عرض مشاركة واحدة
قديم 04-21-2011, 07:59 PM رقم المشاركة : 38
معلومات العضو
م .نبيل زبن
المؤسس
 
الصورة الرمزية م .نبيل زبن
إحصائية العضو







 

م .نبيل زبن غير متواجد حالياً

 


افتراضي


أي عبارة عن مجموعة من الرموز التي تمر دون أن يفهم الشعب مغزاها الحقيقي أو الكامن المٌعبّر عن نوازع البشرية المكبوتة بقوة * فرغبات الهو الغريزية تعاود الظهور و الولادة مع كل طفل بشري و ثمة طبقة كاملة من الكائنات الإنسانية المصابة بالأمراض العصابية ترد على تلك الضروب من الحرمان بالنفور من الحياة الاجتماعية * و مما يتفق و تطورنا أن الإكراه الخارجي يجري استبطانه شيئاً فشيئاُ إذ تتبناه سلطة نفسية خاصة نسميها الأنا الأعلى التي تعتبر إحدى مكونات الثقافة الاجتماعية المعاصرة * و اشتداد ساعد الأنا الأعلى هو ميراث سيكولوجي رفيع القيمة بالنسبة للثقافة *

لذلك نجد بأن معظم الناس ينصاعون للنواهي الثقافية المتعلقة بكبت و قمع المتطلبات الغريزية العدوانية و الجنسية تحت الإكراه الخارجي وحده المحسوس و المهاب الجانب * و هذا ينطبق بدوره أيضاً على تلك المتطلبات الثقافية المسماة بالأخلاقية التي تشمل الناس قاطبةً * فثمة عدد لا يقع تحت الحصر من المتحضرين الذين سيتراجعون مذعورين و لا بد أمام فكرة القتل أو اشتهاء المحارم لكنهم لا يتألبون عن تلبية جشعهم و عدوانيتهم و شهواتهم الجنسية و لا يترددون بإلحاق الأذى بقريبهم بالكذب و الخداع و الافتراء إذا ما أمكن لهم أن يفعلوا ذلك بلا عقاب * لكن ما هذا العقاب ؟
إنه عقاب ثنائي خارجي ممثل بالسلطة الاجتماعية و داخلي ممثل بالتربية الصارمة الاجتماعية التي يمثلها الأنا الأعلى الذي هو بالنهاية محصلة لعاملين كلاهما على غاية كبيرة من الأهمية * و احد من طبيعة بيولوجية و آخر من طبيعة تاريخية * و بهذا الصدد يقول فرويد " لقد قامت الحضارة * و بتطورها تٌلجم عدوانية الإنسان و جنسيته بحيث نتبين أصلين للشعور بالذنب الذي ترسخه الحضارة * أولها القلق حيال السلطة و ثانيها و هو لاحق يتمثل بالقلق إزاء الأنا الأعلى الاجتماعي* الأول يرغم الإنسان على العزوف عن تلبية دوافعه الغريزية * و الثاني و نظراً لاستحالة إخفاء ديمومة الرغبات المحرّمة عن الأنا الأعلى فإنه يدفع الإنسان فوق ذلك إلى إنزال العقاب على نفسه *

و بهذا يكون قد تمت استعاضة و مقايضة تعاسة خارجية متوَعّدة كخسارة حب السلطة الخارجية و القصاص الذي تنزله * بتعاسة داخلية متواصلة تعبّر عن نفسها بتوتر داخلي ملازم للشعور بالذنب " فتمايز الأنا الأعلى عن الأنا لم يكن بمحض الصدفة * بل هو يحمل أبرز سمات تطور الفرد و تطور النوع * و إن كان هذا التمايز يٌعطي تعبيراً دائماً لتأثير الوالدين فإن فيه بحد ذاته تأييداً لوجود العوامل التي يدين لها بنشأته * فالأنا الأعلى حسب فرويد سيحفظ طبع الأب * و بقدر ما كانت عقدة أوديب قوية * و بقدر ما تم كبتها بسرعة تحت تأثير السلطة و التوجيه الديني و التعليم و المطالعات ...بقدر ما ستكون سيطرة الأنا الأعلى على الأنا أشد وطأة في المستقبل في صورة الضمير بل وفي صورة الإحساس اللاشعوري بالذنب * حيث يتحول الأنا الأعلى إلى وكيل للأخلاق * وإلى رمزية ضمن نفسية لتلك المثل الثقافية و التحريمات التي يفرضها الوالدان الممثلان لعادات و مٌثل الحضارة المفروضة على الطفل * و من هذا المنطلق حلل فرويد مفهومه للاغتراب النفسي المفروض من الحضارة *

فلئن تكن الحضارة هي الطريق الوحيد الذي لا غنى عنه للارتقاء من الأسرة إلى البشرية * فإن ذلك التعزيز يكون عندئذ مرتبط ارتبطاً وثيقاً بمسارها من حيث أنه نتيجة لصراع الازدواجية الذي تولد فيه و عليه * و للخصومة السرمدية بين الحب و الرغبة بالتدمير و الموت * و لعل توتر ذلك الشعور المتناقض سيبلغ ذات يوم بفضل الحضارة مستوى شاهق الارتفاع فلا يعود في مكنة المرء أن يطيقه إلا ببالغ الصعوبة لأن هذا النجاح التعزيزي للكبت سيكون على حساب انقسام للأنا * هذا الانقسام الذي لا يندمل أبداً بل يزداد مع مرور الوقت * حيث لا مناص من أن تتناحر سيرورتا التطور الفردي الذي يهدف للسعادة الشخصية و التطور الحضاري الذي يهدف إلى الاتحاد مع كائنات إنسانية أخرى * و من أن تختصما على مواقعهما عند كل لقاء *

من ذلك يقول فرويد " لقد قصدنا رغم كل شيء أن نصور الشعور بالذنب على أنه المشكلة الرئيسية لتطور الحضارة * و أن نبين فضلاً عن ذلك لماذا يتوجب دفع فاتورة تقدم هذه الأخيرة بنقصان في السعادة " * فالإنسان منقسم بل و يبدو أقرب للممزق ضمن نزاع لا هوادة فيه ضمن التفاعل مع الحضارة * حيث يبدو مسرحاً للتصادمات و الصراعات بين قواه النفسية التي تعبر عن نفسها في داخل الفرد و من خلال علاقاته مع المحيط * فهناك الهو الغريزي و الأناني و الجنسي و العدواني إطلاقاً * والأنا الذي يجاهد لكي يكون أخلاقي اجتماعي مهذب *


...يتبع







رد مع اقتباس