؤرخ سعيدان الرياضيات في المعاهد التربوية العالية بعدة مدن سودانية، وكذا بجامعة الخرطوم. ثم عاد إلى وطنه عام 1969 وزاول التعليم في فلسطين وعمل في الجامعة الأردنية كأستاذ للرياضيات، ثم تولّى عمادة الكلية حتى بلوغه سنّ التقاعد سنة 1979. وعندئذ رحل إلى القدس لرئاسة جامعة أبو ديس، لكن السلطات الإسرائيلية طردته منها عام 1981.
ومما يوحي بمعاناة الفلسطيني سعيدان خلال حياته، وينبئ بالمرارة التي كان يشعر بها جرّاء الاحتلال الإسرائيلي ما جاء في إهداء استهل به أحد مؤلفاته
حيث قال : "من يوم 5 أيار سنة 1948، مذ غادرت القدس هائما على وجهي، أحمل أطفالي على كتف، وهمومي على كتف، طوّقت في البلاد. رافقت وصادقت وزاملت. ولكني بقيت غريبا – أقرأ غربتي على وجوه الرفاق والأصدقاء والزملاء، وأكتم مع اللوعة حنيني إلى أول هواء تنسمته، وأول لبن رضعته. وفي يوم من الأيام اجتزت جسر العذاب وعدت إلى القدس. لقيت الهواء الذي إليه حننت والعيون التي افتقدت وبسمات الصدق والطهر التي اشتهيت : أهلي وبيتي وأحبتي. ولكن لقيتهم جميعا في بيتهم غرباء، حتى الهواء شكا لي من الأسر، حتى الحليب بكى لي من القهر. فإلى أولئك الأسرى المقهورين وراء النهر، إلى أهلي وبيتي وأحبتي، أهدي هذا الكتاب".
وقد تفرّغ سعيدان بعدها إلى البحث والتأليف والتحقيق في التراث العلمي العربي الإسلامي. وساهم بدراساته وأبحاثه وتحقيقاته في حقل تاريخ الرياضيات العربية مساهمة معتبرة. وقبل وفاته كانت على مكتبه مخطوطتان إحداهما تتعلق بالأشكال الهلالية لـابن الهيثم (354هـ/965م-430هـ/1039م)، والأخرى حول الحساب الحجري لـأبي الحسن الاقليدسي (ت. 341هـ/952م)، إلا أن الأجل وافاه قبل تحقيقهما.
وكان سعيدان قد ساهم في تعريب تعليم العلوم في الجامعة في كل من السودان والأردن وانتسب إلى عدة مجامع، منها مجمع اللغة العربية الأردني ومجمع اللغة العربية العراقي. كما أن أعماله في حقل التراث العلمي مكّنته من الفوز بعدة جوائز تقديرية منها الجائزة الأولى لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي حول تحقيق كتب التراث الرياضية عام 1980. ومن المؤتمرات والندوات التي شارك فيها سعيدان ملتقى ألفية البيروني عام 1973 بـكارتشي الباكستانية حيث حاضر حول حساب المثلثات عند البيروني. وفي عام 1976 شارك سعيدان في المؤتمر الدولي الأول حول تاريخ العلوم العربية فحاضر في نظرية الأعداد وبعض المفاهيم الرياضية الواردة في مخطوطين عربيين.
وقد عمل سعيدان مراجعا ومشرفا في موسوعة الحضارة الإسلامية التي تصدر عن المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية بـالأردن. وأعدّ خطة عمل لتقديم بيبلوغرافيا حول بعض العلماء، إلا أنه توفي قبل إنجازها. كما أسهم بتقديم عدد من علماء العرب والمسلمين في معجم التراجم العلمية Dictionary of Scientific Biography. وإلى جانب ذلك كان سعيدان عضوا استشاريافي عدة مجلات علمية عالمية تعنى بالتراث، نذكر منها :
1) Mathematical Review،
2) Isis ،
3)Historia Mathematica ،
والواقع أن سعيدان بدأ في التأليف والكتابة منذ عام 1940 حيث كان يؤلف ويشترك في تأليف كتب علمية ثقافية للأطفال في شكل قصص.ثم تطور هذا النشاط إلى إعداد وترجمة كتب في الرياضيات في مختلف المستويات يفوق عددها خمسين كتابا. ومن جهة أخرى، شرع في تحقيق كتب التراث العلمي مبكرا إذ نجد له بحثا منشورا عام 1960 في مجلة معهد المخطوطات العربية بالقاهرة تخت عنوان "حول رسائل البيروني وابن سنان".
