والآن وبعد ان تم سرد مواد قانون الانتخاب المؤقت مع بعض التوضيح _كلما لزم الأمر _ نحن معنيون بوضع الملاحظات حول هذا القانون المؤقت الذي جاء مخيباً للآمال وليس بحجم الطموح ،،،، وفي معرض ملاحظاتي حول نصوص هذا القانون استدرك فأقول لأن قانون الانتخاب لمجلس النواب يعتبر من أهم قوانين الدولة، وتأتي هذه الاهمية كون هذا القانون متعلق بنظام الحكم في الاردن مباشرة؛ فالمادة الاولى من الدستور تنص صراحة على أن نظام الحكم في المملكة الاردنية الهاشمية نيابي ملكي وراثي، أي أن الحكم في الاردن يرتكز دستوريا على المجلس النيابي والملك سواء بسواء.
وبالتمعن بالبمادة (67) من الدستور أن تجري الانتخابات النيابية وفقاً لقانون الانتخاب، فمن الضروري والمنطقي أن يكون هذا القانون متفقاً وخاضعاً للدستور نصاً وروحاً وغير مخالف له، وهذا ما تقضي به المبادئ والقواعد القانونية العامة في دولة القانون ، ذلك ان السيادة للقانون ووفقاً لمبدأ المشروعية الذي يقضي بأن لا يخالف التشريع الادنى التشريع الأعلى شكلاً أو موضوعا، وإلا كان جزاء التشريع الادنى المخالف البطلان المطلق الذي لا ترد عليه إجازة في دولة القانون . وحيث اننا وفي الاردن لا نملك لغاية اللحظة محكمة دستورية ونلجاً لمحكمة العدل العليا للطعن في دستورية الاجرأأت النابعة من قانون مؤقت أو دائم ،وقد نلجأ ايضاً لنادرة من الونادر بأن يقوم قاض بالامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور "رقابة الامتناع " ولهذا الحد هي القدرة لدى قانونيو البلد في الرقابة والطعن .
لقد صدر قانون الانتخاب لمجلس النواب (القانون المؤقت رقم 9 لسنة 2010) ونظام تقسيم الدوائر الانتخابية والمقاعد المخصصة لها (النظام رقم 28 لسنة 2010)، وهما في شكلهما ومضمونهما مطابقين للقانون المؤقت والنظام السابقين (القانون المؤقت رقم 34 لسنة 2001* وتعديلاته) ونظام تقسيم الدوائر الانتخابية والمقاعد المخصصة لها (النظام رقم 42 لسنة 2001 * والنظام المعدل رقم 17 لسنة 2003)، فهل هذا القانون المؤقت الجديد دستوري ام غير دستوري؟؟
في ظني انا بتواضع أن هذا القانون غير دستوري، بل باطل بطلاناً مطلقاً، ولا ترد عليه إجازة في دولة القانون التي يخضع تشريعها الادنى للتشريع الأعلى،،، هذا رأيي المتواضع .
بطلان قانون الانتخاب لمجلس النواب (القانون المؤقت رقم 9 لسنة 2010) ونظام تقسيم الدوائر الانتخابية والمقاعد المخصصة لها (النظام رقم 28 لسنة 2010) بسبب مخالفتهما للدستور الاردني من عدة نواح أهمها :
أولاً :القانون المؤقت رقم 9 لسنة 2010* وتعديلاته صادرة عن جهة غير مختصة بإصدارها (مجلس الوزراء )
ينعقد الاختصاص أصالةً للسلطة التشريعية ( مجلس الأمة والملك ) بوضع القوانين، بمقتضى المواد (25، 91، 92، 93) من الدستور الأردني، التي لها أن تشرع من القوانين ما تشاء على أن لا تُخالف هذه القوانين أحكام الدستور حسب القواعد والمبادئ القانونية العامة.
ولمجلس الوزراء على سبيل الاستثناء صلاحية وضع قوانين مؤقتة، بمقتضى المادة (94) من الدستور، التي قيدت زمانياً وموضوعياً صلاحية مجلس الوزراء بوضع القوانين المؤقتة بالشروط التالية:
1. أن يكون مجلس الأمة غير منعقد أو منحلاً.
2. وجود أمور تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير، أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأجيل.
3. أن لا يُخالف القانون المؤقت أحكام الدستور.
