بيتين - رام الله

[م .نبيل زبن]

قرية بيتين

تقع الى الشمال الشرقي من مدينة رام الله ، عنها 5 كم ، وترتفع 894 م عن سطح البحر . يرجع أصل تسميتها الى كلمة (بيت ايل) ومعناها بيت الله ، وكانت قديماً محل أقامه ملوك الكنعانيين ، وعندما هاجر النبي ابراهيم الى فلسطين نصب خيامه قرب بيت ايل . وقد اطلق عليها الفرنجة اسم (بيثل) تبلغ مساحة أراضيها 4764 دونماً ، وتحيط بها أراضي قرى برقة ، البيرة ، ودير دبوان . قدر عدد سكانها عام 1922 حوالي (446) نسمة ، وفي عام 1945 (690) نسمه ، وفي عام 1967 كان (958) نسمه ، وفي عام 1987 زاد الى (1420) نسمه ، وفي عام 1996 ارتفع الى (2115) نسمة . تعد القرية ذات موقع أثري ، حيث تحتوي على آثار ومواقع أثرية عديدة ، وفي عام 1936 وضعت الحكومة البريطانية يدها على قطعة أرض كبيرة من أراضي القرية ، واقامت عليها (محطة الاذاعة الفلسطينية). صادرت سلطات الاحتلال جزءا من أراضيها ، وأقامت عليها مستعمرة (بيت ايل أ) ومستعمرة (بيت ايل ب).

[م .نبيل زبن]

الموقع:
تقع بيتين على مسافة 3كم إلى الشمال الشرقي من مدينة رام الله* حوالي 18كم عن القدس* ويمكن الوصول إليها عبر طريق القدس – نابلس* تتركز بيوت القرية الحديثة على الزاوية الجنوبية الشرقية لتل بيتين* المعروف بجبل إبراهيم* و تحيط بها أراضي عين يبرود وديردبوان وبرقة والبيرة* لا تتمتع بيتين بموقع دفاعي حصين* و لا شك أن الفضل الأساسي في استيطان بيتين المبكر والمتواصل عبر العصور التاريخية المختلفة يعود لكثرة ينابيعها الغنية وخصب أراضيها الزراعية* و وقوعها على تقاطع طرق تجارية قديمة مهمة للغاية: هي الطريق الموصل بين أريحا والساحل الفلسطيني* والطريق التجاري الجبلي القديم الموصل بين شمال فلسطين وجنوبها.
بيتين قرية فلسطينية جبلية تقليدية جميلة* شيدت بيوتها على قمم وسفوح ثلاث تلال متلاصقة* مكسوة بأشجار الزيتون والتين واللوز* يبلغ متوسط ارتفاعها حوالي 860 متر* وأعلى نقطة فيها تزيد على 900 متر فوق السطح البحر* تزيد مساحة أرضيها على 5000 دنم* مناخها معتدل الحرارة جاف صيفاً وبارد ماطر شتاءاً.
التسمية:
سميت بمدينة لوز حين أقامها الكنعانين * بمعنى شجرة اللوز والتي كانت معروفة لدى الكنعانين وهذا و ما أشارت إليه التوراة " فأتى يعقوب إلى لوزا التي في ارض كنعان وهي بيت ايل " وقد كانت بيتين مكاناً يقيم فيه ملوك الكنعانين * أما أسمها الحالي " بيتين" فهو مستق من الاسم الذي دعيت به في ما بعد " بيت أيل " * بمعنى بيت الإله أيل * وهو اله شرقي قديم عبده سكان بلاد ما بين النهرين وعرفه الكنعانيين ومن ثم المصريون فيما بعد * ولقد أقام له أبو الأنبياء إبراهيم الخليل مذبحاً قرب برج بيتين الحالي * كما دعيت القرية بإسم " بيتنيل " في فترة الحكم الرماني في للبلاد.

