لقد انعقد في القدس يوم20/10/1353هـ اجتماع كبير لعلماء ودعاة فلسطين: من مفتين وقضاة ومدرسين وخطباء، وأصدروا بالإجماع فتوى بخصوص بيع الأراضي في فلسطين لليهود، وأنَّ ذلك البيع يحقق المقاصد الصهيونيَّة في تهويد هذه البلاد الإسلاميَّة المقدَّسة وإخراجها من أيدي أهلها وإجلائهم عنها وتعفية أثر الإسلام بخراب المساجد والمقدَّسات الإسلاميَّة كما وقع في القرى التي بيعت لليهود وأُخرج أهلها متشردين في الأرض؛ فقد اتَّفقوا على أنَّ البائع والسمسار والوسيط في بيع الأراضي بفلسطين لليهود عاملٌ ومظاهِرٌ على إخراج المسلمين من ديارهم، وأنَّه مانعٌ لمساجد الله أن يذكر فيها اسمه وساعٍ في خرابها، وهو كذلك متخذ اليهود أولياء؛ لأنَّ عمله يعدُّ مساعدة ونصراً لهم على المسلمين ومؤذٍ لله ورسوله وللمؤمنين، وخائن لله ولرسوله وللأمانة). ثمَّ أوضحوا أنَّ أولئك الباعة والسماسرة والوسطاء في بيع أراضي فلسطين لليهود: (كل أولئك ينبغي ألاَّ يصلَّى عليهم ولا يدفنوا في مقابر المسلمين، ويجب نبذهم ومقاطعتهم واحتقار شأنهم وعدم التودد إليهم والتقرب منهم، ولو كانوا آباء أو أبناء أو إخواناً أو أزواجاً، وأنَّ السكوت عن أعمال هؤلاء والرضا بها مما يحرَّم قطعياً). نقول هذا لأننا ندرك مآلات خطورة هذا البيع، فبيع المسلم لأرضه يؤدي في النهاية إلى امتلاك الكفار المحتلين أراضي المسلمين شيئاً فشيئاً ، وينعكس هذا على كثرة وجود المحتل الكافر المغتصب، وتصير لهم الأغلبيَّة، ومن ثمَّ تشريع القوانين الأرضيَّة الوضعيَّة وتحيكم غير شرع الله تعالى، وهذه أمَّ المصائب والكوارث!!. ولهذا وجدنا بعض أهل العلم في فلسطين يفتون بكفر وردة من قام ببيع أرضه في فلسطين لليهود، وأنَّ من سعى لذلك فهو مرتكب لجريمة شرعيَّة، وخيانة واضحة واقعية، وهو بفعلته الشنعاء تلك قد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، ومن استحلَّ ذلك فإنَّه كافر لأنَّه مكَّن أعداء الدين من أرض المسلمين، وصار بمثابة الموالي لهم، وهذا الأمر يوقع المرء في الردة والمروق من هذا الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وأتذكر أني قرأت لشيخنا العلاَّمة عبد الرحمن عبد الخالق في إحدى اللقاءات معه أنَّه يرى وجهاً شرعياً لتكفير من قام بهذا الفعل من باب أنَّه نوع من التمكين لليهود في هذا وكأنَّه إعطاء صك شرعي لهم في هذا الامر، ولهذا رأى الشيخ عبد الرحمن أنَّ القول بالتكفير في ذلك له وجه شرعي مسوغ.... ولهذا فلا يسقط حق العودة ولا يحل التنازل عن شيء من هذه الأرض سواء تحت بند اتفاقية أو كتابة وثيقة أو معاهدة تقضي بتعويض اللاجئين فكل هذا لا يرضي أهل فلسطين الصابرين الصادقين، فأرض فلسطين أرض وقفيَّة إسلامية خراجيَّة ، والوقف لا يجوز التصرف فيه حتى من الحاكم إلاَّ بما يوافق الشرع الرباني، بل لو تنازل عنها الفلسطينيون جميعاً ـ ولن يكون هذا بإذن الله ـ فإنَّه يلزم أهل الأرض أن يستردوها ولا يبقوها لكيان مغتصب . ولهذا فلا يجوز لأي شخص كائناً من كان أن يتنازل عن شبر من أرض فلسطين، لأنَّ هذا الأمر يخالف جمهور رأي المسلمين في فلسطين وخارجها، فضلاً عن أنَّ الحاكم الآن لا يحكم بشريعة الإسلام بل بقوانين وضعيَّة، والأصل أن يكون الحاكم في دين الإسلام يحكم بما أنزل الله ويكون مؤتمناً على الدين والأرض، وخصوصاً أنَّ هذه الأراضي ليست ملكاً عاما بل هي لأناس لهم عليها حق تمليك وصكوك وعقار وأمور شخصيَّة لا يحق لصاحب الملك العام أن يتدخل فيها جميعا بحسب ما يراه من مصلحة موهومة . والواجب على الحاكم أن يعلن أنَّ هذه الأرض يستحيل التنازل عنها تحت أي ظرف كان ، لأنَّ الأمر أبعد من تحقيق تنازل مقابل مصلحة، فهذا لن يكون، والذي سيكون هو تحقيق تنازل مقابل تنازلات عديدة، وتوسع صهيوني في بناء دولتهم الكبرى من النيل للفرات. لهذا لا يجوز أخذ التعويض المادي والقبول به عن حق عودة اللاجئين فالأوطان ملك لهذه الأمَّة وليست ملكاً لشخص محدد أو جهة معينة وسواء أكان ملكاً أو رئيساً، أو محكوماً أو صغيراً فليس له أن يتنازل عنها، وأمَّا قبول أموال أو تعويضات لأجل التشريد الذي لحق أهل فلسطين فلا بأس به بناء على أنَّهم راجعون لأراضيهم. فإن الآباء يرثون الأجداد، وأن الأبناء يرثون من الآباء، وأن الأحفاد يرثون من الأبناء وهكذا فالحق قائم لا يسقط مهما طال الزمان وتوالت الأجيال، ثمَّ إن عدم القدرة عن استعادة الحق كاملاً لا يبرر التنازل عنه مطلقاً ولا عن جزء منه. ولهذا لا يجوز التنازل عن هذه الأرض ولا بيع جزء ولو يسير منها للعدو الصهيوني ، بل الواجب عليهم أن يعودوا لهذه الأرض ويحولوا بين المغتصبين لها من اليهود ولو قضى بعضهم حياته في سبيل المدافعة في ذلك لكان من الشهداء فقد قال عليه الصلاة والسلاممن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أرضه فهو شهيد) كما أخرجه الإمام أبو داود في سننه بسند صحيح، وهذه الأرض أرضنا وليس لهم أصلاً أي حق فيها، والحقوق لا تستجدى، ولكن تنتزع انتزاعاً، ولا يفل الحديد إلا الحديد، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلاَّ بالقوَّة، ولقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قالإنَّ الله لا يقدس أمَّة لا يأخذ الضعيف حقه من القوي وهو غير متعتع) أخرجه ابن ماجه وابن خزيمة وصحَّحه وهو في صحيح الجامع برقم1853). والعاقل يدرك أنَّ من باع شيئاً من أرضه ولو بقناطير مقنطرة من الذهب، فإنَّ هذه خيانة لله ورسوله وللمؤمنين، فالله تعالى يقوليَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (الأنفال : 27- 28).