عرض مشاركة واحدة
قديم 04-21-2011, 07:59 PM رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
م .نبيل زبن
المؤسس
 
الصورة الرمزية م .نبيل زبن
إحصائية العضو







 

م .نبيل زبن غير متواجد حالياً

 


افتراضي


و الأنا الأعلى الذي يمكن أن يصير مفرطا في أخلاقيته لدرجة يكون قاسياً كقسوة غرائز الهو العدوانية * و من هذا الجانب يتبدى لنا اغتراب الأنا المسكين و ضياعه حيث يتعين عليه أن يخدم سادة ثلاث متنازعين متناقضين و أن يعيش تبعاً لذلك تحت تهديد خطر ثلاثي يتمثل جانب منه من العالم الخارجي و جانب آخر من ليبيدو الهو و غرائزه و جانب ثالث من صرامة الأنا الأعلى * و ما ينشأ عن ذلك من حصر و قلق عماده الإنسحاب أمام الخطر .


لذلك يرى فرويد أن حياتنا كما هي مفروضة علينا ثقيلة الوطء و تغل أعناقنا بكثرة كثيرة من المشاق و الخيبات و المهام كأداء * و حتى نستطيع لها احتمالاً فلا غنى لنا عن مسكنات التي يرجعها فرويد إلى ثلاثة أنواع : أولها إلهيات قوية تتيح لنا أن نعتبر بؤسنا هيناً أمره * و ثانيها تلبيات بديلة تخفف من وطأته * و ثالثها مخدرات تفقدنا الإحساس به * و ليس لنا عن واحدة على الأقل من هذه الوسائل غناء .


أما الشعور النرجسي بالرضا و الارتياح المتولد عن المثل الأعلى الثقافي فإنه يشكل واحدة من القوى التي توازن و تعوض على نحو ناجع العداء للحضارة داخل الجماعة الثقافية بالذات حيث يقول فرويد معارضاً ماركس مرة أخرى بأن ليس الطبقات صاحبة الامتيازات من هذه الثقافة أو تلك هي وحدها التي تستطيع المشاركة فيها * و إنما المضطهدون أيضاً الذين يعوضهم الحق في احتقار أولئك الذين لا ينتمون إلى حضارتهم عن الإجحاف الذي يكابدونه في جماعتهم بالذات * و من الممكن للمضطهدين علاوة على ذلك أن يكونوا على عاطفي بأولئك الذين يضطهدوهم * و أن يروا في سادتهم بالرغم من كراهيتهم لهم مثلهم الأعلى * و لو لم تكن مثل هذه العلاقات الباعثة على الرضا و الارتياح في صميم الأمر موجودة لما أمكن لنا أن نفهم – حسب فرويد – كيف استطاع عدد كبير من الحضارات أن يدوم و يعمر طويلاً بالرغم من عداء المجموع الذي له ما يبرره و يسوغه .


و الدين عند فرويد هو محاولة أنسنة الطبيعة ووحشيتها التي لا تقهر بالنسبة للإنسان * والإنسان قام مع الزمن بتجريد قوى الطبيعة من سماتها و قسماتها الإنسانية * و لكن مع ذلك تبقى الضائقة البشرية كما هي * و يبقى معها الحنين إلى الأب أو الآلهة ( التي هي كبديل رمزي عن الأب المفقود لدى فرويد ) التي تحتفظ بمهمة ثلاثية يٌفترض أن تؤديها * فهي أولاً تقوم بتعزيم قوى الطبيعة و هي ثانياُ تصالحنا مع قسوة الأقدار كما يتجلى ذلك في الموت بشكل خاص * و هي أخيراً تعوضنا عن الآلام و الأوجاع و ضروب الحرمان التي تفرضها علينا حياة المدنيين المشتركة * و بتلك التصورات الدينية يشعر الإنسان بأنه محمي من جانبين * من العالم الخارجي و أخطار الطبيعة و القدر * و من الأضرار التي يتسبب فيها المجتمع الإنساني و قمع الثقافة * و بشكل عام ينظر فرويد إلى الأفكار الدينية التي تطرح نفسها كمعتقدات بأنها ليست خلاصة التجربة أو النتيجة النهائية للتعامل أو التفكير *