تاريخ بيتين:-
يقول المؤرخين إن المدينة الأقدم في المنطقة هي "عاي" الواقع على مسافة 2.5 كم شرقي بيتين* والمعروفة اليوم تل التل في بلدة دير دبوان الحالية* والاسم عاي يعني كومة الأنقاض أو الخربة* ورغم ذلك فان ما لا شك فيه أن الاستيطان البشري في بيتين قد بدأ مبكراً جداً* ففي حفريات المدرسة الأمريكية للآثار بقيادة لولبرايت وكلسو التي امتدت من عام 1934 حتى العام 1960م* اكتشفت البعثة الأمريكية أدوات صوانية و آواني فخارية وعظام حيوانات تعود للعصر الحجري النحاسي "4300-3200 ق.م"في ظاهر بيتين الغربي* ويبدو أن منطقة الينابيع أسفل التل في هذه الفترة كانت مكانا لتجمع البدو* ولم تشكل مجتمعا مستقرا إلا في العصر البرونزي القديم* أي حوالي سنة 3200 ق.م* وقد كشف المنقبون في الجهة الشمالية من تل بيتين معبدا ً كنعانياً يعود إلى هذه الفترة* وعثروا فيه على بقايا دم وعظام حيوانات مما يشير إلى أن القرابين الحيوانية وليس البشرية هي التي كانت تقدم هنا خلال هذه الفترة المبكرة* كما كتشفوا قبوراً وجماجم تعود إلى العصر البرونزي القديم في سفح الجبل المقابل للبلدة الحالية من الجنوب والغرب.
منتصف العصر البرونزي الوسيط حوالي سنة 1750 ق م تحولت بيتين من مجرد قرية صغيرة إلى مدينة محصنة تحيط بها أسوار ضخمة يبلغ سمكها 3.5 م* كما أثبتت وقد كشف المنقبون في ثلاثينيات القرن الماضي عن أجزاء هامة من هذه الأسوار* وكشفوا فيها عن بابين من بواب المدينة* أحدوهما شمالي شرقي السور والأخر شمالي غربه* الباب الشمالي الغربي مميز ولقد تم بناءه على أنقاض معبد القلعة الكنعاني من الفترة السابقة والذي شيد عند قمة التل* وعلى قمة التل مباشرة تم اكتشاف معبد كنعانيين يعود للعصر البرونزي الوسيط* ويبدو انه قد هدم في هزة أرضية و وجدوا فيه كثيرا من عظام الحيوانات وفخار مصنع على شكل أدوات عبادة تشمل جرار تخزين مزخرفة وأيادي وقواعد وعمود يحمل رأس الآلهة المصرية مما يدل على صلات ثقافية مع مصر في هذه الفترة المبكرة* احتل المصريون بيتين حوالي سنة 1550 ق م* بعد تحرير مصر من الهكسوس.

رغم أن التوارة لم تذكر إن بيتين قد هدمة على يد يشوع بن نون وجيشه عند بداية العصر الحديدي* كما هو الحال في الكثير من المدن الكنعانية الأخرى بما في ذلك تل التل المجاور إلا ان أحوال المدينة كما تشير الدلائل الأثرية قد تدهورت كثيرا بعد دخول فلسطين العصر الحديدي و فمساكن العصر البرونزي الفخمة أصبحت أكواخ صغيرة* وهجرت المعابد الكنعانية* وتدنت نوعية الفخار الذي صار مقتصرا ً في معظمه على جرار التخزين وقدور الطبخ.

ازدهرت بيتين في الفترة الهيلينستية (332-63ق.م) والرومانية (63ق.م-324م) حتى لم تعد ينابيعها تكفي لسد حاجات السكان الذين حفروا الآبار لجمع مياه الأمطار فيها لأول مرة* م يزال العديد من هذه الآبار مجود في القرية حتى اليوم* وبعضها مستخدم من قبل الأهالي* في الفترة البيزنطية (324-636م) اتسعت المدينة أكثر وبلغت أقصى مدى لها وحفرت فيها المزيد من الآبار وبركة ضخمة في الوادي أسفل التل لتخزين المياه للاستعمال السكان الذين تزايدت أعدادهم بشكل كبير وما زالت أثار هذه البركة ماثلة حتى اليوم* خلال هذه الفترة بنيت في بيتين كنيسة بيزنطية كبيرة وسط المدينة* وعلى التلة المقابلة من الشرق أقم دير مازالت أثاره حتى اليوم* في الفترة الصليبية(1099-1291م) رممت الكنيسة والدير البيزنطيين* ولكن بعد طرد الصليبين تم تحويل الكنيسة إلى مسجد وهو البناء الذي ما زال مستخدم حتى اليوم ويعرف بمسجد النساء.