ويمتاز أسلوب سعيدان في تحقيق ودراسة المخطوطات باليسر والدقة وعدم المغالاة، فهو يشير إلى أنه يتحاشى على الدوام أن يقع في خطإ يآخذه على بعض محققي كتب التراث "إذ يندفعون في مديح من يحققون له وما يحققونه يخرج بهم عن وقار الموضوعية
وفي نفس الموضوع يوضح سعيدان "قد تستعصي على المحقق كلمة وقد يجتهد المحقق ويراجع المعاجم والمظان حتى يجد اللفظ الصحيح أو المعنى المقصود ... فهل يلزم أن يشير إلى ما انفق من وقت وجهد؟ بعض المحققين يفعلون، ولا أفعلها، ولكن قد أشير إلى أن الكلمة غامضة وأن قراءتي لها تقديرية.
ومما يدل على طول نفس المحقق سعيدان ورغبته القوية في إتقان عمله - كمحقق لوثائق تاريخية - ما ذكره في تمهيده لتحقيق كتاب مراسم الانتساب في معالم الحساب لليعيش بن إبراهيم الأموي (ت. نحو 895هـ/1490م). فقد صدر هذا التحقيق عام 1981 في حين عثر سعيدان على هذه المخطوطة عام 1960 في معهد المخطوطات بـالقاهرة، إلا أن صورتها لم تشجعه على إنجاز التحقيق لأن هناك صفحات غير مقروءة. ويذكر سعيدان أنه حاول كثيرا الحصول على نسخة ثانية من المخطوط من مكتبة جار الله بـتركيا فلم يُلبَّ طلبه. وعلم فيما بعد عبر كتاب بروكلمان أن النسخة الموجودة بـتركيا هي الوحيدة المعروفة لكتاب الأموي. فخابت آماله وتخلى عن التحقيق حتى أتيحت له الفرصة لزيارة المكتبة البريطانية (المتحف البريطاني) في لندن فوجد هناك نسخة أخرى من المخطوط فتزود بها وأخرج التحقيق بعد عشرين سنة من الانتظار
تحدث سعيدان في محاضرة الافتتاح التي ألقاها في مؤتمر جمعية الدراسات والبحوث الإسلامية بـالأردن عن المنهج العلمي في الإسلام موضحا أن الغرب يظلم الإسلام عندما يدّعي أن هذا المنهج أتى به الإغريق فوضع شقّه الاستنتاجي واكتمل في الغرب بوضع شقّه التجريبي، "وهم في هذا الذي يشيرون إليه لا يشيرون إلى الإسلام وعلماء المسلمين لا من قريب ولا من بعيد. كأن الإسلام والمسلمين لم يكن لهم دور في صنع المنهج العلمي"
وقد استشهد في ذلك بـأبي زيد البلخي (ت. سنة 322هـ) قال : "يأبى العلم أن يخفض جناحه أو يسفر عن وجهه إلا لمتجرد له بكليته، يأخذ مأخذه متدرجا لا يظلم العلم بالتعسف والاقتحام، ولا يخبط فيه خبط عشواء في الظلام مع التأني بلطيف المأتى وإعطاء النظر حقه من التميّز بين المشتبه والواضح والتفريق بين التمويه والتحقيق والوقوف عند مبلغ المعقول
. ويعجب سعيدان في أولئك الذين "يضعون العلم والدين في موضع المتناقضين وقد آخى الله بينهما وجعل العلم سبيلا لكمال الدين.
