حمية الخضراوات هزمت السكري في أسبوعين
مثل الكثير من المصابين بمرض السكري، يتلقى بول دولبي نصائح مستمرة ومتوالية من طبيبه، تحثه دائماً على ضرورة الالتزام بإنقاص وزنه من أجل ضبط وتحسين حالته . وفي يونيو/ حزيران الماضي كان بول يزن 9 .69 كغم، وبحسب المعايير الصحية الرسمية، فإنه كان بديناً، ولذلك قرر وضع برنامج صحي يهدف إلى إنقاص وزنه نحو 5 كيلوغرامات بحلول بداية العام الحالي . لكن بول لم يكتف بتحقيق هذا الهدف فقط، بل زاد عليه ونقص نحو 11 كيلوغراماً .
علاوة على إنقاص الوزن، فقد تحسنت مستويات السكري عند بول كثيراً لدرجة أنه لم يعد بحاجة إلى حقن نفسه بالأنسولين مرتين في اليوم، وأصبح يتلقى الحد الأدنى من العلاج اللازم لضبط حالته .
وقد تحقق هذا التحسن الهائل في صحة بول باتباعه حمية غذائية ثورية، تعتمد على الإكثار من تناول الخضراوات .
جدير بالذكر أن هذا البرنامج الغذائي اعتمده باحثون في جامعة نيوكاسل لعلاج مرض السكري من النمط الثاني، “وأتى بنتائج مذهلة” .
ففي التجارب البحثية التي استغرقت 8 أسابيع -وشملت 11 مريضاً- تمكنوا جميعهم من التعافي من سكري النمط الثاني “ولم يعودوا بحاجة إلى العلاج مرة أخرى” . وبعد ثلاثة أسابيع فإن سبعة من هؤلاء المرضى قد شفوا تماماً من مرض السكري .
ويقول بول (49 عاماً) والذي يقطن في شمال ويلز: “كانت زوجتي تشاهد تقريراً إخبارياً يتعلق بهذاالبرنامج الغذائي ولاحظت أنه قد يكون ملائماً لي” .
ويضيف: “أصبت بالسكري عام 2005 وظللت أحقن بالأنسولين مرتين يومياً منذ ،2007 ولأسباب لم أتمكن من إدراكها، ازداد وزني منذ أن شخصت إصابتي بالسكري، على الرغم من اتباعي لخطوات تهدف لتحسين نظامي الغذائي” .
وكما تمكنت من الإقلاع عن التدخين في السنة الماضية، أدركت أنني أمتلك الإرادة التي تمكنني من تجربة هذا البرنامج الغذائي .
جدير بالذكر أن السكري ينجم من الزيادة المفرطة في مستوى الغلوكوز في الدم، إما بسبب عدم إفراز البنكرياس لكمية كافية من الأنسولين -الأنسولين هو الهرمون الذي يصفي الغلوكوز- أو بسبب عدم الاستجابة له، وهذا ما يعرف ب”حساسية الأنسولين” .
والآن بات عدد متزايد من الأطباء يتقبلون -مفهوم- إمكانية تخفيف أعراض سكري النمط الثاني بوساطة جراحة للمعدة، وذلك لأن الجراحة تنشط التغييرات الهرمونية التي تحفز البنكرياس، وتجعله يطلق الأنسولين مباشرة، وفي الوقت ذاته، تصبح خلايا الجسم أكثر حساسية للأنسولين، ونتيجة لذلك لا يعود المرضى بحاجة إلى مزيد من العلاج .
وتظهر هذه الدراسة الحديثة أن اتباع برنامج غذائي يتسم بقلة السعرات الحرارية، يمكن أن يحقق النتيجة نفسها التي تحققها العملية الجراحية . ويقول البروفيسور روي تايلور المحاضر في علم الأيض في جامعة نيوكاسل والذي قاد فريق البحث: “الآن بات من الواضح أن سكري النمط الثاني ينجم من التراكم والاكتناز، غير الطبيعي، لدهون الجسم، فإذا كنت تأكل أكثر مما تحرق ستختزن الفوائض في الكبد والبنكرياس وتتحول لدهون وشحوم . وفي هذا البرنامج الغذائي تكون الآلية مماثلة لما يحدث بعد عملية تدبيس المعدة، فالجسد يصبح فجأة بحاجة إلى سعرات حرارية، ولذلك يستدعي مخزون الدهون المكتنز لديه . والدهون التي يستخدمها الجسم أولاً هي الدهون المتجمعة حول البنكرياس والكبد، وهذا يعني أن البنكرياس سيجد الفرصة للانخراط في العمل مرة أخرى .
وفي هذه الدراسة الجديدة -التي نفذت بالتنسيق مع هيئة مستشفيات نيوكاسل - تلقى المرضى ثلاثة مشروبات “بديلة للوجبات” يومياً، المشروب يسمى “أوبتيفاست” “Optifast”، وإلى جانب هذا المشروب كانوا يستهلكون 250 غراماً من الخضراوات النشوية . ولم يسمح لهم بتناول الكحول، وبالمقابل حثهم الباحثون على شرب ثلاثة ليترات من المياه يومياً .
وحقيقة أن هذه الحمية الغذائية تبدو مقاومة للسكري، هي التي جعلتها جاذبة لبول دولبي .