4. أن يُعرض القانون المؤقت على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده.وتدور هذه الصلاحية الزمانية والموضوعية لمجلس الوزراء وجودها وعدمها بتوافر هذه الشروط مجتمعة، فإذا لم تتحقق أو لم يتحقق أحدها* فلا صلاحية لمجلس الوزراء؛ لأن غاية الشارع الدستوري جعل الصلاحية هذه على سبيل الاستثناء – والاستثناء لا يقاس عليه ولا نتوسع في تفسيره ويطبق في أضيق الحدود حسب القاعدة القانونية الأصولية - وذلك تحقيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات؛ كي لا تتعدى السلطة التنفيذية على اختصاص السلطة التشريعية.
إن القانون المؤقت* وإن كان قد صدر ومجلس النواب منحلاً، لكنه:
1. لا توجد أمور تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير، أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأجيل لإصداره، فالدولة ليست بلا قانون انتخاب، حتى تكون هناك أمور تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير، بل هناك قانون انتخاب نافذ وهو قانون رقم 22 لسنة 1986 وتعديلاته المشروع.
2. والقانون المؤقت مخالفٌ للدستور كما هو موضح في بند مخالفة القانون لأحكام الدستور( ثالثاً، ورابعاً، وسابعاً).
ويعرف الفقه الاختصاص: بأنه صلاحية الموظف العام أو السلطة العامة للقيام بما يعهد إليها في الحدود الموضوعية والزمانية التي بينها القانون. .
ويتبين لنا من نص المادة (94) من الدستور والتعريف السابق ذكرهما أن صلاحية مجلس الوزراء بإصدار قوانين مؤقتة مقيدة بشرطين هما:
1. قيد زماني يتمثل في الزمن الذي لا يكون مجلس الأمة منعقداً أو يكون منحلاً.
2. قيد موضوعي يتمثل في المواضيع التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأخير، ومواضيعها غير مخالفة لأحكام الدستور. وعليه فإن مجلس الوزراء قد خرج على قيد الاختصاص الموضوعي عندما أصدر القانون المؤقت، إذ أصدره في موضوع لا يستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير ولا يستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأخير، كما هو مبين في البند (ثانياً)، وقد خالف أحكام الدستور كما هو مبين في البند (ثالثاً، ورابعاً، وخامساً، وسابعاً)، وعليه يكون مجلس الوزراء، قد مارس عملاً خارج دائرة صلاحيته الاستثنائية المقيدة موضوعياً.
ثانياً :تجاوز مجلس الوزراء في تقدير الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير
وأكتفي هنا لبيان ذلك التجاوز بسرد ما جاء في قرار محكمة العدل العليا الموقرة في الدعوى رقم (226/97) في حالة الضرورة حيث جاء فيه:
" .. .. .. وإن حالة الضرورة المشار إليها في المادة أعلاه تتمثل في نشوء خطر جسيم يتعذر مواجهته بالطرق القانونية العادية كالحرب والكوارث والفتن الداخلية التي لم تكن متوفرة لأن معالجة أوضاع الصحافة ووضع شروط لتنظيم أوضاع الصحافة ليس خطراً داهماً ولا وضعاً طارئاً ملحاً شأنها شأن الكوارث أو الحروب التي تنشأ فجأة أو الفتنة التي تستوجب مجابهة سريعة لئلا ينتشر خطرها فتهدم كيان الدولة. ذلك أن حالة الضرورة تقاس بوجود أحداث مفاجئة تشكل خطراً جسيماً.. .. ..
2- .. .. .. وبما أن سلطة إصدار القوانين المؤقتة قد شرعت لمجابهة ظرف طارئ، فلا يجوز استعمالها لتنظيم موضوعات يختص بها التشريع العادي، وعليه لا يرد القول بأنه لا رقابة لمحكمة العدل العليا على حالة الضرورة والاستعجال بداعي أن تقدير حالة الضرورة والاستعجال الداعية لإصدار القانون المؤقت يعود للسلطة التنفيذية ".
ثالثاً:مخالفة القانون المؤقت لمبدأ العمومية الذي أقرّه ويصونه الدستور
النص المخالَف
تنص المادة (67) من الدستور على ما يلي:" يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخابا عاماً سرياً ومباشراً ووفقاً لقانون الانتخاب ..الخ".