وفي نهاية عام 1988 ألقى سعيدان - سنتين قبل وفاته - محاضرة في تونس حول الرياضيات بين المشرق والمغرب الإسلاميين أصدر فيها هذا الحكم مقارنا مسيرة الرياضيات في المشرق والمغرب : "صفوة حديثي إليكم يا سادتي حقيقتان أوصلتني إليهما دراسة متواصلة لمسيرة الرياضيات في المشرق والمغرب الإسلاميين. أولى هاتين الحقيقتين أن المغرب العربي الإسلامي الذي ساهم مساهمة واسعة في بناء صروح المعرفة في الفلاحة والزراعة والفلسفة والطب، وفي نقل المعارف العربية الإسلامية إلى الغرب، هذا المغرب قد قصّر في حقل الرياضيات ولم يبلغ شأو المشرق، ويبدو أنه لم يطلع على كل ما وصل إليه المشرق
ويسترسل سعيدان في هذا الرأي قائلا "من حقّكم عليّ، أيها السادة، أن أعترف لكم بادئ ذي بدء بأن اطلاعي على المخطوطات المغربية ضئيل إذا قيس باطلاعي على المخطوطات المشرقية. ففي حين أن ما درسته أو كتبت عنه أو حققته من مخطوطات مشرقية في الرياضيات يبلغ الخمسين بين مؤلف ضخم ورسالة فإن ما أنتجته في الرياضيات المغربية ثلاثة كتب حققت بها أربع مخطوطات"
يبدو أن هذا الحكم مبني على ضعف المعلومات التي كانت تتوفر لدى سعيدان وغيره من المحققين في ما يخص النشاط الرياضي في الغرب الإسلامي خلال تلك المرحلة. ذلك أن الاهتمام بهذا النشاط حديث العهد، مقارنة بالمشرق، ولم يكشف المؤرخون بعد عن كل ما أنتجه الغرب الإسلامي في حقل العلوم، سيما في الرياضيات. وعلى سبيل المثال فإن سعيدان يعترف أنه "لا يعرف في الكتب المغربية كتابا هندسيا" بينما عثر المؤرخون 12مؤخرا على عمل هندسي بالغ الأهمية، هو كتاب الاستكمال لـلمؤتمن بن هود (ت. 477هـ/1085م) الملقب بالملك المهندس، برهن فيه على نظرية هندسية شهيرة كانت ولا زالت تنسب إلى أحد الرياضيين الغربيين. وفي هذا المقام يمكن الإشارة أيضا إلى الرياضي ابن سيد (القرن 5هـ/11م)وقد أعجب سعيدان بالمستوى الذي بلغه علم الجبر لدى العرب والمسلمين فقال : "لقد بلغ علم الجبر في الفكر الإسلامي في مثل كتاب الباهر لـلسموءل مبلغا يدفعنا إلى القول بأننا لا نتصور مفهوما جبريا مما يعرفه الطالب المعاصر قبيل المرحلة الجامعية، مما لا نجده في كتب الجبر العربية، عدا مفهوم الجذر السالب ومفهوم الأعداد التخيلية. بل قد نستطيع أن نعدّد مفاهيم في هذه الكتب لا يعرفها هذا الطالب، لقد صنع الفكر العربي في الجبر ما صنع الفكر الإغريقي في هندسة أقليدس. ولكن الهندسة حقل مغلق اكتمل على يد الإغريق، والجبر مضمار رحب شق العرب طريقه ومهدوها.
ونجد في خاتمة كتاب تاريخ علم الجبر في العالم العربي حكما آخر يصدره سعيدان بدون تحفظ إذ يقول "وفي قمة الجبل يبدأ الانحدار، والانحدار أسرع من الصعود، ولكنه في تاريخ الفكر الإسلامي أبطأ. لقد استغرق الصعود ثلاثة قرون ونصفا، على أبعد تقدير، من أيام الخوارزمي، حوالي 840م إلى أيام المظفر الطوسي، بعيد 1200م. أما الانحدار فاستمر في المشرق الإسلامي حتى القرن السابع عشر
لقد كان سعيدان "من الدعاة إلى وحدة الأمة العربية، المؤمنين بوحدة الفكر الإسلامي العربي، وكان يهوى صيد السمك ولعب الشطرنج ويهوى الخوض في تاريخ الرياضيات العربية الإسلامية فحقق كمّا هائلا منه عرّف بالتراث المجيد للآباء والأجداد. ولعل هذا ما جعل مؤرخ الرياضيات الشهير بوريس روزنفلد Rosenfeld يصرح : "يعتبر رحيل سعيدان فراغا كبيرا لمؤرخي الرياضيات في العالم.
