اخترت لكم موقف - بتصرف - من المواقف المشرّفة والبطولية لجهاد العرب الليبيين في فلسطين 1948 – 1949 بالرغم من الظروف الصعبة و القاسية التي كانت محيطة بالأمة العربية انذاك ، هذا الموقف من كتاب وثائقي بقلم " السنوسي محمد شلوف "، دار افريقيا للطباعة و النشر،الطبعة الأولى 1985 وعنوان الكتاب "مواقف من جهاد العرب الليبيين بفلسطين "
صيحة الجهاد ....
في معسكر المجاهدين العرب الليبيين بمدينة مرسى مطروح خلال شهر ابريل 1948 جاءت الأنباء عن استشهاد البطل عبد القادر الحسني الأمر الذي جعل المجاهدين الليبيين يقومون بأكبر مظاهرة داخل المعسكر مطالبين بالذهاب الفوري إلى فلسطين أو إعادتهم إلى بلادهم بتاريخ 9 – 10 – 1948.
ثم تواردت أنباء مؤلمة و محزنة عن مذبحة " دير ياسين " التي ارتكبتها عصابة الارغون الصهيونية بزعامة السفاح "بيغن " ، وهاج الليبيون داخل ذلك المعسكر و تعالت صيحاتهم مطالبة بالجهاد و الذهاب إلى فلسطين للإنتقام مما جعل مندوب الجامعة العربية و القائد المسؤول عن ذلك المعسكر يتصل بالجامعة و ينقل لها صورة عن الاحداث التي تجري بالمعسكر من قبل المجاهدين العرب الليبيين المتعطشين للرحيل إلى فلسطين، وفي يوم 12/4/1948 تلقى مسؤل المعسكر الرد بالإستعداد للسفرإلى ميدان المعركة بفلسطين و عندها عمت الفرحة الجميع.
تم الرحيل بواسطة القطار من مرسى مطروح إلى القاهرة إلى معسكر " الهايكستب " وذلك للإستماع لكلمة رئيس وفد الجامعة العربية الذي قال مخاطبا الليبيين : " انكم السرية الاولى النواة التي ستذهب إلى ميدان المجد و الشرف لمحاربة العدو الصهيوني بفلسطين ".
كما تحدث أيضا الزعيم المغربي عبد الكريم الخطابي قائلا : " إن الجامعة سترسل وراءكم المزيد من المجاهدين من العالم العربي و حث الجميع على الشجاعة و الإقدام ونيل شرف الشهادة بفلسطين " ثم واصلنا سفرنا بعد ذلك إلى مدينة العريش.
الإنتظار بمدينة العريش ...
إن ما رأيناه بتلك المدينة لا يكاد يصدق، كان الوقت يمر ثقيلا حزينا و كان المنظر مروعا، كان القطار القادم من مدينة غزة يمر متثاقلا يحمل كتل بشرية من اللاجئين العرب الفلسطينيين النازحين عن ديارهم تبدو على وجوههم الكآبة و الحزن العميق، يعاملهم الجنود وكأنهم أسرى حرب، كنا نقف صامتين لا حول لنا ولا قوة و لم يكن لدينا سلاح، ولا نقوى على فعل شئ اللهم إلا الشعور بالمرارة و الألم، كاذ ذلك المنظر الرهيب يتكرر أمامنا يوميا كنا نشعر بالفراغ القاتل و الإنتظار الممل و نحن عزل من السلاح.
في تلك المدة ونحن بالعريش صدرت الأوامر من القائد العسكري للمنطقة بتوزيع و تقسيم كتيبة عمر المختار الأولى الليبية على جميع المعسكرات المصرية الموجودة بالعريش و ضواحيها دون أن يؤخذ رأينا، ورأى المجاهدون العرب الليبيون في ذلك الأمر صعبا للغاية حيث سيتم تشتيتهم في جماعات داخل معسكرات جيش نظامي وهم فدائيون متطوعون، وما كان من الليبيين إلا رفض أوامر القائد العسكري مطالبين بالإبقاء على وحدة كتيبتهم و تماسكها وإتاحة الفرصة للإشتراك في مجاهدة العدو الصهيوني بدلا من وضعهم في معسكرات " محلك راوح "، لذلك تشدد الليبيون في موقفهم حتى دخلوا في مشادة عنيفة مع القائد المصري " الوردياني " حتى إنه قام بتهديدهم بالإعتقال ، ولكنهم أصروا على موقفهم، بل قاوموا أوامره و قاموا بالإستيلاء على مخزن الذخيرة و السلاح.
