بسم الله الرحمن الرحيم
[إنَّ الحمْدَ للهِ، نَحمدُهُ، ونَستعينُه، ونَستغفِرُه، ونَعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا، وسيِّئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هادِي له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله، وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
وبعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها]،وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضَلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ، أمَّا بعدُ:
فإنَّنا نَحمدُ اللهَ -تَبارَكَ وَتَعالَى- أنْ جَعلنا مِن أهلِ الإسلامِ والسُّنَّةِ، وعندما نذكرُ السُّنةَ نذكرُ أمرًا مُستقِرًّا في النفوسِ، مُطمئِنَّةً به القلوبُ والعقولُ. . نذكرُ أمرًا لا يَسعُ مُسلمًا إنكارُه، ولا يستطيعُ أحـدٌ ردَّه؛ فهو جزءٌ كبـيرٌ -وكبـيرٌ جـدًّا- مِن عقيـدةِ المسلمِ ومِنهاجِه؛ التي لا يكونُ المسلمُ مسلمًـا -حقًّا-، ولا مُؤمنًا -صِدقًا- إلا بها.
فعندما يقولُ المسلمُ في كلمةِ التوحيدِ: ) لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، مُحمدٌ رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-(؛ فإنَّه لا يعني في هذِهِ الكلمةِ مُجردَ القولِ والقولِ الآخَر؛ وإنَّما يعني بهذهِ الكلمةِ: الإيمانَ الصادقَ بهذا النبيِّ الكريمِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، والاتباعَ الحقَّ لِهديِهِ، وأحكامِه، وسُنَّتهِ، وأمْرِه ونَهيِه -صَلَواتُ ربِّي وسَلامُهُ علَيهِ-. فأنْ يأتيَ أحدٌ لِيقولَ بِلِسانِه: ( لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، مُحمدٌ رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-( ، ثم يكونُ بِفِعلِه مُناقضًا لهذا المعنى، غيرَ خاضِعٍ له، ولا مُستَنـيرٍ بِهديِه؛ فهذا يكـادُ يكونُ كالمكذِّبِ بفِعلـهِ قولَـه!
لذلك عندما ذكرَ النبيُّ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وصيَّتَه الأخيرةَ لم تكنْ هذه الوصيةُ الأخيرةُ فَلتةً مِن القولِ -أبدًا-؛ بل كيف يكونُ شيءٌ مِن كلامِه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- فَلتةً -في قليلٍ أو في كثيرٍ-، وهو الذِي لا يَنطِقُ عنِ الهَوى، إنْ هُو إلَّا وَحيٌ يُوحَى -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-؟!
وإنما أردتُ أنْ أقولَ؛ بِأنَّ هذهِ الوصيَّةَ الأخيرةَ جُزءٌ مِن وَصايا مُتواصِلةٍ مُمتدَّةٍ عبرَ حَياتهِ الشـريفةِ -كلِّها-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-. فَكما وَردَ في حديثِ العِرباضِ: » عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ مِن بَعدِي، عَضُّوا عَلَيْها« أي: السُّنَّة، وهي الأصلُ، لم يَقل: ( عَلَيْهِما )؛ وإنَّما قَـالَ: » عَلَيْها «؛ لأنَّها هِي الأصْلُ، وهِيَ الأساسُ. فإنَّه -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- كانَ قَد قـالَ -في حياتِهِ الشـريفةِ- مثلَ ذلكَ في مَواضِعَ شتَّى؛ كَمِثلِ حديثِ تَميمٍ الدَّارِيِّ -أيضًا- في »صحيحِ مُسلمٍ« قال: » الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَـةُ «، قالوا: لِمَـنْ يا رسولَ اللهِ؟ فقالَ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: » لِله وَلِكِتابِهِ وَلِرَسُولِهِ«-صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-. ما النصيحةُ لِرسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- إلَّا أنْ تَكونَ الإيمانَ الجازمَ بهِ، والاطمئنانَ التامَّ بِسُنَّتِهِ، والاتِّباعَ الصادقَ لِهديِهِ الشـريفِ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، ليسَ -فَقط- في عَقائِدِنا، وليس -فَقط- في عِباداتِنا؛ بلْ في أخْلاقِنا، وسُلوكِيَّاتِنا، وفي تَعامُلِنا، ومُعامَلاتِنا؛ فالأُسْوةُ الكاملةُ، والقُدوةُ التامَّةُ الشاملةُ هي سُنَّةُ رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، كما قال -تعالَى- في كِتابِهِ العَزيزِ عن نبِيِّهِ الكريمِ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا?[الأحزاب: 21