وكما يذكر، كان تشخيص إصابته بالسكري في يناير/ كانون الثاني 2005 بمثابة صدمة مروعة بالنسبة إليه . ويقول إنه تلقى نبأ إصابته بالسكري بجزع شديد بالرغم من أنه كان قبل إجرائه للفحوص واكتشاف إصابته، يتعرض لكل السمات الكلاسيكية المميزة لداء السكري “العطش الدائم، والحاجة للذهاب للمرحاض طوال الوقت”، لقد كانت مشكلتي هي أسناني الحلوة، إذ كنت أشرب الكولا أثناء اليوم -في العمل- ثم أبتاع ثلاثة ألواح شوكولاته في طريقي للمنزل .
ويقول البروفيسور تايلور إن السكر نفسه لا يسبب السكري، بيد أن الأطعمة والمشروبات المحلاة تسهّل إضافة سعرات حرارية كثيرة .
وفي مستهل البرنامج الغذائي الذي صممته جامعة نيوكاسل، طُلب من بول المواظبة على تناول مشروب ميتفورمين ومراقبة نظامه الغذائي .
ولكن في عام 2007 أخبره الأطباء بأنه سيكون بحاجة إلى حقن الأنسولين “بمعدل مرتين يومياً” .
ويقول بول إن صحته العامة لم تكن جيدة في تلك الفترة التي زاد وزنه فيها وارتفع ضغط دمه، وزادت مستويات الكوليسترول، ولذلك شعر بخطورة حالته، وقرر القيام بما يلزم للحفاظ على صحته .
ويقول بول: “لم أستطع إيجاد مشروب “أوبتيفاست”، لكنني علمت أن متاجر “أسدا” لديها مشروب -بديل لوجبات الطعام- به المكونات نفسها التي يتميز بها مشروب “أوبتيفاست”، ويحتوي على 202 سعرة حرارية وسعرة في متناول اليد .
وأثناء العمل كنت أحضر معي حاوية طعام مملوءة بالخضراوات، وأظل أمضغ الجزر والخيار والكرفس والبازلاء طوال اليوم، وكنت أشرب القهوة التي لا تحتوي على كافيين .
وأستطيع أن أقول بصدق إنني بعد أول يوم لم أكن أجوع مطقاً، بيد أن التغير في نمط حياتي كان صعباً “إذ لم أكن أخرج للحانات أو لتناول الطعام في المطاعم العامة” .
وقد كانت اليزابيث تصنع لي وجبات شهية بهذه الخضراوات، ولذلك لم أكن أتوق لأكل معين، باستثناء الشوكولاته .
وقد حصد بول ثمار دأبه ومثابرته، فبعد أسبوعين من تنفيذه للبرنامج الغذائي، تحسنت قراءات ضغط دمه كثيراً حتى إنه لم يعد بحاجة إلى الأنسولين . وقبل تقيده بالبرنامج الغذائي، كان يأخذ جرعة يومية كبيرة من ال”ميتفورمين”، وقد تقلصت هذه الجرعة كثيراً حالياً، وهو أصبح الآن يأخذ جرعة صغيرة من عقار آخر لعلاج السكري “غليمبيريد” “glimepiride” . ويقول بول: “ممرضات الجراحة كنّ مذهولات عندما توقفت عن الأنسولين بعد مضي أسبوعين من البرنامج الغذائي، وهذا الأمر شجعني على الاستمرار، وأعتقد أنني استفدت أيضاً من تعميق فهمي للكيفية التي يعمل بها جسم الإنسان . ففي السابق لم أكن أدرك أن ثمة عملية دائرية مفادها أن المزيد من الأكل، يعني احتياجك للمزيد من الأنسولين، وهذا يعني أنك ستجوع أكثر وهكذا ستدور في حلقة مفرغة” .
ويقول البروفيسور تايلور إن الأنسولين يخفض سكر الدم ويقلص فقدان السكر في البول، وهذا يعني أن السعرات الحرارية لن تضيع بهذه الطريقة . ويمكنه أيضاً أن يحفز الشهية مباشرة .
وحالياً يتبع بول نظاماً غذائياً تقل فيه مستويات الغلوكوز، ويقول: “أتناول العصيدة في الإفطار، فواكه أو مشروباً -أو وجبة- بديلة للوجبات التقليدية مرة واحدة في اليوم، وطبق دجاج في العشاء .
ويقول بول إن لديه تصميماً كبيراً على ممارسة مزيد من التمارين الرياضية في السنة الجديدة، ويأمل بأن يتمكن في المستقبل من التوقف كلية عن أخذ أي دواء .
جدير بالذكر أن هيئة أبحاث السكري الخيرية في المملكة المتحدة، أبدت ترحيبها -بحذر- بنتائج الدراسة الجديدة .
وقال الدكتور إيان فريم مدير البحوث في الهيئة: “هذه الدراسة تظهر أن سكري النمط الثاني قابل للعلاج، بالتوازي مع التدخل الجراحي الصحيح . ومع ذلك، نقول إن هذا البرنامج الغذائي ليس سهلاً، ونحن ننصح بألا يتم تنفيذ مثل هذه الحمية الصارمة إلا بإشراف طبي” .
ويقول بول: هذا البرنامج الغذائي بتكلفته الزهيدة يستحق التضحيات التي بذلها والتي حققت له منافع صحية جمة