النيوترينو.. جُسيْم “شبحي” حاز على جائزة نوبل 3 مرات!
أتت تلك السنة كعادتها مخالفة لتوقعاتنا..
شهدت تكريم العالم الياباني تاكاكى كاجيتا مناصفة مع العالم الكندي آرثر بى ماكدونالد، لأعمالهم حول جسيم النيوترينو صاحب الصوت العالي لهذه السنة، واكتشافهم اهترازات النيوترينو والتي تظهر أن للنيوترينو كتلة. فكانت الجائزة هذا العام لتحول النيوترينو من نوع إلى آخر، من جسيم ليس له كتلة، إلى جسيم له كتلة.
For the greatest benefit to mankind” Alfred Nobel هذا هو شعار جائزة نوبل والتي كلنا نعرف قصتها وقصة صاحبها ولماذا هذه الجائزة، فكان شرطاً لها أن تكون شيئاً لنفع البشرية، وهذا كان واضحاً في حيثيات قرارها لمنح العلماء الجائزة تلك السنة.
وقالت لجنة نوبل السويدية في حيثيات قرارها أن العالمين كوفئا “لاكتشافهما تذبذبات النيوترينو”، مما يسمح بفهم الآلية الداخلية للمادة ومعرفة أفضل للكون.
وأضافت اللجنة: “الاكتشاف سمح باستنتاج له انعكاسات كبيرة، ومفاده أن النيوترينو التي اعتبرت طويلاً مجردة من الكتلة، لا بد أن تتمتع بكتلة وإن كانت ضعيفة” واصفة الاكتشاف بأنه “تاريخي”.
والنيوترينو هو جزيء أولي من المادة يشبه بـ”الشبح” أو “الحرباء”، إذ من الصعب جداً رصده مع أن وجوده في الكون أكثر بمليار مرة من كل من مكونات الذرة. والنيوترينو الذي يحير الفيزيائيين منذ الستينات مجرد من أي شحنة كهربائية، الأمر الذي يحول دون رصده بسهولة. فمن كل 10 مليارات نيوترينو تمر عبر الارض يتفاعل نيترينو واحد مع ذرة من كوكبنا.
قصة اكتشاف النتيوترينو
بدأت قصة جسيمنا الغريب عام 1931، حين كان العالم باولي يدرس إشعاع بيتا فوجد من خلال طاقة الجسيمات الناتجة طاقة مفقودة لم يستطع تحديدها حتى عام 1933، حين أعاد اكتشاف سر هذه الطاقة العالم أنريكو فيرمي ليطلق عليها اسم النيوترينو، حيث يعني بالإيطالية (جسيم معتدل كهربائياً) وليطلق معه لغز جديد.
النيوترينو واحد من الجسيمات الأساسية والأولية التي تشكل الكون، ينتمي لمجموعة الليبتونات والتي تضم أيضاً الإلكترون والميون وجسيم تاو الليبتوني ومضادات هذه الجسيمات. النيوترينو لا يملك أي شحنة كهربائية وهذا ما يجعل النيوترينو لا يتأثر بالقوة الكهروماغنطيسية (بعكس الإلكترون الذي يتأثر بهذه القوة)، لكنه يتأثر بالقوة النووية الضعيفة فقط.
وهذا ما جعله من فئة الليبتونات وليس من فئة الهادرونات والتي تتأثر بالقوة النووية الشديدة إضافة للقوة الكهروماغنطيسية والنووية الضعيفة ( تعد الكواركات نواة هذه الفئة والجسيم الأولي فيها).
ينتج النيوترينو عند انحلال بعض الجسيمات مثل النيترون والبروتون والميزون، وتصدره أيضاً النجوم بغزارة وكثافة عالية، وبما أنها لا تأبه إلا نادراً لوجود الجسيمات الأخرى فهي بذلك صعبة الالتقاط وهنا ظهرت أهمية هذه الجسيمات.
إن هذه الكثافة العالية لجسيمات النيوترينو في الكون تجعل منها مرشحاً لأن تكون المادة المظلمة التي تشكل الجزء الأعظم من الكون وتمسك الكون بكتلتها الهائلة، وبالتالي تمتلك سر تحديد نهاية الكون ومصيره سواء كانت هذه النهاية بتمدد الكون واستمرار تمدده حتى تفلت زمام الأمور من القوة الثقالية (في هذه الحالة كتلة المادة المظلمة كاملة لا تكفي لتماسك الكون وضبط توسعه)، أو كانت بتمدد الكون إلى حد معين ثم تقلصه من جديد ليعود كما كان لحظة ولادته (المادة المظلمة في هذه الحالة كافية لكبح جماح التوسع وقوة الجاذبية تعمل عملها).
كما يمكن أن تشارك جسيمات النيوترينو بشكل كبير في الحلقة التي توحد القوى الكونية الأربعة (النووية الشديدة والكهرطيسية والنووية الضعيفة والثقالة) في قوة واحدة وفي قالب نظرية موحدة للكون، هذه النظرية التي كان يعمل العالم أينشتاين على إيجادها في أواخر حياته، لينتقل هذا العمل إلى هدف لكل عالم فيزيائي يبحث عن معادلة تفسر الكون من الانفجار العظيم (Big Bang) حتى نهاية الكون.
لمبة صغيرة “ذكية ” منحته جائزة نوبل في الفيزياء في ٢٠١٤ !