الموضوع: الجاحظ
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-08-2012, 09:38 PM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
اسماعيل السلاق
عضو ماسي
إحصائية العضو






 

اسماعيل السلاق غير متواجد حالياً

 


افتراضي


قال: إن ملكنا إنما تركك استهانةً بأمرك، وتصغيراً لشأنك، وعلماً بأنك لا تخرج من قبضته. وذلك أني أخس من في دار مملكته، وأخملهم ذكراً. فإذا كنت، وأنا بهذه الحال، أقتل بألفٍ سهمٍ ألف رجلٍ، فما ظنك بالملك، وله مائة ألف عبدٍ في قرار داره، أصغرهم شأناً أكبر مني؟ فقال له الملك: صدقني فيما قلت! ولقد خبرت عن بهرام من تصغيره لشأني، واستخفافه بأمري ما طابق خبرك. وما تركني أبلغ هذا الموضع من ملكه إلا لما ذكرت؟ فأمر عظيم جيشه أن يرتحل من ساعته؛ ونادى في الناس بالرحيل. ثم خرج لا يلوي على شيء، وأطلق بهرام. فانصرف بعد ثالثةٍ، حتى دخل داره ليلاً؛ فلما أصبح، قعد للناس، ودخل عليه الوزراء والعظماء، فقال: ما عندكم من خبر عدونا هذا؟ فأخبروه بانصرافه عنهم. فقال: قد كنت أقول لكم إنه صغير الشأن، ضعيف المنة.
ولم يعلم أحد منهم ما كانت العلة في انصرافه.
مكايد كسرى أبرويز: وكان كسرى أبرويز، بعد بهرام جور، صاحب مكايدٍ وخدع في الحروب، ونكاية في العدو.
وكان قد وجه شهر براز لمحاربة ملك الروم، وكان مقدماً عنده في الرأي والنجدة والبسالة ويمن النقيبة.
فكان شهر براز قد ضيق على ملك الروم قرار داره، وأخذ بمخنقه، حتى هم بمهادنته، ومل محاربته، وطلب الكف عنه. فأبى ذلك عليه شهر براز.
واستعد له ملك الروم بأفضل عدة، وأتم آلة، وأحد شوكة، وتأهب للقائه في البحر.
فجاءه في جمع لا تحصى عدته. قد أعد في البحر كل ما يحتاج إليه من مالٍ وسلاحٍ وكراعٍ وآلةٍ وطعام وغير ذلك، والسفن مشحونة موقرة.
فبينا هو كذلك إذ عصفت ريح في تلك الليالي، فقلعت أوتاد تلك السفن كلها وحملتها إلى جانب شهر براز، فصارت في ملكه.
وأصبح ملك الروم، قد ذهب أكثر ما كان يملك من الأموال والخزائن والعدد والسلاح. فوجه شهر براز بتلك الخزائن والأموال إلى أبرويز. فلما رأى أبرويز ما وجه به شهر براز، كبر في عينه، وعظم في قلبه، وقال: ما نفس أحق بطيب الثناء، ورفيع الدعاء، والشكر على الفعل الظاهر من شهر براز! جادلنا بما لا تسخو به النفوس، ولا تطيب به القلوب! فجمع وزراءه، وأمر بتلك الأموال والخزائن، فوضعت نصب عينيه، ثم قال لوزرائه: هل تعلمون أحداً أعظم خطراً وأمانةً، وأحرى بالشكر من شهر براز؟ فقامت الوزراء، فتكلم كل واحدٍ منهم، بعد أن حمد الله وشكره ومجده، وأثنى على الملك وهنأه، ثم ذكر ما خص الله به الملك من يمن نقيبة شهر براز وعفافه وطهارته ونبله وعظيم عنايته.
حتى إذا فرغوا، أمر بإحصاء تلك الأموال والخزائن. ثم قام أبرويز فدخل إلى نسائه. وكان للملك غلام يقال له رسته، وكان شيء الرأي في شهر براز؛ فقال: أيها الملك! قد ملأ قلبك قليل من كثيرٍ، وصغير من كبير، وتافه من عظيم، خانك فيه شهر براز، وآثر به نفسه. ولئن كان الملك مع رأيه الثاقب، وحزمه الكامل، يظن أن شهر براز أدى الأمانة، لقد بعد ظنه من الحق، وخس نصيبه.
فوقع في نفس أبرويز ما قال رسته، فقال له: ما أظنك إلا صادقاً. فما الرأي عندك؟ قال: تكتب غليه بالقدوم، وتوهمه أن بك حاجةً إلى مناظرته ومشاورته في لم أمرٍ لم تجز الكتابة به، فإنه إذا قدم لم يخلف ما يملك وراءه، إذ كان لا يدري أيرجع إلى ما هناك أم لا؛ فيكون كل ما يقدم به نصب عينيك.
فكتب أبرويز إلى شهر براز يأمره بالقدوم عليه لمناظرته ومشاورته في أمرٍ يدق عن الكتاب والمراسلة.
فلما مضى الرسول، أردفه برسولٍ آخر وكتب إليه: إني كنت كتبت إليك آمرك بالقدوم لناظرك في مهم من أمري. ثم علمت أن مقامك هناك أقدح في عدوك، وأنكى له، وأصلح للملك، وأوفر على المملكة. فأقم، وكن من عدوك، على حذر، ومن غرته على تيقظ. فإنه من ذهب ماله، حمل نفسه على التلف أو الحتف. والسلام! وقال للرسول الثاني: إن قدمت فرأيته قد تأهب للخروج إلي وظهر ذلك في عسكره، فادفع إليه هذا الكتاب.. وكتب: أما بعد، فإني كتبت إليك، وقد استبطأت جواب قدومك وحركتك. وعلمت أن ذلك لأمرٍ تصلحه من أمر نفسك أو مكيدة عدوك. فإذا أتاك كتابي هذا، فخلف أخاك على عملك، وأغذ السير، ولا تعرج على مهم ولا غيره، إن شاء الله.







رد مع اقتباس