الاضافة
ملاحظتان:
آ- إضافة اسم الفاعل والصفة المشبهة، يكثر فيها التَّلَوّي والالتواء، هنا وهناك، في هذا الشاهد أو ذاك. ومن هنا أنّ قارئ كتب النحو واللغة، يظلّ يرى - ما سار معها - آراءً وشروحاً مختلفةً وتفاسير. ومع ذلك إنّ ما قرّرناه مؤسّس على شواهد من كتاب الله لا تُنْقَض.
ب- ما يراه القارئ من تكرار الشواهد في المتن والحواشي والنماذج، إنما الغاية منه تثبيت القاعدة بالتكرار.
نماذج فصيحة من استعمال الإضافة:
[وقال الذين استُضْعِفُوا للذين استَكْبَروا بل مَكْرُ الليل والنّهَارِ] (سبأ 34/33)
[مكرُ] مضاف، حُذف تنوينه - على المنهاج - إذ المضاف لا ينوّن. و[الليل] مضاف إليه مجرور، جرياً مع القاعدة المطلقة: [المضاف إليه مجرور أبداً].
[تبتْ يدا أبي لَهَب] (المسد111/1)
[يدا]: مثنّى مضاف، والمضاف لا يلحقه التنوين ولا نون المثنى وجمعِ السلامة. ولذلك حذفت نون المثنّى، والأصل: [يدان]، و[أبي] مضاف إليه مجرور- جرياً مع القاعدة المطلقة: المضاف إليه مجرور أبداً - وعلامة جره الياء، لأنه من الأسماء الخمسة. و[لهبٍ] مضافٌ إليه ثانٍ مجرور أيضاً - جرياً مع قاعدة: المضاف إليه مجرور أبداً، وعلامة جره الكسرة.
[إنّا مرْسِلُو النّاقةِ فتنةً لهم] (القمر 54/27)
[مرسلو] جمع مذكر سالم، وهو مضاف، والمضاف لا يلحقه التنوين ولا نون المثنى وجمعِ السلامة. ولذلك حُذفت نونه، والأصل [مرسلون]. و[الناقة] مضاف إليه مجرور بالكسرة جرياً مع قاعدة: المضاف إليه مجرور أبداً. والإضافة لفظية، لأنّ فعل : [نرسل] يصحّ حلولُه محلّ المضاف [مرسلو] فلا يفسد المعنى ولا يختلف.
[والصابرينَ على ما أصابهم والمقيمي الصلاةِ] (الحج 22/35)
[المقيمي]: مضاف، حذفت نونه بسبب الإضافة، والأصل: [المقيمين]. وجاز أن يحلّى بـ [ألـ]، مع أنه مضاف والمضاف لا يُحَلّى بـ [ألـ]، لأن إضافته لفظية، يصحّ أن يحلّ محلّه فِعْلُ [يقيمون]، فلا يفسد المعنى ولا يختلف. و[الصلاة] مضاف إليه.
قال عنترة (الديوان /154):
ولقد خَشِيتُ بأنْ أموتَ ولم تَدُرْ
لِلحرب دائرةٌ على ابْنَيْ ضَمْضَمِ
الشاتِمَيْ عِرْضِي ولم أشْتُمْهُما
والناذِرَيْنِ إذا لَمَ الْقَهُما دَمِي
[الشاتمي] مضاف مثنى حُذِفت نونه بسبب الإضافة. وجاز أن يحلّى بـ [ألـ]، مع أنه مضاف والمضاف لا يُحَلّى بـ [ألـ]، لأن إضافته لفظية، يصحّ أن يحلّ محلّه فِعْلُ [يشتم]، فلا يفسد المعنى ولا يختلف. و[عِرض] مضاف إليه.
وقال زهير يمدح هَرِم بن سنان (الديوان /153):
القائدُ الخيلِ منكوباً دَوابِرُها
فيها الشَّنُونُ، وفيها الزاهِقُ الزَّهِمُ
(الشنون: بين السمين والمهزول، والزاهق: السمين، والزهم: أسمن منه. أراد أنّ دَأْب خَيْلِه في السير أَضَرَّ بحوافرها).