من مؤلفات أحمد سليم سعيدان
توجد قائمة كاملة لمؤلفات أحمد سليم سعيدان جمعها المؤرخ الهولندي يان هوخندايك Hogendijk بالتعاون مع آمال سعيدان، ابنة المرحوم، في مقال نشر في العدد 19 (ص. 439-443) من مجلة Historia Mathematica الصادر عام 1992. كما صدرت قائمة مماثلة في العدد السابع (عام 1997، ص.6-11) من كراس حلقة ابن الهيثم، نشر الجمعية الجزائرية لتاريخ الرياضيات، اعتمدت على مقال هوخندايك ومراسلات مع آمال سعيدان. وإذا استثنينا مؤلفات سعيدان الخاصة بحقل التعليم، يمكن تقسيم بقية كتاباته إلى قسمين :
أولا: مؤلفات في تاريخ الرياضيات العربية الإسلامية وتحقيقات لنصوص ومخطوطات رياضية وفلكية عربية يقارب عددها 65 بحثا وكتابا نشرت في الفترة الممتدة من 1960 إلى 1991 بالعربية والإنكليزية، نذكر من بينها :- حول رسائل البيروني، مجلة معهد المخطوطات العربية* القاهرة، العدد 6، 1960، ص307-312.
- الأصول الإغريقية للعلوم الرياضية عند العرب. مجلة معهد المخطوطات العربية* القاهرة. العدد 7* 1961، ص 81-110.
- الأثر الهندي في الرياضيات العربية، الأبحاث، الجامعة الأمريكية، بيروت، العدد 15* 1962، ص 409-477.
- كتاب الأعداد المتحابة لثابت بن قرة، الجامعة الأردنية* عمان، 1977.
- مراسم الانتساب في معالم الحساب ليعيش بن إبراهيم الأموي، معهد التاريخ العلمي العربي* حلب، 1981.
- تاريخ علم الحساب في الأندلس والمغرب، دار الفرقان، عمّان، 1984.
- التكملة في الحساب لعبد القاهر بن طاهر البغدادي مع رسالة له في المساحة، معهد المخطوطات العربية* الكويت، 1985.
- The development of Hindu-Arabic arithmetic* Islamic culture* 39* 1965* pp.209-221.
- The earliest extant arabic arithmetic : Kitab al-Fusul fi al-Hisab al-Hindi of Abu al-Hasan Ahmed Ibn Ibrahim al-Uqlidsi* Isis* 57* 1966* pp.475-490.
- Finger reckoning in an arabic poem* The Mathematics Teacher* 61* 1968* pp. 707-708.
- The arithmetic of Abu al-Wafa* Isis* 65* 1974* pp.367-374.
ثانيا : مقالات تعميمية وكتب للجمهور العريض حول التراث العلمي والفكر العربي الإسلامي، نذكر من بينها :- قصة الأرقام والترقيم* دار الفرقان* عمّان* 1983.
- مقدمة لتاريخ الفكر العلمي في الإسلام، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب* أعلام المعرفة، الكويت، 1988.
- هندسة أقليدس في أيد عربية* دار البشير* عمّان* 1991.
- متعة التفكير* دار التنوير العلمي للنشر والتوزيع* عمّان، 1991.
- علم الحساب عند العرب، أعلام الفكر، الكويت، العدد 2* 1971 ص. 161-194.
- رسائل ابن سنان، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب* قسم التراث العربي* السلسلة التراثية 6* الكويت، 1983.
- من أقطاب التراث العلمي العربي الإسلامي : محمد بن موسى الخوارزمي، الرياضي الفلكي، مجلة آفاق علمية، عمّان، العدد 1، 1985، ص. 52-55.
- ابن الهيثم* أعظم علماء البصريات قبل نيوتن، مجلة آفاق علمية، عمّان، العدد 4، 1986، ص. 51-55.