يتبين لنا من هذا النص ان الانتخاب يجب أن يكون عاماً وليس خاصاً، ولا يستثنى منه أحد، غير الذين ليس لهم أهليةٌ لممارسة الحقوق السياسية وفق القواعد والمبادئ القانونية العامة، من مثل من لم يبلغوا سن الرشـد السيــاسي، أو المحجور عليهم لذاتهم أو لأي سببٍ آخر، أو المفلس قانونياً ولم يستعد اعتباره، أو المحكوم عليه بجرمٍ متعلقٍ بالشرف والأمانة أو بجناية ولم يستعد اعتباره. فهذه الفئات من المواطنين ليست أهلاً لممارسة الحقوق السياسية ومنها حق الانتخاب بسبب نقص الإدراك لاختيار الأفضل أو لعيب لحق بعقولهم أو بذمتهم جعل منهم مواطنين غير ثقات لاختيار نواب الأمة. فهذه العلل التي من أجلها مُنعوا أو حُرموا من ممارسة حقهم في الانتخاب.
النص المخالِف
أما ما تضمنه القانون المؤقت في المادة (3/ب) من نص:
"يوقف استعمال حق الانتخاب للعسكريين العاملين في القوات المسلحة والمخابرات العامة والامن العام والدفاع المدني وقوات الدرك طيلة وجودهم في الخدمة الفعلية".فما هو إلا قيدٌ غير مشروعٍ على مبدأ العمومية الذي أقرّه ويصونه الدستور.
فالعسكريون هم إحدى فئات المواطنين الذين تتوافر فيهم الثقة والشرف وحسن الاختيار ويتمتعون بالأهلية لممارسة حقوقهم السياسية ومنها حق الانتخاب لمجلس النواب، ولايجوز أن يكون وجودهم في الخدمة العسكرية المشرّفة سبباً لنقص أهليتهم السياسية، فيوقف حقهم في الانتخاب، وما وقف استعمال الحق إلا حرمان من استعمال حق الانتخاب، كما أن هذه الفئة تتأثر بالقرارات التي يتخذها مجلس النواب كغيرهم من المواطنين، ودستورياً ومنطقيا لهم الحق الكامل في أن يشاركوا في اختيار ممثلي المواطنين والشعب (النواب) في مجلس النواب، وذلك أسوةٌ بفئات المواطنين الأخرى المتمتعة بهذا الحق، وهذا الحق مكفول في الدول الديموقراطية.
إن فئة العسكريين هي فئة على قدر عالٍ من المعرفة والوعي والإدراك وحسن التقدير والاختيار، كيف لا وهم من حملة الشهادات العلمية في الطب والهندسة والحقوق والادارة وغيرها من التخصصات. لهذا من غير المبرر ولا المستساغ أن يهمل حقهم في إبداء رأيهم في اختيار ممثلي المواطنين والشعب وهم جزء من هذا الشعب وفئة من المواطنين، يتأثرون كغيرهم بقرارات هـذا المجـلس ضمن اختصاصاته؛ فمثلاً: قانون الخدمة العسكرية للضباط والأفراد، وهو قانونٌ يُقرّه مجلس النواب، هذا القانون يتـأثر به العسكريون بشكلٍ مباشر. أليس من حق العسكريين أن يختاروا نواباً عنهم ليعبروا عن رأيهم في هذا القانون وما يحويه من أحكام مهمة من مثل الأحكام الخاصة بانتهاء وإنهاء الخدمة العسكرية لتحديد ضوابط محددةٍ لها؟؟؟
لقد أدى العسكريون كامل واجباتهم تجاه الوطن، ولهم في خدمتهم المشرفة الفضل، فلماذا ينتقص هذا القانون حقهم في الانتخاب.
وعليه فإن حق العسكريين في الانتخاب هو حقٌ مشروعٌ أقرّه ويصونه الدستور بنصٍ صريحٍ وواضحٍ أبلج، والنص الذي يُوقف استعمال هذا الحق في القانون المؤقت، ما هو إلا نصٌ يخالف الدستور مخالفةً واضحةً تستوجب بطلان هذا النص بطلاناً مطلقاً، وعدم إجازته إذا ما أردنا أن نكون في دولة القانون وملتزمين بمبدأ المشروعية.
ويتبــــــــــــــــــــــــــع