[القائد]: مضاف، وجاز أن يحلّى بـ [ألـ]، مع أنه مضاف والمضاف لا يُحَلّى بـ [ألـ]، لأن إضافته لفظية، يصحّ أن يحلّ محلّه فِعْلُ [يقود]، فلا يفسد المعنى ولا يختلف. و[الخيل] مضاف إليه.
وقال الفرزدق (شرح المفصل 3/21):
يا مَنْ رأى عارِضاً أَرِقْتُ لهُ بينَ ذِراعَيْ وجَبْهَةِ الأسَدِ
(العارض: السحاب. وذراعا الأسد وجبهته: من منازل القمر).
الأصل: [بين ذراعَيِ الأسدِ وجبهةِ الأسدِ]، لكنّ الشاعر حذفَ المضافَ إليه الأول؛ وهو في العربية جائز [10]. وذلك أنه إذا تتابعت إضافتان، والمضاف إليه هو هو، جاز حذف الأول اختصاراً.
وقال تعالى: [وجاعلُ الليلِ سَكَناً] (الأنعام 6/96)
[جاعل] اسم فاعل، مضافٌ إضافةً لفظية، وضابط ذلك أن يحلّ محلّ المضاف فِعلُه، فلا يفسد المعنى ولا يختلف. وذلك متحقق في الآية، لصحة حلول فِعْل [جَعَلَ]، محلّ [جاعل]. و[الليل] مضاف إليه. وفي الكفّ برهانان على سلامة ما قلنا. الأول: أنّ الآية لها قراءة أخرى هي: [وجَعَلَ الليلَ سكناً]. والثاني: أنّ اسم الفاعل عَمِلَ فنصب كلمةَ [سكناً] مفعولاً به. ولو كانت الإضافة حقيقية لم يَجُز ذلك.
===========================================
حواشي
[1] يسمّون [الإضافة اللفظية] أحياناً: [المجازية]، وأحياناً [غير المحضة].
[2] يسمّون [الإضافة المعنوية] أحياناً: [الحقيقية]، وأحياناً [المحضة].
[3] [حسن] صفة مشبهة نكرة، ولذلك نعتتْ كلمة [رجل] النكرة. وذلك أنّ الصفة المشبهة لا تتعرّف بالإضافة.
[4] كلمة [الحسن] صفة مشبهة معرفة، اكتسبت التعريف بـ [ألـ]، ولذلك نعتتْ كلمة [الرجل] المعرفة.
[5] [خالق] اسم فاعل يدلّ هنا على مضيّ، إذ خلق الله الكون في الأزل؛ وقد استفاد التعريفَ بإضافته إلى كلمةِ [الكون] المعرّفة بـ [ألـ]. يدلّ على ذلك أنه نَعَتَ معرفةً هي لفظ الجلالة: [الله].
[6] يعبّر النحاة عن هذا بقولهم: (اليوم أو غداً).
[7] الأحقاف 46/24: [ممطر] اسم فاعل يدلّ على مستقبل، لأن قوم (عادٍ) إنما قالوا ذلك حين قدّروا أنّ العارض (السحاب) سيمطرهم عن قريب. فالإضافة إذاً لفظية، ولذلك لم يتعرّف [ممطر] بإضافته إلى معرفة هي الضمير [نا]، فنَعَتَ نكرةً هي :[عارضٌ].
[8] [مالك] اسم فاعل، تعرّف بإضافته إلى: [يوم الدين]، فنَعَتَ لفظ الجلالة وهو معرفة، فالإضافة إذاً حقيقية.
[9] [جاعل الليل] الإضافة هنا لفظية، إذ المضاف يحلّ محلّه فعلُه [يَجْعَل] فلا يفسد المعنى ولا يختلف. [سكناً] مفعول به لاسم الفاعل: [جاعل]. وما كان هذا النصب ليجوز لو أنّ الإضافة حقيقية، وفي مجمع البيان (4/337): [قرأ أهل الكوفة: وجَعَلَ الليلَ… والباقون: وجاعلُ الليلِ…].
[10] قال الفيوميّ: [ويجوز أن يكون الأول مضافاً في النية دون اللفظ، والثاني في اللفظ والنية، نحو: غلام وثوب زيد، ورأيت غلام وثوب زيد، وهذا كثير في كلامهم إذا كان المضاف إليه ظاهراً]. يعني إذا لم يكن ضميراً