02-01-2012, 05:40 PM | رقم المشاركة : 41 | ||
|
ويعد القرن الهجرى الرابع أزهى عصور المسلمين بالأندلس وخاصة خلال فترة حكم عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد (عبد الرحمن الناصر) الذى حكم من عام (300هـ- 350هـ)، فأثبت أنه أكفأ الحكام، وأحرز نجاحًا تامًا فى ميدان السياسة والحضارة. وكانت قرطبة فى عهده تنار بالمصابيح ليلًا ويستضىء الماشى بسرجها (16كم) لا ينقطع عنه الضوء، وكانت مبلطة ومحاطة بالحدائق الغناء. وتذكر المصادر المختلفة أن الحضارة الإسلامية فى الأندلس شملت عدة اتجاهات، وحوت أكثر ألوان المعرفة أو كلها، ويقسمها بعض المؤرخين إلى قسمين: حضارة فكرية وحضارة عمرانية. ففى مجال الفكر والعلوم الشرعية انتشر المذهب المالكى فى الأندلس وخاصة فى فترة حكم هشام بن عبد الرحمن، ومن فقهاء وعلماء الأندلس المشهورين: بقىّ بن مخلد، والإمام ابن حزم الأندلسى،ّ والإمام أبو القاسم الشاطبىّ، وأبو الوليد الياجىّ، والإمام المنذر بن سعيد البلوطى الذى كانت له مواقف رائعة مع عبد الرحمن الناصر. ونهضت الأندلس نهضة كبرى فى مجال العلوم العقلية والعملية والطبيعية من رياضة وفيزياء وفلك وطب. ومن العلماء المشهورين فى الأندلس: عباس بن فرناس صاحب أول محاولة للطيران فى التاريخ. ومن أبرز علماء الفلك إبراهيم بن يحيى النقاش، ونبغ فى الطب والصيدلة أحمد بن إياس. وأما فى مجال الأدب والفن فقد برز فى علوم اللغة العربية وآدابها كثير من رجال الأندلس، وقد طبقت شهرتهم الآفاق ومن هؤلاء: ابن مالك صاحب الألفية المشهورة فى علم النحو والصرف، وابن عبد ربه صاحب «العقد الفريد». وتنوعت نواحى العمران التى عنى بها المسلمون بالأندلس، بل إن مظاهر الحضارة العمرانية أبرز من مظاهر الحضارة العلمية، وتمثلت أروع مظاهر العمران فى الأبنية الضخمة من مساجد ومدن وقصور تدل على تميز العمارة الإسلامية، فنشاهد فى الأندلس مسجد قرطبة، ومدينة الزهراء التى بناها الناصر، وقصرى طليطلة والمأمون، وقصر الجعفرية فى سرقسطة. ولقد تغنى الشاعر الفرنسى «فيكتور هوجو» بمدينة الزهراء فى قصيدة طويلة. وفى عام (366هـ) تولى حكم الأندلس هشام الثانى بن الحكم وهو آخر حكام بنى أمية فى الأندلس، فلقد سيطر على الحكم فى عهده المنصور بن أبى عامر الذى أسس الدولة العامرية.
|
||
02-01-2012, 05:41 PM | رقم المشاركة : 42 | ||
|
الحكم المستنصر بالله |
||
02-01-2012, 05:42 PM | رقم المشاركة : 43 | ||
|
أهم من ذلك: ما أكسبه أبوه من خبرات متنوعة، في مجالات الحياة كافة دون استثناء، طوال سني ولايته العهدَ، ليتسلم بلداً مستقراً مترقياً قوياً يحافظ عليه، مستمراً في إحسان ريادته وقيادته وحمايته. عَهِدَ إليه والدُه مبكراً أموراً كثيرة: مدنية واجتماعية ومعمارية وسياسية ودبلوماسية وعلمية وعسكرية، يستشيره فيها، وكذلك يُشير عليه، ويوليه غير قليل منها. كل ذلك جعله متمرساً متمكناً في أداء مهماته، خبيراً في شؤون الحياة وطبائع الناس وإدارة البلد وسياساته. يتمتع بالأناة والحِلْم والاحتمال، حتى مع الأعداء، مع الحزم والتروي والإقدام، قلما غُلِبَ على أمره. وإذا كانت له ثُغرة، في غير ذلك، فهي كبوة فارس. |
||
02-01-2012, 05:42 PM | رقم المشاركة : 44 | ||
|
الثقافة |
||