المواقع التاريخية والأثرية في القرية:
للأسف فأن الآثار الباقية حاليا لا تتناسب مع شهرة القرية ودورها التاريخي* ويعود ذلك إلى أساليب البحث الأثري التي استخدمت في بيتين* والمتمثلة في إعادة طمر الآثار بعد الكشف عنها وتوثيقها بالإضافة إلى وجود التل الأثري وسط القرية الحديثة* وأحاطته بالبيوت من كل جانب* والإهمال الذي كان من نصيب أثار القرية وأثار فلسطين عموما في العقود الأخيرة* الناجم عن الأوضاع السياسية غير المستقرة في البلاد* رغم ذلك تبقى بيتين بالتأكيد موقع جدير بالزيارة فهي قرية فريدة من نوعها* يختلط بها القديم بالحديث في انسجام بالغ* فعدا عن الآثار المطمورة في التل يبقى الكثير سواء وسط القرية حيث المسجد القديم* النظام المائي الذي يشمل الآبار والإنفاق والبركة الرومانية الكبيرة والبرك العثمانية الأصغر أسفل التل وكذلك برج بيتين الشهير وبقايا الدير البيزنطي وعدد من القبور والمدافن القديمة المحفورة في الصخر والمنتشرة في كل أراضي القرية* والأبنية الجميلة الأحدث منتشرة في مختلفة أنحاء القرية وخاصة العلالي والاحواش القديمة من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

برج بيتين:

لا شك ان برج بيتين المقام على رأس تلة تقابل تل بيتين من الشرق وتل عاي من الغرب على شمال طريق دير دبوان مباشرة* وعلى مسافة حوالي 800 م من وسط بيتين هو أكثر موقع اثري بارز بسبب أهميته الدينية وه بأنبياء العهد القديم* ولجمال موقعه الذي يشرف على أجزاء واسعة من مدينتي القدس ورام الله من الجنوب والغرب* وغور الأردن من الشرق* ويحتوي الموقع أيضا على أنقاض كنيسة أو دير بيزنطي –صليبي* وبئر محفور بالصخر وأعمدة وتعود ملكية ارض البرج لدير القديسة مريم جبل صهيون الذي مركزه القدس وقد عهد الدير بالأرض التي داخل منطقة البرج للعائلتين من بيتين تقومان بزراعتها والحفاظ عليها* وتتولى عائلة فلسطينية مسيحية من مدينة رام الله عملية الإشراف على هذه الأملاك ومتابعة أمور القائمين عليها.
رغم ان الجزء الأكبر من البرج قد هدم وأعيد استخدام الكثير من حجارته لأغراض أخرى* إلا ان أجزاء هامة منه ما زالت قائمة* فواجهته الشمالية وان كانت مهددة بالسقوط حاليا ً* تنتصب على ارتفاع يزيد على خمسة أمتار* ويحتوي البرج على نقوش وزخارف محفورة على واجهاته الخارجية* ربما تشير إلى شعارات لفرق من الجيش الملوكي* وربما الجيش الروماني* وان كان البعض يعتقد ان تاريخ بناء البرج الحالي لا يتجاوز الفترة المملوكية أو الصليبية.

أياً كان الأمر فأن من المؤكد أن حجارة البرج قد أعيد استخدامها مرات عدة ويمكن الاستدلال على ذلك بالنظر إلى واجهات الحجارة الضخمة الموجودة في البرج* حيث نرى بعض الحجارة المحفورة وبعض الحجارة التي ربما كانت تيجاناً لأعمدة الدير المجاور* من الجدير بالذكر هنا أن الحجر الذي كان ملوك بريطانيا يتوجهون عليه في العصور الوسطي والموجود في "وستمنستر آبي" بلندن قد أخذ من هذه المنطقة.

البرج بناء ضخم مربع الشكل أبعاده حوالي 7X7م وهو مشيد من حجارة كبير معظمها مشذب على كل الوجوه* لا أحد يعرف ارتفاع البرج الأصلي قبل الهدم* ولكن أقصى ارتفاع للجزء القائم منه حالياً وهو من الجهة الشمالية في حدود خمسة أمتار* ولو ان في هذه الواجهة تشققات خطير للغاية* أما من الجهة الجنوبية فلا يزيد ارتفاع البرج عن سطح الأرض الحالي عن المتر* ويعود السبب إلى الانهيارات التي تعرض لها البرج عبر السنين* بناء البرج ليس مسمطاً فهو يضم حجرات ضيقة في داخله وأنفاقاً وسراديب وبه درج داخلي ضيق يقود إلى أعلاه وفتحات ضيقة وطويلة في واجهاته المختلفة لإطلاق السهام* أما المدخل الرئيسي فهو من جهة الغرب ويبلغ عرضه حوالي 130سم* ارتفاعه الظاهر لا يزيد على النصف متر* مما يدل على ان هناك أكثر من متر من البرج مدفون تحت أنقاض البرج المنهار.

