ذاكرة المكان
هل المكان ببنيانه ام بسكانه ؟؟؟؟كثيرا ما يخطر ببالي هذا السؤال و بصورة مرتبطة و بشكل مباشر بالمشاعر و العواطف بعيدا عن الواقع قليلا ... لماذا نحِن لأماكن بعينها ،هل نعشق المكان؟ ام ما في المكان؟ هل هي مسألة انتماء لارض؟ ام انتماء لذكريات؟ لا اعلم!
من سافر واغترب في رحلة و لربما لم يكن ضمن حساباته ان يعود يوما، لماذا تجده يتلهف على دقائق معدودة يحل بها في مكان ما؟ هل هو الشوق لجمود المكان؟ او برودته او دفئه؟ ام انها نسمات ذكريات عطرت المكان؟ لا اعلم!
لماذا نجد بعض الاشخاص الذين يبلغون من الدنيا مبلغها، يعودون الى قرية صغيرة في عمق الريف، او الى مجموعة خيام في عرض الصحراء، هل هو التراب ام الشجر الذي دفعهم لذلك؟ ام انها ذكريات زمن ماض جميل؟ لا اعلم!
مررت بتجربتي الشخصية التي جعلتني اتيقن من الاجابة، مع اني اعرفها . فقد كانت اجابتي دائما: هي ان الحنين ما هو الا شعور مبني على شعور سابق، فهو مرتبط بالحب و الفرح و السرور، فلا اظن ان منا من يحن الى الم! و كان لي من الكلام حول هذا الموضوع الكثير. الا ان قمت انا و شخص اخر بزيارة مكان قضينا به اياما جميلة. مررنا بشوارع احفظها تماما و اعرفها كما اعرف نفسي. اختلط ما بين قلبي و عيني مزيج من المشاعر التي لم افهمها و لكني لمست نتائجها. مررت بساحتي فتذكرت احمد و سامر و محمد و ..... و هذا ابن فلان و اخ فلان، و فرحت و وقفت هناك اتأمل، و نزلت مترجلا و جبت ارجاء المكان، و بحثت طويلا فلم اجد احدا يرد نداءاتي. فاظلمت اكثر الساحات اضاءة في مخيلتي. ذهبت لمدرستي و بدون اي سابق انذار برزت ملامح معلميي الافاضل فغطت الافق. اني ارى زملائي و اصدقائي، كنا هنا يوما. زرت بيتي و حاولت الدخول الى غرفتي الا اني لم اجد احدا اعرفه ليساعدني فعدت ادراجي مستعجلا، و انا اقول هذا بيت جارنا فلان و جارنا الاخر و بقيت على استعجالي. و بقيت اجوب ارجاء المكان الى ان وقعت عيني على شخص اعرفه فتوجهت اليه و دار بيننا حديث رائع فانا فلان ابن فلان. و يا الله كم سعدت بهذا الحديث احسست انني وجدت ضالتي رغم انه لم تكن تربطني به سوى المعرفة فهو يكبرني بثلاثين ربيعا. ولكني لا اتخيل ان اعود لذات المكان دون ان يكون هذا الشخص اول من امر بهم.
بعد تلك الزيارة لم اعد احن للمكان كثيرا. الا لبعض التفاصيل التي لم ازرها، و ربما اعود لذات الحالة من الحنين بعد فترة و هذا دلل لي على اني احن للناااااااااس و ليس الى اين كانوا. فمثلا و بكل بساطة انا لا احن لنيويورك او باريس او لندن او برلين و لا حتى الشونة الجنوبية. لا اعرف احدا هناك!!!!. نعم اتمنى زيارة العديد منها لكن لا احن اليها.
و هذا يبرر لماذا و كيف نحٍن الى اوطان لم نعرفها و لم نكن بها يوما. فهي ذكرياتنا المُخـتَـلـَقـَة التي اورثنا اياها اجدادنا واباؤنا و اصبحت الان ملكنا. انا لا اعرف فلسطين ولكني احن اليها و لربما لو عدت يوما سابحث عن شخوص قصص جدي و ابي او من يشبههم.