02-01-2012, 05:43 PM | رقم المشاركة : 45 | ||
|
ظلموه بادعاءين |
||
02-01-2012, 05:43 PM | رقم المشاركة : 46 | ||
|
إن هذه الفرية لم يقلها أي من أهل الأندلس، الذين أثنوا عليه وسارعوا دون استثناء إلى بيعته، التي حملتها وفودهم القادمة إلى قرطبة (نفح: 1-388386)، بل قالها غيرهم، وهو ما يدل على الافتراء. فوق هذا وذاك وأمام الروعة العالية، لك أن تعجب كل العجب، كيف وصف المستشرقُ الهولندي الشهير المتخصص بالأندلس "رينهات دوزي" Reinhart Dozy (1883م) هذا الخليفةََ (وكتبَ العلم) بأنه: "دودة كتب"؟! جَرَّده حتى من إنسانيته، وجرى تداول هذا الوصف لدى آخرين! أهكذا تكون الأمانة العلمية وأداء التزاماتها الحقة؟! أما ثانيتهما: فهي أنه أنس الحياة الهادئة الهانئة الوادعة وأحلاسها (لايفارقها)، لا يصلح للحرب والقتال. إنه وإن كان هذا الأمر متداخلاً مع السابق، لكنه تبقى إضافة تتعلق به وتتناسب معه: ذلك أنه مثلما كان قائد َعِلْمٍ ورائدَ فقهٍ، كان كذلك صاحب ميدان يجول ويصول، سواء بسواء؛ فيمكن أن يُوصَفَ بأنه الخليفة صاحب السيف والقلم، يجيد كليهما في وقته. "وقد ظنه الأعداء من حوله كذلك فعلاً، فبدأوا بالتصرف على هذا الأساس، حيث عندما توفي الناصر طَمِعَ الجَلالِقة (شَمالي إسبانيا) في الثغور (الحدود)، فغزا الحكم المستنصر بنفسه واقتحم" (نفح: 1-382)، لكنه كان يحب السلام. وحسن الجوار الذي كان غريباً يظنونه ضعفاً؛ فأثبت لهم: أنه كما في العلم عَلَم هو في الحرب بطل.. وكان. "وعندها أتته وفود ملوكهم يتسابقون ويتنافسون، يقدم كل واحد أكثر من غيره، ليُؤْثَر عند الخليفة، وفي دولة الحَكَم هَمَّتْ الرومُ (سكان الشَمال الإسباني) بأخذ مواضع من الثغور، فقوّاها بالمال والجيوش، وغزا بنفسه، وزاد في القطيعة على الروم وأذلهم" (سير أعلام النبلاء: 8-270). |
||
02-01-2012, 05:44 PM | رقم المشاركة : 47 | ||
|
وقد جمع "ابن الخطيب الوزير الغرناطي" (776ه)، ذلك بكلام مُوجَز مُعَبِّر: "وكان (الحكم المستنصر بالله) مَلِكاً جليلاً، عظيم الصيت رفيع القدر عالي الهمة، فقيهاً بالمذهب عالماً بالأنساب، حافظاً للتاريخ جَمّاعاً للكتب مُحِباً للعلم والعلماء، مشيراً للرجال من كل بلد، جمع العلماء من كل قطر، ولم يكن في بني أُمية أعظم همة ولا أجل رتبة في العلم وغوامض الفنون منه. واشتهر بهمته بالجهاد، وتُحُدِّث بصدقاته في المحول، وأَمَّلته الجبابرة والملوك" (الإحاطة: 1-478). إن هذا التوصيف المُبْتَسَر غير المنصف المفتعل، الذي قال به آخرون بعد الأندلس، هم بعض الدارسين في العصور المتأخرة، لاسيما من الأوروبيين ومَن تابعهم، بدوافع شتى، كلها بعيد عن العلم والحقيقة والإنصاف. وهذا مما حمل بعضاً من الأوروبيين المنصفين، ومنهم الإسبان، للتصدي للرد على ذلك وبيان زيفه، بعلمية ودراية وحياد. وإن كان منه ما أُثير لدى توليه الخلافة من الملوك المجاورين في الشمال الإسباني، لكنهم عند المحك عرفوا وأقلعوا وخضعوا، وأتوا إلى بَلاط قرطبة يتسابقون طالبين وده، كما أُشير إليه. ذلك "أن الحكم المستنصر اعتلى كرسيَ المُلْك ثاني يوم وفاة أبيه يوم الخميس، وقام بأعباء المُلْك أتَمَّ قيام، وأَنفذ الكتب إلى الآفاق بتمام الأمر له" (نفح: 1-386). |
||
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|