النظام المائي:
يوجد في بيتين الكثير من الآبار القديمة المحفورة في الصخر* ولعله أهمها البئر الفريد من نوعه عند قمة التل* وداخل مدينة بيتين الكنعانية* يتصل هذا البئر بالآبار الأخرى أسفل التل وخاص عين البلد المعروفة بعين البحر* والواقعة اليوم شمال الشارع الرئيسي وسط القرية* و بالبركة الرمانية الكبيرة والبرك العثمانية الأصغر في واد الطاحونة على الجهة الأخرى من الشارع* عبر نظام معقد ومتقن من السراديب والإنفاق* لاشك ان هذا النظام المائي المتقدم والفريد من نوعه في المنطقة هو واحد من أفضل الأنظمة المائية القديمة في فلسطين وهو الذي حمى القرية من موجات الجفاف والقحط الذي كانت القرية تتعرض لها من فترة لأخرى.

من ابرز مكونات هذا النظام بركة ضخمة تبلغ إبعادها حوالي 35x50م* في واد الطاحونة أسفل التل* والتي يبدو من حجارة جدرانها الضخمة والبلاستر الذي يكسو بعض أجزائها أنها تعود للفترة الرومانية – البيزنطية* وهذا يدل على أهمية المدينة في هذه الفترة* لقد شكلت البركة خزاناً احتياطياً ضخماً للمياه* وهي مادة الحياة الأساسية في هذه المنطقة الجبلية الجافة* لم تكن بركة بيتين تحجز وتخزن مياه الأمطار الجارية في الوادي في فصل الشتاء فقط* بل أنها كانت تستقبل أيضا ما يفيض من مياه الآبار المحيطة بها عند سفوح تل بيتين والتي ترتبط بالبركة عبر سلسلة من القنوات و السراديب المحفورة في الصخر تحت الأرض* يطلق أهالي القرية على هذه البركة اسم البحرة أو البحيرة* ويسمون جدرانها حيطان البحيرة* وقد طمرت معظم جدرانها الشمالية والجنوبية ولم يبق منها سوى الجدار الشرقي وأجزاء من الجدار الغربي* يصل عمق البركة من الشرق حوالي 4م* وقد تم الكشف بالصدفة تحت الشارع شرقي البركة بعد انهيار جزء من الشارع عن غرفة شبه مستطيلة طولها 4م وعرضها حوالي 3م وارتفاع عقدها البرميلي حوالي 4م* وهي مشيدة من حجارة منتظمة ولها مدخل مطمور حاليا ً من الشرق ربما كان الناس في الماضي يدخلون منه إلى الغرفة لأخذ المياه التي مصدرها البركة الضخمة* وفي وسط الغرفة المسقوفة هنالك نفق ضيق بعرض متر وارتفاع متر يمتد نحو الشرق حاملاً المياه الفائضة عن حاجة القرية* ويقال ان المياه التي كانت تسير في هذا النفق تصل إلى أريحا.
إلى الشمال مباشرة من هذه البركة الضخمة هناك ثلاثة برك أصغر حجماً* وأحدث تعود إلى الفترة العثمانية* كانت هذه البرك هي الأخرى مرتبطة بالآبار التي في التل عبر قنوات تحت الأرض* وقد كان أهالي حتى فترة قريبة يستقون منها ويسقون حيواناتهم إلى ان وصلت المياه إلى القرية في ستينيات القرن العشرين* ويبلغ طول البرك الثلاث من الناحية الشمالية25.45م* ومن الناحية الجنوبية 25.33م*أما العرض فهو مكون الناحية الشرقية 8.36م* ومن الناحية الغربية يصل إلى 8.80م* أصغر تلك البرك حجماً هي البركة الوسطي وتبلغ مساحتها 66.1 متر مربع* أما البركة الأخيرة أو الغربية فهي الأكبر حجماً إذ تبلغ مساحتها 73.5متر مربع* إلا ان الفرق بين مساحات البرك الثلاث ليس كبير* وأشكالها مربعه الشكل تقريباً* ويفصل ما بين البرك الثلاث جدارين من الحجر يبلغ سماكة الجدار في القس م العلوي 64سم ويزاد سمكه في القسم السفلي وفي الأساسات وذلك بسبب ضغط الماء خاصة في القسم السفلي* وتعاني تلك البرك من مشكلات كوجود تشقق في بعض جدرانها وفقدان حجارة في المداميك وتأكل وفقدان القصارة عن جدرانها* ونمو النباتات ولإعشاب بين حلول الحجارة مما يؤدي إلى تأكل وتفتت وفقدان فعالية المواد أللاصقه.