و في الليلة الأخيرة من شهر أبريل تحرك المجاهدون العرب الليبيون إلى رفح سيرا على الأقدام في طريق رملية وعرة بمحاذاة شاطئ البحر، ثم اتجهوا إلى خان يونس في طريق وعرة أيضا مليئة بنبات التين الشوكي حيث وصلوا إلى تلك المدينة يوم 1/5/ 1948 : وصلنا إلى هناك بحضور قائدنا و هو من أصل سوداني و يدعى " محمد سرور رستم " و بحضور الضابط المصري " زغلول شلبي " الذي كانت مهمته توزيع السلاح ولازلت أذكره و لنا صور عديدة معه في مدينة بيت لحم إنه ضابط شجاع و يعمل بسلاح الإشارة المصري.
و في نهاية الأمر استقرت الكتيبة الأولى الليبية ببلدة " عراق سويدان " و قامت بتوزيع أفرادها على ثلاث مناطق هي : معسكر النصيرات،و الفالوجا ، ووادي : ابو سويرج الدانجور .
الإلتحام الأول ...
كانت أولى المعارك مع الأعداء في تلك المناطق مع إحدى القواقل الإسرائيلية التي كثيرا ما يكون مرورها من وادي أبي سويرج الدانجور، وتم بالفعل الإستيلاء الكامل على إحدى تلك القوافل الإسرائيلية في معركة كانت سريعة وخاطفة و عنيفة تم فيها القضاء على اليهود قضاءا تاما و هو أول انتصار يحققه الليبيون منذ وصولهم إلى فلسطين.
كان المجاهدون الذين قاموا بسحب تلك المصفحات و الآليات الإسرائيلية من الوادي إلى عراق سويدان مقر الكتيبة الليبية هم : ادريس بوشناف العيساوي وفتحي طلوبه ، وعلي البراني وعبد الفتاح بشون، ومحمد جعاكة، وعبد العزيز محمد، وعبد الله الشريف، ويوسف الطرابلسي، ومسعود السراوي، وجميعهم عرب ليبيون و البعض منهم لايزال على قيد الحياة حتى ساعة كتابة هذه المذكرات، وكان هؤلاء يجيدون قيادة المصفحات من بين أفراد الكتيبة و عددهم أكثر من أربعمائة مجاهد، فقد سحبوها بسرعة فائقة من ميدان المعركة إلى مقر الكتببة بعراق سويدان، وقد اعتبر افراد الكتيبة ذلك اليوم عيدا لأول نصر حققوه على الأعداء.
في مساء ذلك اليوم كانت قيادة ما يسمى بجيش فاروق لازالت بالخطوط الخلفية لمدينة العريش و لم تدخل فلسطين بعد أصدرت اوامرها بتسليم تلك المصفحات.... رفض الليبيون أمر تلك القيادة القابعة في معسكراتها بمدينة العريش و التي لم تدخل فلسطين إلا في يوم 15/5/1948 عند ذلك حضر كل من " الصاغ " الرائد المعروف و الضابط " كمال عبد الحميد " إلى مقرنا بعراق سويدان ووجدوا تلك الآليات و المصفحات وعددها سبع عشرة آلية و مصفحة وضعت في صفوف منتظمة و أمامها يهوديان أسيران ربطت أيديهما فوق عيونهما. وكان الضابطان المصريان " معروف الحضري " – الذي ارتبط بعلاقة وطيده مع الليبين خاصة في معارك بيت لحم بجنوب القدس فيما بعد - ، و " كمال عبد الحميد " الذي كان قلما و مساعدا للقائد العام للقوات المصرية بفلسطين اللواء " أحمد المواوي " يشعران بالغبطة و السرور و الإعجاب الشديد بشجاعة العرب الليبيين و ما حققوه من نصر مؤزر من عند الله في أول التحام مباشر مع الأعداء.
وعلق أحدهما على تلك الملحمة و هو " معروف الحضري " بقوله : " إنكم غير نظاميين و غير مدربين و تفعلون باليهود كل هذا و تأخذون مصفحاتهم معنى هذا بأن الجيش النظامي سيحرقهم و يدوس على رؤوسهم. "
للامانة منقول