نجوى الشخشير.. سادنة القبة الذهبية
السبت 23/04/2016
جُمان بسام-القدس
منذ سبع سنوات، وما زالت تفتح كل يوم باب إحدى عجائب الدنيا وروائع العمارة، تنظف سجادها وتمسح جدرانها، وترتاح قليلا على أحد أعمدتها الرخامية المهيبة. إنها نجوى الشخشير (أم رياض) خمسينية من القدس، تعمل سادنة في قبة الصخرة المشرفة.
وأم رياض واحدة من عشرات السدنة في المسجد الأقصى ممن تتركز مهمتهم في رعاية باحات المسجد ومصلياته بمساحته البالغة 144 دونما، والحفاظ على نظامها ونظافتها.
“دخلتُ من باب السلسلة أحد أبواب الأقصى، وواصلت المسير في طرقات المسجد حتى وصلت إلى قبة الصخرة ودخلتها”. هكذا تقول أم رياض في سردها لحلم راودها وهي صغيرة.
وتضيف أن الحلم تحقق اليوم عن طريق عملها في هذا المكان مع أنه غير جديد عليها، فهي ولدت في أحد بيوت عقبة الخالدية في البلدة القديمة بالقدس، وكانت تذهب مع جدتها باستمرار للصلاة في المسجد الأقصى المبارك.
اليوم الأول
“بسبب مرض والدتها، لم تستطع نجوى الشخشير إكمال تحصيلها التعليمي؛ فتزوجت وهي ابنة 17 عاما، وأنجبت خمسة من البنين وثلاثاً من الإناث، وبعد مرض زوجها بدأت رحلة البحث عن عمل، لكنها طالت وضاقت بها السبل.
تروي حكايتها فتقول: تملأ الدموع عينيّ وقادتني قدماي إلى ذلك المسجد الذي اعتدت تفريغ همومي فيه، بعد دعائي ربي بتيسير أمري في الصلاة، وصادفت فور انتهائي أحد العاملين في وزارة الأوقاف الدينية، الذي أخبرني بأنهم يبحثون عن سادنة تشغل إحدى الشواغر في قبة الصخرة، يومها بدأت رحلة سعادتي”.
بوجه مبتسم على الدوام، وعينين واسعتين تلازمهما نظارة لا تخفي بريق الأمل المنبعث منهما، تتنقل أم رياض داخل قبة الصخرة من عمود إلى آخر تمسحه وتلّمعه. وبخفة تخفي تقدم سنها وتنزل درجات “المغارة” لترتب المصاحف فيها وتزيل عن رفوفها الغبار.
وأكثر ما يستهوي أم رياض أنها أول من يفتح باب القبة، وأول من يكنس عتباتها، ويرى لمعة بلاطها العتيق الملون.
وعن عملها تتحدث بفخر وأنفة “أنا خادمة ببيت الله، وأتشرف بذلك وأحب عملي كثيرا، والناس يساعدونني وينظرون إليّ باحترام وتقدير كبيرين”.
“لو تمكنت من إمضاء حياتي كلها داخل المسجد سأكون ممتنة، فهذا بيتي الأول وليس الثاني، غبت عنه فترة بسبب مرضي، لكنني عندما دخلته عادت صحتي وشعرت بالانتعاش الروحي”. هكذا تعبر عن حبها وتعلقها بعملها ومكانه الذي تقول إنها لا تستبدله بأي عمل في الدنيا لأنه -في رأيها- اصطفاء لا اختيار.
ومع حبها وتفانيها في هذا العمل، فإنها تستطيع التوفيق جيدا بينه وبين بيتها وأسرتها، فترعى زوجها المريض وتعيل أسرتها، وتجلب أبناءها معها إلى المسجد أيضا.
حب لا عمل
رغم امتلاكها بطاقة تثبت عملها في المسجد الأقصى فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تتمركز على أبواب المسجد، منعتها مرارا من دخوله وتأدية عملها، شأنها شأن سائر رواد المسجد الذين يمنعون من دخوله.
لكن أم رياض لم تكن تخضع لأوامر المنع تلك، فتقول إنها تستمر في المحاولة والتنقل من باب لآخر حتى تستطيع دخوله، وتعبر عما تراه من حال المسجد بعد دخولها “عندما يمنع الاحتلال المصلين من دخول المسجد كنت أراه يبكي، وأرى حجارته تبكي، وعندما يعمره المصلون أراه يضحك فرحا”.
أجمل المواقف التي حفرت في ذاكرة أم رياض عن قبة الصخرة المشرفة حصلت في ذلك اليوم الذي استبدل فيه سجادها، فتقول مستذكرة ما حصل: “كنت لأول مرة أرى بلاطه القديم الذي بناه الأمويون وتشرفت بتنظيفه، وشعرت أنه بلاط بيتي بل وأعز”.
وحين سئلت سادنة الأقصى عن أمنيتها في الحياة، صمتت برهة وتسمرت دموعها في مقلتيها وتنهدت أم رياض قائلة “أتمنى أن أموت شهيدة في رحاب المسجد الأقصى”.