و إنما هي تحقيق لأقدم رغبات البشرية و أقواها و أشدها إلحاحاً * و يكمن سر قوتها في هذه الرغبات * فالإحساس المرعب بالضائقة الطفلية أيقظ الحاجة إلى الحماية التي مثلها الأب * و إدراك الإنسان أن هذه الضائقة تدوم الحياة كلها جعله يتشبث بأب أعظم قوة و أشد بأساً من خلال التفكير بالسلطان الرفيق و العطوف للعناية الإلهية * و بما أن الدوافع الغريزية هي أكثر قوة في الإنسان من الدوافع العقلية فإن ذرية البشر كانوا سيستمرون إلى اليوم في إفناء بعضهم البعض بلا رادع لو لم تؤد إحدى الجرائم ( قتل الأب ) إلى رد فعل انفعالي جامح و مثقل بالنتائج المحملة بالذنب و التي نتج عنها المثال الأخلاقي ( لا تقتل ) * تلك الوصية التي كانت تقتصر في ظل الطوطمية على الحيوان البديل عن الأب ثم اتسع نطاقها فيما بعد لتشمل الغير * و التي لا تزال إلى اليوم عرضة للانتهاك بين حين و آخر * و على ذلك فإن تراث الأفكار الدينية لا ينطوي على تحقيق لرغبات و حسب * بل أيضاً على تذكيرات تاريخية هامة .


و يقدم فرويد نظرة قد تبدو قريبة من نظرة ماركس بخصوص الدين حين يقول " لا شك في أن الإنسان سيتوصل يوم يقطع رجاءه من عالم الغيب أو يركز كل طاقاته المحررة على الحياة الأرضية إلى أن يجعل الحياة قابلة للاحتمال من قبل الجميع * و لن تسحق الحضارة بعدئذ أحد "
لكن فرويد يطرح نظرة أكثر تشاؤماً في محاولة تجاوز حالة الضياع التي اعتبرها من المكونات الجبلية للإنسان * و ليست نتيجة ظروف خارجية يمكن تغييرها * لذلك فإن حل مشكلة الإنسان يقتصر على نطاق محدود لا يتجاوز المفهوم الشخصي * حيث يقول " إذا كان البرنامج الذي يفرضه علينا مبدأ اللذة و الذي قوامه أن نكون سعداء برنامج غير قابل للتحقيق * فإنه من الممكن لنا مع ذلك ألا ننكص عن أي مجهود يرمي إلى تقريبنا من تحقيقه * و يمكننا وصولاً إلى ذلك أن نسلك طرقاً عدة شديدة الاختلاف تبعاً للجانب الذي نعطيه الأولوية منه * أللجانب الإيجابي أي الفوز بالمتعة * أم للجانب السلبي أي تماشي مع الألم *

لكننا نعجز مهما جهدنا عن تحقيق كل ما نتمناه بأي طريق من تلك الطرق * حيث السعادة بهذا المعنى لا يمكن أن تكون إلا نسبية * لذلك فلا وجود هنا لنصيحة تصلح للجميع * بل يتوجب على كل امرئ أن يبحث بنفسه عن الكيفية التي يمكنه بها أن يغدو سعيداً " فقد أدرك فرويد إدراكاً واضحاً لا لبس فيه أن الإنسان عبارة عن بسط جدلي للتناقض بين الطبيعة ممثلة بالاندفاعات الفيزيولوجية النفسية * و بين المجتمع ممثلاً بالضغوط النفسية الاجتماعية التي بلغت درجة من التبطّن فتح من خلالها طريقين للتحليل النفسي * طريق إعادة تلاؤم الفرد مع المجتمع المحيط به * و طريق تحرير الطاقات النفسية التي ينبغي لها أن تتيح للأفراد خلق حياة اجتماعية جديدة * لكن بالمقابل نجد أن محللين نفسيين هم تلامذة لفرويد رفضوا الانطلاق من مفهوم النفس المبنية من الداخل _ داخل الأنا الفردية * والأنا الأعلى عندهم لم يكن يفرض من خارج الذات بل من داخلها * فالأخلاق تعبر عن رغبة عميقة للأنا * و ليس عن قسر ميكانيكي لأمر أو تنبيه خارجي * و هذا ما انطلق منه فروم كما سوف نرى .







رد مع اقتباس