الخط العربي ليس مجرد فن ...
بل هو أحد علامات الهوية العربية الأصيلة...
يعتبر الخط العربي أحد أهم مكونات الفن الإسلامي، ترف فني بالغ الجمال وصلت أنواعه إلى ثمانين نوعًا وهو ما لم يوجد في أي فن آخر أيًا كان نوعه، ساعد على ذلك اللغة العربية نفسها وتميزها بحروف متصلة في أكثر الكلمات والأحيان، اتصالٌ يعطي المجيدين لها إمكانية التلاعب ورسم الحروف بأشكال ورسومات عديدة، الأهم أن الحضارة العربية المزدهرة وكتداعٍ طبيعي لقوتها فرضت نوعًا من الاهتمام الشديد بلغتها الأساسية (العربية الفصحى) مما استدعى اهتمامًا بطريقة الكتابة التي تحولت إلى شبه مقطوعة موسيقية وتعطي إشباعًا نفسيًا وإمتاعًا للخطاط والرائي على سواء.
بدايته كانت بسيطة ومقصورة على أنواع قليلة حتى وقت الدولة الأموية التي كان لها تعليمات صارمة فيما يخص مكاتباتها الرسمية ولزوم كونها على ورق أو نسيج من قماش كما يشرح الدكتور بركات محمد مراد، مع اهتمام الدولة بها كان ازدهار فن الخط حينها شيئًا أساسيًا، بدأت الأشكال والزخارف المتنوعة في الظهور مع هامش ابتكار اتسع تدريجًا ليتحول إلى القلب الصلب للكتابة العربية مما ساهم في وسمها كفن مستقل بذاته.
كان الخط العربي في بدايته شيئًا موحدًا وبسيطًا، بالتدريج وبمرور الوقت تحول إلى أنواع وأشكال مختلفة بأقلام متنوعة، وأصبحت المدن ما يميز الخط اسميًا فوُجد الخط ( الكوفي / الشامي / المكي / المدني) وغيرهم، ثم تطورت الأمور أكثر إلى أنواع أخرى مع التغيير الذي حدث للقصبة (القلم) ونوعها وحجمها مع اختلاف المادة المكتوب عليها أيضًا، فصار هناك ( الثلث / خفيف الثلث / الطومار / الرقاع / المحقق / الديواني / الفارسي) وغيرها من الأنواع.
ربما ندر أن يحتوي فن على كل هذه التفاصيل، من أهميته المستمدة من لغة ذات ثقل ديني بالغ، ومن دمجه بين الهندسة (استعماله للدوائر والمثمنات والمنحنيات بمقاييس دقيقة) وبين الرسم (استعماله للأشكال النباتية من توريق وتضفير)، ومن استعماله بمختلف الأحجام بمرونة تامة سواء كنقوش عملاقة في المساجد والمباني الأثرية القيمة أو كفن من أشهر وأهم فنون المنمنمات التي برعت فيها الحضارة العربية بشكل خاص، ومن الإبداع في تتابع الأحرف العربية وكلماتها وإنشاء علاقات غاية في البهاء والابتكارية بينهم.
ككل فن وكل منتج حضاري يتعلق الأمر بازدهار أو اضمحلال هذه الحضارة، لذلك فقد مر الخط العربي – ومازال – بفترة ركود طويلة يساهم فيها بشدة تراجع الدور الحضاري للعرب مع التغريب الحادث للجميع بنسب مختلفة متوسطة على أقل التقديرات، فالفن الذي كان عنصرًا رئيسيًا في الحياة الإسلامية حيث نجد الخطوط والزخارف في القصور والبيوت والمساجد كأماكن تعبد ودراسة والحوانيت (المتاجر) وعلى الملابس وأدوات الطعام والأسلحة، هذا الفن الذي كان متوغلًا بشدة في روتين الحياة الإسلامية اليومية أضحى الآن هامشًا لا يلتفت إليه بما يليق به، مع تحولٍ هوياتي ضخم ناحية الحضارة الغربية في كل شيء تقريبًا.